ترجمة وتحرير: نون بوست
وفقًا لما جاء في استطلاعات رأي أجراها مؤخرًا مركز ليفادا الروسي المستقل، يؤيد معظم الروس إنهاء العملية العسكرية في سوريا. في هذا الصدد، يرى 55 بالمئة من المواطنين الروس الذين شملهم سبر الآراء، أنه من الضروري إيقاف العملية العسكرية في سوريا. في المقابل، كانت نسبة من يحملون وجهة نظر مماثلة قد بلغت 49 بالمئة فقط في آب/ أغسطس سنة 2017.
وفقًا لنتائج الاستطلاع أيضًا، ارتفعت نسبة الروس الذين يخشون من إمكانية تحوّل سوريا إلى “أفغانستان جديدة”، لتصبح 37 بالمئة، في حين لم تتجاوز هذه النسبة 32 بالمئة سنة 2017. بالإضافة إلى ذلك، يرى 30 بالمئة من الأشخاص الذين شملهم الاستطلاع أنه يتوجب على روسيا مواصلة العملية العسكرية في سوريا، بينما رفض 15 بالمئة الإدلاء برأيهم في هذا الخصوص. وفي الوقت الذي استحسن فيه 53 بالمئة سياسة روسيا في سوريا، أعرب 35 بالمئة عن معارضتهم لها، بينما اتخذ البقية موقفًا محايدًا.
علاوة على ذلك، سجل اهتمام الرأي العام الروسي بما يحدث في سوريا تراجعًا مستمرًا، حيث انخفضت نسبة الروس المهتمين بالشأن السوري من 86 بالمئة إلى 61 بالمئة في ظرف سنة واحدة، إذ يتابع 13 بالمئة منهم آخر التطورات هناك، بينما يكتفي 48 بالمئة بالاطلاع فقط على بعض التفاصيل الصغيرة. الجدير بالذكر أن الاستطلاع الذي قام به مركز ليفادا الروسي شمل 1625 روسيا من مناطق مختلفة.
روسيا بدأت وبشكل رسمي تنفيذ عمليات عسكرية في سوريا في سنة 2015، تلبية للنداء الذي وجهته إليها السلطات السورية. ووفقًا للأرقام الرسمية، بلغ عدد قتلى الجنود الروس حوالي 112 جندي
تعليقًا على نتائج الاستبيان، ذكر نائب مدير مركز “ليفادا”، دينيس فولكوف، أن تراجع اهتمام الروس بسوريا يعود إلى انتهاء المرحلة النشطة من العملية العسكرية وتراجع التغطية الإعلامية لهذه القضية، على الرغم من إدراك المشاركين في الاستطلاع منذ البداية أهداف روسيا في سوريا، مطالبين بإيقاف العمليات هناك. ويقول فولكوف في هذا الشأن إنه “في ظل غياب تدفق الأخبار السيئة من سوريا، كان الرأي العام الروسي يبعث برسالة مفادها ‘افعل ما شئت في سوريا، فإن ذلك لا يهمنا كثيرا'”. أما في الوقت الراهن، وفي ظل تواتر أنباء جيدة وأخرى سيئة عن سوريا، توقف الروس عن متابعة التطورات وما يحدث هناك، لا سيما في ظل تخبطهم في بعض المشاكل اليومية.
تجدر الإشارة إلى أن روسيا بدأت وبشكل رسمي تنفيذ عمليات عسكرية في سوريا في سنة 2015، تلبية للنداء الذي وجهته إليها السلطات السورية. ووفقًا للأرقام الرسمية، بلغ عدد قتلى الجنود الروس حوالي 112 جندي، وقع أكثر من نصفهم ضحية سقوط طائرة “إيل20″ وأخرى من طراز أنتونوف أن-26”.
في كانون الأول/ديسمبر 2017، وخلال زيارته إلى القاعدة العسكرية الروسية في سوريا، كان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، قد أمر بسحب الوحدات الروسية. وعلى الرغم من مغادرة جزأً من هذه الوحدات الأراضي السورية، إلا أنه لا يزال هناك وحدة روسية تواصل أداء المهام القتالية. وفي الوقت الراهن، يوجد داخل سوريا قاعدتان عسكريتان روسيتان وهما القاعدة البحرية في طرطوس وقاعدة حميميم الجوية.
سيكون عدد المعارضين لمواصلة العملية في سوريا أكبر بكثير مما هو عليه الآن في حال ربط الروس بين تكاليف الحملة في سوريا وتدهور الوضع الاقتصادي في بلادهم.
في الواقع، لم تعلن السلطات الروسية عن مقدار الأموال التي يتم إنفاقها على العملية العسكرية في سوريا. من جانبها، نشرت وسائل الإعلام الغربية في المراحل الأولى من تدخل روسيا في سوريا، أن موسكو تنفق ما بين 2.4 و4 ملايين دولار يوميًا في سوريا. ردا على ذلك، صرح بوتين في 17 آذار/مارس 2016 أن العملية العسكرية في سوريا تكلف روسيا 478 مليون دولار، أي حوالي 2.87 مليون دولار يوميا. ووفقا لبعض التقديرات، أنفقت روسيا خلال سنتين ونصف من تواجدها في سوريا أكثر من ثلاثة مليارات دولار.
وفقا لمدير مركز الدراسات السياسية في الجامعة المالية التابعة لحكومة الاتحاد الروسي، بافل سالين، سيكون عدد المعارضين لمواصلة العملية في سوريا أكبر بكثير مما هو عليه الآن في حال ربط الروس بين تكاليف الحملة في سوريا وتدهور الوضع الاقتصادي في بلادهم. أما فيما يتعلق بتراجع اهتمام الروس بما يحدث في سوريا، فيعزى ذلك إلى إيلاء الروس المزيد من الاهتمام للمشاكل الاقتصادية، بدلا من السياسة الخارجية.
بالإضافة إلى ذلك، يعتقد سالين أن السلطات لا تولي اهتماما للرأي العام فيما يتعلق بسياستها الخارجية والعمليات العسكرية، لذلك لن يكون لهذا الاستطلاع تأثير كبير على مصير العمليات الروسية في سوريا. وبالنسبة لتراجع الاهتمام بالعملية العسكرية في سوريا على وجه التحديد، فيعود ذلك إلى تراجع تغطية وسائل الإعلام لهذه الحملة، وانخفاض نسبة الاهتمام بالقضايا الخارجية والتركيز على القضايا الداخلية منذ سنتين.
نما عدد الروس الراغبين في إنهاء العملية العسكرية التي تقودها بلادهم في سوريا منذ سنة 2015 حتى وإن كان ذلك بنسبة ضئيلة.
بناء على ذلك، فإن كثافة التغطية الإعلامية لتوجهات السياسة الخارجية الروسية في الدول التي لا تجمعها علاقات حية بالمجتمع الروسي، على غرار سوريا، آخذة في التراجع، في حين تركز وسائل الإعلام الروسية على العلاقات الروسية الأوكرانية. وعلى الرغم من كل ذلك، نما عدد الروس الراغبين في إنهاء العملية العسكرية التي تقودها بلادهم في سوريا منذ سنة 2015 حتى وإن كان ذلك بنسبة ضئيلة.
سفابودنايا بارسا: لماذا هناك ارتفاع ضئيل في نسبة الروس الذين يريدون إنهاء الحرب في سوريا؟
بافل سالين: في البداية، يعود ذلك إلى اعتقاد عامة الشعب أنه لا وجود لصلة بين التواجد الروسي في سوريا وانخفاض قيمة الدخل. وكما هو الحال بالنسبة لجزيرة القرم، تروج السلطات للاعتقاد القائل إن السياسة الخارجية النشطة، لا سيما الوجود العسكري الروسي في سوريا، لا يكبد روسيا أي خسائر. لكن في حال أدرك الروس مدى ارتباط العمليات العسكرية الخارجية بانخفاض قيمة الدخل، وارتفاع نفقات وجود شركات عسكرية خاصة والمخططات السرية، فضلا عن تكاليف الجيش، فستكون نسبة المعارضين للعملية العسكرية في سوريا مرتفعة للغاية.
لكن لأسباب واضحة، من بينها تكتم السلطات عن المسائل المالية العسكرية وعدم نشر بيانات في هذا الصدد، فضلا عن إيلاء المواطنين المزيد من الاهتمام للمشاكل الداخلية عوضا عن السياسة الخارجية، تعتبر نسبة الروس المطالبين بإنهاء العملية العسكرية في سوريا منخفضة. لهذه الأسباب، تحاول المعارضة الروسية غير النظامية إثارة مسألة ترميم المدارس السورية، عوضا عن مدارس منطقة فورونيج الروسية.
إن الروس يريدون مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية بدرجة أولى، ومن ثم التطرق إلى مسألة سوريا وأوكرانيا وقضايا أخرى.
إلى ماذا سيؤدي تنامي المطالب العامة؟
بافل سالين: يجدر بنا أولا التساؤل عن النهج الذي ستتّبعه الدولة خلال السنوات الثلاث القادمة فيما يتعلق بسياستها الخارجية. في الواقع، لا تكمن المشكلة في اعتماد سياسة خارجية نشطة، بل في حقيقة أنه منذ سنة 2014، تم تسليط الضوء على السياسة الخارجية مع تجاهل السياسة الداخلية ومشاكل البلاد. ولا تنادي المطالب اليوم بالتخلي عن السياسة الخارجية بالكامل، بل تسليم زمام الأمور للمحترفين والدبلوماسيين والعسكريين، والتركيز قليلا على المشاكل الداخلية السائدة.
إن الروس يريدون مناقشة القضايا الاقتصادية والاجتماعية بدرجة أولى، ومن ثم التطرق إلى مسألة سوريا وأوكرانيا وقضايا أخرى. لكن على مدار أكثر من سنتين ونصف، ظلت البرامج الخاصة بالقنوات التلفزيونية الروسية تتعارض على نحو متزايد مع اهتمامات الرأي العام الروسي، ما أدى إلى انعدام ثقة المواطن الروسي في البرامج التلفزيونية، وانخفاض نسبة متابعتها، وذلك حسب استطلاع رأي آخر.
هل تحوّل توجه الرأي العام بسبب إصلاح المعاشات التقاعدية والسخط الذي تسببت فيه؟
بافل سالين: تحاول السلطات التخلي عن بعض الاصلاحات فيما يتعلق بالمعاشات التقاعدية، الأمر الذي تنجح في استخدامه المعارضة وجعله يصب في صالحها. الجدير بالذكر أن عدم إدخال إصلاحات على المعاشات التقاعدية يخدم مصالح السلطات، علما وأن هذه المسألة كانت من الأمور التي أدت إلى تحول الرأي العام الروسي منذ منتصف سنة 2016. في المقابل، أخذت السلطات هذه الأمور بعين الاعتبار وسيطرت القضايا الداخلية والاجتماعية والاقتصادية على جدول أعمال الحملة الرئاسية. علاوة على ذلك، هيمن هذا النوع من القضايا على جميع المناسبات التي شارك فيها الرئيس الروسي منذ نهاية سنة 2017. وتكتفي السلطات بتقديم وعود دون الإيفاء بها، أو التفاعل بطريقة معاكسة على غرار إصلاح نظام التقاعد بما لا يخدم مصالح الروس، أو زيادة ضريبة القيمة المضافة.
بوتين لا يزال شغوفا بالسياسة الخارجية، ويظهر ذلك في الحماس الذي تنبض به عروقه عند التحدث عن القضايا الخارجية، بينما يكتفي بتلاوة بعض البيانات إذا تعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية.
في الواقع، تحوّل توجّه الرأي العام بسبب عدم استجابة الحكومة لمطالب الشعب بشكل ضمني، في الوقت الذي يرغب فيه الروس في إيجاد حل للمشاكل الاجتماعية والاقتصادية بشكل عملي، والتوقف عن تقديم وعود فحسب. وتؤدي عدم الاستجابة لمطالب الرأي العام إلى التساؤل عن الوضع الذي ستؤول إليه روسيا في السنوات المقبلة، لا سيما في ظل حدوث انتقال سياسي.
في الحقيقة، تؤدي كل هذه العوامل إلى خسارة الحكومة دعم المجتمع لها، خاصة الأشخاص الذين كانوا بمثابة الناخبين الأساسيين لها، والذين انشغلوا في مشاكلهم الداخلية، دون إقامة أي اتصالات مع السلطة رغم احتجاجهم على بعض القضايا على غرار المعاشات التقاعدية والمشاكل المتعلقة بالبيئة. وعلى الرغم من رغبة الروس في إنهاء الحملة العسكرية، إلا أن بوتين لا يزال شغوفا بالسياسة الخارجية، ويظهر ذلك في الحماس الذي تنبض به عروقه عند التحدث عن القضايا الخارجية، بينما يكتفي بتلاوة بعض البيانات إذا تعلق الأمر بالقضايا الاجتماعية والاقتصادية.
المصدر: سفابودنايا براسا