أقر مجلس الشوري السعودي (البرلمان) الأربعاء الماضي مشروع نظام جديد يحمل اسم “الإقامة المميزة” يتيح العديد من المزايا المتعلقة بحرية التنقل والحركة من وإلى السعودية ذاتيًا لغير السعوديين دون الحاجة إلى موافقة من الكفيل، وهو الشرط المعمول به حتى الآن.
النظام الجديد للوافدين أثار الكثير من ردود الفعل داخل الشارع السعودي وخارجه، حيث اعتبره البعض خطوة أولى نحو إلغاء نظام الكفيل، هذا النظام الذي تسبب في تعرض السعودية لحزمة من الانتقادات الحقوقية، الإقليمية والدولية، لما كان ينطوي عليه من تجاوزات فجة، فيما ذهب آخرون إلى أنه مغازلة صريحة للمجتمع الدولي ومحاولة تصدير صورة جديدة للمجتمع السعودي مغايرة تمامًا لتلك التي كان عليها طيلة العقود الماضية.
ورغم عدم وجود تفاصيل كافية بشأن طبيعة تطبيق هذا النظام وإمكانية تحقيق ذلك، وما إذا كان ينطوي على إلغاء فعلي لنظام الكفيل فإن حالة من السجال فرضت نفسها خاصة أنها ليست المرة الأولى التي تلوح فيها المملكة بورقة إعادة هيكلة نظام الكفالة، وهو الأمر الذي دفع البعض إلى أنه من السابق لأوانه الحكم على هذه الخطوة.
إقامة مميزة بشروط
ينقسم مشروع النظام الجديد الذي وافق عليه 76 عضوًا من أعضاء البرلمان في مقابل رفض 55 إلى قسمين: الأول يتمحور حول إقامة دائمة للوافد، فيما يذهب الآخر إلى إقامة مؤقتة برسوم محددة يُمنح صاحبها عدد من المزايا، بحسب ما نشرته صحيفة “الرياض“.
النظام يمنح المقيم حزمة من المزايا على رأسها الإقامة مع أسرته واستصدار زيارة للأقارب واستقدام العمالة وامتلاك العقارات وامتلاك وسائل النقل، نظير دفع رسوم خاصة تحددها اللائحة التنفيذية، هذا بخلاف حرية الخروج من السعودية والعودة إليها ذاتيًا ومزاولة التجارة، على أن تكون الإقامة إما لمدة غير محددة أو محددة بسنة قابلة للتجديد، كما يتضمن إنشاء مركز يسمى مركز الإقامة المميزة يختص بشؤون هذا النوع من الإقامة.
ويشترط في منح الإقامة المميزة توافر 6 شروط على الأقل في المقيم، هي: وجود جواز سفر ساري المفعول، وملاءة مادية للمتقدم، وألا يقل عمر الحاصل على الإقامة المميزة عن 21 عامًا، توفر إقامة نظامية لمن داخل المملكة، سجلًا جنائيًا خاليًا من السوابق، وأخيرًا تقرير صحي يثبت خلو المقيم من الأمراض المعدية بما لا يتعارض مع الأنظمة المعمول بها.
تنويع مصادر الاقتصاد
القرار يأتي بحسب الرياض تماشيًا مع ما طرحه ولي العهد محمد بن سلمان خلال حوار أجرته معه وكالة “بلومبيرغ” في 2016 حين أعلن استحداث نظام للمقيمين شبيه بنظام “الجرين كارد” الأمريكي، في محاولة لإنعاش الاقتصاد السعودي الذي يعاني من أزمات جراء السياسات المتبعة داخليًا وخارجيًا.
وبعد ساعات قليلة من إقرار البرلمان لمشروع النظام الجديد انبرى خبراء الاقتصاد السعودي للحديث عن مميزات هذه الخطوة التي اعتبرها البعض أحد أدوات جذب الاستثمارات وتعزيز الإيرادات العامة ومعالجة العديد من المشكلات الاقتصادية المؤثرة كالتستر وتهريب الأموال خارج البلاد، كما جاء على لسان المحلل الاقتصادي والمصرفي فضل بن سعد البوعينين.
البوعينين في تصريحات نقلتها “العربية” كشف أن تحويلات غير السعوديين للخارج العام 2018 بلغت قرابة 136 مليار ريال، تحتل بها بلاده المرتبة الثانية عالميًا في حجم الحوالات المالية بعد الولايات المتحدة الأمريكية، كاشفًا أن معظمها لاعلاقة له بالأجور والرواتب بل باستثمارات متستر عليها تعتبر فاقدًا للاقتصاد، على حد قوله.
وأضاف أن النظام الجديد سيعالج مثل هذه المشاكل “حيث سيتمكن المستثمرون النظاميون من إبقاء أموالهم بطريقة شرعية وهم آمنون وهذا سيدفعهم لمزيد من الاستثمارات وتوطين عوائدهم المالية، بدل تحويلها كما أنهم سيتحملون الرسوم والضرائب النظامية التي لا يدفعونها بنظام التستر”.
الأمر ذاته أكده رئيس الأبحاث في شركة الراجحي المالية مازن السديري، الذي أوضح أن من أهم فوائد الإقامة المميزة استقطاب الأثرياء المسلمين الراغبين في العيش في مكة أو المدينة بمنحهم كامل الحقوق في التملك والحركة، مضيفًا: “يعالج مشكلة التستر التجاري أو اقتصاد الظل، حيث يسمح بالتملك والتنقل، وهي المشكلات التي كانت تتسبب في هجرة الأموال وعدم توطينها في المملكة لسنوات”.
الجزم بإلغاء نظام الكفالة في أعقاب إقرار الإقامة المميزة حديث يفتقد للموضوعية، كما أنه سابق لأوانه، فلم تتضح بعد الصورة الكاملة بشأن تفاصيل النظام الجديد، ولا كيفية تطبيقه
مغازلة للمجتمع الدولي
لا شك أن نظام “الكفيل” الذي يحدد العلاقة بين صاحب العمل والعامل داخل المملكة الصادر عام 1951 يعد واحدًا من أبرز الملفات التي أثارت جدلاً في الأوساط العمالية والحقوقية والمجتمعية، الإقليمية والدولية، خلال السنوات الأخيرة، الأمر الذي وضع الرياض في مرمى سهام النقد على طول الخط.
فوفق هذا النظام يتحكم الكفيل (صاحب العمل) في مكفوله (العامل الوافد) إلى الحد الذي يسمح له بالتحكم في مأكله ومشربه وملبسه وخريطة توجهاته وسيره، وهو ما يتناقض شكلًا ومضمونًا مع ما أقرته مواثيق العمل ومنظمات حقوق الإنسان، ورغم المناشدات الدولية لإلغاء هذا النظام لم تستجب السلطات السعودية حتى الآن.
بعيدًا عن الدوافع النفسية والمجتمعية للإبقاء على الكفالة في المملكة إلا أن فريقًا ذهب إلى ضرورة الإبقاء على مفهوم (الكفيل – المكفول)، كونه أحد أبرز مقومات الحفاظ على التوازن داخل سوق العمل السعودي، بما يضمن تقنين أعداد العمالة الوافدة، وتحجيمها بما لا يهدر حقوق وفرص المواطنين السعوديين في الحصول على عمل.
أنصار هذا الرأي يميلون إلى أن تغيير هذا النظام ربما يؤثر سلبًا على مستقبل الشباب السعودي فضلًا عن تداعياته على معدلات البطالة الآخذة في التزايد في المملكة خلال السنوات الأخيرة رغم مساعي السعودة التي سادت البلاد خلال الأعوام الثلاث الأخيرة، دون الوضع في الاعتبار صورة السعودية خارجيًا في ظل هذا القانون الموصوم بالعار والإدانة.
انتقادات كثيرة تعرضت لها السعودية بسبب نظام الكفالة
ذهب آخرون إلى أن الإقامة المميزة تأتي في إطار حملة غسل السمعة التي يقودها ابن سلمان لتحسين صورته وصورة بلاده بعد التشويه الذي تعرضت له عقب مقتل الصحفي السعودي جمال خاشقجي في إسطنبول أكتوبر الماضي، هذا بخلاف الانتقادات التي تتعرض لها المملكة جراء سياسات التضييق الداخلية والانتهاكات الممارسة في اليمن عن طريق قوات التحالف الذي تقوده الرياض.
ففي السنوات الأخيرة شنت عشرات المنظمات الحقوقية هجومًا على السعودية بسبب ما ترتكبه من خروقات واضحة لمواثيق حقوق الإنسان فيما يتعلق بالمرأة وحرية الرأي والتعبير فضلًا عن الانتهاكات الممارسة ضد العمال والوافدين، الأمر الذي دفع السلطات هناك إلى محاولة تحسين هذه الصورة عبر عدد من الإجراءات على رأسها السماح للمرأة بقيادة السيارات وتضييق الخناق على علماء الدين والزج بهم في السجون وإطلاق العنان للموسيقى ودور السينما في الانتشار.
لم يتوان ابن سلمان في تقديم الغالي والنفيس للحفاظ على كرسيه وتعبيد طريقه نحو خلافة والده حتى لو كلفه الأمر الإطاحة بمرتكزات بلاده الأساسية
يذكر أن منظمة العمل الدولية اعتبرت أن استمرار دول الخليج العربي في تطبيق “نظام الكفيل” عودة لزمن الرقيق، كما أنه في عام 2007 أنذرت منظمة العمل الدولية دول الخليج بضرورة إلغاء النظام أو تعليق عضويتها في المنظمة، الأمر الذي دفع الكثير من عواصم الخليج لإعادة النظر.
وفي عام 2009 قررت البحرين كأول دولة خليجية إلغاء العمل بهذا النظام، وفي العام التالي، وبعد 30 عامًا من تطبيقه ألغت الإمارات العربية المتحدة العمل به، تبعتها في ذات العام الكويت، ثم قطر في 2016 والسماح بإقامة هيئة منتخبة مستقلة لحماية حقوق العمال وتعويض ذلك بعقد مبرم بين العامل وصاحب العمل.
لم يتوان ابن سلمان في تقديم الغالي والنفيس للحفاظ على كرسيه وتعبيد طريقه نحو خلافة والده حتى لو كلفه الأمر الإطاحة بمرتكزات بلاده الأساسية، في مقابل تصدير صورة إيجابية عنه كونه الرجل الإصلاحي المناسب لقيادة المملكة خلال المرحلة المقبلة، وهو ما بدأ يلوح في الأفق منذ سنوات.
وفي المجمل.. فإن الجزم بإلغاء نظام الكفالة عقب إقرار الإقامة المميزة حديث يفتقد للموضوعية، كما أنه سابق لأوانه، فلم تتضح بعد الصورة الكاملة بشأن تفاصيل النظام الجديد ولا كيفية تطبيقه، وما إذا كان سيحل بديلًا لعلاقة (الكفيل والمكفول) أم موازيًا لها في إطار ربما يكون اقتصاديًا فحسب، وتبقى الأيام الأولى لترجمة المشروع الجديد على أرض الواقع هي المحك الرئيسي لتقييم هذه الخطوة.