أعلن حزب الأمة السوداني وقف الحوار مع حزب المؤتمر الوطني الحاكم الذي يقوده الرئيس “عمر البشير”؛ وذلك بعد توقيف زعيمه “الصادق المهدي” بتهمة الخيانة على إثر اتهامات وجهها إلى وحدة شبه عسكرية بارتكاب عمليات اغتصاب وعنف بحق مدنيين في دارفور.
وكانت السلطات السودانية قد ألقت القبض على زعيم حزب الأمة القومي المعارض “الصادق المهدي” مساء أمس – السبت -.
وخضع المهدي للتحقيق الخميس أمام نيابة الجرائم الموجهة ضد الدولة من قبل السلطات الأمنية بسبب تصريحات اتهم فيها قوات الدعم السريع بممارسة عمليات قتل ونهب واغتصاب في دارفور؛ مما دعا جهاز الأمن والمخابرات الذي تتبع له هذه القوات إلى اتهامه بنشر الأخبار الكاذبة والإخلال بالسلم العام وإشانة السمعة.
ويأتي توقيف الزعيم المعارض في الوقت الذي يشارك فيه حزب الأمة وحركات معارضة أخرى في “الحوار الوطني” مع الحكومة الذي يقول أحد المعارضين إن أجهزة المخابرات لا تؤيده.
والمهدي الذي يتزعم حزب الأمة المعارض هو أحد أبرز الشخصيات التي يتم اعتقالها في التاريخ الحديث للسودان، فيما يملك الجهاز الوطني للاستخبارات والأمن القومي صلاحيات احتجاز مشتبه بهم لفترة تفوق أربعة أشهر من دون إشراف قضائي.
وكانت محكمة أمن الدولة استجوبت – الخميس – الصادق المهدي إثر شكوى من الجهاز الوطني للاستخبارات والأمن يأخذ عليه فيها اتهامه قوة الدعم السريع شبه العسكرية بارتكاب تجاوزات في دارفور (الإقليم الذي يشهد تصاعدًا في العنف منذ بداية العام الحالي).
وتشكل هذه الخطوة واحدة من أغرب الخطوات التي يتخذها نظام الرئيس السوداني “عمر البشير” خلال الأشهر التسعة الماضية، لا سيما أن “المهدي” قد آثر حقن الدماء خلال الفترة الماضية وعمل على توجيه الحراك الشعبي الواسع في البلاد إلى اتجاه الحوار مع السلطات بديلاً عن الثورة، وهو ما عرضه شخصيًا وسياسيًا لانتقادات واسعة.
إلا أن سياسيًا معارضًا طلب عدم كشف هويته قال لوكالة فرانس برس إن البشير “يدفع باتجاه تغيير حقيقي لأنه يدرك أن البلد ينهار، لكن أجهزة الأمن تقاوم أي حوار” في إشارة واضحة إلى إعاقة أجهزة الأمن لجهود الحوار الوطني، وعدم سيطرة الخرطوم على أجهزتها الأمنية. وذكر مسؤول في حزب الأمة أن رجال أمن وصلوا بسيارتي بيك آب وسيارات أخرى عديدة لاعتقال المهدي – أحد أهم الوجوه السياسية التي يتم توقيفها في السودان -.
وكان المهدي قد عاد بعد عصر أمس إلى منزله حيث اعتُقل، بعد أن ألقى خطابًا جماهيريًا ناقدًا للنظام قال فيه إن حزبه شرع فيما أسماه بـ “الثورة الهادئة”.
وأوضح المهدي في خطابه أنه يوجد خياران أمام النظام حصرهما في الانتفاضة الشعبية والحوار الذي يفضي إلى تفكيك النظام، لافتًا إلى أن المطالب الآنية تتجسد في الحريات والعدالة والسلام ودون ذلك فلا اتفاق على حد تعبيره. وقال المهدي في خطابه “إننا لن نخوض المرحلة القادمة دون ضمان توفير الاستحقاقات المطلوبة حتى لا نصبح أضحوكة”، وكشف المهدي عن إلغاء حلقة كان من المقرر أن يتحدث خلالها في برنامج أكثر من زاوية بالفضائية السودانية دون إبداء الأسباب، داعيًا الحكومة وأجهزتها برفع يدها عن المؤسسات الإعلامية وجعلها حرة من حيث الممارسة والعمل، مجددًا إعلانه عن فتح بلاغات بحق جهاز الأمن الذي قال إنه تجاوز المواد التي تسببت في انهياره.
وأسقطت حكومة المهدي في 1989 بانقلاب عسكري سانده الإسلاميون وجاء بالرئيس عمر البشير إلى السلطة.
وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال بحق الرئيس “عمر البشير” ووزير دفاعه “عبد الرحيم محمد حسين” بتهمة ارتكاب جرائم حرب في إقليم دارفور الذي يشهد نزاعًا مسلحًا منذ 2003. وشهد إقليم دارفور أعمال عنف مكثفة منذ بداية السنة الحالية، كما تعرض الجهاز الوطني السوداني إلى انتقادات من الاتحاد الأوروبي.
وإضافة إلى حركات التمرد المسلحة النشطة في دارفور وفي جنوب البلاد، شهدت السودان في أيلول/ سبتمبر تظاهرات مطلبية ضخمة احتجاجًا على وقف الدعم الحكومي لأسعار المحروقات وترافقت مع مطالب برحيل البشير عن السلطة.
وكانت تلك أوسع حركة احتجاج على حكم البشير منذ وصوله إلى السلطة قبل ربع قرن، وأدى قمع تلك التظاهرات إلى سقوط حوالى 200 قتيل بحسب منظمة العفو الدولية، وترافق مع كم أفواه السلطة والمعارضة، قبل أن تطلق السلطة طاولة حوار سياسي في كانون الثاني/ يناير.
ومنذ ذلك الحين منع البشير الأحزاب السياسية من تنظيم اجتماعات بدون موافقة مسبقة، بما في ذلك الاجتماعات التي تجري داخل مقرات هذه الأحزاب، ولكن قوات الأمن لم تحظر عمليًا هذه.