تمر العلاقات بين الرئيس الفلسطيني محمود عباس وذراعه اليمنى القوية ومدير المخابرات العامة اللواء ماجد فرج بأسوأ حالتها، بعد الكشف عن اتصالات وتحركات “مشبوهة” يقوم بها فرج من خلف ظهر الرئيس الفلسطيني مع جهات عربية.
فرج الذي طالما ارتبط اسمه بالكثير من الملفات السياسية الداخلية والخارجية الحساسة، وخاصة علاقته الكبيرة مع إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب وامتدادها نحو “إسرائيل” وعلاقتها القوية مع مسؤولين في المخابرات وجيش الاحتلال، إضافة لحالة القبول الرضا والدعم التي يتمتع بها من أطراف عربية وعلى رأسهم الإمارات ومصر والمملكة السعودية، بات الآن يشكل خطرًا على الرئيس أبو مازن.
أكدت مصادر قيادية في حركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) بالضفة الغربية المحتلة، أن الرئيس عباس كشف نهاية شهر أبريل الماضي، تحركات واتصالات سرية يجريها اللواء فرج مع شخصيات أمريكية وإسرائيلية وعربية، تتعلق بوضع السلطة الفلسطينية بشكل عام وحركة فتح بشكل خاص.
وأوضحت المصادر الفتحاوية، في تصريحات حصرية لمراسل “نون بوست”، أن معلومات وصلت لمكتب الرئيس عباس من شخصيات عربية وأخرى فلسطينية تعمل داخل السفارات الخارجية، بأن فرج أجرى زيارات “سرية” للعديد من العواصم العربية وأجرى لقاءات مع مسؤولين هناك.
زيارات ولقاءات مشبوهة
ولفتت إلى أن فرج زار خلال شهري مارس وأبريل الماضيين، كلاً من مصر والإمارات والسعودية، بصورة سرية ثم زار العاصمة الأمريكية واشنطن، وتلك الزيارات جميعها لم تكن موضوعه ضمن “تنسيقات السفارة” مع تلك الدول وتمت بعيدة عن أعينهم.
شفت أن اللقاءات والسرية التي يجريها فرج مع مسؤولين إسرائيليين وعرب وأمريكان، التي جميعها تتم من خلف ظهر عباس ودون علمه، تهدف بشكل أساسي لتهيئة الأجواء لمرحلة ما بعد الرئيس عباس ومحاولة الوصول لكرسي رئاسة السلطة
“فرج لم يكتف بتلك الزيارات التي وضعت عليها الكثير من علامات الاستفهام عن أهدافها في ظل هذا الوقت الحساس التي تمر به السلطة الفلسطينية، بل توجه سرًا كذلك إلى مدينة القدس وتل أبيب والتقى هناك بشخصيات إسرائيلية مرموقة ومقربة من رئيس الحكومة بنيامين نتنياهو”، تضيف المصادر الفتحاوية.
وكشفت أن اللقاءات والسرية التي يجريها فرج مع مسؤولين إسرائيليين وعرب وأمريكان، التي جميعها تتم من خلف ظهر عباس ودون علمه، تهدف بشكل أساسي لتهيئة الأجواء لمرحلة ما بعد الرئيس عباس ومحاولة الوصول لكرسي رئاسة السلطة.
وذكرت أن فرج يتمتع بشبكة علاقات ممتدة وكبيرة للغاية، ويحظى بقبول ورضا من كل الأطراف التي ترغب الآن في إنهاء الرئيس عباس دوره السياسي ومغادرته المشهد بأكمله، لتتيح لهم الفرصة الأكبر لتمرير الصفقة السياسية التي تسعى الإدارة الأمريكية لطرحها وباتت تعرف إعلاميًا باسم “صفقة القرن”.
وتابعت حديثها لـ”نون بوست”: “بعد أن علم عباس بتفاصيل هذا المخطط الانقلابي الذي يقوده فرج، جرت بين الرجلين قبل أسبوعين في مقر المقاطعة بمدينة رام الله بالضفة الغربية المحتلة، مواجهة ساخنة للغاية هي الأولى بين الرجلين، أسفرت عن خلافات حادة بين الرجلين”.
كان فرج الذراع القوية لعباس في السلطة وحركة فتح
وأشارت أن فرج منذ لقائه بعباس اختفى عن الساحة السياسية منذ أسبوعين تقريبًا، ولم يظهر في مقر جهاز المخابرات العامة، إضافة لتغيبه عن بعض الفعاليات السياسية والاجتماعية التي كان مهتمًا بالمشاركة فيها على مدار سنوات طويلة.
الجدير ذكره أن اللواء ماجد فرج يعد من أبرز الأسماء المرشحة لخلافة الرئيس عباس على كرسي رئاسة السلطة، نظرًا لعلاقاته العربية والدولية والأمريكية وحتى الإسرائيلية التي تفوق أي مرشح آخر ومن بينهم صائب عريقات ومحمود العالول وحتى الأسير في سجون الاحتلال مروان البرغوثي.
من يقف خلف ماجد فرج؟
وزادت في حديثها “اللواء فرج وبدعم سعودي وإماراتي ومصري يسعى ليكون خليفة الرئيس عباس والحصول على كرسي رئاسة السلطة الفلسطينية، حتى دون انتخابات داخلية، باستغلال حالة الانقسام الفلسطينية الراهنة بين قطاع غزة والضفة الغربية، وعدم وجود شخصية أخرى قادرة على قيادة المركب الفلسطيني”.
ورغم علم عباس بمخطط فرج، فإنها توقعت نجاح الأخير في مسعاه بالوصول للرئاسة خلال الفترة المقبلة، خاصة أن عباس سيغادر المشهد السياسي قريبًا نظرًا لحالة الخلاف الكبيرة مع “إسرائيل” والإدارة الأمريكية ودول عربية على رأسهم الإمارات والسعودية لرفضه القاطع للقبول بـ”صفقة القرن”، ووضعه الصحي المتردي.
واعتبرت المصادر الفتحاوية، أنه من وجه نظر عباس أي لقاءات سرية مع “إسرائيل” أو الإدارة الأمريكية، وحتى أي أطراف عربية لمناقشة مستقبل القضية الفلسطينية والسلطة دون علمه فهو تجاوز خطير يجب أن يحاسب من يقوم به.
وقرر عباس رفض وساطة الإدارة الأمريكية لعملية السلام، وطالب برعاية دولية متعددة الأطراف لأي عملية سلام قادمة، على خلفية قرارات ترامب الأخيرة باعترافه بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” ونقل سفارة بلاده إليها، إضافة إلى قطع التمويل عن السلطة الفلسطينية ووكالة الغوث الدولية.
رغم الوضع الحساس الذي تمر به القضية الفلسطينية وخاصة مخاطر “صفقة القرن”، فإن الصراعات الفتحاوية على كرسي رئاسة السلطة لا يزال يحتدم، خاصة بعد دخول أطراف عربية على خط إشعال نار الخلافات، وسيبقى باب “خليفة عباس” مفتوحًا حتى تكتمل ملامح المشهد النهائي.
ووضع كذلك الرئيس أبو مازن شروطًا للموافقة على العودة للمفاوضات من جديد مع “إسرائيل”، تمثلت في وقف الاستيطان ثلاثة أشهر والإفراج عن الدفعة الرابعة من الأسرى الفلسطينيين القدامى التي كان قد اتفق عليها مع وزير الخارجية الأمريكي السابق جون كيري ونتنياهو، وأوقفها الأخير وتسبب بانهيار المفاوضات.
ويواصل الإعلام العبري والأمريكي “تلميع” صورة اللواء فرج، والحديث بكثرة عن إنجازاته الأمنية وتمسكه بالتنسيق الأمني مع “إسرائيل”، وملاحقة المقاومة الفلسطينية، خاصة بعد تصريحه الشهير بأن السلطة “أحبطت 200 عملية ضد إسرائيل”، لتقدمه على طبق من ذهب لرئاسة السلطة.
وفي ذات السياق يقول المختص في الشأن الإسرائيلي عمر جعارة: “فرج سيكون صاحب الحظ الأقوى لتولي منصب رئاسة السلطة الفلسطينية، بخلاف باقي المرشحين الذين تكبلهم ظروف والتزامات داخلية وخارجية، وتمنعهم من الوصول لكرسي الرئاسة”.
أرجع جعارة أسباب ذهابه نحو تلك التحليلات إلى أن فرج بالنسبة لـ”إسرائيل” هو الرجل الأمثل والأقوى بين المرشحين؛ نظرًا لخلفيته الأمنية القوية خاصة في الضفة وتعامله الجيد مع “إسرائيل”، وأنه رجل مخابراتي قوي ويتمتع بنفوذ كبير داخل السلطة، ونفوذ وعلاقات واسعة وممتازة مع الدول المجاورة، منها مصر والأردن.
ورغم الوضع الحساس الذي تمر به القضية الفلسطينية وخاصة مخاطر “صفقة القرن”، فإن الصراعات الفتحاوية على كرسي رئاسة السلطة لا يزال يحتدم، خاصة بعد دخول أطراف عربية على خط إشعال نار الخلافات، وسيبقى باب “خليفة عباس” مفتوحًا حتى تكتمل ملامح المشهد النهائي.