ترجمة وتحرير: نون بوست
لقد أُغلقت إحدى الطرق الرئيسية المؤدية إلى أوروبا. وعلى امتداد الأشهر الخمسة الأولى من السنة الحالية، وصل أكثر من ألف ومئة مهاجر إلى إيطاليا ومالطا عن طريق البحر الأبيض المتوسط. في الواقع، يعتبر هذا الرقم منخفضًا بشكل يبعث على السخرية مقارنة بـ 650 ألف مهاجر الذين استخدموا هذا الطريق البحري خلال السنوات الخمس الماضية. وهذا الانخفاض هو نتيجة تعاون مكثف بشكل خاص بين الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وليبيا.
في سنة 2014، في الوقت الذي غرقت فيه البلاد في حرب أهلية منذ سقوط نظام القذافي، غادر أكثر من 140 ألف مهاجر شواطئها باتجاه إيطاليا مقارنة بنحو 42 ألف مهاجر في السنة السابقة انطلاقًا من كل الشواطئ الجنوبية لوسط البحر المتوسط. وبعد سنتين، أصبحت هذه الشواطئ البوابة الرئيسية التي تفتح على القارة الأوروبية.
اعتبارًا من شهر تموز/ يوليو 2016، فوّض الاتحاد الأوروبي خفر السواحل الإيطالي “لتحمل مسؤوليةٍ قيادية” في مشروع إنشاء مركز تنسيق الإنقاذ البحري في طرابلس ومنطقة إنقاذ في المياه الدولية تتحمل مسؤوليتها ليبيا
بسبب قلقها من هذه الطفرة، أعادت إيطاليا إحياء علاقاتها الثنائية مع ليبيا في شهر آذار/ مارس 2016، التي قُطعت منذ سقوط القذافي، بُعيد تنصيب حكومة الوفاق الوطني الهشة التي يرأسها فايز السراج في طرابلس برعاية الأمم المتحدة. وسيرًا على خطى روما، غيّر الاتحاد الأوروبي تفويض عمليته العسكرية المسماة “صوفيا”. وبعد أن كانت مقتصرة حتى ذلك الحين على مكافحة تهريب المهاجرين في البحر الأبيض المتوسط، بات يتعين على هذه العملية الآن الإشراف على إعادة تأهيل خفر السواحل الليبي.
اعتبارًا من شهر تموز/ يوليو 2016، فوّض الاتحاد الأوروبي خفر السواحل الإيطالي “لتحمل مسؤوليةٍ قيادية” في مشروع إنشاء مركز تنسيق الإنقاذ البحري في طرابلس ومنطقة إنقاذ في المياه الدولية تتحمل مسؤوليتها ليبيا. وتعد هذه الخطوة رئيسية في تغيير المشهد في وسط البحر الأبيض المتوسط.
إلى حدود ذلك الوقت، وعلى ضوء فشل طرابلس، تحمّل مركز تنسيق الإنقاذ البحري في روما مهمة تنسيق عمليات الإنقاذ قبالة ليبيا. وكان المهاجرون الذين تم إنقاذهم يُعادون إلى الشواطئ الأوروبية للبحر الأبيض المتوسط. ولكن بما أن طرابلس أصبحت تشرف على هذه العمليات، فإن خفر السواحل سيعيدون المهاجرين إلى ليبيا، حتى أولئك الذين يتم اعتراضهم في المياه الدولية. وتُلخص مستشارة الشؤون الإنسانية لمنظمة أطباء بلا حدود، حسيبة حاج صحراوي، الوضعية قائلة إن هذا الأمر مثّل طريقة “للتحايل على منع القانون الدولي عملية إعادة لاجئ إلى بلد تتعرض فيه حياته أو حريته للخطر”.
وضعية فوضوية
بدأت التدريبات الأولى لخفر السواحل في تشرين الأول/ أكتوبر 2016، وساهمت وكالات الأمم المتحدة في التحسيس بضرورة احترام حقوق الإنسان. وحيال هذا الشأن، أقر روبرتو ميجنون، الممثل السابق للمفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في ليبيا، بأنه “من الصعب قياس مدى تأثير هذا الأمر، لكننا نعتقد أن وجودنا يحد من المخاطر التي يتعرض لها اللاجئون”.
استفاد الموظفون الليبيون من التدريب ليطلبوا اللجوء في أوروبا بأنفسهم
في الاتحاد الأوروبي، تمت تعبئة جميع الأدوات حتى أنه طُلب تدخل فرق المكتب الأوروبي لدعم اللجوء. ويتذكر مسؤول أوروبي الشعور بالضيق الذي طغى على الأجواء الداخلية حينها: “لقد ضغط علينا المجلس للمشاركة. ومن الواضح أننا لم نتحمس. لقد كانت طريقة “شكلية” للقول إن خفر السواحل قد تدرّبوا على التعامل مع مسألة اللجوء. وكان ذلك يوشك على أن يورطنا فيما يبدو أنه علاقة تعاقد وحرية مطلقة في التعامل مع الممارسات الإشكالية”.
من جهتهم، استفاد الموظفون الليبيون من التدريب ليطلبوا اللجوء في أوروبا بأنفسهم. وتعيش البلاد حالة فوضى، كما يتعرض المهاجرون بشكل خاص لممارسات عنف خطيرة، على غرار العمل القسري والاستغلال الجنسي والابتزاز والتعذيب. مع ذلك، تستمر أوروبا في خطتها وتواصل الاعتماد على إيطاليا. وفي الثاني من شباط/ فبراير 2017، أعادت الحكومة اليسارية لحزب باولو جينتيلوني (الحزب الديمقراطي) تفعيل معاهدة الصداقة لسنة 2008 بين روما وطرابلس، بموافقة المجلس الأوروبي منذ اليوم التالي. وقد خُصصت موارد الصندوق الائتماني الأوروبي من أجل أفريقيا لقضايا الهجرة في ليبيا، وقد بلغت قيمتها 338 مليون يورو إلى حد الآن، على الرغم من أن الاتحاد الأوروبي يُشير إلى “مخاوف من تواطؤ محتمل بين المستفيدين من العمل وأنشطة التهريب والاتجار”.
عرقلة عمل المنظمات غير الحكومية
في ذلك الوقت، ندّدت الأمم المتحدة بتورّط خفر السواحل في الزاوية (التي تبعد 50 كيلومترا عن غرب طرابلس) في تهريب المهاجرين. وفي شهر أيار/ مايو 2017، سلّم وزير الداخلية الإيطالي (من الحزب الديمقراطي) ماركو مينتي أربعة قوارب دورية إلى ليبيا. وبعد ثلاثة أشهر من ذلك، أبلغت طرابلس المنظمة البحرية الدولية أنها أصبحت مؤهلة لتنسيق عمليات الإنقاذ في حدود 94 ميلًا بحريًا قبالة سواحلها.
كانت روما هي من تقدم في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2017 إلى المنظمة البحرية الدولية بمشروع المركز الليبي لتنسيق عمليات الإنقاذ البحري بتمويل من المفوضية الأوروبية
في الوقت ذاته، تعرقل إيطاليا عمل المنظمات غير الحكومية بشكل متزايد، حيث تتهمها بالتنسيق مع المهربين، كما أرادت فرض “مدونة قواعد السلوك” عليها. وقد تلى ذلك مصادرة القوارب وإزالة الأعلام واتخاذ إجراءات قانونية أخرى. وقد تخلت أغلب هذه المنظمات عن أنشطتها. وشهد وسط البحر الأبيض المتوسط نقطة تحول. ففي خريف سنة 2017، أصبحت قوات خفر السواحل الليبي أول الأطراف الفاعلة في عمليات الإنقاذ في المنطقة. وفي تلك السنة، أعادت 18900 مهاجرا إلى الشواطئ الليبية، أي ضعف عدد المهاجرين سنة 2015 بنحو 40 مرة.
في المقابل، تبدو استقلاليتهم نسبية، ذلك أن روما هي التي تنقل “أغلب نداءات الاستغاثة” إلى طرابلس، وذلك وفقا لما أشار إليه تقرير صادر عن الأمم المتحدة. فضلا عن ذلك، كانت روما هي من تقدم في شهر كانون الأول/ ديسمبر 2017 إلى المنظمة البحرية الدولية بمشروع المركز الليبي لتنسيق عمليات الإنقاذ البحري بتمويل من المفوضية الأوروبية.
في شهر آذار/ مارس 2018، وصف تقرير مرحلي داخلي يخص عملية “صوفيا” عدم استعداد طرابلس لتحمل مسؤولياتها الجديدة بمفردها. وتُعاني بنية غرفة العمليات التحتية، التي يجب أن يتم تنسيق عمليات الإنقاذ انطلاقا منها، من “حالة حرجة” مرتبطة بمشاكل الاتصال بالكهرباء والإنترنت والهواتف والحواسيب، ولا يتحدث الموظفون فيها اللغة الإنجليزية.
توضح عملية إنقاذ جدت في السادس من تشرين الثاني/ نوفمبر 2017، خطورة الوضع المعقد الذي باتت تعكسه عمليات الإغاثة. ففي ذلك اليوم، وداخل المياه الدولية، على بعد 30 ميلاً بحريًا من شمال طرابلس، قُتل ما لا يقل عن 20 شخصًا. وقُدمت شكوى ضد إيطاليا أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان. واتهم بعض الناجين روما بإلقاء المسؤولية على عاتق خفر السواحل الليبي.
لا تملك قوات خفر السواحل الحالية التي درب الاتحاد الأوروبي بعضها سترات نجاة ولا قوارب النجاة
ذكرت المحامية التي شاركت في الاستئناف، فيوليتا مورينو لاكس، أن “نداء الاستغاثة قد أُطلق إلى جميع القوارب من قبل مركز تنسيق الإنقاذ البحري في روما. ووصلت المنظمة الألمانية غير الحكومية “سي ووتش” إلى الموقع بعد دقائق قليلة من وصول خفر السواحل الليبي. وكانت روما هي التي طلبت من الليبيين التدخل مقابل بقاء “سي ووتش” بعيدا”.
“عبودية” و”تعذيب”
لا تملك قوات خفر السواحل الحالية التي درب الاتحاد الأوروبي بعضها سترات نجاة ولا قوارب النجاة. وفي مقاطع الفيديو الخاصة بهذا الحدث، يمكن رؤية أن المركبات المائية للمهاجرين كانت عالقة في هيكل قارب الدورية، بينما يسقط أشخاص في الماء ويغرقون. ويمكن أيضًا سماع الليبيين وهم يهدّدون طاقم “سي ووتش” بالانتقام، ثم يغادرون المكان ساحبين خلفهم في الماء مهاجرًا متمسكًا بسلّم.
رغم علمها بهذه المأساة واعترافها بمراقبة محدودة للغاية لعمل خفر السواحل في البحر، ترحب القوة البحرية “صوفيا” في تقريرها المرحلي، الصادر في شهر آذار/ مارس 2018، “بالنموذج التشغيلي المستدام” الذي تُموله. وقد أكدت سنة 2018 نجاح هذه الاستراتيجية، ذلك أن عدد عمليات الوفود إلى إيطاليا قد انخفض بنسبة 80 بالمئة، ولكن لم يمنع ذلك وزير الداخلية ماتيو سالفيني (أقصى اليمين) من الإعلان عن إغلاق الموانئ الإيطالية أمام السفن الإنسانية في الصيف.
في شهر شباط/ فبراير من سنة 2019، أعلنت فرنسا عن توفير ست مركبات مائية سريعة لصالح طرابلس
يستمر الحصار اليوم، على الرغم من أن الأمم المتحدة تذكر بصفة منتظمة أنه لا ينبغي اعتبار ليبيا “ملاذًا آمنًا” لإنزال المهاجرين الذين تم اعتراضهم في البحر، وبصفة آلية يتم احتجاز الأشخاص ذوي وضع غير قانوني داخل مراكز تتولى الحكومة مسؤوليتها، حيث وُثقت العديد من الانتهاكات بانتظام على غرار “عمليات إعدام خارج نطاق القضاء والعبودية وأعمال التعذيب والاغتصاب والاتجار بالبشر وسوء التغذية”.
في شهر شباط/ فبراير من سنة 2019، أعلنت فرنسا عن توفير ست مركبات مائية سريعة لصالح طرابلس. وأمام المحكمة الإدارية، عارضت ثماني منظمات غير حكومية بما فيها منظمة العفو الدولية ومنظمة أطباء بلا حدود عملية التسليم التي ستجعل باريس “متواطئة رسميًا في الهجمات المرتكبة في حق اللاجئين والمهاجرين في ليبيا”.
من ناحية أخرى، ازدادت خطورة عمليات العبور بشكل رهيب، فقد ارتفع معدل الوفيات على طريق وسط البحر الأبيض المتوسط من 2.6 بالمئة سنة 2017 إلى 13.8 بالمئة سنة 2019. وتنفي أوروبا أي مسؤولية. وقالت المفوضية إن “معظم الأرواح تُفقد في المياه الليبية أو في منطقة الإنقاذ الليبية التي لا تستطيع العمليات الأوروبية الوصول إليها. لهذا السبب نقوم بتدريب الليبيين”.
المصدر: لوموند