ترجمة وتحرير: نون بوست
تشير التقارير الأخيرة إلى أن كلا من مستشار الأمن القومي في إدارة ترامب جون بولتون ووزير الخارجية مايك بومبيو لا يدّخران جهدًا في سبيل التحريض على شن حرب ضد طهران، الأمر الذي يدفع المراقبين إلى التساؤل عن مدى قدرة الدبلوماسيين الأمريكيين على النجاح في ذلك.
في الواقع، يشارك كل من بومبيو وبولتون في أعمال استفزازية متعمدة تتمثل في إرسال عدد من حاملات الطائرات من طراز “يو إس إس أبراهام لينكولن” إلى الخليج العربي بالقرب من السواحل الإيرانية، بهدف إرسال إشارات واضحة إلى النظام الإيراني.
في الوقت الحالي، طرأت بعض التغيّرات على التحالفات العسكرية بين “القوى العظمى”، وهو ما أدى إلى تفاقم الأزمة واحتدام المواجهات بينها أكثر مقارنة بما كانت عليه خلال الحرب العالمية الأولى. وفي ظل هذه التغيرات، بات حلف شمال الأطلسي “الناتو” يرزح تحت تهديدات كبيرة، لا سيما أنه لا يمكن شن حرب ناجحة ضد طهران في الوقت الذي تقف فيه تركيا، التي لها مكانتها الخاصة في حلف شمال الأطلسي، إلى جانب إيران. وعلى الرغم من أن تركيا عضو رسمي في حلف الناتو فضلا عن كونها حليفة للولايات المتحدة، إلا أن رجب طيب أردوغان لا يخفي عزمه على تطوير علاقات ودية مع أعداء الولايات المتحدة الرئيسيين إيران وروسيا، ولعل ذلك ما يشير إلى تخبّط الناتو في أزمة.
على الرغم من أن العلاقة بين نتنياهو وبوتين ليست قائمة على اتفاق رسمي إلا أنها تخدم مصالح كل من روسيا و”إسرائيل”
إلى جانب ذلك، لم يعد اتحاد الاستخبارات العسكرية التركية الإسرائيلية الذي طورته هيلارى كلينتون، ويعود تاريخ تأسيسه إلى اتفاقية الأمن والسرية التي أبرمت بين تركيا و”إسرائيل” في عهد حكومة رئيسة الوزراء التركية تانسو تشيلر بين سنة 1993 و1994، ساري المفعول.
كانت العلاقات الاستراتيجية الأمريكية الإسرائيلية الثنائية، والتحالف الأمريكي التركي، إلى جانب اتفاق التعاون العسكري والاستخباري بين “إسرائيل” وتركيا، واتفاقية “إسرائيل” وحلف شمال الأطلسي الموقعة سنة 2003، تمثّل أساس التحالف الثلاثي بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” وتركيا أو المثلث “الأمريكي التركي الإسرائيلي” مثلما أسمته مؤسسة بروكينغز.
لكن هيكل التحالف الذي ترعاه الولايات المتحدة لم يعد قائما مما أضر إلى حد كبير بمصالح واشنطن في الشرق الأوسط. وفي الوقت الراهن، يجري إبرام اتفاقية ثلاثية جديدة بين تركيا وإيران وروسيا، علما بأن “إسرائيل” تعتبر حليفا لموسكو حيث طور نتنياهو وبوتين علاقات ودية على مر السنين وغالبا ما يتم عقد مشاورات بينهما بشأن القضايا السياسية والاستراتيجية الرئيسية.
تركيا عضو له ثقل كبير في حلف الناتو، لا سيما أنها الدولة الوحيدة من ضمن الدول الأعضاء في الناتو التي تتشارك حدودا مع إيران
على الرغم من أن العلاقة بين نتنياهو وبوتين ليست قائمة على اتفاق رسمي إلا أنها تخدم مصالح كل من روسيا و”إسرائيل”. وتشير الأحداث الأخيرة إلى أن التحول التاريخي في هيكل التحالفات العسكرية ساهم في إضعاف الهيمنة الأمريكية في الشرق الأوسط، وخلق أزمة غير معلن عنها داخل منظمة حلف شمال الأطلسي.
هل يمكن أن تشن الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي و”إسرائيل” حربا ضد إيران دون العودة إلى تركيا؟
إن تركيا عضو له ثقل كبير في حلف الناتو، لا سيما أنها الدولة الوحيدة من ضمن الدول الأعضاء في الناتو التي تتشارك حدودا مع إيران. وقد التقى وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو بنظيره التركي مولود جاويش أوغلو في شهر نيسان/ أبريل في تركيا، بيد أن هذا الاجتماع لم يفض إلى أي نتائج.
إلى جانب ذلك، حذر نائب الرئيس الأمريكي مايك بنس الحكومة التركية من عواقب الإصرار على إتمام صفقة شراء منظومة الدفاع الروسية “إس-400″، وذلك على خلفية تصريح وزير الخارجية التركي بأنهم قرروا المضي قدما في هذه الصفقة. كما أشار بنس إلى أن شراء الأسلحة من روسيا يهدد وحدة حلف الناتو، مضيفا أن واشنطن لن تبقى مكتوفة الأيدي حيال مسألة شراء الأسلحة من خصومها. لذلك، يبدو أن وحدة حلف الناتو باتت على المحك، ما يثير الشكوك بشأن إمكانية تواصل عضوية تركيا في الحلف.
هل يعتبر انسحاب تركيا من حلف الناتو واقعا لا مفر منه؟
قد يؤدي خروج تركيا من حلف شمال الأطلسي إلى خروج دول أخرى أيضا. وفي شهر نيسان/ أبريل، عملت تركيا وإيران على تعزيز علاقاتهما الثنائية. في الأثناء، لا يزال التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وحلف الناتو و”إسرائيل” قائما، ولا تزال تركيا عضوا رسميا في حلف شمال الأطلسي. وفي الحقيقة، من غير المتوقع أن تؤدي التغييرات الطارئة على التحالفات العسكرية بما في ذلك الأزمة داخل الناتو إلى شن عملية عسكرية واسعة النطاق ضد إيران. ومن المفترض أن بولتون وبومبيو على دراية تامة بالوضع والتغييرات.
يعود تاريخ التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وتركيا، بما في ذلك إنشاء القاعدة الجوية الأمريكية في تركيا، إلى الحرب الباردة
تقف تركيا، الدولة العضو في حلف الناتو إلى جانب أعداء الولايات المتحدة، وبالنظر إلى العلاقات التي تجمعها مع روسيا وإيران فإن التخطيط العسكري المنسق بين الولايات المتحدة وحلف الناتو يرزح تحت التهديد. ونتيجة لذلك، يمكن للولايات المتحدة اللجوء إلى أشكال أخرى من الحرب على غرار فرض العقوبات الاقتصادية، والتخريب، والاستفزازات.
يعود تاريخ التعاون العسكري بين الولايات المتحدة وتركيا، بما في ذلك إنشاء القاعدة الجوية الأمريكية في تركيا، إلى الحرب الباردة. لكن أدت بعض الخلافات إلى تأزم العلاقات بين البلدين ما دفع تركيا إلى التقرب من روسيا وإيران. وردا على ذلك، وجّه ترامب بعض التهديدات العسكرية وفرض حزمة من العقوبات الاقتصادية، ناهيك عن التلاعب بسوق العملات الأجنبية.
يبدو أن تركيا أقامت تحالفات مناسبة مع إيران. ومن جهتها، تدعم كل من روسيا والصين طهران، ويتجلى هذا الدعم في التعاون العسكري وإبرام اتفاقيات تُعنى بالتجارة والاستثمار. وعلى الرغم من أن الولايات المتحدة و”إسرائيل” تدرسان إمكانية قيادة عملية عسكرية ضد طهران منذ سنوات، إلا أن وقوع الأجندة العسكرية التي كانت قائمة على التحالف الاستخباراتي العسكري طويل الأمد بين “إسرائيل” وتركيا وعلى التحالف العسكري الثنائي بين أنقرة وواشنطن تحت التهديد يحول دون تحقيق ذلك.
في عهد كلينتون، تم إنشاء تحالف عسكري ثلاثي يضم الولايات المتحدة و”إسرائيل” وتركيا. وقد نسق هذا “التحالف الثلاثي” القرارات العسكرية المتعلقة بالشرق الأوسط
وتجدر الإشارة إلى أن اتحاد الاستخبارات العسكرية التركية الإسرائيلية، الذي يعود تاريخه إلى اتفاقية موقعة في عهد حكومة رئيسة الوزراء التركية تانسو تشيلر بين سنة 1993 و1994، يشمل:
– إنشاء لجان إسرائيلية تركية مشتركة للتعامل مع ما يسمى بـ التهديدات الإقليمية.
– اتفاقية الأمن والسرية المصممة بعناية من طرف السياسة الخارجية الأمريكية، الهدف منها تعزيز العلاقات بين “إسرائيل” وتركيا في مجال التعاون العسكري والاستخباري، والمناورات العسكرية المشتركة، وإنتاج الأسلحة.
في عهد كلينتون، تم إنشاء تحالف عسكري ثلاثي يضم الولايات المتحدة و”إسرائيل” وتركيا. وقد نسق هذا “التحالف الثلاثي” القرارات العسكرية المتعلقة بالشرق الأوسط. ويرتبط التحالف الثلاثي باتفاقية التعاون العسكري لسنة 2005 بين الناتو و”إسرائيل”. وفي سنة 2006 وقعت الولايات المتحدة وتركيا اتفاقية ألزمت تركيا بدعم “إسرائيل”، حيث يقوم نص الاتفاقية على: “روابط قوية من الصداقة والاتحاد والثقة المتبادلة والرؤية الموحدة. وتشارك نفس القيم والمثل العليا والأهداف الإقليمية والعالمية التي تتمثل في تعزيز السلام والديمقراطية والحرية والازدهار”.
يشكل التحالف الثنائي بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” من جهة والولايات المتحدة وتركيا من جهة أخرى، إلى جانب اتفاقية التعاون العسكري والاستخباري بين “إسرائيل” وتركيا والاتفاق بين “إسرائيل” وحلف شمال الأطلسي الممضي سنة 2003، أساس التحالف الثلاثي بين الولايات المتحدة و”إسرائيل” وتركيا. ولكن واشنطن ترى أن هذا التحالف لم يعد قائما حاليا.
يشير عزم تركيا على شراء المنظومة الروسية “إس-400” بقيمة ملياري دولار إلى نيتها التخلي عن نظام الدفاع الجوي التابع للولايات المتحدة وحلف الناتو، ما يعني أنها اختارت وبشكل غير رسمي الانسحاب من الناتو والانضمام إلى تحالف آخر يضم روسيا وإيران، الأمر الذي يعتبر بمثابة إعادة هيكلة لجميع التحالفات العسكرية والاقتصادية.
المصدر: بلانيت توداي