قبل أكثر من 30 سنة، بدأ وقف الديانة التركية عمله الخيري المميز والمهم، لمعاضدة جهود الدولة التركية الإنسانية داخل تركيا وخارجها، فأغاث المحتاجين وساعد الفقراء وآوى النازحين والمهجرين وبنى المساجد ودور الرعاية في أنحاء عدة من المعمورة، ليكون بذلك عنوانًا للعمل الإنساني ونموذجًا ناجحًا له يقتدى به عالميًا.
جسر إنساني بين تركيا وعشرات الدول الأخرى
مثل وقف الديانة التركية (مؤسسة رسمية)، على مر السنين التي عقِبت تأسيسها، جسرًا إنسانيًا ينطلق من تركيا ليصل إلى العشرات من البلدان لإحياء الخير في كل زمان ومكان، عملًا بنهج بتعاليم الدين الإسلامي.
ويرجع تاريخ تأسيس وقف الديانة التركي إلى منتصف شهر مارس/آذار 1975، ليبدأ الوقف بذلك مسيرته لدعم نشاطات رئاسة الشؤون الدينية التركية التابعة لرئاسة مجلس الوزراء، حيث أخذ على عاتقه مهام إيصال الخدمات الدينية إلى شرائح واسعة وتربية جيل قادر على تحمل مسؤولياته الدينية والاجتماعية، خدمة للبلاد والأمة.
يعتمد الوقف في إنجاز رسالته الإنسانية على الإغاثة الخيرية من خلال تنفيذ مشاريع دائمة بالمناطق الجغرافية التي تقوم فيها بنشاطاتها، في مجالات مختلفة
يقول الوقف التركي، في تعريفه المنشور بموقعه الرسمي، إنه جعل نصب عينيه دستور النبي محمد صلى الله عليه وسلم: “أفضل الناس أنفعهم للناس”، وهو ما يفسر عمله الخيري ونشاطه الإنساني.
هذا النشاط الإنساني، لم يتوقف على مدن تركيا وقراها وأديرتها الكثيرة، بل امتد إلى أكثر من 108 دول، حتى تحول الوقف من مؤسسة محلية ذات نشاط محدود إلى منظمة عالمية واسعة الانتشار، ولها الفضل الكبير في العمل الإنساني العالمي.
إغاثة المحتاجين والمشردين
يسعى الوقف لإغاثة ملايين المشردين والمضطهدين والمحتاجين، ضحايا الجوع والكوارث الطبيعية والحروب والعنف الذي تشهده مناطق مختلفة من العالم، في عمله، يخدم وقف الديانة التركية شعوبًا متنوعة بغض النظر عن الدين والعرق واللغة والقومية، انطلاقًا من مبدأ تعزيز الحقوق وحماية الحريات.
يعتمد الوقف في إنجاز رسالته على الإغاثة الخيرية من خلال تنفيذ مشاريع دائمة بالمناطق الجغرافية التي تقوم فيها بنشاطاتها، في مجالات مختلفة، وينشط الوقف التركي كثيرًا خاصة في شهر رمضان، حيث ينضم الآلاف من موائد الإفطار يوميًا في مناطق مختلفة من العالم، كما يقوم بتوصيل زكاة الفطر والصدقات إلى المحتاجين في داخل وخارج تركيا.
من بين الأعمال التي نظمها الوقف، مؤخرًا، كان حفر 11 بئرًا للمياه في ولاية لبراكنة بموريتانيا، وذلك في إطار مشروع أطلقه تحت شعار “قطرة ماء تهب حياة” الذي يهدف إلى توفير المياه الصالحة للشرب في المناطق النائية بالعالم.
وأوضح الوقف في بيان نشره، نهاية شهر أبريل/نيسان الماضي، أن فرعه بولاية ريزة التركية المطلة على البحر الأسود جمع 700 ألف ليرة (تعادل 118 ألف دولار) لحفر الآبار في موريتانيا، ستوفر المياه النقية لسكان المنطقة، لفترة طويلة من الزمن.
حفر آبار مياه في موريتانيا
خلال العامين الأخيرين، أجرى وقف الديانة التركي فحوصات طبية لـ40 ألف يتيم سوري، كما يجري أطباء متطوعون في الوقف التركي المذكور، فحوصات طبية دورية خلال عطلات نهاية الأسبوع، لأكثر من 500 يتيم سوري من الذين يصعب عليهم الوصول إلى المراكز الصحية، كما يقدم الوقف أدوية بشكل مجاني لليتامى حسب نوع المرض.
فضلًا عن ذلك، وزع وقف الديانة التركي مساعدات لنحو 26 ألف عائلة سورية محتاجة، مقيمة في مخيمات بمناطق عمليتي درع الفرات وغصن الزيتون ومحافظة إدلب، منذ مطلع العام الحاليّ، وتتضمن هذه المساعدات مدافئ ووقود وبطانيات ومواد غذائية.
ينشط الوقف كثيرًا، خلال عيد الأضحى، حيث يوزع أضاحي العيد للمحتاجين، وخلال عيد الأضحى الماضي، وزع الوقف 430 ألف حصة أضاحي على المحتاجين، في 287 ولاية وبلدة تركية، وفي 143 دولة و436 منطقة حول العالم، وصلت من إفريقيا إلى آسيا، ومن الشرق الأقصى إلى أمريكا، ومن غزة إلى ميانمار، ومن الهند إلى تنزانيا.
مساجد داخل البلاد وخارجها
يعتبر بناء وترميم المساجد، أحد أكبر الأنشطة التي يقوم بها وقف الديانة التركي، ومن بين تلك المساجد نجد المسجد الذي دشن مؤخرًا في العاصمة القيرغيزية بشكيك الذي يعد أكبر مسجد في قيرغيزستان وآسيا الوسطى.
وأقيم هذا المسجد الذي يشبه مشهد قوجه تبه الذي بناه الوقف في أنقرة، على أرض تبلغ مساحتها 35 دونمًا، وبمساحة مغلقة تبلغ 7 آلاف و500 متر مربع، ويتسع لـ30 ألف مُصلٍ، ويضم المسجد 4 مآذن بطول 68 مترًا، وصالة مؤتمرات وقاعات لدورات القرآن، ومطعمًا وكراج سيارات يتسع لـ500 سيارة.
ومنذ بناء مسجد كوجا تبه، وحتى يومنا هذا تم إنشاء 3421 مسجدًا ودار علم في تركيا وإنشاء ما يقرب من 100 مسجد وبناء تعليمي في 25 بلدًا مختلفًا، وتعتبر سوريا من أبرز المناطق التي تدخل فيها الوقف، حيث رمم منذ سنة 2017، 108 من المساجد في شمالي محافظة حلب السورية، وتوجد هذه المساجد في مناطق: جرابلس والباب وإعزاز وجوبان باي (الراعي).
وفي شهر فبراير/شباط الماضي، افتتح أكبر مسجد على الطراز العثماني في شرق إفريقيا بالعاصمة جيبوتي، بدأ ببنائه عام 2017.
لم يتوقف عمل وقف الديانة التركية على تقديم المساعدات للمحتاجين وبناء وترميم المساجد، بل شمل أيضًا الجانب التربوي والتعليمي
صمم هذا المسجد على طراز العمارة الكلاسيكية العثمانية، ويشيد على رقعة مساحتها 10 آلاف متر مربع، ويطل على شواطئ المحيط الهندي بالقرب من القصر الرئاسي في جيبوتي، ويتسع لـ5 آلاف مصلٍ بوقت واحد، ويشمل قبة ورواقا ومأذنتين مزدوجتين ومركزًا تعليميًا يستوعب 400 شخص، وصالة مؤتمرات ومكتبة ومنشأة للفعاليات الاجتماعية.
وفي روسيا البيضاء، شيد الوقف التركي مسجد “مينسك”، وكان هذا المسجد قد هُدِم قبل 54 سنة من الاتحاد السوفيتي، وتصل مساحة المسجد الإجمالية إلى نحو ألفين وثمانمئة متر مربع، فيما بلغت تكاليف البناء والتجهيز سبعة ملايين دولار.
وفي الفلبين، أنفق وقف الديانة التركي ما يقارب المليون دولار لصيانة وإصلاح المساجد هناك، بما في ذلك ثلاثة مساجد في مدينة أورموك شرقي البلاد، إضافة إلى المركز الإسلامي ومسجد تاكلوبان الذي تبلغ مساحته 400 متر مربع ويتسع لـ350 شخصًا.
دور تربوي كبير
لم يتوقف عمل وقف الديانة التركية على تقديم المساعدات للمحتاجين وبناء وترميم المساجد، بل شمل أيضًا الجانب التربوي والتعليمي، حيث يخصص الوقف اعتمادات مالية كبرى لنشر الدين الإسلامي القويم وتعليم تعاليمه السمحة للطلاب.
بنى الوقف التركي عديد المساجد
يقوم الوقف، بتعليم الشباب الدين الإسلامي بصورة سليمة خالية من الشوائب وفي المراحل التعليمية بدءًا من دورات تعليم القرآن إلى التحفيظ ومن مدارس إعداد الأئمة والخطباء إلى الجامعات ومن طلاب الماجستير إلى الدكتوراه.
ضمن هذا النشاط، فتح الوقف التركي، كلية الإلهيات الدولية وثانويات الأئمة والخطباء وأعطى المنح إلى الطلاب المتفوقين من أكثر من 100 دولة وهيأ الأقسام الداخلية لطلبة الدراسات العليا ودور الضيافة للطلبة عمومًا.
جميع النشاطات والمشاريع المذكورة لا يمكن حصرها، من ناحية الهدف، على الجانب الإغاثي والإنساني، فمع اتساع رقعة عملها وزيادة عمق تأثيرها أصبحت مشاريع الوقف بمثابة القوة الناعمة لتركيا حيث توطد نفوذها في مناطق عدة، هذه المشاريع التي تساعد مسلمي العالم وتعمل على توفير احتياجات يومية وثقافية، تنفذ بطريقة تختلف عن تلك التي تتبعها دول مسلمة أخرى تعمل في أوروبا وآسيا وإفريقيا على التأثير في المسلمين، وهو ما يستوجب الحديث عنه تقريرًا آخر.