ترجمة وتحرير: نون بوست
باعتبارهما حليفين وفيين لبشار الأسد منذ سنة 2011، قامت كل من روسيا وإيران بكل شيء خلال الحرب السورية حتى يعود “جزار دمشق” من جديد. وقد دعم كلاهما النظام السوري عبر عدة طرق من أبرزها إرسال المرتزقة والأسلحة، والتدخل العسكري، واستعمال الفيتو في مجلس الأمن، والدعم المالي. أما اليوم، فيطالب كلا البلدين بالتعويض بعد أن استثمر كلاهما مليارات الدولارات في حرب بدأت تقترب من نهايتها، ولكن هذه التعويضات لن تمر دون المسّ بمصالحهما.
على مستوى النفوذ العسكري، دخل الإخوة الأعداء في تنافس متقارب، حيث تحاول موسكو الحفاظ على إنجازاتها فهي تمتلك قاعدة بحرية في مدينة طرطوس الساحلية تعود لسبعينيات القرن الماضي، بالإضافة إلى قاعدة حميميم الجوية في مدينة اللاذقية التي تأسست بعد التدخل العسكري في سوريا خلال شهر أيلول/ سبتمبر 2015.
خلال شهر كانون الثاني/ يناير 2017، وقّعت روسيا مع دمشق اتفاقية تخوّل لها استغلال قاعدة حميميم الجوية لنصف قرن آخر. وقد انتشرت الشرطة العسكرية الروسية في العديد من المناطق التي كانت تابعة للثوار قبل استعادتها خلال السنتين الأخيرتين من قبل النظام، الذي يسيطر حاليًا على ثلثي البلاد تقريبًا.
يعمل الروس على إخضاع مختلف الأجهزة الأمنية للدولة السورية تحت وصايتهم، وتطالب موسكو بالإشراف على تعيين المسؤولين السامين في الوظائف المتعلقة بالأجهزة الأمنية
داخل هذه المعاقل السابقة المعادية للأسد، تكفل الروس برعاية المحادثات مع الثوار لتنظيم عملية نزع السلاح وإجلاء المدنيين والمقاتلين بموجب ما يسمى باتفاقيات المصالحة. وبالتعاون مع الشرطة العسكرية السورية أو بمشاركة جنود من جيش بشار الأسد، تقوم روسيا بدوريات في كل من الغوطة الشرقية الواقعة على مقربة من دمشق، وفي محافظة درعا والقنيطرة اللتين استعادهما النظام السنة الماضية. كما أنشأ الروس ثمانية مراكز مراقبة في الجزء السوري من مرتفعات الجولان غير بعيدة عن الحدود الإسرائيلية. ولتضمن شرعيتها بشكل أفضل في هذه المناطق، تعمدت موسكو انتداب عناصر شرطة شيشانيين (مسلمين سنة)، وهي تهدف من وراء ذلك إلى كسب تعاطف الأهالي من الأغلبية السنية في سوريا (75 بالمئة قبل الحرب) لمواجهة إيران الشيعية.
التغلغل داخل الأجهزة الأمنية السورية
بغض النظر عن هذا الانتشار العسكري، يعمل الروس على إخضاع مختلف الأجهزة الأمنية للدولة السورية تحت وصايتهم، وتطالب موسكو بالإشراف على تعيين المسؤولين السامين في الوظائف المتعلقة بالأجهزة الأمنية. وتهدف روسيا إلى التغلغل وتعزيز رقعة هيمنتها داخل مؤسسات الدولة السورية، والحيلولة دون عودة النفوذ الإيراني وتغلغله في دوائر صنع القرار الرئيسية.
خلال منتصف شهر نيسان/ أبريل، عيّن الأسد جنرالًا مواليًا لروسيا على رأس هيئة الأركان، وذلك حسب مواقع مقربة من المعارضة. ولكن وسائل الإعلام الرسمية تكتمت على هذا الأمر. أما بالنسبة لرئيس المخابرات العسكرية اللواء محمد محلا، فقد أحيل للتقاعد قبل أن يُعين بطلب من الإيرانيين مستشارًا للأمن لدى القصر الرئاسي. وفي آذار/ مارس، زار رئيس هيئة الأركان العامة للقوات المسلحة الإيرانية، محمد باقري، دمشق ليشرف بنفسه على تعيين محلا في منصبه الجديد. ومن جهتهم، يعمل الروس على ضم المخابرات الجوية تحت إشرافهم، والتي يديرها رسميًا الجنرال جميل حسن المقرب من طهران.
الحرس الجمهوري ضد الفيلق الخامس
يشتد السباق بين البلدين على مستوى الفيالق العسكرية، فالفيلق الخامس التابع للجيش السوري أسسه الروس في إطار الاستراتيجية التوسعية لموسكو. ويتكون هذا الفيلق من قرابة 40 ألف عنصر، وهو شبه مستقل عن الجيش السوري، ويجمع مقاتلين سابقين من ميليشيات موالية للنظام، ومجندين هربوا من الخدمة العسكرية، وجنود روس، إلى جانب عناصر سبق لهم القتال مع فصائل المعارضة واضطروا للاستسلام.
، تتمتع ميليشيا “لواء الباقر” المدعومة من إيران بنفوذ هام داخل محافظة حلب (الشمال) ودير الزور (الشرق). وتتلقى ميليشيا لواء الباقر العتاد العسكري والدعم من الحرس الثوري الإيراني وميليشيا الحشد الشعبي العراقية ومن جيش المهدي في حلب
في الأثناء، وقّعت إيران اتفاقية تعاون عسكري خلال شهر آب/ أغسطس 2018 مع دمشق، حيث تعمل طهران على وضع يدها على الحرس الجمهوري الذي يشرف عليه ماهر الأسد، شقيق الرئيس والمقرب من الحرس الثوري الإيراني. ويتنافس حليفا بشار الأسد حاليا على الميليشيات أيضا. ووفقا للمرصد السوري لحقوق الإنسان، “أطلق الروس سنة 2016 مخططا يهدف إلى حل الميليشيات الموالية للنظام والمنتشرة في كامل سوريا، أو إخضاعها مباشرة تحت إشرافها، كما سبق للروس أن ضموا ميليشيا “لواء القدس” الفلسطينية تحت سيطرتهم”. ومن المقرر أن تخضع هذه المليشيا إلى تدريبات تشرف عليها شركة عسكرية روسية أوكرانية تعرف باسم شركة “فيغا”، التي استقرت مؤخرا في سوريا.
في الطرف المقابل، تتمتع ميليشيا “لواء الباقر” المدعومة من إيران بنفوذ هام داخل محافظة حلب (الشمال) ودير الزور (الشرق). وتتلقى ميليشيا لواء الباقر العتاد العسكري والدعم من الحرس الثوري الإيراني وميليشيا الحشد الشعبي العراقية ومن جيش المهدي في حلب. وتعمل هذه المليشيا رفقة ميليشيات أخرى تحت إشراف إيراني، على غرار حزب الله اللبناني وكتائب الإمام الحسين ولواء أسد الله الغالب، على عرقلة أي توسع روسي داخل المناطق التي تسيطر عليها دمشق اليوم.
اتفاقيات اقتصادية
دخلت روسيا وإيران في سباق لتوقيع اتفاقيات اقتصادية والسيطرة على البنى التحتية، في بلد لا زال مشروع إعادة إعماره ينتظر تمويلا دوليا. كما احتدمت المنافسة بين البلدين على الظفر بأسواق ثنائية. وفي أواخر شهر كانون الثاني/ يناير وقّعت طهران ودمشق 11 اتفاقية ومذكرة تفاهم، بما في ذلك اتفاقية تعاون اقتصادي “استراتيجي طويلة المدى” لإعادة تأهيل موانئ طرطوس واللاذقية بالإضافة إلى بناء محطة طاقة. وبعد مضي شهر، وقّعت دمشق وموسكو سلسلة من الاتفاقيات الاقتصادية، والعلمية، والصناعية، بالإضافة إلى عقود أخرى مبرمة خلال سنة 2018.
لكل ميناؤه الخاص
بالنسبة لروسيا، فإن السيطرة على ميناء طرطوس رهان يكتسي بعدا تجاريا وعسكريا وذلك نظرا لقرب قاعدتها البحرية من هذا الميناء المطل على البحر الأبيض المتوسط. وبالنسبة لبعض المسؤولين في النظام السوري، فهم يفضلون أن تسيطر روسيا على هذا الميناء خوفا من تداعيات العقوبات الدولية ضد طهران على نشاط الميناء.
يبدو أن طهران كانت تنوي وضع يدها على ميناء اللاذقية، مع العلم أنه سبق أن تكفلت بإدارته شركة فرنسية سنة 2009 لمدة عشر سنوات بالإضافة إلى شركة محلية.
لكن هذا الأمر لا يخفي حقيقة أن إيران منحت قروضًا تفوق 6.6 مليار دولار للنظام السوري سنة 2013، في محاولة منها لتأمين حصتها من الكعكة بعد نهاية الحرب. وفي أوائل شهر شباط/ فبراير، أعلم وزير الخارجية الإيراني نظيره السوري “باستعداد الشركات الإيرانية للتعاون اقتصاديًا مع سوريا خلال فترة إعادة الإعمار”. وبعد ثلاثة أسابيع فقط، أدى الرئيس السوري أول رحلة له إلى إيران منذ بداية الحرب.
يبدو أن طهران كانت تنوي وضع يدها على ميناء اللاذقية، مع العلم أنه سبق أن تكفلت بإدارته شركة فرنسية سنة 2009 لمدة عشر سنوات بالإضافة إلى شركة محلية. ومن جانبها، تستعد روسيا منذ سنة 2015 لاحتكار استغلال النفط والغاز السوري على الرغم من أن العديد من الحقول لا تزال تحت سيطرة القوات الكردية في الشمال والشمال الشرقي لسوريا. وقد دخلت شركات روسية على الخط على غرار شركة “غازبروم”. وقبل بدء الصراع، كانت سوريا تنتج 385 ألف برميل يوميًا وتحقق إيرادات سنوية بلغت 3.2 مليار دولار وفقًا لصندوق النقد الدولي، أما الآن، فيقدر إنتاجها الحالي بحوالي 70 ألف برميل في اليوم.
رهانات جيوسياسية
تهدف إيران من خلال تحقيق الريادة في سوريا إلى تعزيز دورها كقوة إقليمية، والتمديد في بقائها في سوريا، ودعم الهلال الشيعي الذي يمتد من إيران مرورا بالعراق وسوريا وصولا إلى لبنان. كما تطمح إيران إلى تشديد الضغط أكثر على إسرائيل والولايات المتحدة عبر الاقتراب أكثر من الحدود الإسرائيلية.
أما بالنسبة لروسيا، فاستراتيجيتها في سوريا تعد جزءا من عودتها إلى البروز من جديد في جميع أنحاء المنطقة سياسيًا واقتصاديًا. وتطمح روسيا إلى وضع يدها على الغاز والنفط السوري، بما في ذلك الموارد المنتشرة على طول السواحل. إلى جانب ذلك، تسعى موسكو إلى بناء طريق طاقي عابر للحدود يمر عبر منطقة غنية بالمحروقات، ليضخ من قاع البحر الأبيض المتوسط كميات كبيرة من الغاز البحري.
المصدر: سلايت