لا شيء يستطيع أن يبعثر الأوراق كما يفعل تصريح آخر لبتسلئيل سموتريتش، وزير المالية الإسرائيلي الحالي، الذي برع منذ بداية ظهوره السياسي في التعبير عن أهدافه التوسعية، ورؤيته لما يسمى “إسرائيل الكبرى” بما يشمل حدودها المستقبلية وترتيباتها الاجتماعية، وكذلك تصوره للوجود العربي والفلسطيني، الذي لا يتردد في طرح خطط لتقليصه أو حتى القضاء عليه في بعض الأحيان.
ينطلق سموتريتش في هذه الرؤية من قاعدة صلبة من التربية الدينية والفكر الاستعماري، ومن بيئة استيطانية متطرفة شكلت في ذهنه خريطة مفصلة لما يعتقد أنه “إسرائيل” المنشودة، بما في ذلك حدودها ومدنها وسكانها وخطوط مواصلاتها وعلاقاتها الخارجية وترتيباتها الداخلية، وعندما وصل إلى واجهة المشهد السياسي الإسرائيلي، باتت رؤيته تلك هي التي تحدد الكثير من سياسات الحكومة الحالية.
في هذه السطور، نستعرض خلفية سموتريتش الدينية وعلاقاته المتجذرة في البيئة الاستيطانية التي نشأ فيها، ثم نتناول صعوده السياسي الحذر رغم تصريحاته المثيرة للجدل، وأخيرًا نحلل دوره الحالي في صياغة “إسرائيل” كما يراها، في ضوء التطورات العسكرية والسياسية التي تلت السابع من أكتوبر.
مستوطن من المهد
ولد بتسلئيل يوئيل سموتريتش في 27 فبراير/ شباط 1980 في مستوطنة “هاسبين” في مرتفعات الجولان المحتلة، وهي مستوطنة يقطنها يهود أرثوذكس، وتأسّست قبل 3 سنوات فقط من ولادته، على أنقاض قرية هاسفين المهجرة.
اختار والده، حاييم يروحام، الذي تعود جذوره إلى غرب أوكرانيا، تسمية ابنه “بتسلئيل”، والتي تعني “في ظل الله”، تيمنًا بالشخصية التوراتية بتسلئيل بن أورى بن حور، الذي كان مسؤولًا عن الحرفيين في بناء الهيكل، وفقًا للعقيدة اليهودية، وقد أوكل إليه النبي موسى مهمة بناء تابوت العهد.
لم تمكث عائلة سموتريتش طويلًا في المستوطنة الناشئة، إذ انتقلت بعد ذلك إلى مستوطنة “بيت إيل” التي تعتبر واحدة من أبرز المستوطنات في وسط الضفة الغربية، والتي تأسست في عام 1977 على يد حركة “جوش إيمونيم” على أرض فلسطينية خالصة، وذلك تحت مزاعم “الحفاظ على الأمن العام”.
في تلك المستوطنة، التي لم يتجاوز عدد سكانها 25 عائلة في البداية، كان المجتمع الاستيطاني منقسمًا إلى قسمين: مجتمع جنوبي مكوّن من سكان يعملون في المهن الحرة، وآخر شمالي ديني يرتكز وجوده بشكل أساسي على التعليم الديني، ونتيجة لهذا الانقسام الذي انعكس على العلاقات الاجتماعية داخل المستوطنة، قررت المنظمة الصهيونية العالمية اعتبار الأرض مقسمة إلى مستوطنتين: “بيت إيل أ” و”بيت إيل ب”، وذلك حتى عام 1997،حيث منحت المنطقة صفة “مجلس محلي”، ليتم التعامل معها كمستوطنة واحدة.
في المستوطنة التي قضى فيها سموتريتش سنوات طفولته الأولى، كان والده يعمل في سلك الحاخامية الأرثوذكسية، حيث ازدهر عمله بوجود المدرسة الدينية التي كانت تستقطب طلابًا من مختلف أنحاء المنطقة، وكان من بينهم سموتريتش نفسه.
دفعه والده في وقت لاحق لتوسيع نطاق تعليمه الديني، فانتقل إلى معهد “هراف كوك“، الذي أسّسه الحاخام أبراهام إسحاق كوك في عام 1924، وكان هذا المعهد بمثابة ثورة في مناهج التعليم الديني اليهودي آنذاك، إذ جمع بين الدراسات التلمودية والفلسفة اليهودية والتاريخ اليهودي، وركز على دمج التعليم الديني مع التفكير الأكاديمي.
في هذا المعهد، بدأ سموتريتش في ترسيخ فكره الاستيطاني، حيث تأثر بتعاليم الحاخام تسفي يهودا كوك، الذي كان من أبرز الداعين لتأسيس حركة استيطانية قوية في الضفة الغربية وقطاع غزة، كما ارتبط سموتريتش بجماعة “جوش إيمونيم” التي كان مؤسسها من خريجي المعهد، وكان من بين هذه الجماعة مؤسسو “غوش عتصيون”، أول مستوطنة في الضفة الغربية التي تأسست خلال أيام معدودة بعد حرب 1967.
في معهد “هراف كوك” أيضًا، اكتسب سموتريتش مفاهيمه الأساسية عن التعليم الديني، الذي كان يتمحور حول رفض أي دمج بينه وبين المناهج التعليمية الأخرى، كما بلور في تلك الفترة رؤيته الخاصة لوظيفة “الجيش الإسرائيلي”، حيث اعتبر أن مهمته يجب أن تكون التوسع المستمر في المناطق المحيطة بالعالم العربي، دون توقف، كما حدد موقفه الرافض للخدمة في الوحدات القتالية المختلطة (بين الرجال والنساء).
وعندما انتقل سموتريتش إلى المدرسة الدينية العليا في مستوطنة “كدوميم”، التي أسستها جماعة “جوش إيمونيم” على أراض مصادرة من بلدة كفر قدوم وبلدة جيت وبلدة أماتين، ازدادت قناعته بأهمية الضغط على الحكومة لاختراق سياساتها لتوسيع الاستيطان، لا سيما أن هذه المستوطنة نشأت نتيجة اتفاق بين الحكومة الإسرائيلية والجماعة الاستيطانية، الذي سمح لـ 25 عائلة بالاستيطان في المنطقة بالقرب من معسكر للجيش.
انطلق النشاط الاستيطاني في مستوطنة كدوميم من هدفين رئيسيين؛ الأول كان إنتاج جيل جديد يحمل القيم اليهودية المتشددة، ويسعى للتوسع الاستيطاني دون توقف. أما الهدف الثاني فكان إنشاء قيادات قادرة على التأثير في المستوى السياسي، والوقوف في وجه خطط الانسحاب أو تفكيك المستوطنات، وبالتالي تقديم الشرعية اللازمة لمزيد من المصادرة والتوسع الاستيطاني.
وكان في طليعة هذه القيادات دانييلا فايس، عميدة الاستيطان في الأراضي المحتلة وعرابة الاستيلاء على غزة والدفع نحو إنشاء مستوطنات هناك خلال الحرب الحالية، والتي كانت ترأس بلدية كدوميم من عام 1996 حتى 2007، وساهمت بشكل كبير في توسعة المستوطنة لتشمل 13 حيًا منفصلًا بالإضافة إلى منطقة صناعية.
في الوقت ذاته، تابع سموتريتش دراسته الأكاديمية في كلية “أونو” الأكاديمية، التي تأسست عام 1995 وكانت حينها تضم مقطورة واحدة فقط تحتوي على 100 طالب يدرسون القانون وإدارة الأعمال، حيث حصل على درجة البكالوريوس في القانون بمرتبة الشرف، وبعدها حصل على رخصة لمزاولة مهنة المحاماة، ثم التحق ببرنامج الماجستير في القانون العام والدولي في الجامعة العبرية، إلا أنه لم يكمل دراسته بشكل نهائي.
الانسحاب من غزة
يعود الظهور الأول لسموتريتش في السجلات الأمنية الإسرائيلية إلى العام 2005، حين شارك في المظاهرات الرافضة لتنفيذ خطة “فك الارتباط” عن قطاع غزة مع الجماعات اليمينية المتطرفة، وكان ممن اعتقل على خلفية المشاركة في حركة التمرد على إخلاء المستوطنات الإسرائيلية في القطاع.
وفيما تشير المصادر الإسرائيلية إلى أن اعتقاله في أغسطس/ آب 2005 جاء على خلفية العثور على 700 لتر من الوقود في منزله خطط لاستخدامها في أعمال تخريبية، وأنه اعتقل مع أربعة من نشطاء اليمين المتطرف لـ 3 أسابيع، حيث وجهت لهم تهم لانخراطهم في حوادث سكب مسامير وزيت على الطريق السريع بين القدس وتل أبيب، إضافةً إلى شبهة إتلاف معدات الاتصال وتخريب مكاتب حكومية ومنشآت وقفل المدارس، لكن صمت سموتريتش ورفاقه المطبق لم يترك أمام القضاء خيارًا سوى الإفراج عنهم، ووضعهم تحت الإقامة الجبرية.
هذه الرواية أكدها إسحق إيلان، نائب رئيس جهاز الأمن العام السابق الذي كان يترشح للكنيست مع حزب أزرق أبيض الوسطي عام 2019، حيث تحدث في تجمع سياسي إن سموتريتش كان “إرهابيًا يهوديًا” خطط لتفجير سيارات على طريق سريع رئيسي أثناء الانسحاب من غزة. مؤكدًا أنه استجوب سموتريتش شخصيًا.
لاحقًا ومع المعركة الانتخابية لعام 2022، أنكر سموتريتش عملية الاعتقال وجملة الاتهامات بشدة، وهدد بمقاضاة من يدعي أنه قبض عليه، مؤكدًا أن المواد الحارقة وجدت في منزل أحد أصدقائه وليس منزله هو، في المقابل تؤكد أرشيفات المقابلات الإعلامية مشاركته الفاعلة في مظاهرات رفض فك الارتباط، وإشارته إلى سلطات الإخلاء بالقول: “الأرض ستحترق تحت أقدامهم”.
على الصعيد نفسه، أطلق الانسحاب من قطاع غزة بالنسبة لسموتريتش ولغيره من المستوطنين فتيلًا لإشعال موجة مضادة من الاستيطان في الضفة الغربية، لكن بعقلية ممنهجة تسعي لتغيير وجه السياسة الإسرائيلية بما يدعم الاستيطان لا يقوضه، فبينما أنشأت دانييلا فايس في نهاية العام 2005 كلًّا من حركة “الموالون لأرض إسرائيل” وشباب من أجل أرض إسرائيل”، اللتان اندمجتا لاحقًا تحت إدارتها في إطار منظمة واحدة هي “نحالا للاستيطان”.
كان لسموتريتش نشاطه في السياق نفسه، وإن اختلفت الوسائل، فأسس مع مطلع عام 2006 منظمة “ريغافيم” التي تلاحق التمدد السكاني للفلسطينيين في كل من فلسطين المحتلة 1948 والضفة الغربية، وترفع تقارير دورية عن حجم البناء والعمل في الأراضي، وترفع شعار “حيثما يمر المحراث، هناك تمر حدودنا”
وجاء تأسيس المنظمة إثر جدل إسرائيلي حول البؤرة الاستيطانية “حراشا”، التي تقع بالقرب من رام الله، وما بين دعوات حركة السلام الآن لطرد مستوطني الكرفانات، ومساعي الاستيطان تم طرد المستوطنين، وكان أحدهما سموتريتش فأسس ريغافيم التي تعني قطع الأراضي، لتكون منظمة مضادة للسلام الآن.
وخلال الفترة الزمنية ما بين عامَي 2006 و2014 كان سموتريتش يرسم لنفسه مستقبلًا سياسيًا بالغ الدقة، فعلى صعيد خدمته العسكرية التي بدت تضحيةً في نظر محيطه المتدين، وهامشية بالنسبة للمجندين، حيث خضع لها بعد أكثر من 10 سنوات من وقتها الفعلي (بعمر 28 عامًا). فقد شغل منصب مساعد منسق العمليات الرئيسة في قسم العمليات في هيئة الأركان العامة، حيث اضطلع بالكثير من أعمال السكرتارية والقليل من العمل الميداني.
أما على صعيد نشاطه المجتمعي، فقد كان التصاعد اتجاهه الأساسي، فما بين إدارته لـ”ريغافيم” وللمدرسة الدينية في مستوطنة كدوميم “يشيفات كدوميم”، أسهم أيضًا في تأسيس رابطة المدارس الدينية الصهيونية العليا لمرحلة ما بعد الثانوية “اليشيفوت العليا”، وفي عام 2013 عُيّن زائرًا رسميًا لمنشآت الاعتقال من قبل نقابة المحامين.
كما شغل منصب ممثل الجمهور في الهيئة العامة لمجلس الصحافة عام 2014، وترقى في ظهوره حتى أصبح عضوًا في مجلس إدارة يشيفات بني حايل، وفي النواة التعليمية في منطقة نتانيا.
وبالموازنة ما بين الظهور المجتمعي والانخراط العسكري، وبخلفية يمينية متطرفة افتتح سموتريتش ظهوره السياسي عام 2009، حين وجهه قادة اليمين المتطرف للتركيز على دخول المضمار السياسي ومحاولة تحقيق الدمج بين الميدان والسياسة، فتقدم للترشح لعضوية الكنيست عن حزب الاتحاد الوطني “تكوما” دون أن تكلل محاولته بالنجاح.
إثر ذلك اتجه سموتريتش للتدرج في صعوده السياسي، فاندمج في اجتماعات الدوائر الحزبية لحزب الاتحاد الوطني “تكوما”، واستطاع التنبؤ بزعماء المستقبل فنسج علاقاته وتحالفاته في هذا المدار، فضمن منصب رئيس للحملة الميدانية لحزب البيت اليهودي الموحد مع الاتحاد الوطني في انتخابات 2013.
ثم أثار فكرة توسيع اللجنة المركزية للاتحاد الوطنية، ما وفر له دعمًا أكبر من كبار شخصيات الحزب للفوز في الانتخابات التمهيدية الداخلية، فاحتل المركز الثاني في قائمة تكوما خلف أوري أرئيل، متجاوزًا نشطاء سياسيين أكثر رسوخًا مثل عضو الكنيست أوريت ستروك، ومدير عام الحزب ناحي إيال، وهو ما مكنه من دخول الكنيست لأول مرة عام 2015 نائبًا.
بعدها بـ 4 أعوام، كانت شعبية سموتريتش تتصاعد بفعل صهيونيته الفجة المنبعثة من تصريحاته ومشاريع القوانين التي يطرحها في الكنيست، وهو ما أهله للسيطرة على الحزب الصهيوني الديني بعد انتخابات داخلية وضعته قائدًا للحزب خلفًا لأوري أرئيل مع يناير/ كانون الثاني 2019.
مع وصوله إلى سدة “تكوما” أصبح سموتريتش يتحرك بحرية أكبر، فتوجه لتوحيد اليمين الإسرائيلي في وجه العلمانيين في المعارك الانتخابية، فجمع حزب يمينا الذي يقوده بينت مع كل من تكوما والبيت اليهودي في انتخابات 2019 و2020 التي مثلت فاتحةً لصعود متتابع لليمين الإسرائيلي.
لكن القفزة الكبرى كانت حين استطاع قيادة قائمة انتخابية للمرة الأولى عام 2021، بعد 7 أعوام من انتخابه الأول في الكنيست، فأطلق على حزبه اسم “الصهيونية الدينية”، ما مثل أول تحول حاد بالنسبة لحزب تكوما تحت قيادته، نحو أقصى اليمين.
وفي انتخابات 2022 تقدمت الأحزاب اليمينية التي حملت اسم “اتحاد الصهيونية الدينية” بشعار (استيطان وسيادة) للانتخابات، من خلال شراكة برلمانية أكبر مع أحزاب البيت اليهودي ويمينا والقوة اليهودية.
ومع تحالفه الأخير مع إيتمار بن غفير من حزب القوة اليهودية، ودمجه لكل من حزب البيت اليهودي والصهيونية الدينية تمكن سموتريتش واتحاده في انتخابات 2022 من أن يحافظ على مرتبته الثالثة وأهميته كصانع للملوك في الموازين السياسية، فحصل على 14 مقعدًا متقدمًا على جميع الأحزاب باستثناء الليكود وهناك مستقبل.
هذه القدرة على حياكة مستقبله السياسي بمهارة جراح تجميلي، تركت انطباعات مختلفة حول سموتريتش وخطواته المستقبلية، فوصفه زميله بأنه: “ماكر للغاية، ومخادع، ومتواطئ، لكنه جيد جدًا في السياسة.”، بينما وصفه عضو الكنيست السابق عن حزب البيت اليهودي يوغيف بأنه “أيديولوجي أولًا وقبل كل شيء”.
فاشيّ وصريح في نواياه
منذ وصوله إلى السلطة في عام 2015، لم يتوانَ بتسلئيل سموتريتش عن تقديم نفسه كأحد أبرز رموز المنهجية الصهيونية المتشددة، وهو لم يخف في تصريحاته وأفعاله انتماءه العميق للفكر الاستيطاني الذي يعتبره أساسًا لازدهار “إسرائيل” ونموها، ومع مرور السنوات، أصبحت أيديولوجيته الدينية والاستيطانية أكثر وضوحًا، حيث عمل على تعزيز الممارسات المرتبطة بها دون أي تراجع، مهما كانت الانتقادات أو الإحراجات.
ما بين عامي 2015 و2024، تراوحت سمعة سموتريتش بين عدة تسميات أبرزها الفجاجة والعنصرية، حيث تسبب في إحداث اضطرابات داخلية على المستوى السياسي والاجتماعي، أهمها التوترات السياسية المرتبطة بالإصلاح القضائي، وثانيها الاضطرابات المتزايدة مع الحكومات الغربية والولايات المتحدة بخصوص السياسات الإسرائيلية الاقتصادية تجاه الفلسطينيين، وثالثًا ارتباطه الفعلي بعنف المستوطنين ضد الفلسطينيين في الضفة الغربية، ما أسهم في ازدياد العزلة الإسرائيلية وحصارها قانونيا عبر عدد من الدعاوى الدولية.
أول هذه الاضطرابات نشأت فعليًا نتيجة إحباط المحكمة الإسرائيلية العليا لعدد من القوانين التي أقرها الكنيست والتي كان لها دور كبير في تعزيز سياسة الاستيطان، وكان سموتريتش في طليعة الداعمين لهذه القوانين، ومن أكثر النواب في الكنيست تقديمًا للمشاريع التشريعية، حيث تجاوزت مشاريعه حتى الآن 15 مشروع قانون، معظمها كان في إطار فرض السيطرة الإسرائيلية على الأراضي الفلسطينية.
كما أظهر سموتريتش نفسه كأحد الشخصيات الأكثر انخراطًا في عمل الكنيست، حيث شارك في العديد من اللجان البرلمانية الهامة، على سبيل المثال، تم تعيينه نائبًا لرئيس الكنيست، بالإضافة إلى انضمامه إلى عضوية عدة لجان استراتيجية مثل اللجنة المالية، ولجنة الشؤون الداخلية والبيئة، ولجنة مراقبة الدولة، ولجنة الشؤون الخارجية والدفاع.
من خلال هذه المناصب وهذا التموقع، تمكن سموتريتش من التأثير على سياسات الحكومة الإسرائيلية، حيث استطاع دفع أجندته السياسية رغم التحديات القانونية والسياسية الداخلية، ولا سيما في مجالات الاستيطان والقضايا الأمنية.
علاوة على ذلك، لعب بتسلئيل سموتريتش دورًا محوريًا في تشكيل مجموعات الضغط السياسية التي تهدف إلى تعزيز الاستيطان الصهيوني في الأراضي الفلسطينية، وتوسيع دائرة السيطرة الإسرائيلية على المناطق المحتلة، فقد ترأس عدة مجموعات ضغط كان لها تأثير كبير في تعزيز أجندته السياسية، مثل مجموعة الضغط من أجل تعزيز وتطوير الجليل، ومجموعة الضغط من أجل تشجيع المجتمعات الموجهة نحو الرسالة، بالإضافة إلى مجموعات أخرى تهدف إلى فرض السيادة الإسرائيلية على الضفة الغربية بما في ذلك “يهودا والسامرة”، وتعزيز النمو السكاني في “أرض إسرائيل”.
وفي إطار تشريعاته، قدم سموتريتش العديد من القوانين التي تعكس رؤيته الصهيونية المتطرفة، أبرزها “قانون الاستيطان” الذي قدمه للكنيست في عام 2015، بهدف منح تفويضًا واسعًا للحكومة الإسرائيلية وللمنظمة الصهيونية العالمية بخصوص قضايا الاستيطان، ويعزز بشكل مباشر شرعية الاستيطان الإسرائيلي في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
من خلال هذه الإجراءات التشريعية والنشاطات السياسية، عمل سموتريتش على تسريع تنفيذ رؤيته “لإسرائيل الكبرى”، ومواصلة تعزيز المستوطنات في الضفة الغربية، مع تعزيز الدعم الشعبي والسياسي لهذه السياسات داخل إسرائيل.
في عام 2017، قدم سموتريتش مشروع “قانون التسوية”، الذي يهدف إلى تسوية أوضاع المستوطنات المقامة على أراض فلسطينية في الضفة الغربية، وخاصة تلك التي تم تأسيسها “بحسن نية”، ويتيح هذا القانون مصادرة الأراضي الفلسطينية التي تقع ضمن هذه المستوطنات، بينما يعرض على أصحاب الأراضي الفلسطينية تعويضات أو بدائل، في محاولة لتخفيف الانتهاك القانوني والحقوقي الذي يسببه القانون.
كما قدم سموتريتش تشريعات أخرى تعكس رؤيته الدينية والقانونية المتشددة، من أبرزها كان قانون ينص على ضرورة الرجوع إلى التقاليد الدينية اليهودية، مثل التوراة، في معالجة القضايا القانونية التي يصعب على التشريعات الوضعية حلها.
ومن ضمن مشاريع القوانين الأخرى التي دفع بها، كان قانون يمنع نشطاء حركة المقاطعة (BDS) من زيارة الأراضي الفلسطينية المحتلة، بهدف إعاقة أنشطة هذه الحركة الداعية للمقاطعة وسحب الاستثمارات من إسرائيل.
بالإضافة إلى ذلك، اقترح قانونًا آخر يدعم المطورين العقاريين اليهود الذين يرفضون بيع ممتلكاتهم للمواطنين العرب، في خطوة تهدف إلى تعزيز الفصل العنصري وتعميق الفجوة بين اليهود والعرب في إسرائيل.
نتيجةً لرفض المحكمة العليا الإسرائيلية لعدد من مشاريع القوانين التي قدمها سموتريتش، بما في ذلك إلغاء قانون التسوية في عام 2017، بدأ سموتريتش يعبر عن استيائه من الهيمنة القضائية في إسرائيل، حيث اعتبر أن هذه المحكمة، التي أسسها القاضي أهارون باراك في التسعينيات وأدخلت مبدأ المراجعة القضائية، قد أصبحت عقبة أمام تنفيذ مشاريعه الاستيطانية والقوانين التي تهدف إلى تعزيز أيديولوجيته الدينية والسياسية.
في مواجهة هذا التحدي، بدأ سموتريتش يسعى للسيطرة على وزارة العدل في الحكومة الإسرائيلية، بهدف “إعادة بناء النظام القضائي الإسرائيلي”، بحسب رؤيته، واستعادة ما أسماه “العدالة القائمة على التوراة”، وكان يطمح إلى تقليص دور المحكمة العليا وتعزيز قوة السلطات التنفيذية والتشريعية في اتخاذ القرارات، بما يتماشى مع أفكاره الدينية والسياسية.
وفي الوقت نفسه، تفجر موجة من الاحتجاجات والمظاهرات في إسرائيل ضد محاولاته تقويض سلطات المحكمة العليا، حيث اعتبر الكثير من الإسرائيليين هذه الخطوة بمثابة انقلاب على النظام الديمقراطي، أما بالنسبة للعلمانيين والمجتمع الإسرائيلي الليبرالي، أصبح سموتريتش رمزًا للتيار الديني المتشدد، إذ لم يتردد سموتريتش في التعبير عن مواقفه الصارمة بكل وضوح، ففي إحدى تصريحاته الشهيرة قال: “نعم أنا فاشي وكاره للمثليين ولكني رجل يفي بكلمته”.
في عام 2017، أعلن سموتريتش عن “خطته الحاسمة“، التي لاقت دعمًا من رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو، في وقت كانت فيه الظروف الإقليمية والدولية مواتية، خاصةً مع اتفاقات “السلام الإبراهيمي” وإدارة الرئيس الأمريكي ترامب، ومع ذلك ساهمت هذه الخطة في تصعيد العلاقات مع الحكومات الغربية وأشعلت التوترات في الضفة الغربية بسبب هجمات المستوطنين على الفلسطينيين.
كانت خطة سموتريتش تركز على منح الفلسطينيين حكمًا ذاتيًا محدودًا لا يتجاوز حدود البلديات، وفي المقابل، تشرع العديد من البؤر الاستيطانية الإسرائيلية غير المرخصة في الضفة الغربية، وتفرض أوامر هدم ضد البناء الفلسطيني غير المرخص في أجزاء من الضفة.
كما شملت الخطة تقليص الإجراءات البيروقراطية للبناء في المستوطنات، ووقف تدمير البؤر الاستيطانية غير القانونية مثل “رامات ميجرون” و”إيفاتار”، بالإضافة إلى إلغاء “قانون فك الارتباط” للسماح بإعادة بناء المستوطنات في شمال الضفة الغربية التي تم إخلاؤها كجزء من خطة فك الارتباط مع غزة في عام 2005.
لم يغفل سموتريتش عن استخدام مساعيه للوصول إلى السلطة من خلال إلغاء الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع، التي تدير الشؤون المدنية للفلسطينيين والإسرائيليين في المناطق المحتلة، بل كان يرى أن الحل يكمن في تحويل صلاحيات هذه الإدارة إلى وزارة أخرى تضمن منح تصاريح البناء في المناطق “ج” للمستوطنين دون الفلسطينيين، مما يتيح لحكومة القدس سحب البساط من الحكم العسكري وتحويله إلى سيادة فعلية.
وفيما يتعلق بالفلسطينيين، صرح سموتريتش بأنه لا يعتقد بالحاجة لمنحهم الجنسية الإسرائيلية على الإطلاق، وأنهم بحاجة إلى تنفيذ مجموعة من الشروط والمتطلبات لضمان استمرار إقامتهم داخل الضفة الغربية.
خطة سموتريتش ظلت حبيسة الأدراج لفترة من الزمن، حتى جاء العام 2019 حيث نجح في التوصل إلى اتفاق مع نتنياهو لتشكيل الحكومة الرابعة والثلاثين، ورغم رفض نتنياهو منحه وزارة المالية أو العدل أو الشتات، تم تعيينه في وزارة النقل والمواصلات، وعلى الرغم من أن هذه الوزارة لم تتناسب تمامًا مع طموحاته الاستيطانية، إلا أنه استفاد منها لإطلاق مشاريع تهدف إلى ربط مستوطنات الضفة الغربية بالمركز.
من أبرز تلك المشاريع كان “نتيف بلوس”، الذي اعتبره سموتريتش خطة لتوحيد “إسرائيل الكبرى”، ساعيًا لضم 180 مستوطنة و200 بؤرة استيطانية في الضفة الغربية إلى الأراضي المحتلة عام 1948، ضمن خطة تعمل على توسيع الطرق والشوارع من خلال مصادرة المزيد من أراضي منطقة “ج” في الضفة الغربية، التي تشكل نحو 60% من الأراضي المحتلة عام 1967.
وسع سموتريتش مسارات الشوارع الرئيسية مثل شارع الساحل وشارع أيالون، وأطلق مسارًا مخصصًا للمركبات الخصوصية بهدف تسهيل تنقل المستوطنين وزيادة سرعة اندماجهم في المجتمع الإسرائيلي والوصول إلى مراكز العمل بسهولة، كما أطلق شبكة سكة حديد تربط مدينة ريشون لتسيون بمستوطنة موديعين، وطور سكة القطار على الخط السريع بين القدس وتل أبيب، بما يعزز من دمج 27 مستوطنة في القدس الشرقية ضمن الهيكل النقلي الموحد.
خطة المليون مستوطن
لم يدم بقاء سموتريتش طويلًا في وزارة المواصلات، حيث مع تجدد الاضطراب الحكومي في انتخابات 2022، استطاع تحالفه فرض شروطه على نتنياهو ليحصل على وزارة المالية، ما فتح له المجال بشكل أكبر لتمويل الاستيطان وتعزيز سياسة الحصار المالي على الفلسطينيين.
أعاد سموتريتش ترتيب الميزانية الإسرائيلية بما يتماشى مع أهدافه الاستيطانية، فخصص 960 مليون دولار لإكمال شبكة الطرق التي تربط المستوطنات بالأراضي المحتلة، كما عزز من دعم المستوطنات عبر ضخ المزيد من الأموال لتوسيعها وتوفير الحماية لها.
في المقابل، قلص الدعم الموجه للبلدات العربية إلى الحد الأدنى، وأوقف تمويل البرامج التعليمية العربية لفلسطينيي القدس، ليحول البوصلة المالية نحو دعم المدارس الدينية اليهودية.
أما على الصعيد المالي الفلسطيني، فقد أطلق سموتريتش “قانون لوكر” الذي قيد التحويلات المالية (النقدية) من الفلسطينيين إلى خارج الأراضي المحتلة، بحيث لا يتجاوز المبلغ 11 ألف شيكل، وهو ما رفعه لاحقًا إلى 13 ألف شيكل في عام 2021، ما أسهم في تكدس أكثر من 6 مليارات شيكل نقدًا في البنوك الفلسطينية، مما أضعف قدرتها على تمويل القروض وزاد من تكاليف تخزين الأموال وتأمينها.
ثم أطلق سموتريتش سلسلة من الاقتطاعات السنوية من أموال الفلسطينيين، حيث وصل إجمالي ما تم اقتطاعه حتى منتصف عام 2024 إلى أكثر من 3 مليارات شيكل، كما شدد من عمليات المراقبة والمداهمة لمحال الصيرفة في الضفة الغربية، ما أسفر عن تخريب ونهب مبالغ مالية كبيرة، حيث تم سحب أكثر من 10 ملايين شيكل في إحدى المداهمات.
وعزز سموتريتش سياسة اقتصادية تقتص من الفلسطينيين على كل شكل من أشكال الدعم الدولي الذي يتلقونه، سواء كان ذلك عبر أموال المقاصة أو من خلال مشاريع الاستيطان الفعلي، ففي الربع الأخير من عام 2023، اقتطع نحو 956 مليون شيكل من أموال المقاصة الفلسطينية، وافتتح عام 2024 بحجز 3.1 ملايين شيكل إضافية.
وبصفته وزيرًا للمالية، صادق سموتريتش على تحويل نحو 835 مليون دولار من أموال المقاصة المحتجزة منذ عام 2018 إلى الخزينة العامة الإسرائيلية، معتبرًا ذلك ضريبة على “الإرهاب” يجب أن يدفعها الفلسطينيون.
تزايدت قدرة سموتريتش على تنفيذ سياساته بفعل اتساع صلاحياته، والتي تراوحت بين مواقعه الحكومية وأطر الائتلاف السياسي الذي شكلته الحكومة الإسرائيلية الحالية، والذي يضم ستة أحزاب رئيسية، وهي: حزب الليكود، الصهيونية الدينية، القوة اليهودية، يهودوت هتوراه، شاس، ونوعام، وهو يركز بشكل أساسي على تعزيز السياسات الاستيطانية وفرض السيطرة على الأراضي الفلسطينية.
اتفاقيات الائتلاف نصت على أن الاستيطان في “يهودا والسامرة” هو “حق للشعب اليهودي وغير قابل للتصرف”، ما جعل الحكومة الإسرائيلية تلتزم بتطوير وتنفيذ سياسات فرض السيادة على الضفة الغربية وفقًا للمصالح القومية، مع الأخذ في الاعتبار الحسابات الدبلوماسية الدولية.
نتيجة لهذه الاتفاقيات، وفي فبراير/ شباط 2023، أتيحت لسموتريتش الفرصة لإخراج خطته الاستيطانية من الأدراج، حيث تم تكليفه من قبل بنيامين نتنياهو بالإشراف على الأراضي المحتلة في الضفة الغربية.
هذا التكليف منح سموتريتش سلطة تنفيذية شبه كاملة في المناطق الفلسطينية المحتلة، وجعل منه “حاكمًا فعليًا” للضفة الغربية، حيث تجاوزت سلطته حتى صلاحيات الإدارة المدنية التابعة لوزارة الدفاع، فقد وصفت الصحافة الإسرائيلية هذا التكليف باعتباره “منصبًا غير مسبوق”، مشيرةً إلى أنه على الرغم من محدودية الخبرة العسكرية لسموتريتش، إلا أن سلطاته في إدارة الأراضي الفلسطينية تجاوزت حتى أعلى مستويات الجيش.
وفي سياق تعزيز سلطته الاستيطانية، أطلق سموتريتش عبر ائتلافه الحكومي دائرة استيطانية جديدة تحت اسم “دائرة الاستيطان الفتي”، والتي تهدف إلى رفع أعداد المستوطنين في الضفة الغربية إلى مليون مستوطن، من خلال تنمية مستوطنات الأطراف، وتطوير البنى التحتية اللازمة، بالإضافة إلى تعزيز المكونات الأمنية التي تضمن استمرارية المشروع الاستيطاني في الأراضي الفلسطينية المحتلة
وتعمل هذه الدائرة من خلال تنسيق مشترك بين وزارة الدفاع، وزارة الشؤون المدنية، ودائرة الأراضي الإسرائيلية، وهو ما يمثل خطوة كبيرة نحو ضم فعلي للأراضي المصنفة “ج” في الضفة الغربية.
تتجاوز سلطات سموتريتش في هذا السياق صلاحيات المنسق العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية، حيث تمسك منظمته الاستيطانية “ريغافيم” بكامل السلطة والنفوذ في مناطق “ج” وعلى حساب إدارة المنسق العسكري.
وتعدّ “ريغافيم” -التي تتمتع بميزانية سنوية تتجاوز 6 ملايين شيكل- بمثابة “الإدارة العليا” للمشروع الاستيطاني، حيث تشرف على التنسيق بين الحكومة الإسرائيلية، الإدارة المدنية، المنظمات الاستيطانية المختلفة، ووزارات عدة، لتصبح بمثابة الآلية التنفيذية للمشروع الاستيطاني في هذه المناطق.
خطوة سموتريتش في إطلاق “دائرة الاستيطان الفتي” اعتبرت قفزة كبيرة تتجاوز الحكم العسكري الإسرائيلي للأراضي المحتلة عبر طرف ثالث، مما يوفر تغطية قانونية وسياسية لعمليات المصادرة والاستيطان، في ظل دعم من وزارة الإسكان بقيادة الوزير المتطرف يتسحاق جولدكنوف، أحد الأذرع الرئيسية لدفع مشروع الاستيطان في قطاع غزة إلى الأمام، بالتعاون مع شخصيات مثل دانييلا فايس وسموتريتش وبن غفير.
ففي عامَي 2023-2024، تمكنت الحكومة الإسرائيلية من مصادرة نحو 24 ألف دونم من الأراضي الفلسطينية، وهو ما يعادل نصف المساحة المصادرة في كافة السنوات السابقة، كما جرى شرعنة 15 بؤرة استيطانية بشكل فعلي، مع شروع السلطات الإسرائيلية في شرعنة 72 بؤرة أخرى.
بالإضافة إلى ذلك، طرح سموتريتش وثيقة تتضمن قائمة بـ 195 بؤرة استيطانية جديدة يعتزم شرعنتها، مع وضع جدول زمني لتنفيذ ذلك.
كما أطلق العنان لتغطية الهجمات التي شنها المستوطنون ضد الفلسطينيين، والتي شملت نهب الممتلكات، وحرق الأراضي، والتعذيب، والقتل، حيث تزايدت هذه الهجمات بنسبة 30% شهريًا مقارنة بالعام 2023، دون أن تتعرض لأي مسائلة قانونية أو محاكمة.
إلى جانب ذلك، استولى المستوطنون على العديد من المواقع التراثية الفلسطينية بحجة “حمايتها من الخطر الفلسطيني” وفقًا لما وصفه سموتريتش، الذي قلل من أهمية هذه الهجمات وأكد أنها “عملية تعقيم” فقط، مشيرًا إلى تكثيف الاستيطان ومصادرة حقوق الفلسطينيين في الضفة الغربية.
سموتريتش أضاف معادلة جديدة للاستيطان، تقضي بإنشاء مستوطنة جديدة باسم كل دولة تعترف بفلسطين بشكل أحادي، حيث اعتبر أن مهمته الرئيسية في الحياة هي “إحباط إقامة دولة فلسطينية”، تماشيًا مع رؤيته الإيديولوجية، والتي ترى أن “كل الأرض هي أرض إسرائيل”، ولا مكان للفلسطينيين فيها.
وعلى المستوى الشخصي، يعكس سموتريتش هذه الرؤية من خلال استيلائه على أرض فلسطينية خاصة، حيث أقام منزلًا خارج الإطار التنظيمي ودون ترخيص حكومي على أطراف مستوطنة كدوميم شمال الضفة الغربية، قبل أن يتم ضم الأرض إلى الإطار الاستيطاني الحكومي.
سيّد القنابل الإعلامية
رغم الامتعاض الكبير الذي تسببه تصريحات سموتريتش ومواقفه المتطرفة، سواء من داخل الأوساط السياسية الإسرائيلية أو من الخارج التي ترى في التصريح ضررًا أكبر من التلميح، وأن المخططات تطبق بالصمت لا بالجعجعة، إلا أن سموتريتش تجاهل تلك الانتقادات واستمر في التمادي في تصريحاته التي تعكس مواقفه العنصرية والصهيونية بشكل علني وغير موارب، مستمتعًا بلقبه الجديد “مشعل الحرائق” في مضمار السياسة الإسرائيلية.
في عام 2016، وفي سياق مثير للجدل، دافع سموتريتش عن موقفه بشأن فصل النساء العربيات عن اليهوديات في أجنحة الولادة بالمستشفيات، مشيرًا إلى أن هذا المطلب جاء بناءً على رغبة زوجته في أن تكون بعيدة عن النساء العربيات في تلك الأجنحة، وأكد أن هذا الموقف ليس عنصريًا، بل “طبيعي” وفقًا له، لأن زوجته لا ترغب في أن تكون في السرير بجوار امرأة أنجبت طفلًا قد ينتهي به الحال إلى قتل أطفالها بعد 20 عامًا.
في العام نفسه دعى سموتريتش لاستهداف الشبان الفلسطينيين بالقتل قائلًا: “الإرهابي، بغض النظر عن عمره، الذي يعتزم قتل يهودي لمجرد كونه يهوديا، لا يعود إلى منزله حيا.”.
وفي عام 2018 أبدا أسفه عندما أُلقي القبض على المراهقة الفلسطينية عهد التميمي لصفعها جنديًا إسرائيليًا في النبي صالح، فنشر على موقع إكس، قائلًا: “أنا حزين جدًا في الواقع لأنها قيد الاعتقال. أعتقد أنه كان يجب عليها أن تتلقى رصاصة، على الأقل في الركبة. وكان ذلك سيضعها تحت الإقامة الجبرية لبقية حياتها”.
وفي عام 2021 توجّه للنواب العرب في الكنيست الإسرائيلي بالقول: “أنتم هنا عن طريق الخطأ، لأن بن غوريون لم ينجز المهمة ولم يطردكم في عام 1948″، ثم أعاد تصريحه بصيغة أخرى في مؤتمر للمعهد الدولي لمكافحة الإرهاب في جامعة رايخمان، في عام 2022 حين قال إن “التهديد الأكثر خطورة اليوم هو التهديد الذي يشكله القوميون في المجتمع العربي الإسرائيلي”، وأضاف أن “الخطوة الأولى ردًا على ذلك هي حظر الأحزاب العربية التي تخدم حاليًا في الكنيست وممثليها”، داعيًا إلى تقليص دور العرب في السياسة الإسرائيلية بشكل واضح، وهو ما يعكس تهميشه الكامل لحقوق المواطنين العرب في إسرائيل.
وفي بداية عام 2023، تسبّب سموتريتش في موجة استنكار عربي ودولي بعد تصريحاته التي دعا فيها إلى “محو” قرية حوارة الفلسطينية، بقوله إن “محو حوارة يجب أن يكون إما من قبل الحكومة أو بيد الأفراد”، كما دافع عن جريمة حرق عائلة دوابشة في عام 2015 من قبل مستوطنين، معتبرًا أن “هذا ليس إرهابًا”.
مطلع العام الحالي، أثار بتسلئيل سموتريتش ضجة جديدة بعد إعادة نشر فيديو له مقتطع من فيلم وثائقي بعنوان “وزير الفوضى”، تحدث فيه عن رؤيته لتوسيع السيادة الإسرائيلية على حساب الدول العربية، فقج أشار إلى أن التوسع الإسرائيلي يجب أن يشمل ست دول عربية، وأن حدود القدس تمتد حتى دمشق، ما ترك أصداءً أوسع حين أثار حفيظة الأردن بإقدامه على استخدام خريطة لإسرائيل تضم الأردن والأراضي الفلسطينية، خلال فعالية عقدت في باريس، أنكر فيها وجود الشعب الفلسطيني، مكررًا عبارة “ليس ثمة شيء اسمه شعب فلسطيني”.
خلال الحرب الحالية على قطاع غزة، كرر سموتريتش مواقفه المتشددة تجاه الفلسطينيين، حيث صرح بأن “موت مليوني فلسطيني في قطاع غزة جوعًا قد يكون عادلًا وأخلاقيًا” في سياق مطالبه بعودة الأسرى الإسرائيليين. وفيما يتعلق بحركة حماس، وصفهم بأنهم “نازيون جدد” وهدد بأنهم “سيدفعون ثمنًا باهظًا” في الأراضي التي ستنتزع منهم إلى الأبد، سواء في غزة أو في الضفة الغربية المحتلة.
كان بتسلئيل سموتريتش من أوائل الوزراء، إلى جانب إيتمار بن غفير، الذين طرحوا فكرة الاحتلال العسكري الكامل لقطاع غزة وإعادة الاستيطان عليه، وقد كرر سموتريتش تصريحاته في مناسبات متعددة بما يتماشى مع مرجعيته الفكرية القائمة على صهيونية متشددة، حيث قال: “أنا يميني أؤمن بالاستيطان في أرض إسرائيل. من الممكن أنه لو استوطنا في قطاع غزة لما حدثت المذبحة الرهيبة. الاستيطان ليس جزءًا من أهداف الحرب، لكن بالنسبة لي الشيء الصحيح هو احتلال قطاع غزة وإعادة الاستيطان”.
كما أكد سموتريتش رفضه التام لقرارات الأمم المتحدة المتعلقة بضرورة انسحاب إسرائيل من الأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1967، وتفكيك المستوطنات، وتعويض المتضررين، واعتبر أن الحل الصحيح يكمن في استمرار الوجود العسكري الإسرائيلي في الضفة الغربية واستمرار الاستيطان فيها، مؤكدًا أن الاستيطان هو الذي يضمن عدم قيام دولة فلسطينية.
لم تسلم الإدارة الأمريكية الحالية من انتقادات سموتريتش، إذ عقب إعلان فوز دونالد ترامب في انتخابات الرئاسة الأمريكية، تقدم بتوجيه تهنئة لترامب، معتبرًا أن فوزه يمثل ردًا على سنوات من التدخلات الأمريكية في “الديمقراطية الإسرائيلية” وعدم التعاون معه شخصيًا، وفي نفس الوقت، اعتبر فوز ترامب فرصة هامة لتطبيق السيادة الإسرائيلية على المستوطنات في يهودا والسامرة (الضفة الغربية)، وأعلن أن عام 2025 سيكون “عام السيادة الإسرائيلية” على تلك المناطق.
وفيما يتعلق بموقفه من الاقتصاد، كانت تصريحات سموتريتش مثيرة للجدل أيضًا، ففي عام 2015، عندما سئل عن موقفه من الاقتصاد الاشتراكي أو الرأسمالي، أجاب بأنه يفضل الاعتماد على التوراة وكتاب “اللاويين” كأساس لمنهجه الاقتصادي، وعندما سئل عن تقرير الفقر السنوي، الذي أشار إلى أن واحدًا من كل 3 أطفال إسرائيليين يعيشون تحت خط الفقر، قال: “هذه الأرقام مبالغ فيها. لدي 5 أطفال ولا أعتقد أن اثنين منهم فقراء”.
تاريخ وتصريحات سموتريتش لا تمثل فقط نفسه أو توجهاته الشخصية، بل تعكس أيضًا تحولات عميقة في المواقف الإسرائيلية التي كانت في السابق تمثل أقلية برلمانية، إذ أصبحت هذه المواقف اليوم جزءًا من الأيديولوجية السائدة في المجتمع الإسرائيلي، وتعكس النظرة العامة للمستقبل الإسرائيلي في مواجهة الفلسطينيين والعرب.
ففي حين كانت هذه الآراء تعتبر متطرفة قبل سنوات، فإنها اليوم أصبحت تعبيرًا مكثفًا عن اتجاهات رئيسية في السياسة الإسرائيلية، من التوسع الاستيطاني والسيطرة على الأراضي الفلسطينية، إلى نزع الشرعية عن أي نقد يوجه للاحتلال أو لسياسات إسرائيل.
حتى بين صفوف العلمانيين واليسار الإسرائيلي، يظهر تزايد في التوحد خلف أفكار التوسع والسيطرة والسيادة على الأراضي الفلسطينية، وهو الموقف الذي يعبر سموتريتش عنه في تصريحاته، بكون الاحتلال ليس “كلمة سيئة”، بل هو ببساطة جزء من “الوجود الشرعي” الإسرائيلي في أرض يهودا والسامرة.
ومع تصاعد هذه الأيديولوجية، تتشكل “المصفوفة” التي تصنف أي انتقاد للسياسة الإسرائيلية على أنه معاداة للسامية أو تجاوز للقيم الدولية، فيما يعتبر المستوطن الإسرائيلي “بطلًا”، بينما يصنف الفلسطيني والعربي كتهديد وجودي يجب محوه أو السيطرة عليه، مع ما يشمله ذلك من رؤية تبنى على تفضيل الاستيطان والتوسع كمهمة حياة، وتضخيم أي موقف يعبر عن تفضيل العرب للمقاومة أو مطالبهم بحقوقهم.