لعبت شخصية “الزومبي” دورًا مهمًا في تاريخ الرواية والسينما الغربية منذ القرن التاسع عشر حتى يومنا هذا، وتضاربت الحكايات عن أصل هذه الكلمة وعن مصدر استلهام الكتّاب لصفاتها وتفاصيلها. فقد أخذهم خيالهم وهوسهم بها ليبتدعوا الأفلام والمسلسلات التي تتحدث عنها، حتى صمموا لها الكثير من ألعاب الفيديو للأطفال.
اللافت في القصة هو كونها نتيجة عملية تنميط لشخصية تاريخية لقائد مسلم، عملت الثقافة الغربية على استخدام اسمه وقصته في النضال ضد الاستعمار ومصيره النهائي، وتحويلها إلى مادة للتخويف، وإلى صورة بهتت تفاصيلها متأثرة بالوقت وسطحية النقل عبر الأجيال. وقبل أن نحكي هذه القصة، سنحاول في هذا المقال الوقوف عند أصل الكلمة واستخداماتها والصناعات التي قامت عليها.
“الزومبي”.. الأصل وبداية الظهور في الفن
يُعرف “الزومبي” أو “الكسالى” بالموتى الأحياء والجثة المتحركة التي أثارتها وسائل سحرية مثل السحر الأسود، وغالبًا ما يطبق هذا المصطلح المجازي لوصف شخص منوم مجرد من الوعي الذاتي ومن السيطرة على نفسه وتصرفاته الإنسانية.
ظهرت فكرة شخصية “الزومبي” عام 1818 في رواية “فرانكنشتاين” التي كتبتها الكاتبة الإنجليزية ماري شيلي، لم تكن الرواية عن الزومبي تحديدًا، لكنها صورت العديد من الأفكار المنتشرة الآن عن أن الموتى يعودون إلى الحياة بطريقة علمية، وليس بطريقة سحرية أو أسطورية، وأن القتلى بعدما يعودون إلى الحياة يكونون أكثر عنفًا، ونالت روايتها شهرة كبيرة.
بدأ مفهوم الزومبي يتضح في الثقافة الشعبية بفضل كاتب الرعب الأمريكي هوارد فيليبس لافكرافت الذي كتب سلسلة روايات بين أكتوبر 1921 ويونيو 1922، وكانت رواية “Herbert West Reanimator” أو “هربرت ويست المعيد إلى الحياة” هي التي ساعدت على تحديد المفهوم.
لم يشر لافكرافت لكلمة زومبي في رواياته، لكن كان يتحدث عن القتلى الذين تم إحياؤهم ولا يمكن السيطرة عليهم، ومعظمهم من البكم البدائيين والعنيفين للغاية، وهذه فكرة الزومبي بعينها.
توالت الأعمال بأعداد هائلة من أفلام ومسلسلات تتحدث عن الزومبي بشكل درامي حتى أصبح ينظر إلى هذه الأفلام على أنها فئة فرعية منفصلة من أفلام الرعب، ففي عام 2014 وحده صدر ما لا يقل عن 55 فيلمًا، وبدأت تتحول هذه الأفلام إلى ألعاب فيديو للأطفال
فيما كانت البداية النظرية عام 1954 في رواية “أنا أسطورة” التي كتبها ريتشارد ماثيسون رغم تصنيفها على أنها قصة مصاص دماء، وتم إنتاج فيلم مقتبس عنها عام 1964 اسمه “الرجل الأخير على سطح الأرض”، يحكي قصة الناجي البشري الوحيد الذي يشن حربًا ضد عالم من مصاصي الدماء.
في أوائل الخمسينيات من القرن العشرين، برزت فكرة الزومبي المنتقمين والوحشيين في قصص المخرج السينمائي الأمريكي جورج روميرو المصورة الذي أخرج فيلم “الرجل الأخير على سطح الأرض” عام 1964، وأثبت فيه أنه أكثر تأثيرًا على مفهوم الزومبي من أي عمل أدبي وسينمائي سابق، على الرغم من أنه تأثر برواية “أنا أسطورة” والفيلم المقتبس عنها.
يروي الفيلم قصة عودة الموتى إلى الحياة وأكلهم لحوم الأحياء، وتلته خمسة أجزاء تصدرت إيرادات السينما، بالاعتماد على إبراز الممثلين بطريقة مرعبة، موظفًا تقنيات التصوير والماكياج، وأصبحت أفلام الزومبي من أهم مواضيع صناعة أفلام الرعب وأدب الرعب، وكان بداية نمط جديد من الأفلام التي أخذت حيزًا مهمًا في هوليوود لاحقًا.
توالت الأعمال بأعداد هائلة من أفلام ومسلسلات تتحدث عن الزومبي بشكل درامي حتى أصبح ينظر إلى هذه الأفلام على أنها فئة فرعية منفصلة من أفلام الرعب، ففي عام 2014 وحده صدر ما لا يقل عن 55 فيلمًا، وبدأت تتحول هذه الأفلام إلى ألعاب فيديو للأطفال.
ألعاب “الزومبي” وتأثيرها على الأطفال
تصدر الشركات عشرات الألعاب الإلكترونية تحت عنوان الزومبي -المقتبسة من الأفلام والمسلسات – الذين يجب على اللاعب قتلهم والنجاة منهم، وأغلب من يلعبها فئة الأطفال والمراهقين، ويصل بهم اللعب إلى حد الإدمان، كونها تتميز بجودة عالية ودقة في التفاصيل والتشويق في الحبكة.
قد تضمن سلوك الأطفال القتال داخل المدرسة أو ضرب أشخاص آخرين من الأسرة أو خارجها، وذلك يعود لأسباب كثيرة أحدها تقليدهم للمشاهد التي يرونها، إضافة إلى أن نسبة التركيز والتحصيل الدراسي تتأثر بفعل إدمان هذه الألعاب
وقد نشرت صحيفة INDEPENDENT دراسة أجراها علماء النفس على مدار 10 سنوات أكدت أن ممارسة وتعرض الأطفال لألعاب الفيديو العنيفة يرتبط بالسلوك العدواني والقاسي لديهم، وذلك لأن هذه الألعاب تدعو للعنف وترسخ مناظر القتل في أذهان الصغار والشباب.
كما نشر باحثون من معهد دارتموث نتائج بحث أجروه على طلاب من مختلف دول العالم منذ عام 2000 حتى 2017، يلعبون ألعاب العنف من ضمنها ألعاب الزومبي، وتوصلوا إلى أن الأطفال أصبحوا أكثر عدوانية خلال 3 شهور إلى أربع سنوات من لعبهم هذه الألعاب.
وقد تضمن سلوك الأطفال القتال داخل المدرسة أو ضرب أشخاص آخرين من الأسرة أو خارجها، وذلك يعود لأسباب كثيرة أحدها تقليدهم للمشاهد التي يرونها، إضافة إلى أن نسبة التركيز والتحصيل الدراسي تتأثر بفعل إدمان هذه الألعاب.
خطوة للوراء.. من هو “زومبي”؟
على الرغم من تعريف كلمة “زومبي” وكيفية تغلغلها في الثقافة العالمية وكيف أصبحت تشكل خطرًا على سلامة الأطفال، فإن هناك قصة تاريخية عن هذه الكلمة التي ربطتها هوليوود بالذعر والرعب والشر، تعود لقائد مسلم اسمه “جانجا زومبي”.
جانجا زومبي هو قائد إفريقي مسلم أسس دولة إسلامية في البرازيل، وكان له دور كبير في حركة نضال العبيد نحو التحرر، ولد في بالمياراس البرازيلية عام 1655، بدأت حكايته مع بداية الاستعمار البرتغالي للبرازيل والحاجة لأيدي عاملة لبناء المستعمرات الجديدة، فتوجهوا لشواطئ إفريقيا لجلب الرقيق واستعبادهم للعمل في المستعمرات.
ازدهرت تجارة الرقيق في الفترة بين القرن السادس عشر والقرن التاسع عشر، حتى وصل عدد الرقيق في البرازيل الذين تم جلبهم في فترة الاستعمار البرتغالي إلى نصف مليون إفريقي، وفي أمريكا اللاتينية عمومًا وصلت أعدادهم إلى نحو 13 مليونًا، ويقول بعض المؤرخين إن العدد كان أكثر من ذلك بكثير.
أصبحت تجارة العبيد في تلك الفترة أحد أهم عناصر الاقتصاد في أوروبا والأمريكيتين، عن طريق الصفقات التجارية بين تجار أوروبيين ووكلاء أفارقة كانوا بدورهم يقومون بحملات صيد للعبيد في إفريقيا عن طريق هجوم الوكلاء على القرى واصطياد عدد من سكانها ونقلهم للسواحل الإفريقية، حيث تنتظرهم السفن الأوروبية.
وتؤكد أغلب الوثائق التاريخية المحفوظة في متاحف البرازيل أن معظم الأفارقة الذين جيء بهم كعبيد هم من المسلمين، وكانوا يقرأون القرآن باللغة العربية، ومن كان يبقى على قيد الحياة منهم عاش في ظروف معيشية لا إنسانية، إضافة لمنعهم من ممارسة شعائرهم الدينية، وأجبر بعضهم على التنصر.
بسبب هذه الظروف القاسية، لجأ بعض العبيد للهرب في الغابات والأدغال، وبناء مجتمعاتهم الخاصة بهم التي أطلق عليها اسم “أحراش الزنوج”، من أجل التمرد على السيد الأبيض، واستمر رجال الدين منهم في تعليمهم مبادئ الدين الإسلامي.
بدأت دولة زومبي تضعف بشكل تدريجي بسبب كثرة الحملات البرتغالية عليها، مما أدى إلى كثرة الخيانات وسقوط الدولة وجنجا زومبي. ففي عام 1695، قُبض على زومبي نتيجة خيانة أحد أتباعه وقتل بعد اعتقاله وقطع رأسه وأعضاؤه التناسلية
اندلعت بين العبيد والبرتغاليين معارك كثيرة، تفوق فيها البرتغاليون بسبب توافر الإمكانات العسكرية لديهم، وقد كانت بالمياراس – تقع حاليًّا في ولاية ألاغواس بالبرازيل – مستوطنة محصنة للعبيد، عبارة عن عدة مدن محصنة يقطنها ما يقارب الـ30 ألفًا بحسب بعض التقديرات أغلبهم من دولتي أنغولا والكونغو الإفريقيتين.
قاد زومبي بالمياراس وحارب البرتغاليين سنوات طويلة، ودعا إلى اتباع العقيدة الإسلامية، وعاشت بالمياراس ازدهارًا في عهده الذي شهد توسع المد الإسلامي في البرازيل، ومن ثم أعلن قيام “دولة البرازيل الإسلامية”.
بدأت معارك زومبي ضد البرتغاليين التي امتدت لفترة طويلة بين عامي 1678 و1694، وتوالت انتصاراته فاحتل أكثر من 20 موقعًا من ولاية باهاية البرازيلية وضمها لدولته، وأظهر صموده وتصديه للحملات البرتغالية لمدة 50 عامًا.
بدأت دولة زومبي تضعف بشكل تدريجي بسبب كثرة الحملات البرتغالية عليها، مما أدى إلى كثرة الخيانات وسقوط الدولة وجنجا زومبي. ففي عام 1695، قُبض على زومبي نتيجة خيانة أحد أتباعه وقتل بعد اعتقاله وقطع رأسه وأعضاؤه التناسلية، كما تم التمثيل بجثته ومن ثم عرضها في المدن الكبرى لبث الرعب في قلب كل من يفكر بالثورة على المستعمر.