أكثر من سنتين على تأسيسها، ولم تتمكن بعد حكومة سعد الدين العثماني من خلق الانسجام المطلوب بين الأطراف المكوّنة لها، وهو ما جعل بعض المغربيين يقولون إن قدَر هذه الحكومة الانقسام والاختلاف، فدائمًا ما نسمع طرفًا يهدّد بالانسحاب منها ونشاهد آخر يدعو إلى حلها وتشكيل أخرى تكون محلها.
خلافات جديدة بين حلفاء الأمس
تصاعدت الخلافات مؤخرًا بين أبرز حليفين في التحالف السداسي: “العدالة والتنمية” (125 مقعدًا في البرلمان) و”التقدم والاشتراكية” (12 مقعدًا)، حيث هدد الأخير بالانسحاب من حكومة سعد الدين العثماني، ما يقوي التصدع الذي تعيشه الحكومة.
ورغم أن برلمان الحزب، أعلن في دورته الماضية استمرار الحزب في المشاركة بحكومة العثماني، فإن التصريحات الصادرة عن أمينه العام محمد نبيل بنعبد الله، أعلنت أن جميع الخيارات ما زالت مطروحة، وضمنها الانسحاب من الحكومة.
فخلال أسبوع واحد، لوّح الحزب الذي يقوده نبيل بنعبد الله بالانسحاب مرتين، كان آخرها في بلاغ لجنته المركزية السبت الماضي، فيما كانت المرة الأولى في تصريحات لأمينه العام بنعبد الله في برنامج حواري منتصف الأسبوع الماضي.
ويرى رفاق بنعبد الله أن “التقدم والاشتراكية سيظل مرتبطًا بما قررته اللجنة المركزية السابقة، على أن تظل كل الاحتمالات واردةً”، رابطين ذلك بقدرة هذه الحكومة على تحريك الإصلاحات الأساسية أو التخلف عليها، وهو ما فهم بأنه تهديد ضمني بالانسحاب من الحكومة.
وظهرت أزمة الثقة بين الحزبين منذ إعفاء القيادية شرفات أفيلال من مهمة كاتبة الدولة المكلفة بالماء، رسميًا في 20 من أغسطس/آب 2018، حيث وجّه التقدم والاشتراكية اتهامات بالخيانة لسعد الدين العثماني، مهددًا بالخروج من الحكومة بسبب عدم استشارته قبل إعفائها.
وتدعّم الخلاف بين الطرفين، مؤخرًا، نتيجة الاختلاف بين من يترأس لجنة مراقبة المالية العامة بمجلس النواب المغربي، حيث يقول “التقدم والاشتراكية”: “العدالة والتنمية الذي يقود الائتلاف الحاكم في البلاد، قد تنصل من اتفاق مسبق يتولى بموجبه التقدم والاشتراكية اللجنة المذكورة”.
يسعى كل حزب في هذه الفترة التي تسبق الانتخابات، إلى خلق مسافة من الحكومة التي يشارك فيها، خشية أن يحسب عليه فشلها
كشف التقرير السياسي للتقدميين وجود مجموعة من التناقضات التي يعرفها تدبير الشأن العام مع حكومة العثماني، مشيرًا إلى أن “السمات الغالبة على فضائنا الوطني العام هي الضبابيةُ والالتباسُ والارتباك والحيرة والقلق”.
واعتبر الحزب أن “المبادرات القليلة التي تبرز هنا وهناك أحيانًا لا تصمد أمام هَوْلِ الفراغ وجمود الأجواء العامة، فبالأحرى أن تكون قادرةً على تحريك الأوضاع وتبديد المخاوف والتساؤلات لدى مختلف الأوساط والشرائح والطبقات”.
ويرى حزب نبيل بنعبد الله أنَّ عددًا من القضايا الخِلَافِيَة التي برزت في الفترة الأخيرة، سواء بشكل طبيعي أم مُفتعل، “تم استعمالها سياسيًا من عدد من الفرقاء الذين من المفترض أن يكونوا شركاء”.
وسبق أن اعترف سعد الدين العثماني خلال ندوة نظمتها شبيبة حزبه بوجود اختلافات مع “التقدم والاشتراكية” لا يمكن إخفاؤها، معتبرًا أن الواقع لا يرتفع لكن الخلافات لا تمنع من أن نتعاون في الأمور التي نتفق فيها وهي كثيرة.
حزب أخنوش يواصل عرقلة الحكومة
أزمة الائتلاف الحاكم لم تكن بين “العدالة والتنمية” و”التقدم والاشتراكية” فقط، بل أيضًا بين “العدالة والتنمية” و”حزب التجمع الوطني للأحرار”(37 مقعدًا) الذي يقوده رجل الأعمال المقرب للعاهل المغربي عزيز أخنوش.
وسبق أن عمل حزب عزيز أخنوش الذي يعتبر أبرز أحزاب المخزن، على عرقلة رئيس الحكومة السابق عبد الإله بنكيران لإفشاله في مهمة تشكيل الحكومة التي كلّفه بها العاهل المغربي في 2016، بعد حصول حزبه على أغلبية مقاعد البرلمان، ومنذ ذلك الوقت وعلاقته بالعدالة والتنمية في تراجع متواصل.
يشغل أخنوش منصب وزير الفلاحة والصيد البحري في حكومة العثماني. وزارةٌ تعدّ كيانًا رئيسيًا وفاعلاً ضمن أجهزة الدولة، فضلاً عن أنها تلعب دورًا بارزًا في العلاقات التي تجمع المغرب مع كل من إسبانيا والاتحاد الأوروبي.
يعمل أخنوش على الإطاحة بحكومة العثماني
يصرّ عزيز أخنوش وحزبه على عرقلة عمل حكومة سعد الدين العثماني بكل الوسائل المتاحة، بدءًا بمقاطعة اجتماعاتها وعدم الالتزام بمقرراتها، فضلاً عن عدم مرافقة وزراء الحزب للعثماني في جولاته الداخلية، إلى جانب عدم الالتزام بالتضامن الحكومي، فالحزب لا يفوت أي فرصة للتقليل من عمل الحكومة، والتهجم على “العدالة والتنمية” الذي يقودها.
الهدف من هذه الأعمال التي يقوم بها تجمع الأحرار إسقاط حكومة العثماني، وإظهار “العدالة والتنمية” في ثوب الحزب الفاشل، استعدادًا للانتخابات البرلمانية المقرر إجراؤها بعد سنتين، فأخنوش يسعى لتصدر الساحة السياسية وتهيئة الطريق أمام حزبه، خاصة أنه يحظى بدعم الملك.
يعتبر عزيز أخنوش، صنيع السلطة ورجل “المخزن، وفقًا لعدد من المتابعين للشأن العام المغربي، ويرى خبراء أن حزبه يمثّل للدولة بديلًا ممتازًا لحزب الأصالة والمعاصرة لمنافسة حزب العدالة والتنمية الحاكم، ويدعم المخزن عزيز أخنوش وحزبه، كونه ضامن لمصالحهم في الحكم، وأحد “الأوراق” التي يستعملها القصر الملكي كلّما استدعت الحاجة.
يذكر أن التجمع الوطني للأحرار، قد تأسس سنة 1977بقيادة أحمد عصمان صهر الملك الراحل الحسن الثاني بإيعاز من القصر الملكي بقصد إحداث نوع من التوازن مع الأحزاب التي ظلت تنازع الملكية الشرعية السياسية في البلاد منذ الاستقلال، حسب عديد المراقبين.
باقي أعضاء الائتلاف في خلاف متواصل
الخلاف لا يتوقف هنا، فباقي الائتلاف المكوّن من ستة أحزاب في خلاف متواصل، رغم نفي سعد الدين العثماني لذلك ومحاولاته المتكررة التغطية على هذا الصراع المستمر.
وتضم الحكومة المغربية الحاليّة، بالإضافة إلى حزب العدالة والتنمية، كل من التجمع الوطني للأحرار والحركة الشعبية والاتحاد الدستوري والاتحاد الاشتراكي للقوات الشعبية وحزب التقدم والاشتراكية.
يرى العديد من المغاربة أن الحكومة والأحزاب المكونة لها، جعلوا مصلحتهم الشخصية الضيقة فوق المصلحة الوطنية
تنوعت أزمات الائتلاف الحاكم، من مشاكل التعامل مع حراك الريف وباقي التحركات الاحتجاجية في البلاد، إلى الضريبة على التجار، مرورًا بغياب رؤية موحدة لتدبير ملف أساتذة التعاقد، وصولاً إلى أزمة القانون الإطار للتربية والتكوين، والخلاف حول لغة تدريس المواد العلمية، فكلّ حزب يسعى لفرض رؤيته، ما عرقل عمل الحكومة.
فضلاً عن ذلك، يسعى كل حزب في هذه الفترة التي تسبق الانتخابات، إلى خلق مسافة من الحكومة التي يشارك فيها، خشية أن يحسب عليه فشلها، فنجد الجميع يتهمها بالتخاذل والفشل في خدمة الشعب المغربي.
الاستقرار الاجتماعي على المحك
انعدام الاستقرار السياسي في البلاد، عاد بالسلب على المجال الاجتماعي، حيث تعرف المملكة المغربية احتقانًا اجتماعيًا كبيرًا مسّ عديد القطاعات والفئات التي تتهم الحكومة وأعضاءها و الأحزاب المكونة لها بالمماطلة وعدم الاهتمام بمشاغل الشعب.
هذا الصراع المتواصل بين أعضائها، جعل الحكومة لا تستطيع أن تؤثر في الحراك الاجتماعي، وعاجزة عن احتواء الشارع والسيطرة عليه، في الوقت الذي يؤكد فيه العثماني ضرورة تحقيق السلم الاجتماعي للارتقاء بالبلاد.
يرى العديد من المغاربة أن الحكومة والأحزاب المكونة لها، قد جعلوا مصلحتهم الشخصية الضيقة فوق المصلحة الوطنية وفوق مصلحة الشعب المغربي، ما زاد من حدة الاحتقان الاجتماعي في المملكة، وهو ما يعجّل بانهيار حكومة سعد الدين العثماني، ذلك أنها عاجزة على معالجة هذه الإشكاليات المتراكمة بطريقة تضمن زوالها بشكل نهائي.