بعد خمسة أسابيع من الانتخابات البرلمانية المستمرة التي عُقدت في مختلف أنحاء الهند من 7 أبريل إلى 12 مايو، استطاع حزب بهارتيا جاناتا (الشعب الهندي) الفوز بشكل رسمي يوم 16 مايو. تقارير إعلامية تقول إن حزب بهارتيا جاناتا سيحصل مع الأحزاب الأخرى في التحالف الوطني الديمقراطي على 543 مقعدًا من أصل 790 مقعدًا في البرلمان، في حين أن الأغلبية تحتاج إلى 272 مقعدًا فقط، هذا يعني أن انتصار التحالف الوطني الديمقراطي سيجعل من رئيس حزب بهاراتيا جاناتا “ناريندرا مودي” رئيس الوزراء القادم.
هذه بعض الحقائق السريعة عن الوضع السياسي في الهند، ورئيس الوزراء القادم وحزبه الفائز:
يهيمن حزبان على المشهد السياسي في الهند، حزب بهاراتيا جاناتا، وحزب المؤتمر الوطني الهندي. رئيس الوزراء القادم “نارديندرا مودي” هو هندوسي مؤيد لقطاع الأعمال، شغل منصب رئيس وزراء ولاية جوغارت شديدة الحيوية اقتصاديا. حزب المؤتمر من ناحية أخرى هو حزب شبه اشتراكي، وواحد من أقدم الأحزاب السياسية في العالم، وحاليًا يقوده الجيل الرابع من عائلة غاندي.
هناك أكثر من 500 مليون هندي صوتوا في الانتخابات الأخيرة، مع أكثر من 100 مليون ناخب جديد، يصوتون لأول مرة، بنسبة تصويت تقارب 65٪ ممن يحق لهم الانتخاب البالغ عددهم 814 مليون شخص، فيما يبلغ عدد مواطني الهند 1.25 مليار شخص، يمثلون أكثر من سدس سكان العالم.
“ناريندرا مودي” هو عضو في الحركة القومية الوطنية RSS منذ أن كان في العاشرة من عمره، وهي حركة هندوسية استلهمت أساسها من الحركات الفاشية في أوروبا، وعبر مؤسسها عن احترامه للنازية الألمانية وسماها “أوج الفخر العرقي”، وتسعى الحركة لسيطرة الهندوس على الهند بشكل كامل. في 1948، قتل عضو من هذه الحركة، مؤسس الهند الحديثة “مهاتما غاندي” لكونه “لينًا كثيرا” مع المسلمين!
مودي نفسه، شديد التعصب، يُتهم بالتسبب في مذابح شديدة الوقع حدثت ضد المسلمين أثناء فترة ولايته لولاية جوغارت، قُتل حينها أكثر من 2000 مسلم على الأقل في مذابح بشعة. وبعد انتقال عشرات الآلاف من المسلمين إلى مخيمات لاجئين، وصف مودي تلك المخيمات بأنها “مراكز لتفريخ الأطفال!”. الولايات المتحدة رفضت السماح له بدخولها عام 2005 على خلفية تلك المذابح، لكن الرئيس الأمريكي، أمس، دعاه لزيارة الهند في أي وقت مناسب لكلا الطرفين.
نتائج الانتخابات تبدو صادمة للعديدين، فالنتائج تقول إن النظام الهندي ربما لن يكون علمانيًا في الدورات المقبلة! الهنود استاءوا لفترة طويلة من حكم حزب المؤتمر، والذي شهد تزايدًا ملحوظًا للفساد، ولذلك فقد قرروا اختيار حزب بهاردتيا جاناتا. من المفاجئ مع ذلك، أن الهنود لم يشغلوا أنفسهم بدعم حزب يميني، يقوده قومي هندوسي لصالح نظافة يده كواحد من السياسيين القلائل الذين لم يُتهموا بالفساد.
حزب بهارتيا جاناتا يهدد وبشكل علني الأقليات في الهند – لا سيما المسلمين – ربما تُترجم نتائج الانتخابات إلى ارتفاع سريع في الخطاب المعادي للمسلمين في الهند.
وفي واحدة من أعجب المفاجآت التي أظهرتها تلك الانتخابات، أشارت الإحصاءات إلى أن العديد من المسلمين قد اقتنعوا بخطاب الرجل المفوه “ناريندرا مودي” وقرروا دعم حزبه بالتصويت له في الانتخابات، حيث وعدهم بتوفير فرص عمل، والقضاء على الفساد تمامًا. إحدى قادة الأحزاب المسلمة وصفت ما حدث بأنه “خداع للمسلمين” في الهند.
يقول محللون إن هذا الاتجاه الجديد في السياسة الهندية يعبر عن أصولية حقيقية تجتاح المجتمع الهندي؛ ولذلك، فإن المخاوف من اضطرابات مجتمعية قد تصل إلى حد الفوضى العارمة في مناطق كثيرة، مخاوف منطقية تغذيها كتابات عديدة نُشرت مؤخرًا.
خطاب مودي أيضًا، والذي اكتسح به العديد من الانتخابات في جوغارت، كان خطابًا طائفيًا عدائيًا من ذلك النوع الذي تُستخدم فيه كلمات من قبيل “الإرهابيين”، “الجهاديين” و”عملاء باكستان”. من ناحية أخرى فإن “نواز شريف” رئيس الوزراء الباكستاني قام بتهنئة مودي في اتصال هاتفي بنتائج الانتخابات.
قبل حوالي ستة أسابيع، وفي افتتاحية ترجمها نون بوست، حذرت صحيفة نيويورك تايمز الأمريكية من تحول “العقيدة النووية” للهند، التي تعتمد ضبط النفس وتقول “لن نستخدم السلاح أولاً”. حيث أشارت الصحيفة إلى أنه في حالة فوز “ناريندرا مودي” برئاسة الوزراء فإن التوترات قد تتفاقم مع بلدان مثل الصين التي تلتزم بهذه السياسة، أو مع باكستان التي لا تعلن التزامها بها.
الهند وباكستان لدى كل منهما أكثر من 100 قطعة سلاح نووي، في الواقع باكستان لديها الترسانة النووية الأسرع نموًا في العالم ومؤخرًا أضافت إليها أسلحة نووية قصيرة المدى يقول الخبراء إنها قد تُستخدم بالفعل في أي معركة مقبلة، هذا تهديد قائم بالنسبة للهند، لكن الهند بسلاحها التقليدي تتفوق بشكل ضخم على باكستان وتكفي للرد على التهديدات الباكستانية.
مودي صرح أن الهند قد تقوم بعمليات عابرة للحدود الباكستانية للتعامل مع “الإرهابيين الباكستانيين المعادين للهند” على الأراضي الباكستانية، كما أن خلفيته القومية المتطرفة، بالإضافة لقدراته اللوجستية من حيث سيطرته على سلاح غير تقليدي وكتلة بشرية بالغة الضخامة، تجعل من اندلاع توترات كبيرة أمرًا غير مستبعد.
نتائج الانتخابات البرلمانية كذلك تأتي في وقت حرج بالنسبة لنيودلهي، ففي الوقت الذي تواجه فيه الهند اقتصادًا بطيئًا، يتوقع المجتمع الدولي تغييرات عدة، وهذا يضع الحكومة الهندية المستقبلية أمام مهمة شاقة للبدء في إصلاحات اقتصادية بالتوازي مع تأمين المصالح الهندية في الخارج.
ناريندرا مودي معروف محليا ودوليا بتجنب البيروقراطية التي أعاقت تنمية الهند لفترات طويلة، وسعى أثناء حملته الانتخابية مع حلفائه إلى التشديد على الإصلاح الاقتصادي، إلا أن الطريق نحو التغيير في الهند لن يكون سهلا!
في فبراير الماضي حاولت الولايات المتحدة أن تتواصل مع المعارضة الهندية، وقابلت السفيرة الأمريكية، نانسي باول، ناريندرا مودي. مودي كان معروفا للولايات المتحدة منذ أكثر من عشر سنوات، بعد الأحداث الطائفية التي شهدتها ولاية جوغارت، ومن المستبعد أن تتعارض سياسات مودي الاقتصادية مع الطبيعة الرأسمالية التي تريدها الولايات المتحدة.
رغم محاولات التقارب الأمريكي مع نيودلهي، إلا أن الهند تستورد أكثر من 75٪ من احتياجاتها من الأسلحة من روسيا، وهذا ما يعني أن موسكو ستظل هي الصديق الأقرب لمودي. كما أن كلا الرجلين (ناريندرا مودي وفيلاديمير بوتين) يتشاركان نفس الرؤية للعالم، حيث أنهما يسعيان لمزيد من المساواة بين القوى الكبرى، كما أن السياسة الخارجية للهند، التي تعتمد على “عدم التدخل” فإنها لن تتخذ مواقف محددة تجاه تجاوزات موسكو في سوريا أو أوكرانيا.
والهند، بصفتها أكبر مستورد للسلاح في العالم، فقد تعاملت مع أحد أهم المصدّرين كذلك، دولة الاحتلال الإسرائيلي، التي باعت للهند في الماضي تكنولوجيا خاصة بالسفن الحاملة للصواريخ، طائرات دون طيّار، معدّات للقتال الإلكتروني وتكنولوجيا جمع المعلومات، ويعتقد محللون أن هذه العلاقة ستتوطد في وجود مودي.
وكرئيس وزراء سابق لولاية غوجارت، سيضطر مودي إلى الانتقال من كونه رئيسًا لولاية قوية تنبض بالحياة الاقتصادية، إلى زعيم ضعيف نسبيًا في بلد كبير ومتنوع. سيسعى مودي لتحقيق التوازن بين المصالح المحلية والإقليمية على المستوى الوطني، كما أن النظام السياسي الديمقراطي في الهند، سيعرقل تغييرات جذرية تحتاجها برامج الدعم الهائل التي تقدمها نيودلهي، وبينما سيحاول مودي أن يدفع في اتجاه تنفيذ أجندة حادة، إلا أن التغيير الاقتصادي لن يأتي بسهولة أو بسرعة في الهند.
تحديث:
– من المهم الإشارة في هذا السياق إلي العلاقات الهندية الإسرائيلية، يزيد مجموع التداول التجاري بين الهند وإسرائيل عن 5 مليارات دولار، ويُتوقع أيضًا أن تزيد نسبة التبادل التجاري بين الدولتين بما يخص مجال الزراعة والطب. فوفق التصريحات في دولة الاحتلال، تشير القيادات الإسرائيلية إلى أن فوز مودي بالانتخابات هو أفضل تطور يمكن أن يحسن العلاقات. فقد قال المحلل السياسي نير دوبري من القناة الثانية الإسرائيلية، “يجلب مودي معه روحًا جديدة من شأنها أن تؤدي إلى تحولات كبيرة بالسياسة الخارجية للهند وذلك سيؤثر كثيرًا على العلاقات الهامة مع إسرائيل”