بعد قرابة 6 عقود على استحواذ عائلة الأسد على مقاليد السلطة في سوريا، انتهى حكم العائلة بسقوط بشار الأسد وفراره خارج البلاد، بعد أن أحال البلاد إلى ركام ومآسٍ لن تنتهي آثارها إلا بعد عقود طويلة.
ولم تفاجئ سرعة سقوط الأسد السوريين وحدهم، إذ يمتد تأثير هذه المفاجآت إلى الجوار الاقليمي، خاصة العراق وإيران وما يسمّى إيرانيًا بـ”محور المقاومة”، الذي بات يعدّ في حكم المنتهي فعليًا.
وسجّل سقوط الأسد تأثيرًا كبيرًا في العراق أمنيًا وسياسيًا، إذ إن العراق الذي كان قد أعلن مرارًا وتكرارًا أن أمن الحدود الغربية للبلاد مسيطر عليه، إلا أن المتغيرات على الساحة السورية دفعت ببغداد لتعزيز الحدود بقوات كبيرة، خشية من تدهور الوضع الأمني أو اختراق الحدود.
أما عن الصدمة السياسية، فإنها تعدّ الأكبر والأكثر تأثيرًا، ويمكن إجمال تأثير سقوط بشار الأسد على الوضع العراقي من خلال العديد من المحاور.
تأثير سياسي كبير
أعادت حرب لبنان ومن بعدها سقوط النظام السوري تشكيل التحالفات الإقليمية في منطقة الشرق الأوسط، فالهلال الإيراني الذي كان ممتدًّا من إيران إلى العراق ومن ثم سوريا، وصولًا إلى لبنان والبحر الأبيض المتوسط، قد انتهى فعليًا ولم يبقَ فيه إلا العراق، لا سيما أن كل ما فعلته إيران طيلة 13 عامًا من عمر الثورة السورية انتهى خلال 11 يومًا من بدء العمليات العسكرية للمعارضة، التي أسقطت النظام في 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
يشهد النظام السياسي في العراق صدمة كبيرة جراء التحولات السريعة التي لم تكن متوقعة على الإطلاق، لا سيما أن أي مقاومة عسكرية من طرف النظام السوري والقوات الروسية والإيرانية لم تحدث، ما أدّى إلى دخول المعارضة إلى العاصمة السورية دمشق في حدث فاجأ العالم.
إرباك كبير ذلك الذي اتسم به الموقف العراقي سواء الرسمي أو السياسي، فبعض الساسة العراقيين الذين أيدوا الأسد في مواجهة المعارضة بعد سيطرة الثوار على مدينة حلب ووصفهم للمعارضة بالإرهابيين، تغير موقفهم سريعًا ليؤكد احترام الإرادة الشعبية في الجمهورية السورية.
ارتباك سياسي
ولعلّ التيارات السياسية الشيعية كانت مترددة جدًّا ومرتبكة إلى حد الثمالة في موقفها السياسي من سرعة الأحداث في سوريا، باستثناء التيار الصدري الذي يتزعّمه مقتدى الصدر، والذي دعا مبكرًا إلى عدم التدخل في سوريا، وعدم زجّ الميليشيات في الصراع السوري.
على الجانب الآخر، سنّيًا، كان الموقف السياسي السنّي مترددًا هو الآخر، فسرعة الأحداث السورية جعلت سنّة العراق خائفين من الأخبار السريعة والمتواترة من الأراضي السورية التي تذكرهم بما حدث في يونيو/ حزيران 2014، وسقوط الموصل بيد تنظيم “داعش” خلال أيام.
إلا أن هذا الموقف سرعان ما تغير سريعًا مع استكشاف نوايا هيئة تحرير الشام، وسرعة ضبط الأوضاع الأمنية والسياسية، وعدم تكرار ما حدث في العراق بعد عام 2003، وهو ما حدا ببعض ساسة السنّة إلى إصدار بيانات صحفية مباركة للشعب السوري نجاح ثورته وسقوط الطاغية.
ويقول أستاذ السياسات العامة في جامعة بغداد الدكتور إحسان الشمري، إن انعكاسات كبيرة جدًّا سيشهدها العراق بعد سقوط نظام الأسد، خاصة أن منطقة الشرق الأوسط باتت تتضح تدريجيًا، وأنه لن يكون لإيران فيها نفوذ أو فصائل أو أذرع مسلحة أو سياسية، وهو ما لوحظ في لبنان ثم سوريا.
ولفت الشمري إلى أن العراق قد يمرُّ بمنعطف كي لا يُبقي لإيران آلية للتحكم بالقرار السياسي والحكومة والسلاح، بما يعني أن سقوط الأسد سيجعل العراق الجغرافيا الأقرب إلى سيناريو جديد.
ولا يختلف اثنان في أن التأثير السياسي لسقوط بشار الأسد سيكون كبيرًا في منطقة الشرق الأوسط، فلبنان الذي يشهد شغورًا رئاسيًا منذ عامَين بفعل تعطيل “حزب الله” لخطوات انتخاب رئيس لبناني جديد، سينتهي خلال أقل من شهر، بعد تأكيدات أن بداية العام الجديد ستشهد انتخاب رئيس جديد للبنان.
وقد لا يكون التأثير السياسي في العراق مشابهًا، إلا أن ساسة العراق وفي الغرف المغلقة باتوا يشكّكون في الاتّكاء على إيران سياسيًا وعسكريًا، فالنفوذ الإيراني الذي لم يفلح في الدفاع عن مصالحه في لبنان وسوريا، قد لا يفلح كذلك في الملف العراقي المليء بالمطبّات والتعقيدات والكتل السياسية والولاءات والتدخلات الخارجية.
الوضع الأمني بعد سقوط الأسد
يختلف الوضع الأمني في العراق بصورة كبيرة عن الوضع السوري، فالعراق ومنذ تحرير المحافظات الشمالية والغربية من تنظيم “داعش” صيف 2017 يشهد استقرارًا أمنيًا كبيرًا، حتى أن الوضع الأمني في بعض المحافظات المحررة أفضل من نظيره في المحافظات الجنوبية للبلاد.
تحدثت بعض وسائل الإعلام في العراق ممّن تُحسب على فئات سياسية معينة، عن احتمال عودة تنظيم “داعش” ومآسيها إلى المحافظات الغربية، إلا أن الواقع الأمني في البلاد يشير إلى عكس ذلك، حيث يجمع كثير من المراقبين للشأن الأمني في العراق، على أن تنظيم “داعش” لم يعد له أي حاضنة شعبية في المحافظات الغربية والشمالية، لا سيما أن الحكومة العراقية ومنذ عهد رئيس الوزراء الأسبق حيدر العبادي قد غيرت كثيرًا من أساليب عمل القوات الأمنية.
يُضاف إلى كل ذلك أن قوات الجيش لم تعد منتشرة في المدن العراقية، حيث تسلمت قوات الشرطة المحلية الملف الأمني في كل محافظة، مع تموضع الجيش في المعسكرات والحدود دون وجود ملحوظ له داخل المدن.
مع ضرورة الإشارة إلى أن الوضع الأمني في المدن المحررة من “داعش” تعدّ في مرتبة أمنية أفضل من بقية المحافظات، لا سيما أن قوات الأمن التابعة لوزارة الداخلية سجّلت أفضل أداء لها في هذه المحافظات، مع معدل اكتشاف الأحداث الجرمية وإلقاء القبض على الجناة خلال ساعات فقط، وهو ما جعل المدنيين في هذه المدن في حالة استتباب أمني.
ما التأثير الاقتصادي بعد سقوط الأسد؟
لا يشكل التبادل الاقتصادي “الشرعي” أو الرسمي بين العراق وسوريا أهمية كبيرة لبغداد، إذا ما قورن بالتبادل التجاري مع إيران أو تركيا، ويؤكد ذلك نبيل المرسومي أستاذ الاقتصاد في جامعة المعقل بالبصرة، الذي يشير إلى أن التبادل التجاري بين العراق وسوريا يعدّ محدودًا للغاية، إذ لا تزيد صادرات سوريا المسجّلة الى العراق عن 58 مليون دولار عام 2023، مقابل صادرات عراقية الى سوريا بقيمة 27 مليون دولار فقط.
إلا أن المرسومي يرى أن هناك فرصة أمام العراق لزيادة صادراته إلى سوريا، لا سيما الصادرات النفطية، مشيرًا إلى أن التوقف المتوقع لصادرات النفط الخام الإيرانية الى سوريا، قد يمهّد الطريق أمام بغداد لتحلَّ محل طهران، وتلبية احتياجات سوريا النفطية بما فيها النفط الأسود والكاز لتشغيل محطات الطاقة الكهربائية، في ظل تراجع انتاج النفط في سوريا من 383 ألف برميل يوميًا عام 2011 إلى 40 ألف برميل يوميًا فقط عام 2023.
وهناك نوع آخر من الاقتصاد المتمثل بالتجارة غير الشرعية، إذ إنه يشمل تهريب الأموال عن طريق الفصائل المسلحة، وتهريب المخدرات سواء من سوريا إلى العراق أو العكس، فضلًا عن دعم إيران للنظام السوري البعثي المخلوع بأموال عراقية، تُضاف إلى كل ذلك التكلفة الباهظة لعمل الفصائل العراقية في سوريا، والأموال التي كانت تصرف لها، وتواجدها في سوريا منذ عام 2015 وحتى سقوط النظام.
يترقب العراقيون ما ستؤول إليه الأوضاع السياسية والأمنية مع سوريا، في ظل اشتراك البلدَين بحدود طويلة تناهز 605 كيلومترات، ولسان حال العراقيين يقول إنهم لا يريدون سوريا إلا بلدًا آمنًا مطمئنًّا.