كعادة أي شيء مرتبط بالمرأة بشكل عام، اعتدنا أن يثير الجدل ولا يجتمع عليه رأي واحد منذ الأزل، فقد قال عنها الفيلسوف سقراط: “وجود المرأة هو أكبر منشأ ومصدر للأزمة والانهيار في العالم، إن المرأة تُشبه شجرةً مسمومة، حيث يكون ظاهرها جميلاً، ولكن عندما تأكل منها العصافير تموت حالاً”، ولا يخفى علينا مدى اضطهاد المرأة في أغلب الحضارات القديمة، وأدى ذلك إلى تهميشها ونكران قيمتها وعدم الاعتراف بها ككيان من الأساس.
ومع المحاولات التحررية للمرأة و”النضال النسوي” الطويل في كل بلدان العالم، تمكنت المرأة من الانغماس في الحياة والعمل، كل ذلك تم بطريقة تدريجية بالتأكيد، حتى أتى دور الكتابة التي عانت معها المرأة كذلك.
بعد فترة من النضال الطويل والسعي تمكنت المرأة أن تحيا كإنسان طبيعي له حق الحياة والعمل، لم نصل إلى ذلك بشكل نهائي بعد، لكن الحال الآن أفضل من الماضي بكثير، وكما لم يكن هناك رأي جمعي متفق عليه بالنسبة للمرأة كان الأمر كذلك مع الأدب النسوي أو “أدب المرأة” أو حتى “أدب الأنثى”، وهذا النوع من الأدب هو أحد الأشياء والمصطلحات المرتبطة بالمرأة ولم يثبت رأي واحد حولها حتى الآن.
كقارئة، أنا على يقين تام بأن الكتابة تجربة إنسانية من الطراز الأول، ونؤمن كقراء بأن في الإنسانية الكثير مما يُحكى ويقال ويلمس الكثيرين
فالبعض أرادوا تصنيف الأدب النسوي بناءً على جنس من يكتبه، فإن كان الكاتب أنثى كان أدبًا نسويًا والعكس صحيح، لكن لم يلق هذا التعريف رواجًا، وكان المصطلح الأكثر تعبيرًا عن الأدب النسوي، هو الأدب الذي يتناول قضايا المرأة بشكل عام، وليست مشاكله المقتصرة فقط على الحب والرجال، بل المشاكل التي تتعامل مع المرأة ككائن له حياة ومشاكل حقيقية تستحق أن تُناقش ويكون لها صدى، ورغم واقعية هذا التعريف، فإنه لم يحصل على اتفاق جمعي، فرفضت أديبات عربيات تعبير “الأدب النسوي” مثل فاطمة ناعوت وغادة السمان، بل وحتى أحلام مستغانمي أيضًا، وما زال هذا المصطلح إلى اليوم أحد الأمور المثيرة للجدل التي يستنكرها البعض ويتفق عليها البعض الآخر.
هل هنالك ضرورة حقيقية للأدب النسوي؟
كقارئة، أنا على يقين تام بأن الكتابة تجربة إنسانية من الطراز الأول، ونؤمن كقراء بأن الإنسانية غنية بما يُحكى ويقال ويلامس هموم الكثيرين، بغض النظر عن الجنس أو العرق أو حتى الدولة، فتحت سماء الإنسانية نستطيع أن نتضامن كبشر ونتكاتف معًا، لكن على الصعيد الآخر إن نظرنا في الوقائع التاريخية نجد أن كون المرأة كائنًا مضطهدًا ومظلومًا، أدى إلى قلة الاهتمام بأمرها وقضاياها، ولم تكن فكرة الكتابة حتى باسم امرأة أمر سهل أو هين، فنجد أن كاتبة مثل الإنجليزية ماري آن إيفانس كانت تنشر أعمالها تحت اسم مستعار هو جورج إليوت، كانت تكتب باسم رجل حتى تقول ما تريده باسم رجل لكي لا ينقلب المجتمع عليها أو يقلل من قيمة ما تكتب لمجرد أنها امرأة.
وبعد أن تمكنت المرأة من الظهور باسمها وكيانها الحقيقي ككاتبة لم نجد الكثير من الرجال المهتمين بالدفاع عن قضايا المرأة بشكل عام، باستثناء الحب والزواج.
الأدب النسوي القديم عالميًا والمستحدث عربيًا
بدأت فكرة الأدب النسوي كنتيجة لحركات التحرر والنسوية والمطالبة بحقوق المرأة قديمًا، ولأن المجتمع المدني في الغرب كان سباقاً في هذا القطاع كان من الطبيعي أن تبدأ لديهم تجربة الكتابة أيضًا، ويمكننا أن نذكر أن تجربة الكتابة في المجتمع الأوروبي بدأت في القرن الخامس عشر تقريبًا، واستمرت الكتابة كمحاولات على يد نساء مثل جين أوستن التي كتبت كبرياء وهوى عام 1813 وناقشت قضية مهمة تمس حياة المرأة الأوروبية وهي الزواج داخل الطبقات الاجتماعية، كما نشرت شارلوت برونتي قصتها “جين إير” عام 1847 التي ناقشت أيضًا مشكلة الزواج بين الطبقات الاجتماعية المختلفة، ولحقهم عام 1879 هنريك إبسن الأديب النرويجي ونشر مسرحيته المثيرة للجدل “بيت الدمية” التي دافعت عن المرأة في كونها إنسانة تستحق أن تعيش وتقرر حياتها بنفسها.
كبرياء وهوى لجين أوستن هي إحدى الروايات المهمة في تاريخ الأدب الإنجليزي، ورغم أنها بالغة القدم فإنها تمثل واقعنا العربي الحاليّ
وقد كان هذا الأمر جديدًا بعض الشيء على المجتمعات العربية، فلم نحظ بشيء مشابه مع الأعمال الأدبية سوى في فترة السبعينيات والتسعينيات، وفي تلك الفترة كانت الكتابات من يد رجال ونساء وليس نساءً فقط، ولكن اقتصر معظم حديث الأدباء الرجال على الحب ومشكلات المرأة العاطفية، في حين اهتمت النساء مثل الدكتورة سهير القلماوي والأديبة لطفية الزيات بأعمال تهتم بالمرأة وتدعوها إلى التحرر والانطلاق إلى الحياة، أي أن تكون كيانًا مستقلاً، وكانت رواية “الباب المفتوح” المطبوعة عام 1960 إحدى أبرز الروايات النسوية المصرية التي أضافت الكثير، ولم يقتصر الأمر عند هذا الحد بل ظهرت الطبيبة النسوية نوال السعداوي التي اشتهرت كمناصرة للمرأة قبل أن تكون أديبة مناضلة أيضًا، ومن أشهر أعمالها في هذا الشأن رواية زينة التي روت قصة فتاة تعاني في حياتها البدائية البسيطة.
نماذج لروايات نسوية
كبرياء وهوى – جين أوستن
“خيال المرأة سريع جدًا، إنه ينتقل من الإعجاب إلى الحب، ومن الحب إلى الزواج في لحظة”.
تلك الرواية هي إحدى الروايات المهمة في تاريخ الأدب الإنجليزي، ورغم أنها بالغة القدم، فإنها تمثل واقعنا العربي الحاليّ، هي رواية الحب والعلاقات الإنسانية، رواية السيطرة الأبوية وتحكمها في زيجات الفتيات، سنرى رغبة الأم في تأمين زيجة وحياة رائعين لبناتها، وبحث كل فتاة عن الحب والأمان المعنوي.
الباب المفتوح – لطفية الزيات
“والله إحنا مصيبتنا سودة، على الأقل أمهاتنا كانوا فاهمين وضعهم، أما إحنا، إحنا ضايعين، لا إحنا فاهمين إذا كنا حريم ولا مش حريم. إن كان الحب حلال ولا حرام. أهلنا بيقولوا حرام وراديو الحكومة طول الليل والنهار بيغني للحب والكتب بتقول للبنت روحي أنت حرة، وإن صدقت البنت تبقى مصيبة، تبقى سمعتها زفت وهباب.. بالذمة دا وضع؟ بالذمة إحنا مش غلابة؟”.
لا أجد مشكلة في أن يكون هنالك أدب مخصص للنساء ومشاكلهن، فعلى الرغم من أن الحياة الإنسانية متشابهة في مشكلاتها، فإن تلك المشاكل والآلام يمكن تصنيفها لإعادة النظر في الاعتبارات والبديهيات
تتحدث تلك الرواية الصادرة عام 1960 عن فتاة اسمها ليلى تعارض الواقع حولها وتبحث عن كيانها، فهي تحاول أن تكون ذات تأثير ورأي، وتصارع الحب الذي لا تعرف هل يجب أن ينتصر عليها أم تنتصر عليه، كانت الرواية معبرة عن الفترة التي كتبت فيها وكانت إحدى الكتابات الجريئة التي تستحق التصفيق في ذلك الوقت.
بيت الدمية – هنريك إبسن
نورا: لست أبالي بما يقوله الناس، فلا بد لي أن أذهب.
هيلمر: دون اكتراث بأقدس واجباتك؟
نورا: لدي واجبات أخرى لا تقل عنها قداسة.
نورا: وما هي أقدس واجباتي في نظرك؟
هيلمر: وهل هذه مسألة تحتاج إلى شرح؟ إنها واجباتك نحو زوجك وأولادك.
هيلمر: غير معقول، ما هي؟
نورا: واجباتي نحو نفسي.
هيلمر: أنت زوجة وأم لأطفالي قبل أي شيء آخر.
نورا: لم أعد أومن بذلك. إنني مخلوق آدمي عاقل.. مثلك تمامًا.
تعتبر تلك المسرحية واحدة من أبرز الأعمال النسوية التي سجلها التاريخ ولن تُنسى أبدًا، لوقع آثارها على العالم أجمع، تحدث إبسن في هذه المسرحية عن نورا الزوجة التافهة المدللة والمطيعة دائمًا التي قررت أن تأخذ مسارًا آخر بعد عدة مشاكل تحيط بأسرتها وتقرر ألا تكون دمية مطيعة وتترك المنزل وتهرب!
لا مشكلة في أن يكون هنالك أدب مخصص للنساء ومشاكلهن، فعلى الرغم من أن الحياة الإنسانية متشابهة في مشكلاتها، فإن تلك المشاكل والآلام يمكن تصنيفها لإعادة النظر في الاعتبارات والبديهيات، ولأن المرأة كانت وما زالت الكائن الأكثر اضطهادًا على الدوام!