بعد جولة التصعيد العسكرية الإسرائيلية الأخيرة على قطاع غزة التي استمرت 72 ساعة، وراح ضحيتها 31 فلسطينيًا، إضافة لعشرات الإصابات وتدمير كبير في الممتلكات والمنازل، دخل قطاع غزة في مرحلة حساسة وضعته قريبًا جدًا من خياري “التهدئة والحرب” في آن واحد.
قطاع غزة يعيش بأكمله على صفيح شديد السخونة، فكل المؤشرات تتجه نحو حرب جديدة قادمة ستأكل الأخضر واليابس، وأن الاحتلال الإسرائيلي يُجهز جيشه جيدًا لهذه المرحلة من أجل القضاء على المقاومة التي أصابته في مقتل، وصواريخها الأخيرة غيّرت قواعد اللعبة العسكرية بأكملها.
“الحرب على غزة مسألة وقت”، كان هذا آخر تقرير خرج عن أجهزة المخابرات الإسرائيلية، لتقييمهم الأوضاع الميدانية في قطاع غزة على ضوء جولة التصعيد الأخيرة التي قتل فيها 4 إسرائيليين، وإصابة 6 آخرين بينهم 3 في حالة الموت السريري.
في هذه الأيام يعيش قطاع غزة كخلية نحل نشطة، بعد أن أصبح “محج” للوفود الأوروبية والأجنبية والمصرية وحتى العربية، وجميعهم يعقدون لقاءات مع حركة المقاومة الإسلامية (حماس) على رأسهم رئيس مكتبها السياسي إسماعيل هنية، وباقي رؤساء الفصائل الأخرى، في محاولة لمنع انجرار الأوضاع نحو جولة تصعيد ساخنة أخرى قد تكون للحرب الرابعة.
ومن المتوقع كذلك أن يصل السفير القطري محمد العمادي إلى قطاع غزة مساء الأحد المقبل، للقاء قادة “حماس” وإتمام ما اتفق عليه فيما يتعلق بتثبيت اتفاق التهدئة بين المقاومة والاحتلال.
الحرب أو التهدئة
لكن ما يهم سكان القطاع من جميع تلك الوفود هو وفد المخابرات المصرية الذي مكث في القطاع يومين قبل أن يغادره مساء أمس الجمعة متجهًا إلى “تل أبيب”، للقاء المسؤولين الإسرائيليين والتباحث معهم في آخر ما جرى من لقاءات مع “حماس” في القطاع.
السبب الرئيسي الذي دفع بوفد المخابرات المصرية التي يرأسها اللواء أحمد عبد الخالق لزيارة قطاع غزة بشكل سريع، رسالة التهديد المفاجئة التي أطلقتها المقاومة بشأن مباحثات التهدئة التي تترنح حسب رياح التصعيد، بأنها “تمهل إسرائيل أسبوعًا واحدًا للالتزام باتفاق التهدئة أو ستفتح جولة تصعيد جديدة”.
ما تطلبه المقاومة في غزة ليس جديدًا أو خارقًا بلغة الواقع، بل هي تفاهمات رسمية جرى التوصل لها مع “إسرائيل” بطريقة غير مباشرة عبر الوسيط المصري، وتشمل فتح معابر غزة وزيادة مساحة الصيد لصيادي غزة لأكثر من 15 ميلاً بحريًا الذي يسمح بإدخال الوقود والأموال للقطاع دون عراقيل.
طلال أبو ظريفة عضو المكتب السياسي للجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين، وهو من أحد المشاركين في الاجتماع مع الوفد الأمني المصري، أكد قائلاً: “الأوضاع في قطاع غزة لا تزال حساسة للغاية وإمكانية دخولنا بجولة تصعيد جديدة واردة وقريبة”.
لفت أبو ظريفة في ختام تصريحه، إلى أن قطاع غزة يعيش الآن تهدئة هشة ومترنحة بعد المجزرة الإسرائيلية الأخيرة، وتهربه حتى هذه اللحظة من استحقاقات هذه التهدئة، مهددًا بالقول: “إما الالتزام الكامل أو سيكون لنا كلمة أخرى”
أبو ظريفة أوضح لـ”نون بوست” أن الاحتلال الإسرائيلي حتى هذه اللحظة لم يلتزم بتفاهمات التهدئة التي جرت عبر الوسيط المصري، ويحاول التملص والهروب منها، خدمة لأجندات تتعلق بالخلافات الداخلية بين رئيس الحكومة الإسرائيلية بنيامين نتنياهو وباقي الأحزاب التي تخوض غمار تشكيلة الحكومة.
وذكر أن الخيارات المتاحة في قطاع غزة باتت محدود تمامًا، وسيكون أبرزها التصعيد وعودة كل وسائل القتال الخشنة على حدود القطاع ضمن مسيرات العودة الكبرى التي قررت الفصائل تجميدها، لإعطاء فرصة للوسيط المصري لإنجاح تحركاته، “لكن الأمر لا يبدو أنه يبشر بخير”.
ولفت أبو ظريفة في ختام تصريحه، إلى أن قطاع غزة يعيش الآن تهدئة هشة ومترنحة بعد المجزرة الإسرائيلية الأخيرة، وتهربه حتى هذه اللحظة من استحقاقات هذه التهدئة، مهددًا بالقول: “إما الالتزام الكامل أو سيكون لنا كلمة أخرى”.
رسالة المقاومة الأخيرة
وصباح الإثنين 6 من مايو الماضي، أبرمت فصائل المقاومة في قطاع غزة، تهدئة ووقف إطلاق نار مع “إسرائيل” عبر الوسيط المصري، بعد ثلاثة أيام من التصعيد الساخن أسفرت عن استشهاد 31 فلسطينيًا وإصابة 154 آخرين بحسب ما أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية، وعلى الجانب الآخر قُتل 4 إسرائيليين، وأصيب 130 على الأقل معظمهم بالصدمة، جراء الصواريخ الفلسطينية
حمل القيادي في حركة حماس يحيى موسى، الجانب الإسرائيلي المسؤولية الكاملة عن أي فشل يطرأ على تفاهمات التهدئة الأخيرة في قطاع غزة، التي جرت برعاية مصرية وأممية.
وقال: “الاحتلال يحاول أن يُصعد من اعتداءاته وهجماته وعدوانه الممنهج على أهل غزة، من خلال إطلاق النار وملاحقة المزارعين والصيادين والاعتداء عليهم، والمماطلة بتنفيذ تفاهمات التهدئة الأخيرة”، لافتًا إلى أن التهدئة وتفاهماتها تمر فعليًا بمرحلة مهمة، ونظرًا لما يقوم به الاحتلال من تصعيد ممنهج بهدف التملص من التزاماته المتعلقة برفع الحصار عن السكان، فالأوضاع غير مستقرة حتى اللحظة.
وذكر أن تفاهمات التهدئة واضحة، ويجب على مصر إلزام الاحتلال بها وبتنفيذها ضمن المتفق عليه، مؤكدًا أن المقاومة في القطاع لديها من الأساليب والطرق ما سيجبر “إسرائيل” على الالتزام بجميع البنود وعدم التملص منها.
لاحتلال الإسرائيلي قرر، أمس الجمعة، إعادة توسيع مساحة الصيد في بحر قطاع غزة، بعد إغلاقه كليًا خلال العدوان الأخير، وهو ما أكده نقيب الصيادين في غزة نزار عياش، قائلًا إن الاحتلال سمح للصيادين على مساحة 12 ميلًا من ميناء غزة حتى رفح جنوبًا، و6 أميال حتى بيت لاهيا شمالًا
وتستند “تفاهمات التهدئة” إلى رفع الحصار الإسرائيلي المفروض على قطاع غزة منذ 2006، مقابل وقف أدوات مسيرات العودة السلمية التي يراها الاحتلال “خشنة” كالبالونات والطائرات الورقية وفعاليات الإرباك الليلي.
في هذا السياق يذكر أن الاحتلال الإسرائيلي قرر، أمس الجمعة، إعادة توسيع مساحة الصيد في بحر قطاع غزة، بعد إغلاقه كليًا خلال العدوان الأخير، وهو ما أكده نقيب الصيادين في غزة نزار عياش، قائلًا إن الاحتلال سمح للصيادين على مساحة 12 ميلًا من ميناء غزة حتى رفح جنوبًا، و6 أميال حتى بيت لاهيا شمالًا.
وبحسب مراقبين ومحللين، فإن هذه الخطوة محاولة من “إسرائيل” لذر الرماد في عيون الفلسطينيين وإقناعهم بالتهدئة رغم عدم التزامها بباقي البنود المتعلقة بالأموال والوقود والمعابر.
هل ابتلعت غزة الطعم؟
بدوره رأى المحلل السياسي ثابت العمور أن الأوضاع في غزة تؤشر نحو جولة تصعيد جديدة مقبلة، معتبرًا أن تملص الاحتلال من التفاهمات وإطلاق المقاومة للصواريخ التجريبية في عرض البحر “رسائل أخيرة قبل الحرب”.
تساءل المحلل السياسي ثابت العمور: هل ابتلعت غزة الطعم؟ مجيبًا عن سؤاله بالقول: “المرحلة السابقة كانت تريد فيها “إسرائيل” إنجاح انتخاباتها الداخلية مقابل وعود قدمتها لغزة، واليوم انتهت الانتخابات وعاد نتنياهو من جديد للكرسي، فلا يوجد بالنسبة للاحتلال أي داعٍ لأي تفاهمات مع غزة”
ولفت إلى أن الوضع الذي تعيشه “إسرائيل” في ظل الدعم الأمريكي والتطبيع العربي غير المسبوق والتحولات القائمة، سيدفعها لإلغاء أي تفاهمات مع المقاومة حتى لا تظهر بموقف الضعيف، مشيرًا إلى أن الأوضاع العربية والإقليمية تشجع الاحتلال أكثر من أي وقت آخر على شن حرب على غزة.
وتساءل المحلل السياسي: هل ابتلعت غزة الطعم؟ مجيبًا عن سؤاله بالقول: “المرحلة السابقة كانت تريد فيها “إسرائيل” إنجاح انتخاباتها الداخلية مقابل وعود قدمتها لغزة، واليوم انتهت الانتخابات وعاد نتنياهو من جديد للكرسي، فلا يوجد بالنسبة للاحتلال أي داعٍ لأي تفاهمات مع غزة”.
وتابع: “لم يكن هناك اتفاق حقيقي للتهدئة، وهي مجرد تفاهمات هشة، ومستوى الوساطة فيها كان ضعيفًا من المخابرات المصرية بعيدًا عن مؤسستي الرئاسة أو الخارجية، وهناك نية للاحتلال الآن للتملص من تلك التفاهمات وتدحرج الأوضاع نحو حرب مقبلة”.
ويبقى خيارا “التهدئة والحرب” يحومان حول قطاع غزة المحاصر منذ العام 2007، فمن منهما سيحدد مصير سكانه خلال الأيام المقبلة؟