قبل موعد طرحها الرسمي بأسابيع قليلة، سربت إحدى الصحف العبرية، ما سمته “أبرز بنود صفقة القرن” الأمريكية، وكشفت أهم النقاط التي تُعالجها الصفقة، ووضعت لها حلولاً “كارثية” ستغير الخريطة الفلسطينية بأكملها وتعطي الملعقة الذهب لدولة الاحتلال الإسرائيلي.
ورغم خطورة هذه البنود وتأثيرها على فلسطين والعلم المسبق لبعض الدول العربية بتلك التسريبات، فإن الصفقة باتت بالنسبة لهم المركب الوحيد الذي سيوصلها للشاطئ الإسرائيلي، رغم الآثار الكارثية التي سيلحقها هذا المركب بالقضية والمشروع الوطني الفلسطيني.
وقبل أشهر تحدثت شخصيات فلسطينية داخل حركة فتح والسلطة صراحة بأن بعض الدول العربية أدارت ظهرها لنا، بعد تمسكها “المستميت” بالصفقة الأمريكية وتبنيها رغم مخاطرها، بل وتحدثوا بأكثر من ذلك حين قالوا: “تلك الدول تستخدم معنا الابتزاز المالي للقبول بالصفقة”.
سياسة الابتزاز المالي لم تُجد نفعًا على الفلسطينيين، فقد فشلت الإدارة الأمريكية التي قطعت عنهم مساعدات تجاوزت الـ450 مليون دولار، وفشلت كذلك دولة الاحتلال الإسرائيلي في هذا النهج بعد حجزها حتى هذه اللحظة أموال “المقاصة” المتعلقة بالضرائب الفلسطينية التي تقدر بـ180 مليون دولار، وبقوا صامدين على موقفهم في رفض الصفقة التي أطلق عليها الرئيس محمود عباس اسم “صفعة القرن”.
قررت دول عربية وعلى رأسها السعودية والإمارات والبحرين ومصر، مما كانوا يدعمون السلطة الفلسطينية ومؤسساتها المختلفة بأكثر من 60 مليون دولار شهريًا، إيقاف هذه الحنفية المالية منذ أشهر بعيدة، ورهنوا إعادة فتحها مجددًا بتنازل الفلسطينيين عن شروطهم وقبول الصفقة، وهذا الأمر كذلك لم ينجح رغم التأثير الكارثي على الاقتصاد الفلسطيني الذي اقترب كثيرًا من حافة الهاوية والضياع.
السعودية تمارس ضغوطًا للقبول بالصفقة الأمريكية
الإغراء بالمال لتصفية القضية
بعد فشل سياسة “الابتزاز المالي”، لجأت الدول العربية وبتوجيه من إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إلى “الإغراء المالي” وتقديم الدعم الكبير للفلسطينيين وحل أزماتهم الاقتصادية كاملةً خلال 5 سنوات فقط، في حال تماشوا مع الصفقة الأمريكية ولم يعارضوها.
7 مليارات دولار أمريكي، هو الرقم الذي وضعته السعودية ومن خلفها الإمارات والبحرين ومصر على طاولة الرئيس محمود عباس، قبل أيام، مقابل إقناعه بقبول صفقة القرن الأمريكية، وذلك بحسب ما كشفه عضو في اللجنة التنفيذية لمنظمة التحرير لـ”نون بوست”.
وبحسب المسؤول الفلسطيني، فإن هذا المبلغ ليس وحده الذي قدم لعباس، بل هناك رزمة وعود اقتصادية وسياسية رافقت هذا المبلغ وعلى رأسها تسديد ديون السلطة الداخلية والخارجية، ونفخ روح الاستثمار والمشاريع الاقتصادية داخل الأراضي الفلسطينية في الضفة الغربية وقطاع غزة، والقضاء على البطالة المستشرية في صفوف الفلسطينيين، إضافة للسعي لتحقيق مصالحة جادة مع حركة حماس وإعادة سيطرة السلطة على غزة.
وذكر أن الذي بات يقلق الفلسطينيين، تمسك الدول العربية بالصفقة الأمريكية والعمل مع إدارة ترامب في تسويقها ومحاولة ابتزازنا تارة وإغرائنا تارة أخرى، مشددًا أن الصفقة لم ولن تمر مهما كان حجم الضغوط والابتزاز، لأن قبولها يعني حرفيًا “ضياع فلسطين”.
قال جاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إن صفقة القرن التي يسعى من خلالها إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيعلنها بعد شهر رمضان
يشار إلى أن صفقة القرن هي خطة أعدتها إدارة ترامب بهدف تسوية الصراع في الأراضي الفلسطينية مع “إسرائيل”، ويتردد أنها تتضمن إجبار الفلسطينيين على تقديم تنازلات مجحفة لمصلحة الاحتلال، كما أنها تلقى دعمًا من السعودية والإمارات ومصر دول عربية أخرى.
في 17 من أبريل الماضي، قال جاريد كوشنر مستشار وصهر الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، إن صفقة القرن التي يسعى من خلالها إلى إنهاء الصراع الفلسطيني الإسرائيلي سيعلنها بعد شهر رمضان.
وأعلنت القيادة الفلسطينية رفضها المسبق للصفقة الأمريكية، بعد أن أعلن ترامب أنها ستُسقط موضوع القدس من طاولة المفاوضات، كما أوقفت القيادة الفلسطينية اتصالاتها السياسية مع الإدارة الأمريكية بعد إعلان ترامب، في الـ6 من ديسمبر 2017، الاعتراف بالقدس عاصمة لـ”إسرائيل” ونقل السفارة الأمريكية إليها.
وكشفت القناة العبرية العاشرة الإسرائيلية مؤخرًا أن ولي العهد السعودي الأمير محمد بن سلمان، أخبر مسؤولين يهودًا أمريكيين بأن أمام الفلسطينيين خيارين: إما القبول بعملية السلام التي باتت توصف بـ”صفقة القرن”، وإما “التوقف عن الشكوى”.
ازدادت وتيرة التطبيع خلال الفترة الأخيرة بأشكال متعددة بين الإسرائيليين والعرب، من خلال مشاركات إسرائيلية في نشاطات رياضية وثقافية تقيمها دول عربية
ماذا يريد العرب من فلسطين؟
في تصريحات حصرية لـ”نون بوست”، أكد عضو المكتب السياسي لحركة المقاومة الإسلامية (حماس) محمود الزهار، أن الدول العربية باتت تتآمر على القضية الفلسطينية، وتخلت عنها تمامًا لصالح الاحتلال الإسرائيلي والمشروع الأمريكي.
وأوضح الزهار أن تبني الدول العربية لصفقة القرن رغم مخاطرها الكبيرة على القضية الفلسطينية وحتى الدول المجاورة، شيء مخزٍ، ولا يمكن قبول هذا التصرف تحت أي أسباب أو ذرائع تذكر من طرف تلك الدول التي باتت تلهث خلف الاحتلال للتطبيع معه.
وأضاف القيادي البارز في حركة حماس “سياسة الابتزاز المالي والإغراءات التي تقدم للفلسطينيين للقبول بالصفقة الأمريكية لحل الصراع مع دولة الاحتلال ستكون مرفوضة جملةً وتفصيلاً”، قائلاً: “لا يمكن لأي فلسطيني مهما كان موقعه أن يقبل ببيع قضيته مقابل الأموال التي تقدم على الطاولة”.
وتساءل الزهار، هل على العرب دعم فلسطين أم التآمر عليها؟ مؤكدًا أن ما يجري مع تلك الدول العربية هو انحراف عن البوصلة ومحاولة لشرعنة وجود الاحتلال الإسرائيلي الذي أصبح بالنسبة لهم حليفًا مهمًا بعد أن كان عدوًا وسرطانًا.
وازدادت وتيرة التطبيع خلال الفترة الأخيرة بأشكال متعددة بين الإسرائيليين والعرب من خلال مشاركات إسرائيلية في نشاطات رياضية وثقافية تقيمها دول عربية مثل الإمارات، في حين تتحدث تقارير عن علاقات سرية وطيدة مع السعودية.
العلاقات السعودية الإسرائيلية تمر في أحسن أوقاتها عبر التاريخ خلال فترة حكم ابن سلمان، وشهدت تطورات جذرية ومهمة تجلت خلال لقاءات سرية متبادلة
ومؤخرًا جرت بعض اللقاءات بين مسؤولين إماراتيين وإسرائيليين، كما دعمت أبو ظبي والرياض “صفقة القرن” التي يسعى الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى تطبيقها التي تقوّض الحق الفلسطيني لمصلحة الاحتلال الإسرائيلي.
وفي ذات السياق يرى الكاتب والمحلل السياسي، عبد الستار قاسم، في تصريحات خاصة لـ”نون بوست”، أن السعودية باتت تلعب دورًا “خبيثًا” ضد القضية الفلسطينية.
وقال: “حرص السعودية والإمارات والبحرين وسلطنة عمان، ومن قبلهم مصر للتطبيع مع دولة الاحتلال، أجبرها على إزالة أي حواجز أو عقبات، حتى إن كانت تلك العقبات هي القضية الفلسطينية ومشروعها الوطني”، معتبرًا سياسية الابتزاز المالي والإغراء بالمشاريع الاقتصادية وتقديم مليارات الدولارات “وسيلة رخصيه” للنيل من صمود الفلسطينيين في وجه التحديات التي تعصف بهم من كل جانب، على حد قوله.
الجدير ذكره أن العلاقات السعودية الإسرائيلية تمر بأحسن أوقاتها عبر التاريخ خلال فترة حكم ابن سلمان، وشهدت تطورات جذرية ومهمة تجلت خلال لقاءات سرية متبادلة بين الجانبين، حتى وصلت بوزير الاستخبارات الإسرائيلي يسرائيل كاتس إلى توجيه دعوة رسمية لابن سلمان لزيارة “تل أبيب”، بحسب ما ذكرته صحيفة “هآرتس” العبرية قبل أشهر.
تسريبات جديدة لبنود الصفقة
وبالعودة، لما تم ذكره بداية تقريرنا عن تسريبات صفقة القرن الجديدة، كشفت صحيفة عبرية عما قالت إنه وثيقة متداولة في وزارة الخارجية الإسرائيلية، عن عناصر خطة صفقة القرن للتسوية بين الفلسطينيين والإسرائيليين.
ولم تؤكد أي جهة رسمية (إسرائيلية أو أمريكية أو فلسطينية) ما جاء في بنود هذه الوثيقة التي نشرتها صحيفة “إسرائيل اليوم” المقربة من رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو التي أجرى معها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب عدة مقابلات صحفية.
وذكرت صحيفة “إسرائيل اليوم” أنّ الخطة تتضمن نقاطًا رئيسية على الشكل التالي:
1- الاتفاق
بموجب الصفقة تُوقَّع اتفاقية ثلاثية بين دولة الاحتلال ومنظمة التحرير الفلسطينية وحركة حماس، وتؤسَّس دولة فلسطينية تسمى “فلسطين الجديدة”، في يهودا والسامرة (الضفة الغربية) وغزة، باستثناء المستوطنات الإسرائيلية المقامة بالضفة.
2- إخلاء الأرض
ستبقى الكتل الاستيطانية (بالضفة الغربية) كما هي اليوم في أيدي “إسرائيل”، وستنضم إليها مستوطنات معزولة، وستتوسع مناطق الكتل لتصل إلى المستوطنات المعزولة التي ستضاف إليها.
3- القدس
لن تقسَّم، وتتقاسمها “إسرائيل” وفلسطين الجديدة، وستكون عاصمة دولة الاحتلال وفلسطين الجديدة، وسيكون السكان العرب مواطني فلسطين الجديدة، وستكون بلدية القدس (الإسرائيلية) مسؤولة عن جميع مناطق القدس باستثناء التعليم الذي ستتعامل معه الحكومة الفلسطينية الجديدة وستدفع السلطة الفلسطينية الجديدة لبلدية القدس الضرائب والمياه.
لن يُسمح لليهود بشراء المنازل العربية، ولن يُسمح للعرب بشراء المنازل اليهودية، ولن تُضم مناطق إضافية إلى القدس، وستبقى الأماكن المقدسة كما هي اليوم.
4- غزة
ستؤجر مصر أراضٍ جديدة لفلسطين لغرض إنشاء مطار ولإنشاء المصانع والتجارة والزراعة، دون السماح بالسكن فيها، وسيُحدَّد حجم المناطق والسعر بين الطرفين من خلال وساطة الدول الداعمة.
5- الدول الداعمة
الدول التي ستدعم ماليًا تنفيذ هذا الاتفاق هي: الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي ودول الخليج المنتجة للنفط، وستوفر الدول الداعمة ميزانية قدرها 30 مليار دولار على مدى خمس سنوات للمشاريع الوطنية في فلسطين الجديدة، (تكلفة ضم المستوطنات المعزولة والكتل الاستيطانية إلى دولة الاحتلال).
وسيكون تقسيم الأموال التي ستدفعها الدول الداعمة على النحو الآتي:
أ. الولايات المتحدة الأمريكية 20%.
ب. الاتحاد الأوروبي 10%.
ج- تقتسم دول الخليج المنتجة للنفط الـ70% حسب إنتاجها من النفط.
معظم العبء سيكون على الدول المنتجة للنفط، لأنها ستكون المستفيدة الرئيسية من هذا الاتفاق.
6- الجيش
لن يكون لـ”فلسطين الجديدة” جيش، والسلاح الوحيد هو الأسلحة الخفيفة التي تحتفظ بها الشرطة.
ستوقَّع اتفاقية دفاع بين “إسرائيل” و”فلسطين الجديدة” تضمن فيها “إسرائيل” لفلسطين الجديدة الحماية من كل عدوان خارجي، وستدفع فلسطين الجديدة لـ”إسرائيل” مقابل هذه الحماية.
يجب أن تتحدد تكلفة هذا الدفع في مفاوضات بين الطرفين، بوساطة الدول الداعمة.
7- الجداول الزمنية ومراحل التنفيذ
عند توقيع الاتفاقية:
أ. ستودع حماس جميع أسلحتها ومن ضمنها الأسلحة الشخصية لدى المصريين.
ب. سيستمر أعضاء حماس ومن بينهم القادة، في تلقي رواتب من الدول الداعمة حتى قيام الحكومة.
ج. تكون حدود القطاع مفتوحة لمرور البضائع والعمال إلى “إسرائيل” ومصر، كما هي اليوم مع يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وعن طريق البحر.
د. في غضون عام ستجرى انتخابات ديمقراطية وانتخاب حكومة لفلسطين الجديدة، وسيكون بإمكان كل مواطن فلسطيني الترشح للانتخابات.
هـ. السجناء (الأسرى الفلسطينيون): بعد مرور عام على الانتخابات وإنشاء الحكومة، سيطلق سراح السجناء تدريجيًا على مدى ثلاث سنوات.
و. في غضون خمس سنوات يجري إنشاء ميناء بحري ومطار في فلسطين الجديدة، وحتى ذلك الحين يُستخدم المطار والموانئ البحرية الموجودة ضمن “إسرائيل”.
ز.ستكون الحدود بين فلسطين و”إسرائيل” جديدة ومفتوحة أمام مرور المواطنين والبضائع كما هو الحال مع الدول الصديقة.
ح. سيقام “أوتستراد” بارتفاع 30 مترًا يربط الضفة الغربية وقطاع غزة تسهم فيه: الصين 50% واليابان 10% وكوريا الجنوبية 10% وأستراليا 10% وكندا 10% والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي 10%.
8- غور الأردن
أ. سيظل وادي الأردن في أيدي “إسرائيل” كما هو اليوم.
ب. سيتحول الطريق 90 إلى طريق ذي أربع حارات.
ج. ستصدر “إسرائيل” مناقصة لتوسيع الطريق.
د. سيمنح مسلكان من الطريق لفلسطين الجديدة إلى الأردن، وستكون هذه المعابر تحت سيطرة فلسطين الجديدة.
9- المسؤولية
أ. إذا اعترضت حماس ومنظمة التحرير الفلسطينية على هذه الاتفاقية، فإن الولايات المتحدة سوف تلغي كل دعمها المالي للفلسطينيين وتضمن عدم قيام أي دولة في العالم بتحويل الأموال إليهم.
ب. إذا وافقت منظمة التحرير الفلسطينية على شروط هذا الاتفاق، ولم توافق حماس أو الجهاد الإسلامي، فسيتم اعتبار قادة حماس والجهاد الإسلامي مسؤولين، وفي جولة أخرى من العنف بين “إسرائيل” وحماس ستدعم الولايات المتحدة “إسرائيل” لإلحاق الأذى شخصيًا بقادة حماس والجهاد الإسلامي، فمن غير المعقول أن تحدد مجموعة من عشرات الأشخاص حياة ملايين الأشخاص.
ج. إذا اعترضت “إسرائيل” على هذا الاتفاق فإن الدعم الاقتصادي لدولة الاحتلال سوف يتوقف.
يبدو أن القضية الفلسطينية لا تواجه المخاطر فقط من “إسرائيل” وإدارة ترامب، فبعض الدول العربية التي تفتح ذراعيها للاحتلال وتغلقهم أمام الفلسطينيين، لبست نفس الثوب وباتت تلعب دور “العدو بالإنابة”، الذي يجب الحذر من لدغته المميتة.