“لوهلة تصور الدبلوماسيون الأمريكيون والأوروبيون الذين يحاولون نزع فتيل المواجهة في مصر أنهم على وشك تحقيق انفراجة ما”
بهذه الكلمات يبدأ تقرير خطير لصحيفة نيويورك تايمز يكشف تفاصيل المفاوضات التي شارك فيها بعض قيادات الإخوان المسلمين بالإضافة للوسطاء الغربيين والدبلوماسيون العرب وسلطة الانقلاب العسكري في مصر ممثلة في رأس السلطة وزير الدفاع منفذ الانقلاب العسكري عبدالفتاح السيسي ورئيس الوزراء الذي عينه وزير الدفاع.
الولايات المتحدة حاولت نزع فتيل الأزمة بإرسالها بعض أهم دبلوماسييها: جون ماكين، ليندساي جراهام من لجنة العلاقات الخارجية بالكونجرس، بالإضافة لويليام برنز نائب وزير الخارجية الأمريكي. وحاول الدبلوماسيون الضغط على الحكومة المصرية للوصول لتسوية قبلها الإخوان المسلمون، نصت على أن يحصر الإخوان مظاهراتهم في ميدانين ويقللوا من الأعداد ويدينوا العنف رسميا، وتصدر الحكومة بيانا شبيها وتلتزم بعملية سياسية تشمل الجميع وتسمح لكل الأحزاب بالمشاركة في الانتخابات، وتطلق سراح سعد الكتاتني وأبو العلا ماضي كبادرة حسن نية.
فبعد أن وعد قادة الانقلاب العسكري بالإفراج عن اثنين من المعتقلين، وهما سعد الكتاتني رئيس حزب الحرية والعدالة، ورئيس مجلس الشعب الأسبق، وأبوالعلا ماضي رئيس حزب الوسط القريب من الإخوان المسلمين، أصدرت الرئاسة المصرية بيانا يقول “بفشل المفاوضات” وتحميل الإخوان المسلمين المسؤولية عن أي خسائر نتيجة لذلك. وهو ما فاجأ المفاوضين الغربيين والذين كانوا قد أبلغوا الإخوان المسلمين بحدوث الانفراجة بالفعل.
كما أصدرت الحكومة قرار اتهام مرشد الإخوان وخيرت الشاطر بالتحريض على القتل قبل ساعات فقط من مقابلة ويليام برنز وبرناردينو ليون (الوسيط الأوروبي) للشاطر الذي أيد خلال اللقاء الحاجة للحوار دون أن يبدي التزاما بالحل الذي عرضه الوسطاء.
وقالت إن الوسطاء الأميركيين والأوروبيين غضبوا بعد بيان الحكومة عن فشل الجهود الدبلوماسية، وشعروا أنهم قد استغلوا وخدعوا.
بعد ذلك البيان بحوالي الأسبوع، فتحت قوات الأمن النار على المعتصمين السلميين وقتلت أكثر من ١٠٠٠ متظاهر.
وقال جون ماكين بعدما التقى بقادة الانقلاب أنك تستطيع القول أنهم “يرغبون في إثارة قتال”، وتابع “رئيس الوزراء كان كارثة! قال لي: “لا يمكنك التفاوض مع هؤلاء الناس، يجب عليهم مغادرة الشوارع واحترام القانون” إلا أنني قلت “سيادة رئيس الوزراء، من الصعب علي أن تعظ أي شخص بخصوص احترام القانون، كم صوتا حصلت عليه في الانتخابات؟ آه نعم .. أنتم لم تجروا أي انتخابات”
وتابع ماكين أن السيسي يبدو “سكرانا بالسلطة”
وكشف التقرير عن اتصالات شبه يومية بين وزير الدفاع الأمريكي والمصري تصل مدة المحادثة الواحدة منها ما بين ساعة وساعة ونصف، تجاهل فيها العسكر في مصر الضغوط الأمريكية ما دفع الرئيس الأمريكي لاحقا للإعلان عن إيقاف مناورات مشتركة كان من المقرر إجراءها بين الجيش المصري والأمريكي.
وأضاف التقرير بأن القمع بمصر ترك أوباما بين خيارين كلاهما سيئ: المخاطرة بشراكة عمرها ٣٥ عاما، أو مشاهدة حلفائه وهم يبيدون خصومهم السياسيين، وكان رد فعل أوباما مطابقا لتوقعات قادة الانقلاب العسكري الذين لم يعتقدوا أن الولايات المتحدة ستتخذ قرارات عنيفة ضد مصر.
وقالت الصحيفة أن الأمريكان والأوروبيين كانوا يأخذون موقف المشاهدة والترقب، رغم مقتل ٦٠ شخصا من مؤيدي مرسي في اعتصام أمام مقر الحرس الجمهوري، حتى ظهر السيسي في خطاب “ناري” ليدعو المواطنين لتفويضه ليتولى أمر الإسلاميين.
وبعد ذلك الخطاب، قال قادة الإخوان الذين لم تسمهم الصحيفة، أن هواتفهم بدأت في استقبال اتصالات الأمريكيين والأوروبيين القلقين بشأن حمام الدم القادم.
وبينما كان القطريون والإماراتيون يتحدثون في العلن عن مصالحة، إلا أن الإمارات بجانب السعودية كانتا تدعما الأمن لتنفيذ هجوم وحشي على الإسلاميين، مقللين من التحذيرات الغربية بقطع المساعدات عن طريق وعود بتقديم مليارات الدولارات لقادة الانقلاب في مصر.
وقال التقرير أن الدبلوماسيين الأوروبيين قالوا أن قادة الانقلاب في مصر كانوا على اتصال دائم ومكثف بالإسرائيليين الذين قللوا من قيمة التحذيرات الغربية كذلك. فقد وعدت إسرائيل قادة الانقلاب أن الولايات المتحدة لن تقطع المساعدات في حالة الهجوم الوحشي على المعتصمين، إلا أن الإسرائيليين ينفون ذلك.
وكان راند بول من الكونجرس الأمريكي، قد اعترض على مقترح لوقف المساعدات الأمريكية لمصر قائلا أن هذا “قد يكرس عدم الاستقرار في مصر ويهدد المصالح الأمريكية ويؤثر سلبا على حليفتنا إسرائيل”
وقال التقرير أن الدبلوماسيين حاولوا التواصل مع بعض من أرادوا التوصل لحل سياسي يشمل الجميع في الحكومة المصرية المؤقتة. محمد البرادعي الذي حاول أن يستقيل مرة عقب مذبحة للمعتصمين يوم ٢٤ يوليو، تحدث مع جون كيري الذي أقنعه بأنه الصوت الوحيد الداعي لضبط النفس في السلطة الجديدة في مصر.
وأشارت نيويورك تايمز إلى أن تشكيلا صغيرا من العسكر القريبين من السيسي يرون أن الفرصة قد سنحت لتخليص مصر نهائيا من الإخوان، ومن هؤلاء اللواء محمد التهامي وهو أب روحي للسيسي يشغل الآن منصب رئيس المخابرات العامة، واللواء محمود حجازي وهو محسوب على السيسي وخلفه في رئاسة المخابرات الحربية.
الصحيفة الأمريكية قالت أنه مشاهد القتل المباشر التي كانت تعرض على الشاشات، اتصل وزير الدفاع الأمريكي بالضابط المصري منفذ الانقلاب عبدالفتاح السيسي قائلا له أن ما يحدث قد يوقف التعاون العسكري بين واشنطن والقاهرة. جون كيري قام بالأمر نفسه مع نظيره المصري نبيل فهمي إلا أنه وكما قال ماكين “كنت تستطيع أن تعرف ذلك من النظر إلى وجه السفيرة الأمريكية في القاهرة آن باترسون، لا أحد يسمع!”