وميض النصر والعزة يلمع في عينيه، وأصعب لحظات الإضراب عليه عندما ألقى السلام على زملائه الأسرى مودعاً “ودعتهم من بعيد, ودعتهم وهم ملقون على الارض لا يستطيعون الحراك , ودعتهم واجسادهم قد ذبلت وعظامهم قد وهنت , لم يستطع احد منهم القيام للسلام علي , ودعتهم وهم يتنظرون فرجا من عند الله بكرامة , او موت في سبيله وشهادة “
من على سريره في احدى المستشفيات الفلسطينية كانت تلك اولى الكلمات التي تكلم بها الاسير المحرر من سجون الاحتلال الاسرائيلي, زيد الجنيدي بعد 22 يوما من حرب الامعاء الخاوية , حيث لا طعام ولا شراب سوى مشروب الكرامة (ماء وملح) , مشروب ليس من هدفه الا الابقاء على حياتهم قدر المستطاع
يكمل حديثه – محاولا التقاط انفاسه وحبس دمع عينيه , يستجمع قواة جسدة الذي اكله الجوع , واضعا يداه خلف راسه الذي اشتعل شيبا- قائلا : تركت خلفي اخواني المضربين عن الطعام في طريقهم الى الشهادة , الا فالتعلموا ان ارواحهم ستطارد كل من كان بوسعه مساعدتهم ولم يفعل , الا فاليعلم حكام العرب والمسلمين انهم مسؤولون امام الله والتاريخ عن تقصيرهم المجحف في حقنا الا حسبنا الله ونعم الوكيل . تتبعثر كلماته وينخفض صوته فيسرعون به الى اقرب غرف للعناية .
زيد الجنيدي (ابو اسامة) هو احد الاسرى الاداريين المضربين عن الطعام, احد اشكال تلك المعاناة وليس باكثرها الما , فقصص معاناتهم ليس لها انتهاء , فللالم والمعاناة مع كل واحد منهم الف حكاية وحكاية. قضى شطرا طويلا من عمره بين السجون ,فلم يسلم على مر سنين عمره من مضايقات الاحتلال واذنابه , توفي كلا والديه وهو داخل الاسر , وها هو اليوم يعود لاهلة بعد اثنان وعشرين يوما من الاضراب عن الطعام لينقل لنا حال اخوانه خلفه, يعود ليخيرنا عن قصص البطولة الفداء, يعود بجسده ليرسم لنا صورة باقي ابنائنا وان كانت صورته على شاشات التلفاز ابلغ من اي كلام . هزيلا نحيلا فاقدا جسده لكل مقومات الحياه لكنه حاملا كرامة امة باكلمها وعزة شعب لم يعرف الذل يوما.
انهم اسرانا الابطال كما عودنوا لم يرفعوا يوما الراية البيضاء لعدوهم ولم يعدموا وسيلة لمحاربته حتى وان اتخذوا من امعائهم الخاوية سلاحا ومن ارواحهم ثمن لهذه المعارك , ولكي تتضح لك الصورة عزيزي القارئ .فهناك ما يزيد على خمسة الاف اسير فلسطيني في سجون الاحتلال الاسرائيلي يتضمنهم ما يقارب المئتين اسير تحت ما يسمى بالاعتقال الاداري وهم محور حديثنا في هذا المقال.
الاعتقال الاداري هو احد اشكال الغطرسة والتخبط الاسرائيلي , اعتقال بدون تهمة , يتذرع الاحتلال بأن المتهم يشكل خطر على أمن إسرائيل لكن يبقى هذا في ملف سري لا يمكن للمعتقل أو محاميه الاطلاع عليه، وبذلك يحكم على الأسير بالسجن لمدة ستة شهور متكررة ، حيث يتم تجديد الاعتقال الاداري للأسير مرات غير محدودة حسب مزاج المحتل ليصل الى سنين عديدة كما حصل مع عشرات الأسرى الفلسطيني, وهو اعتقال يرفضه الإعلان العالمي لحقوق الإنسان.
ففي الرابع والعشرين من نيسان الماضي بدأ الأسرى الإداريون في سجون الاحتلال خوض إضراب مفتوح عن الطعام احتجاجا على اعتقالهم بدون تهمة او محاكمة. حيث اوضح الاسرى انهم لن ينهوا إضرابهم إلا في حال تم الافراج عنهم وإيقاف سياسة الاعتقال الإداري الظالمة بحقهم.
ورجوعا إلى تاريخ السجون, فإن الحركة الأسيرة قادت عدة معارك لنيل حقوقهم التي ينص عليها القانون الدولي، ومؤسسات حقوق الإنسان،ويتنكر لها الاحتلال، واستطاعوا من تحقيق أهدافهم في إضرابات فردية كما حصل مع سامر العيساوي وأيمن شراونة ومن قبلهم خضر عدنان بالإضافة إلى إضرابات جماعية كان آخرها الإضراب الجماعي للمطالبة بإنهاء معاناة العزل الإنفرادي، في سبيل نيل حقوقهم على الغرم من أخطار الإضراب الصحية على الأسير.
ولعل كثيرا من الناس لا يدري اهمية هذا الاضراب ولا يدرك اهميه التفاعل مع هذه القضية , فكل مشاركة في هذه القضية ولو بكلمة تعني الكثير الكثير لان هذا الاضراب يعتمد بشكل اساسي على الدعم الشعبي والاعلامي حتى يتم نقل رسالتهم واضرابهم الى العالم اجمع مما يؤدي الى تشكيل حرجا سياسا ودوليا لإسرائيل وزيادة الضغط على الاحتلال الاسرائيلي من اجل الافراج عنهم وانهاء معاناتهم .
وتذكر اخي القارئ واختي القارئة ان قضيتهم امانة في اعناقنا جميعا فهم من ضحوا بزهرة شبابهم واعمارهم دفاعا عن كرامة هذه الامة وذودا عن اولى قبلتنا ومعراج نبينا , فلا تبخل عليهم بصالح دعائك اولا وبالمشاركة في مساندتهم بالطريقة التي تستطيع ثانيا. اكتب عنهم في مواقع التواصل الاجتماعي تحت هاشتاج #مي_وملح او ما يشابهها بلغات اخرى , تحدث عن قضيتهم بين زملائك في عملك او جامعتك او مدرستك او بين اهلك واصحابك واقربائك . حث الجميع على دعمهم ولا تتتقص او تزدري اي عمل مهما صغر , فقد امرنا سبحانه ان نعمل قدر استطاعتنا وان نترك النتائج عليه وحده.