استحوذت اللجنة العليا للانتخابات في تركيا على اهتمام الرأي العام ووسائل الإعلام، بعدما أعلنت في الـ6 من مايو الماضي قرارها إلغاء نتائج انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول وإعادتها يوم 23 من يونيو/حزيران المقبل، بالإضافة لرد اعتراض حزبي العدالة والتنمية في بلدية البيوك تشكماجي والحركة القومية في بلدية مالتبه، جاء القرار بعد مداولات واسعة بين أعضاء اللجنة التي صوت 7 منهم لقرار الإعادة فيما عارض 4 آخرون.
رحب تحالف الشعب المكون من حزبي العدالة والتنمية والحركات القومية بالقرار، حيث رأى فيه خطوة في اتجاه تظهير إرادة الناخبين الأتراك، فيما هاجمته قوى المعارضة وعلى رأسها تحالف الأمة المكون من حزب الشعب الجمهوري والحزب الجيد التي أكدت مشاركتها ودعمها لأكرم إمام أوغلو، فيما أعلن حزب اليسار الديمقراطي سحب مرشحه لرئاسة البلدية ودعم مرشح تحالف الأمة أكرم إمام أوغلو.
سلط القرار الضوء على لجنة الانتخابات العليا وآليات تكونها وصنع القرار فيها، فقراراتها تتمتع بحصانة قانونية تجعلها محصنة أمام الطعن أو الإلغاء في القضاء أو أي جهة أخرى.
من انتخابات الحزب الواحد إلى تعددية الأحزاب
خضعت تركيا منذ عام 1923 لنظام حكم الحزب الواحد الذي سيطر بموجبه حزب الشعب الجمهوري على الجمعية الوطنية والجسم التنفيذي المتمثل بالحكومة والجيش، استندت العمليات الانتخابية في هذه الفترة (1923، 1927، 1931، 1935، 1939، 1943) على قانون الانتخاب العثماني “قانون انتخاب مجلس المبعوثان” مع إدخال عدد من التعديلات الجوهرية كخفض سن الترشح والانتخاب لـ18 عامًا، وزيادة عدد الممثلين عن المناطق، لكن أهم هذه التعديلات السماح للمرأة بالانتخاب والترشح 1934، ليشهد برلمان عام 1935 فوز 17 امرأةً بعضوية المجلس.
سيدة تركية تدلي بصوتها لأول مرة
احتاجت الجمهورية التركية 23 عامًا لتجري أول انتخابات متعددة الأحزاب عام 1946، فاز فيها حزب الشعب الجمهوري بقيادة خليفة أتاتورك عصمت إينونو بـ394 مقعدًا، فيما حصل الحزب الديمقراطي بقيادة عدنان مندريس وجلال بايار على 61 مقعدًا تلاهم المستقلين بـ7 مقاعد، غير أن آليات وعمليات الانتخابات شابها الكثير من اللغط، فعمليات التصويت جرت بطريقة علنية فيما تمت عمليات الجمع بطريقة سرية، الأمر الذي شكل فرصة لعمليات واسعة من التزوير والتلاعب بإرادة الناخبين، لكن مسيرة الديمقراطية بدأت في تركيا ولا يمكن إيقافها.
أقر البرلمان التركي في فبراير/شباط 1950 بعد نقاش طويل بين نوابه قانون 5545 الخاص بانتخاب مجلس النواب، وتميز هذا القانون عن سابقه باعتماده على مبدأ “سرية التصويت وعلانية الفرز” على خلاف القانون السابق الذي تمت عليه الانتخابات العامة لعام 1946 والقائم على مبدأ “علانية التصويت وسرية الفرز”، أما أهم مخرجات القانون فكان تأسيس اللجنة العليا للانتخابات (YSK) التي أشرفت على الانتخابات العامة التي أجريت عام 1950، حيث استطاع الحزب الديمقراطي الفوز بأغلبية وسط نسبة مشاركة بلغت 89.3%، ليغادر حزب الشعب الجمهوري السلطة بعد 27 عامًا من الحكم المنفرد.
أشرفت لجنة الانتخابات العليا منذ تأسيسها عام 1950 على 19 عملية انتخابية خاصة بمجالس النواب، و14 عملية انتخابية للهيئات المحلية بالإضافة لتنظيم الانتخابات الرئاسية مرتين (2014-2018)
أصبحت لجنة الانتخابات العليا الهيئة المخولة بالإعداد والإشراف على الانتخابات في الدولة التركية لتشكل بنية مهمة بعملية بناء الديمقراطية في الجمهورية التركية، حيث شكل وجودها ضمانة حقيقية ضد عمليات التزوير والتلاعب بإرادة وأصوات الناخبين، فأشرفت لجنة الانتخابات العليا منذ تأسيسها عام 1950 على 19 عملية انتخابية خاصة بمجالس النواب، و14 عملية انتخابية للهيئات المحلية بالإضافة لتنظيم الانتخابات الرئاسية مرتين (2014-2018)، وتنظيم عدد من عمليات الاستفتاء كان آخرها الاستفتاء على التعديلات الدستورية عام 2017.
اللجنة العليا للانتخابات.. مهام ووظائف
“نحو إجراء عملية انتخابية تحفظ قيم العدالة والشفافية والحرية والمساواة” رؤية اللجنة العليا للانتخابات.
نظم وينظم وظائف وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات عدد من القوانين والمواد الدستورية، فنصت المادة 79 من الدستور التركي على أن جميع الإجراءات المتخذة قبل العملية الانتخابية وخلالها وبعدها التي تنظم سلامتها ونزاهتها من وظيفة اللجنة العليا للانتخابات حصرًا، كما أنها المسؤولة حصرًا عن إصدار القرارات وقبول الطعونات والاعتراضات والبت فيها، بالإضافة لتسليم مضابط الانتخاب وغيرها من الأعمال والوظائف المتصلة بالعملية الانتخابية.
كما أن اللجنة العليا للانتخابات هي الجهة المخولة بتنظيم الانتخابات الرئاسية والبرلمانية والمحلية، بالإضافة لتحديث سجل الناخبين وتسهيل عملية الاقتراع للأتراك المقيمين في الخارج، ونص الدستور التركي في مادة أخرى على أن تشكيل أعضاء لجنة الانتخابات العليا يجب أن يكون من خلال الجسم القضائي، فهيئتها العليا تتشكل من قضاة محكمة النقض (التمييز) والمحكمة الإدارية العليا.
شعار اللجنة العليا للانتخابات
اللجنة العليا للانتخابات.. بنى ومكونات
نظم القانون 7062 آليات عمل وتشكيل اللجنة العليا للانتخابات، حيث نص على أن عدد أعضاء اللجنة العليا للانتخابات هو 11 عضوًا، 7 أصليين و4 احتياط، يأتي 6 منهم من أعضاء محكمة النقض (التمييز) و5 من أعضاء المحكمة الإدارية العليا، حيث يتم انتخاب الأعضاء بطريقة سرية من مجالس المحاكم السابقة، فيما ينتخب الأعضاء المنتخبون لعضوية اللجنة العليا للانتخابات رئيسًا ونائبًا للرئيس من بينهم، وتمتد فترة عملهم لست سنوات يمكن تجديدها مرة أخرى.
توجد عدد من البنى الخاصة باللجنة، منها إدارة سجلات الناخبين حيث يقع مقرها المركزي في أنقرة وتمتد فروعها في جميع مدن ومحافظات البلاد
إلى جوار هؤلاء الأعضاء الـ11 يوجد ممثلين عن الأحزاب التركية الحائزة على أعلى الأصوات في آخر انتخابات برلمانية (حزب العدالة والتنمية وحزب الشعب الجمهوري وحزب الشعوب الديمقراطية وحزب الحركات القومية والحزب الجيد)، علمًا أن وجودهم هو وجود رقابي، فلا يمكن لهم التصويت والمشاركة في عملية اتخاذ القرار المحصورة في أعضاء اللجنة العليا للانتخابات.
وبالإضافة إلى ذلك توجد عدد من البنى الخاصة باللجنة، منها إدارة سجلات الناخبين حيث يقع مقرها المركزي في أنقرة وتمتد فروعها في جميع مدن ومحافظات البلاد، بالإضافة إلى الدائرة المالية والإدارية، وإلى جوار هذه التشكيلات المركزية توجد رئاسة خاصة بكل مدينة وحي في تركيا، يترأسها أقدم قضاة المدينة أو الحي وتمثل الأحزاب السياسية داخلها من خلال أعضاء مجلس النواب المنتخبين عن هذه المناطق ويقتصر دورهم على الشق الرقابي دون أن يكون لهم دور في عملية اتخاذ القرار، ويتم اتخاذ القرارات من خلال عملية التصويت بنظام الأغلبية البسيطة.
من رئيس اللجنة العليا للانتخابات؟
منذ 31 من مارس الماضي والأضواء مسلطة على رئيس اللجنة العليا للانتخابات سعدي كوفان الذي أصبح حديث السياسة التركية خاصة بعد قرار اللجنة العليا للانتخابات إعادة انتخابات رئاسة بلدية إسطنبول.
ولد القاضي سعدي كوفان المولد في مدينة بالك أسير عام 1955، حيث التحق بكلية الحقوق في جامعة إسطنبول وتخرج فيها عام 1978، وعمل بعد تخرجه في عدد من المحاكم والهيئات القضائية، قبل أن يصبح مستشارًا في وزارة العدل عام 2005، لينتخب عام 2008 عضوًا في المحكمة الادارية العليا التي انتقل منها ليصبح عضوًا في اللجنة العليا للإنتخابات ثم رئيسًا لها منذ عام 2013.