ترجمة حفصة جودة
في كثير من الأوقات غالبًا ما تكون شديد الانتقاد لنفسك وتشعر بعدم الأمان، لكنك ستدافع عن نفسك عندما يحتاج الأمر، ما رأيك في هذا الوصف: “أنت بشر لديه أفكار متعددة ومشاعر متناقضة في بعض الأحيان”، هل نجح الوصف؟ أهلاً بك في تأثير بارنوم، في هذا المقال سنلقي نظرة على تلك النظرية ومدى فاعليتها.
ما تأثير بارنوم وأمثلة عليه؟
ربما سمعت عن تأثير بارنوم وربما لا، لكن من المحتمل أن تكون قد وقعت ضحية له في وقت ما من حياتك، فقد استخدم تلك الطريقة المعالجون بالإيمان والعرّافون والمنجّمون والباعة لآلاف السنين.
يُسمى تأثير بارنوم أيضًا بتأثير فورير، وهو مصطلح في علم النفس يصف كيف يمكن خداع الناس بسهولة من خلال الصفات الشخصية الإيجابية، ويقع العبء هنا على دقة وصف الظاهرة فيما يتعلق بالشخصية المختلفة والمتفردة للمرء.
لكن أي شخص يقرأ في خريطة الأبراج يعلم جيدًا أن الصفات عادة ما تكون عامة ويمكن أن تنطبق بسهولة على جارك أو قريبك. ويُظهر تأثير فورير انخداع الناس بالعبارات الإيجابية في وصفهم رغم حقيقة أنها تنطبق تمامًا على أشخاص آخرين.
ينسب هذا الاسم إلى منظّم العروض الأمريكي الشهير بي تي بارنوم الذي اشتهر بالترويج للخدع المشهورة وأسس سيرك “بارنوم وبايلي”، وهو صاحب العبارة الشهيرة: “في كل دقيقة يولد مغفل”.
كن متشككًا وابحث دائمًا عن الدليل
تُسمى الظاهرة أيضًا بتأثير فورير نسبة إلى عالم النفس برترام فورير الذي كان من أوائل من درسوا تلك الظاهرة، فقد أدرك أنه من السهل خداع الناس بصفات إيجابية غامضة عن أنفسهم، وللقيام بذلك أجرى فورير تجربة سرية، فقد أعطى اختبارات شخصية لطلاب علم النفس وطلب منهم تحديد مدى دقة النتائج، والخدعة كانت في أن كل طالب حصل على نفس النتيجة تمامًا بغض النظر عن أجوبتهم الفريدة.
المثير للدهشة أن غالبية الطلاب اعتقدوا أن تلك الصفات العامة كانت مثالية وقريبة من الصواب، وهذا تأثير بارنوم أو فورير.
هذه بعض الأمثلة على الوصف الذي تقدمه الظاهرة: أنت بحاجة لحب الآخرين وإعجابهم بك، لديك قدرات عظيمة غير مستغلة لم تستخدمها لصالحك، أنت تبدو منضبطًا ومسيطرًا على نفسك من الخارج لكنك تميل إلى القلق والشعور بعدم الأمان من داخلك، أنت تفضل قدرًا معينًا من التغيير والتنوع وتصبح غير راضٍ عندما تكون محاطًا بالقيود والحدود، أنت تفخر بنفسك كمفكر مستقل ولا تقبل أي عبارة دون دليل مقنع، أنت تميل لانتقاد نفسك، في بعض الأوقات تتملكك الشكوك عن مدى صحة قراراتك وصواب تصرفاتك، في بعض الأوقات تكون منفتحًا واجتماعيًا وفي بعض الأوقات تكون منغلقًا ومتحفظًا وحذرًا، رغم بعض نقاط الضعف في شخصيتك، فإنك قادر بشكل عام على تعويض هذ النقص.
لذا كما ترى لو أنك لا تعلم أنها صفات عامة، ربما كنت ستصدق أنها صفاتك الشخصية، وما زالت تلك العبارات تُستخدم مع طلاب علم النفس في الجامعات حتى اليوم ويستخدمها رجال المبيعات في كل أنحاء العالم.
المغزى من ظاهرة بارنوم هو: “التحقق الذاتي ليس فعالاً، لذا لا تنخدع بالعرافين والدجالين النفسيين أو المعاجلين بالإيمان الذين يستخدمون تلك الخدع، كن متشككًا وابحث دائمًا عن الدليل، احتفظ بأموالك في محفظتك وبمحفظتك في جيبك وضع يدك على محفظتك”.
لماذا ينجح تأثير بارنوم؟
من الضروري فهم أن هذا التأثير ينجح فقط إذا كانت الجملة إيجابية أو مادحة بطبيعتها، أما إذا كان الرأي سلبيًا أو انتقاديًا فإن الناس يميلون إلى التشكك غالبًا، لذا فهي في الحقيقة تغذي الأنا (الإيجو) الخاص بك.
عادة ما يتم تصنيف عبارات مثل: “أنت تفكر في إيذاء الأشخاص الذين يقومون بأشياء لا تحبها” على أنها جملة غير دقيقة وليس لها صلة بالأمر، لكن إذا كنت ترغب في الصدق فهي صحيحة بنفس قدر جملة: “أنت شخص قوي للغاية”.
إن سبب انتشار ونجاح تلك الجمل هو كونها عبارات عامة ومادحة، فالناس يحبّون المدح والطبيعة العامة للبشر تكره انتقاد الناس لها، وربما وجد الباحثون في المعهد القومي للعلوم الفسيولوجية ومعهد ناجويا للتكنولوجيا وجامعة طوكيو ومعاهد يابانية أخرى، تفسيرًا علميًا لهذا الأمر.
وجدت الدراسات أن المدح ينشط منطقة في الدماغ تسمى “الجسم المخطط” وهي نفس المنطقة التي تنشط عندما نتلقى المال. اختارت الدراسة 48 شخصًا بالغًا وطلبت منهم إجراء اختبار بسيط على الحاسب باستخدام لوحة المفاتيح، تم تقسيم الأشخاص إلى مجموعات، تلقت المجموعة الأولى ثناءً ومديحًا شخصيًا وفرديًا من أحد المسؤولين، بينما كانت المجموعة الثانية تشاهد المجموعة التي تتلقى الثناء لكنهم لم يتلقوا أي شيء.
أما المجموعة الثالثة فقد طلبوا منهم تقييم أدائهم كمشاركين في الاختبار، وفي اليوم التالي طلبوا من المشاركين أداء نفس المهمة ثانية، وبشكل مدهش تفوق الذين تلقوا الثناء على باقي المجموعات.
هؤلاء الأشخاص يجعلونك تعتقد بأنهم – دون معرفة أي شيء عنك – يستطيعون اكتشاف الكثير من المعلومات عنك
وفقًا لنوريهيرو ساداتا، أحد مؤلفي الدراسة، فالسبب بسيط نوعًا ما: “بالنسبة للدماغ، تلقي المديح يعد مكافأة اجتماعية مثلها مثل المكافأة المالية، وقد تمكنا من الحصول على إثبات علمي بأن أداء الشخص يكون أفضل عندما يتلقى مكافآة اجتماعية بعد انتهائه من اختبار ما، فهناك مصداقية علمية وراء جملة “الثناء يشجع التقدم للأفضل”، ومدح شخص ما قد يصبح استراتيجية سهلة وفعالة لاستخدامها في قاعات الدراسة وجلسات إعادة التأهيل”.
لكن من المهم إدراك أن تلك الدراسة أجريت على مشاركين يابانيين فقط، لذا من الممكن أن لا تقدم نفس النتائج مع الثقافات الأخرى.
ما القراءة النفسية الباردة؟
يستخدم تأثير بارنوم على نطاق واسع في استراتيجية القراءة النفسية الباردة، وهي عبارة عن عدة طرق يستخدمها الاختصاصيون النفسيون والوسطاء والعرافون والدجالون والمحتالون، ليوهموك بأنهم يعرفون عنك أكثر من الممكن، هؤلاء الأشخاص يجعلونك تعتقد بأنهم -دون معرفة أي شيء عنك- يستطيعون اكتشاف الكثير من المعلومات. وذلك باستخدام عدة تقنيات تدور بين عبارات عامة وتحليل لغة الجسد ومعرفة العمر وطريقة ارتداء الملابس وتصفيف الشعر والنوع والميول الجنسية والدين ومستوى التعليم وطريقة التحدث ومحل الميلاد.
تميل نتائج القراءة النفسية الباردة إلى توظيف تخمينات مرتفعة الاحتمالات تحركها ردود الفعل تجاه الموضوعات، وبهذا يستطيع المحلل معرفة إذا ما كان على الطريق الصحيح ويعزز استخدام روابط الفرص الأخرى. كما أنهم يميلون أيضًا إلى المناورة بعيدًا عن التخمينات الفائتة دون أن يدرك المتلقي ما يحدث، ويؤمن علماء النفس بأن هذه الطريقة تنجح لأنها تجمع بين تأثير فورير وتأكيد التحيزات الداخلية للأشخاص.
يستخدم العديد من المشعوذين تلك الطريقة لتأثيرها الكبير مثل ديرين براون، ويعد ديرين من قلائل المشعوذين الذين يركزون على تعليم العامة بعد التقنيات التي تستخدم لخداعهم مثل تأثير بارنوم. ورغم أنه من اللطيف تلقي المجاملات، يجب أن تكون متشككًا عندما يتعلق الأمر بإنفاق المال، كن من الأشخاص الذي يكتشفون الخداع ولو على بُعد ميل.
المصدر: إنترستنج إنجنيرينج