أعادت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا مساء الإثنين 6 من مايو 2019 السخونة إلى المشهد الداخلي التركي بقرارها إلغاء نتائج انتخابات بلدية إسطنبول الكبرى وليس البلديات الصغرى وما يترتب عليه من سحب للمضبطة من مرشح تحالف الأمة أكرم إمام أوغلو وتحديد موعد جديد لإجراء الانتخابات في 23 من يونيو/حزيران القادم، وقد صوت 7 أعضاء من لجنة الانتخابات مع قرار الإعادة مقابل 4 صوتوا ضد قرار الإعادة.
ووفقًا لما صدر من تصريحات لمندوبي الأحزاب لدى اللجنة العليا للانتخابات فإن قرار إعادة الانتخابات جاء بشكل رئيس نتيجة وجود عدد كبير من مسؤولي الصناديق من غير الموظفين العموميين، فالقانون يشترط أن يكون مسؤولو الصناديق من الموظفين العموميين وأن الصناديق التي رأسها موظفون غير عموميين كانت نتائجها أكبر من الفارق بين المرشحين، إضافة إلى وجود مخالفات للأصول في محاضر الانتخابات ووجود أوراق اقتراع غير موقعة، وقد لقيت هذه التفسيرات مواقف مختلفة بين مؤيد ومعارض وبين من اعتبر القرار انتصارًا للحق ومن اعتبره خيانة واضحة.
مواقف متضاربة
في الوقت الذي اعتبر في الرئيس التركي رجب طيب أردوغان هذا القرار أمرًا مهمًا نحو تعزيز الديمقراطية في تركيا، مستندًا على أن الوثائق التي قدمها حزبه للاعتراض على نتيجة الانتخابات كانت قوية جدًا ومبنية على أدلة ملموسة لا تقبل الشك، حيث أكد أن هناك فسادًا منظمًا ومخالفات، إلا أن المعارضة انتقدت قرار اللجنة العليا للانتخابات بشدة وجاءت أقوى الانتقادات من قادة في حزب الشعب الجمهوري على رأسهم المرشح أكرم إمام أوغلو الذي ألغت اللجنة العليا في ذات القرار وثيقة فوزه ببلدية إسطنبول، حيث قال إمام أوغلو إن “قرار اللجنة خاضع لتأثيرات الحزب الحاكم” كما وصف القرار بأنه “خيانة”، وقال نواب آخرون في حزب الشعب الجمهوري إن القرار غير قانوني ويمثل ديكتاتورية واضحة ويرفض إرادة الشعب.
خرج بعض أنصار المعارضة إلى الشوارع ليلاً وتحديدًا في مناطق هالكلي وكاراكوي وأطلقوا صافرات الاستهجان وطرقوا على الأواني للتعبير عن اعتراضهم على قرار اللجنة العليا
وفي ذات السياق انتقدت أحزاب أخرى مثل حزب السعادة القرار، حيث وجه رئيس حزب السعادة التحية لأربعة أعضاء من اللجنة العليا للانتخابات الذين صوتوا ضد القرار، كما نسب إلى مرشح حزب السعادة استعداده للتخلي عن ترشحه لصالح أكرم إمام أوغلو في انتخابات الإعادة، لكن بعد اجتماع للحزب، قرر الترشح مرة أخرى، فوجود مرشح من الحزب يمكن أن يسحب أصواتًا من حزب العدالة، حيث حصل مرشح حزب السعادة على قرابة 100 ألف في إسطنبول في 31 من مارس.
لعل التصريحات الأكثر لفتًا للانتباه تلك التي جاءت من الرئيس السابق عبد الله غول ورئيس الوزراء السابق أحمد داود أوغلو حيث اعتبر الأخير: “قرار اللجنة العليا للانتخابات يتناقض مع القوانين الدولية واتفاقياته المقررة”.
وعلى صعيد الشارع خرج بعض أنصار المعارضة إلى الشوارع ليلاً وتحديدًا في مناطق هالكلي وكاراكوي وأطلقوا صافرات الاستهجان وطرقوا على الأواني للتعبير عن اعتراضهم على قرار اللجنة العليا.
المواقف الخارجية
حتى لحظة إعداد هذا التقرير، لم تصدر الكثير من المواقف الخارجية بشأن قرار اللجنة العليا للانتخابات. على أن الاتحاد الأوروبي طالب لجنة الانتخابات بتوضيح أسباب قرارها دون تأجيل، كما قال البرلمان الأوروبي إن قرار إعادة الانتخابات البلدية في إسطنبول يقضي على مصداقية الانتخابات الديمقراطية في تركيا، على حد تعبيره.
الانتقادات الأوروبية التي تأتي من يمينيين أوروبيين متشددين لتركيا سبقت هذا القرار، حيث تسود منذ فترة طويلة تصريحات أوروبية لعدم ضم تركيا للاتحاد الأوروبي
وعلى مستوى المسؤولين الأوروبيين كانت اللهجة دبلوماسية، حيث وصف وزير الخارجية الألماني هايكو ماس، قرار إعادة الانتخابات بأنه “غير مفهوم”، وجاءت انتقادات مشابهة من فرنسا.
يُذكر أن اللجنة العليا للانتخابات التركية سبق لها أن أعادت الانتخابات في مدينة يلوا عام 2014 وفاز حزب الشعب الجمهوري في انتخابات الإعادة، بفارق أصوات قليلة، وفي الانتخابات الأخير، لم تقبل اللجنة العليا للانتخابات اعتراضات حزب العدالة والتنمية لإعادة انتخابات بلدية بيوكتشكمجة، وهو ما يحاجج به الأتراك بنزاهة انتخاباتهم وشفافيتها.
موقف الناخب
الأهم من ذلك كله هو سلوك الناخب التركي أو الإسطنبولي إن صح التعبير، فالكلمة ستعود مرة أخرى لإرادة الشعب، ففي حين يعتبر حزب الشعب الجمهوري وأحزاب المعارضة الأخرى أن إرادة الناخب تجلت في انتخابات 31 من مارس، إلا أن حزب العدالة والتنمية وحليفه الحركة القومية يرون أن عملية تحايل تمت لتغيير مسار إرادة الشعب، وبما أن الكلمة ستعود مرة أخرى للشعب؛ فإن الأحزاب ستدفع بكل أوراقها لاستمالة صوت الناخب.
نجد أن حزب العدالة والتنمية مصمم على خوض الانتخابات بكل قوة وتخطيط، أما حزب الشعب الجمهوري فهو متجه لحسم أمره للتوجه للانتخابات رغم وجود أصوات داخل الحزب تنادي بمقاطعة الانتخابات
وبما أن النتيجة متقاربة جدًا بين المرشحين الرئيسيين، فإن قرابة النصف مع قرار الإعادة والنصف الآخر ضد قرار الإعادة، ولهذا ستكون المعركة في الدعاية الانتخابية محتدمة جدًا على كل صوت، وفي كل زقاق، ومن المحتمل أن تستدعي الأحزاب كافة تشكيلاتها من المدن الأخرى، وسوف يكون هناك وقوف للأحزاب عند كل أخطائها السابقة في الدعاية والخطاب، كما سينصب تركيز الحزبين بشكل رئيسي على كسب أصوات أكثر من مليون شخص يحق له الانتخاب، وامتنع عن التصويت في انتخابات 31 مارس.
ماذا ستفعل الأحزاب؟
لا شك أن حزب العدالة والتنمية مصمم على خوض الانتخابات بكل قوة وتخطيط، كما حسم حزب الشعب الجمهوري أمره بالتوجه للانتخابات رغم وجود أصوات داخل الحزب تنادي بمقاطعة الانتخابات، وهو ما يرفضه رئيس الحزب ومرشحه حيث قال إمام أوغلو: “دعونا نكون صفًا واحدًا وأن نلتزم بالهدوء، وسوف ننتصر، سوف ننتصر ثانية”.
وفي إشارة على احتدام المنافسة؛ قال إمام أوغلو إن 82 مليونًا سوف يقاتلون حتى اللحظة الأخيرة من أجل الديمقراطية، على الرغم من أن عدد الناخبين في اسطنبول بحدود 10 ملايين، وفي سياق متصل من المتوقع أن يقدم حزب الشعب على تقديم طلب لإعادة الانتخابات في كل بلديات إسطنبول لنفس الأسباب.
أما حزب السعادة – فكما ذكرنا – فسوف يعيد ترشيح مرشحه مرة أخرى، ولكن حزب اليسار الديمقراطي المنبثق عن حزب الشعب الجمهوري حصل على 30 ألف صوت في 31 من مارس، ومن المرجح أن توجه هذه الأصوات لدعم إمام أوغلو مع أن الحزب أعلن أن ادعاءات سحب مرشحه عارية عن الصحة.
المؤكد أيضًا أن الاستقطاب في تركيا سترتفع حدته مع قرار إعادة الانتخابات وهذا بلا شك سيؤثر على الاقتصاد بالإضافة إلى الإشكاليات القائمة في السياسة الخارجية
لا يمكن لأحد أن يتنبأ بنتيجة الانتخابات حتى مراكز الاستطلاع لا تستطيع ذلك، فليس من المعروف ما قناعة كل فرد في إسطنبول بقرار اللجنة العليا وليس معروفًا أعداد الذين سينتقلون من التصويت لمرشح إلى نقيضه، وليس معروفًا أعداد الأشخاص الذين حجزوا بالفعل تذاكر سفرهم للسياحة والاصطياف خارج إسطنبول، وليس معروفًا ماذا ستكون نسبة المشاركة هذه المرة.
لكن المؤكد أن فوز إمام أوغلو – إن حصل – سيكون مكرسًا هذه المرة ودفعة أكبر نحو الطموح لنفوذ أكبر، أما إن فاز حزب العدالة فسوف يحافظ على بلدية إسطنبول ويمنع المعارضة من الاستفادة من زخمها الذي تقول القاعدة التاريخية إنه سبيل مهم للوصول للحكم في تركيا، ولكن هل ستقبل المعارضة وتسلم بذلك؟ هل تلجأ للاعتراض القانوني أم تحتكم للشارع؟ هل سيكون هناك دور خارجي لحثها على النزول للشارع؟ وكيف ستتعامل الدولة مع ذلك؟
المؤكد أيضًا أن الاستقطاب في تركيا سترتفع حدته مع قرار إعادة الانتخابات وهذا بلا شك سيؤثر على الاقتصاد بالإضافة إلى الإشكاليات القائمة في السياسة الخارجية.