تحاول الولايات المتحدة جاهدة عرقلة سنن الكون، وتسارع الخطى لإنقاذ كبريائها العسكري والاستمرار في تفردها بالعالم، عبر الوصول إلى نفس معدل الجودة الروسية بنهاية هذا العام، في الأسلحة التي تفوق سرعة الصوت، لا تستسلم للواقع الذي يؤكد أن المهمة أصبحت مستحيلة بعدما أقر البنتاغون في اعتراف نادر للجيش الأمريكي باتساع الفارق بين البلدين بشكل كبير بسبب نقص الكوادر والكفاءات وأنظمة الإدارة والمواد التي تقاوم التحميل الزائد، فماذا يعني ذلك؟
إعلان بطعم الهزيمة
في نهاية مارس الماضي، وفي لحظات لا تشاهد كثيرًا، أعلن وزير الدفاع الأمريكي باتريك شاناهان من داخل مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية بواشنطن، ضرورة تركيز بلاده على إنشاء أسلحة وأنظمة دفاعية تفوق سرعة الصوت، واعترف بتخلف الولايات المتحدة في سباق التسلح بهذا المجال بشكل خطير وغير مسبوق، خلف روسيا والصين.
تملك روسيا أحدث صاروخ Dagger فائق الدقة فوق الصوتي القادر على الطيران في طبقات كثيفة من الغلاف الجوي، والعابر للقارات بسرعة تفوق الدفاع الصاروخي الأمريكي بمقدار 20 ضعفًا
ما قاله وزير دفاع أقوى جيش في العالم جرى مناقشته في مجلس الشيوخ الأمريكي، لمعرفة كيف يمكن مواجهة مثل هذه الأسلحة، وقال رئيس القيادة الإستراتيجية للقوات المسلحة الجنرال جون هايتن، إن الأسلحة النووية فقط هي التي يمكنها معارضة الأسلحة ذات القدرات الأسرع من الصوت، مما استدعى غضب دونالد ترامب وأجرى اتصالاً هاتفيًا بالرئيس الروسي فلاديمير بوتين وطالبه بخفض التوترات في سباق التسلح بينهما، وحاول التغلب على الأزمة بتصدير حرب نفسية، إذ أعلن على سياق موازٍ، الانسحاب من معاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة المبرمة مع موسكو في أثناء الحرب الباردة، بتنسيق مع حلف شمال الأطلسي، وتحللت أمريكا بذلك من التزاماتها كافة تجاه معاهدة الحد من الصواريخ النووية المتوسطة، واشترط للعودة تدمير جميع الصواريخ والمنصات والمعدات التي تنتهكها.
وتملك روسيا أحدث صاروخ Dagger فائق الدقة فوق الصوتي القادر على الطيران في طبقات كثيفة من الغلاف الجوي والعابر للقارات بسرعة تفوق الدفاع الصاروخي الأمريكي بمقدار 20 ضعفًا، وبالتالي لا توجد أنظمة دفاع صاروخي في العالم يمكنها اعتراض المناورات على أهداف تفوق سرعة الصوت، ما يؤكد قدرة السلاح الروسي على اصطياد حاملات طائرات العدو والطرادات والفرقاطات والمدمرات.
ويكمن سر تفوق أسلحة ما فوق سرعة الصوت في حسن التخطيط الإستراتيجي عند الروس، ففي عام 2016 جرى تحويل المجمع الصناعي العسكري في روسيا لإجراء تحديثات على أسلحة ما يفوق سرعة الصوت، واستطاع تخطي الصين التي بدأت تحديثات بالفعل على هذا النوع من السلاح منذ عام 2014، وأجرت نحو سبعة اختبارات لوحدتها الجديدة الفائقة الصوت WU-14 (DF-ZF)، وتفرد روسيا في هذا المجال يعني أنها ستكون مالكة لوسائل تدمير بإمكانها التغلب على جميع أنظمة الدفاع الصاروخي الحاليّة.
اعتقد الأمريكيون أن روسيا لن تكون قادرة على إنشاء أنظمة أسلحة من هذا القبيل ولكن حدثث المعجزة الروسية
استطاعت روسيا اللحاق بالبعد الرابع بتمكنها من امتلاك القدرة على إطلاق صاروخ مجمع Avant-garde برؤوس حربية تفوق سرعة الصوت، ما يسبب الذعر بالولايات المتحدة، وفقًا لتقرير صادر عن معهد ميتشل لأبحاث الفضاء الجوي، إذ يمكن لهذه النوعية من الأسلحة ضرب أهداف بسرعة عالية في جميع أنحاء العالم، حيث تعد أنظمة الدفاع الجوي الحاليّة بالنسبة له ـ بما فيها أنظمة الولايات المتحدة ـ قديمة ولا تفي بالغرض ولا يمكنها مواجهة مثل هذه التهديدات.
اعتقد الأمريكيون أن روسيا لن تكون قادرة على إنشاء أنظمة أسلحة من هذا القبيل، ولكن حدثث المعجزة الروسية، ففي 26 من ديسمبر الماضي، وبحضور الرئيس بوتين، أجرى الجيش تجربة إطلاق ناجحة من Avangard لصاروخ من منطقة موقع دومباروفسكي في مقاطعة أورينبورغ، واستطاع ضرب الهدف في كامتشاتكا، أي على بعد نحو ستة آلاف كيلومتر، لتجتاز روسيا بذلك عقدة تفوق الولايات المتحدة التي كانت تعلن طوال العقود الماضية أن قواتها المسلحة ليس لها نظير في العالم.
المثير أن الولايات المتحدة لا تزال حتى اليوم ورغم التفوق الروسي والصيني في مجالات عدة، صاحبة اليد العليا في الإنفاق الدفاعي، حيث وقّع الرئيس الأمريكي دونالد ترامب العام الماضي، ميزانية دفاعية قياسية بلغت 716 مليار دولار، بينما لم تنفق الصين والمملكة العربية السعودية وروسيا مجتمعين عام 2018 على الدفاع، ما يقرب من نصف هذا المبلغ.
كانت الولايات المتجدة تضمن لنفسها التفوق بإنشاء أنظمة أسلحة هجومية قادرة على شن ضربات عسكرية ـ بأسلحة غير نووية في أي وقت ـ وعلى أي نقطة في الكوكب خلال أقصر وقت ممكن
التفوق الروسي جعل الرئيس بوتين يعلن من جديد في مارس 2018، بدء الإنتاج الضخم للنظام الصاروخي الإستراتيجي “أفانغارد”، وتصل سرعته القصوى إلى أكثر من 20 ضعفًا عدد ماخ، ما أثار مخاوف نائب رئيس وزارة الدفاع الأمريكية للشؤون السياسية، ووصف سلاح الجو الروسي بأنه تهديد حقيقي لأمن الدولة الأمريكية، واضطر مكتب التدقيق في الولايات المتحدة “مكتب المحاسبة الحكومي” إلى الاعتراف في الوقت نفسه بأن واشنطن ليس لديها وسائل حماية ضد هذه الأسلحة.
كانت الولايات المتحدة تضمن لنفسها التفوق بإنشاء أنظمة أسلحة هجومية، قادرة على شن ضربات عسكرية ـ بأسلحة غير نووية في أي وقت ـ وعلى أي نقطة في الكوكب خلال أقصر وقت ممكن، وأجرت عام 2010 اختبارات لصاروخ كروز X-51A الأسرع من الصوت، بجانب الانخراط في برنامج أمريكي آخر، لسلاح الجو الأمريكي، يتضمن إنشاء سلاح تفوق سرعته سرعة الصوت مع محرك طائرة نفاثة وتطوير وعرض نظام أرضي فرط الصوت.
التهديدات طويلة الأجل للأمن القومي للولايات المتحدة، تم إعداد دراسة بها، بناءً على توصيات وزارة الخارجية والبنتاغون ووزارة الأمن الداخلي، كما تم تسليط الضوء على المستجدات الأخرى للمجمع الصناعي العسكري الروسي والصيني، ويُزعم أنها تهدد أمريكا.
سعت روسيا إلى امتلاك سلاح يفوق سرعة الصوت، لقدرته على المناورة، وأن يكون هدفًا غير محتمل لمعظم أنظمة الدفاع الصاروخي، بالإضافة إلى كونه وسيلة مناسبة لزيادة القدرة على ضرب الذخيرة النووية والتقليدية على المدى البعيد
ووفقًا لخبراء تتعرض الولايات المتحدة حاليًّا لخطورة فقدان ميزتها التكنولوجية في صنع أنواع أخرى من الأسلحة، بحسب تقرير لمكتب التدقيق الأمريكي، إذ لا تملك حتى الآن القدرة على مقاومة أسلحة تفوق سرعة الصوت التي تقوم بتطويرها روسيا والصين، ووفقًا لمؤلفي التقرير، فقد تم إدراج الإمكانات فائقة الصوت لموسكو وبكين، في قائمة أهم التهديدات للأمن القومي الأمريكي خلال السنوات الخمسة القادمة، حيث لاحظت الجهات المعنية، أنه تم تجميع الدراسة على أساس المعلومات المقدمة من وزارة الدفاع ووزارة الخارجية ووزارة الأمن الداخلي.
لماذا هذا السلاح تحديدًا؟
سعت روسيا إلى امتلاك سلاح يفوق سرعة الصوت لقدرته على المناورة، وأن يكون هدفًا غير محتمل لمعظم أنظمة الدفاع الصاروخي، بالإضافة إلى كونه وسيلة مناسبة لزيادة القدرة على ضرب الذخيرة النووية والتقليدية على المدى البعيد، حيث لا توجد وسيلة للحماية من هذه الأسلحة، بحسب التقرير الأمريكي، ما يعني أن هذا السلاح سيضاعف من إمكانات الجيش الروسي، ويعزز من توازن القوى بين الجيشين الأكبر في العالم.
تضاعف روسيا من طموحاتها في تحدي الولايات المتحدة، بالعمل على استخدام أنظمة الكمبيوتر، حتى يمكنها لاحقًا مهاجمة موارد القوات المسلحة الأمريكية بأسلحة الطاقة الموجهة
تحاول أمريكا منذ نهاية العام الماضي الانخراط بجدية في اللحاق بالجيل الجديد الروسي من السلاح، ومن المفترض أن تصل إلى هدفها خلال العام الحاليّ، لكن الواقع على الأرض جعل القوات البحرية تؤكد أن حصولها على مثل هذا النوع من السلاح لن يكون قبل عام 2025، بينما تجاهد القوات البرية الأمريكية، للحصول سريعًا على نسختها من الصاروخ الأسرع من الصوت، وتراهن على دمج بعض المشروعات في أثناء عملية التطوير، باستخدام رأس حربي مصمم للقوات البرية، وتعميمه على باقي أفرع ووحدات الجيش، حتى يحمي المنظومة العسكرية من أي هجوم محتمل لموسكو وبكين، عبر تنظيم هجمات إلكترونية ضد البنية التحتية العسكرية والمدنية الرئيسية، وخاصة إذا استطاعت روسيا تطوير أسلحة مضادة للأقمار الصناعية والمدارات غير المأهولة المنتشرة في الفضاء.
ما الذي تلعب عليه روسيا في المستقبل؟
تضاعف روسيا من طموحاتها في تحدي الولايات المتحدة بالعمل على استخدام أنظمة الكمبيوتر حتى يمكنها لاحقًا مهاجمة موارد القوات المسلحة الأمريكية بأسلحة الطاقة الموجهة، وهي قدرات استطاعت الصين تطويرها في السنوات الأخيرة، وحصلت على استنساخ عينات من المعدات العسكرية من مختلف الدول وطورتها بمستوى تكنولوجي عالٍ للغاية، وأصبح لديها بالفعل الصحون الطائرة، وهي نفس الطريقة التي استطاعت بها النجاح في تجاوز أمريكا في صناعة الطائرات دون طيار.
تتفوق روسيا بطائرات الجيل الخامس، واجتازت حاليًّا اختبار سماء المعارك في سماء سوريا بأحدث المقاتلين الروس من الجيل الخامس أيضًا، وستبدأ هذه الطائرة قريبًا في دخول القوات خلال العام الحاليّ، ما يعني أن روسيا أصبح لديها القدرة على التفوق قريبًا على جميع الأسلحة العسكرية الأمريكية، فهي بدائل قوية أرخص في التكلفة وأقوى في تحديد الهدف وتدميره.