لم يكن الفلسطينيون في سوريا بمنأى عن الأحداث التي شهدتها البلاد منذ انطلاق أول مظاهرة تطالب بتغيير نظام الأسد، وصولًا إلى لحظة سقوطه، وما بين الحدثين التاريخيين ما شهده عقد ونيف من القتل والدمار والحصار والتهجير طال كل المناطق السورية.
كانت المخيمات الفلسطينية في قلب هذه الأزمة، إذ تعرضت لاستهداف مباشر وقصف بالطيران والصواريخ والبراميل المتفجرة، ما أدى إلى تدمير أجزاء كبيرة من بنيتها التحتية وتهجير سكانها الذين نالت أبناءهم حصتهم في الاعتقال والقتل والاختفاء القسري. جعل هذا الواقع الفلسطينيين في سوريا يواجهون تهديدات مزدوجة، تمثلت بفقدان أمنهم الشخصي ومنازلهم، إلى جانب الخطر الداهم بالمعنى الجمعي على رمزية المخيمات بوصفها أحد أبرز شواهد النكبة الفلسطينية وحق العودة.
على الرغم من ذلك، استمرت الفصائل الفلسطينية بنشاطها السياسي داخل سوريا، إذ تعد البلاد مركزًا رئيسيًّا أو أحد المراكز المهمة لقيادة عدد من هذه الفصائل. وبفضل هذا الحضور الوازن، ظلت سوريا واحدة من الساحات الرئيسية المؤثرة في المشهد الفلسطيني.
ومع بروز تطورات جديدة في المشهد السوري، خاصةً في مرحلة ما بعد انهيار نظام بشار الأسد، يواجه الفلسطينيون في سوريا مسؤولية تاريخية لوضع برنامج عمل واضح للتعامل مع هذه التحولات. يجب أن يركز هذا البرنامج على حفظ الهوية الفلسطينية وصيانة المخيمات بوصفها مواقع رمزية وتاريخية، مع تعزيز الحضور السياسي والميداني بما يواكب التغيرات الجديدة ويخدم القضية الفلسطينية في سياقيها الوطني والإقليمي.
الحضور الفلسطيني في سوريا تاريخيًّا
تُعَدُّ سوريا واحدة من أهم المحطات التاريخية للحضور الفلسطيني منذ نكبة العام 1948، إذ استقبلت عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين لجأوا إليها بعد احتلال فلسطين، إلا أن دورها لم يقتصر على استضافة اللاجئين، بل تحوَّل إلى نقطة ارتكاز محورية في العمل السياسي والعسكري الفلسطيني، خاصةً مع انطلاق الثورة الفلسطينية المعاصرة في منتصف الستينيات.
كانت سوريا حاضنة للقيادات الفلسطينية في مختلف مراحل النضال الفلسطيني، فقد احتضنت دمشق اجتماعات القيادة الفلسطينية، وأصبحت محطة رئيسية للتنسيق السياسي والعسكري للفصائل الفلسطينية. استضافت سوريا حركة فتح في بداياتها، وكذلك الجبهة الشعبية لتحرير فلسطين والجبهة الديمقراطية، وفي فترات لاحقة حركتَي حماس والجهاد الإسلامي وغيرها من الفصائل التي اتخذت من دمشق مقرًّا لها. وعلى الرغم من محاولات الأنظمة السورية المختلفة، خاصةً في عهد حافظ الأسد، الهيمنة على القرار السياسي الفلسطيني، فإن القيادات الفلسطينية استطاعت الحفاظ على مساحات للعمل المستقل في أوقات مختلفة.
شهد الحضور الفلسطيني في سوريا مدًّا وجزرًا تأثر بالظروف السياسية الإقليمية والمحلية. في العديد من الفترات، ضيَّقت السلطات السورية المساحات السياسية المتاحة للقيادة الفلسطينية، وارتبطت هذه المساحات ومرونتها بحجم التقارب أو البُعد بين مواقف القوى الفلسطينية وموقف النظام السوري الذي لطالما ارتكزت سياسته إلى قاعدة “العصا والجزرة”.
وعلى الرغم من هذه البيئة وطبيعة العلاقة الملتبسة في العديد من المحطات، ظلت الساحة السورية مركزًا مؤثرًا للنضال الفلسطيني، بفضل جملة من العوامل، أبرزها:
التماس المباشر مع الحدود الفلسطينية المحتلة: حرصت الفصائل الفلسطينية، الوطنية والإسلامية، على البقاء في سوريا كجزء من استراتيجيتها لتكثيف العمل المقاوم وللحفاظ على قربها الجغرافي من الأراضي المحتلة.
الثقل الاستراتيجي لسوريا: تُعَدُّ سوريا دولة محورية في الوطن العربي، نظرًا إلى أهميتها الجيوسياسية وموقعها بوصفها إحدى دول الطوق المحيطة بفلسطين. وقد أتاح هذا الثقل دورًا استثنائيًّا لسوريا في الصراع العربي الإسرائيلي، ما انعكس على مكانتها بالنسبة للقضية الفلسطينية.
الدعم العسكري والسياسي: ظلت سوريا داعمًا عسكريًّا ولوجستيًّا لعدة فصائل فلسطينية، إذ قدمت الأراضي السورية منطلقًا للتدريب، إلا أنها تعاملت بحساسية كبيرة مع العمليات العسكرية وانطلاقها من الأراضي السورية، خاصةً في خلال مراحل الصراع مع الاحتلال الإسرائيلي.
المخيمات الفلسطينية في سوريا: شاهدٌ على النكبة ومركزٌ للهوية
تمثِّل المخيمات الفلسطينية في سوريا شاهدًا حيًّا على النكبة الفلسطينية في العام 1948، فقد استقبلت سوريا عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين الذين أجبروا على مغادرة وطنهم. انتشرت تلك المخيمات في مواقع استراتيجية في مختلف أنحاء البلاد، لتصبح جزءًا من المشهد السكاني والجغرافي السوري. ومن أبرزها: مخيم اليرموك في دمشق، الذي يُعَدُّ أكبر تجمع للاجئين الفلسطينيين في الشتات، إلى جانب مخيمات أخرى مثل النيرب في حلب، وخان الشيح والسبينة في ريف دمشق، ودرعا في الجنوب، وحمص وحماة في الوسط، والرمل في اللاذقية.
قدِّر مجموع اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في سوريا في نهاية العام 2012 بنحو 560 ألف لاجئ فلسطيني. وتشير المعطيات الإحصائية إلى تركُّز 67% من إجمالي مجموع اللاجئين في العاصمة السورية دمشق، والمخيمات القائمة في ضواحيها. في حين تتوزع البقية ونسبتها 33% على المحافظات الأخرى.
كانت هذه المخيمات أكثر من مجرد مأوى للاجئين الفلسطينيين؛ فقد تحولت على مدار العقود إلى رموز للهوية الوطنية الفلسطينية، ومراكز للحراك السياسي والاجتماعي والثقافي. في مخيم اليرموك، الذي كان يُطلق عليه “عاصمة الشتات الفلسطيني”، تجسدت هذه الهوية بقوة، إذ ضم المخيم شبكة من المؤسسات التعليمية والاجتماعية والثقافية التي هدفت إلى تعزيز الوعي الوطني الفلسطيني، إضافةً إلى كونه مركزًا للنشاط السياسي الفلسطيني، إذ احتضن العديد من الفصائل الفلسطينية.
على الرغم من الظروف الصعبة التي عاشها سكان المخيمات من فقر واكتظاظ، استطاع الفلسطينيون الحفاظ على هوية مخيماتهم كجزء من نضالهم الوطني، معبرين بذلك عن تمسكهم بحق العودة ورفضهم لأي محاولات لطمس قضيتهم. كانت هذه المخيمات دائمًا رمزًا للصمود والتشبث بالحقوق الوطنية، ما جعلها محورًا في أي حديث عن النكبة الفلسطينية وآثارها الممتدة، كما أنها كانت نقطة الانطلاق لأول تجربة فلسطينية لتنفيذ “مسيرة عودة كبرى” عبر الحدود السورية إلى فلسطين المحتلة.
جعلت المحاولات المستمرة لتصفية قضية اللاجئين الفلسطينيين على مدار عقود النكبة الفلسطينية للفلسطينيين حساسية كبرى تجاه الحفاظ على رمزية ومكانة المخيمات، خصوصًا في ظل منعطفات خطرة مرت بها مخيمات اللاجئين في دول الطوق، شهدت محاولات الدمج والتوطين في الأردن، ومحاولات التصفية عبر الاستهداف والتضييق في لبنان، ما أعطى مخيمات اللاجئين في سوريا زخمًا مضاعفًا في إطار الحفاظ على هوية المخيمات وما تعكسه من تمسك فلسطيني بحق العودة.
تأثير الأزمة السورية على الحضور الفلسطيني
مع انطلاق الثورة السورية في العام 2011، دخلت سوريا مرحلة جديدة من التغيرات العميقة التي تركت بصماتها على جوانب الحياة كافة، بما في ذلك الحضور الفلسطيني. وتأثرت المخيمات الفلسطينية تأثرًا كبيرًا جراء تصاعد الأزمة وما رافقها من عمليات قمع وقصف ودمار، فقد تعرضت للاستهداف والتدمير والنزوح القسري، ما أضعف قدرتها على البقاء بوصفها مراكز اجتماعية وسياسية كما كانت في السابق، ورافقت ذلك تغيرات جوهرية في الخارطة السياسية الفلسطينية داخل سوريا.
أحد أبرز هذه التغيرات كان خروج حركة حماس من سوريا في العام 2012، إذ أعلنت الحركة موقفها من الأزمة السورية، ما أدى إلى قطع علاقاتها مع النظام السوري بعد سنوات من التحالف الوثيق. شكَّل هذا الخروج نقطة تحوُّل فارقة في طبيعة الحضور الفلسطيني في سوريا، فقد فقدت حماس مركزًا مهمًّا لقيادتها السياسية ومقراتها.
على الجانب الآخر، تعرضت بنية الأحزاب والفصائل الفلسطينية العاملة في سوريا لضغوط هائلة. فمن جهة تسببت القبضة الأمنية للأجهزة السورية والملاحقة السياسية في الحد من حرية الحركة والتعبير لهذه الفصائل، ومن جهة أخرى أدت الأزمة إلى انقسام داخلي بين بعض الفصائل حول الموقف من النظام والمعارضة، ما أضعف وحدتها التنظيمية والسياسية. كما واجهت الفصائل تحديات تتعلق بتهجير كوادرها وأعضائها، الذين اضطروا إلى الهجرة نتيجة الدمار والظروف الإنسانية القاسية.
إلى جانب ذلك، عانى الحضور السياسي الفلسطيني ككل من تراجع كبير في تأثيره داخل سوريا، فقد فقدت المخيمات الفلسطينية دورها التقليدي بوصفها مراكز للحراك السياسي والنضالي بسبب الحصار والدمار الذي طالها، خاصةً مخيم اليرموك، الذي كان يُعَدُّ -كما أشرنا- عاصمة الشتات الفلسطيني في سوريا. وتزامن ذلك مع موجات واسعة من الهجرة، إذ نزح عشرات الآلاف من اللاجئين الفلسطينيين من سوريا إلى دول أخرى، مثل لبنان وتركيا وأوروبا، ما أدى إلى تآكل القاعدة السكانية للمخيمات وانخفاض زخمها السياسي والاجتماعي.
فرضت هذه المرحلة العصيبة على الفلسطينيين تحدياتٍ كبيرةً تطلبت منهم التعامل مع المتغيرات وفق قاعدة الحفاظ بالحد الأدنى على الحضور والتمسك برمزية ومكانة المخيمات الفلسطينية التي عُطِّلت فيها محاولات الإعمار، وكانت عُرضة لخطط تغيير الهوية والتعامل معها على أنها تجمعات سكانية لا مخيمات للاجئين الفلسطينيين.
أولويات الفلسطينيين في المرحلة القادمة
عبَّرت القوى والفصائل الفلسطينية على اختلاف تلاوينها عن مواقف واضحة من التطورات الجديدة وسقوط نظام بشار الأسد، أكدت فيها تقديرها واحترامها لخيارات الشعب السوري وحقه في الحرية وتقرير مصيره، متمنية لسوريا مستقبلًا مشرقًا يُبنى بعزيمة أبنائها، ويحفظ وحدة أراضيها ومقدراتها الوطنية.
ومع بدء مرحلة جديدة في سوريا، تتطلب التحولات التي تشهدها البلاد وضع برنامج أولويات فلسطيني يعكس التحديات القائمة، ويؤسِّس لاستراتيجية شاملة للحفاظ على الحضور الفلسطيني وتعزيزه.
أبرز محاور الأولويات الفلسطينية في المرحلة القادمة:
حفظ وصيانة الحضور الفلسطيني في سوريا:
التحرك بسرعة وجدية لترتيب العلاقة مع القيادة السورية الجديدة والاتفاق على العناوين الاستراتيجية الأساسية بما يضمن استمرار الوجود الفلسطيني وتعزيزه في سوريا، إضافةً إلى حماية حقوق اللاجئين الفلسطينيين في سوريا، وضمان معاملتهم على أساس إنساني وقانوني يحفظ كرامتهم وحقوقهم الأساسية.
ترتيب الحضور السياسي للفصائل الفلسطينية:
يمثِّل الحضور السياسي للفصائل الفلسطينية أحد أهم العناوين التي تتطلب حراكًا جادًّا لترتيب استدامته وتوسيع فعله عبر ترتيبات تضمن فعالية وجود الفصائل الفلسطينية داخل سوريا والاتفاق على صيغ وشكل هذا الحضور بما يتماشى مع المتغيرات الجديدة.
وفي الإطار ذاته، فإن تأمين مساحة مناسبة للتحرك السياسي الفلسطيني في سوريا يُشكِّل ضرورة فلسطينية، بما يدعم الحاجة الماسة لمساحات عمل سياسي فعالة، في ظل الملاحقات الإسرائيلية والدولية التي تستهدف هذا الحضور وتقلص كل مساحاته، مع تصاعد حرب الإبادة والتصفية ضد الشعب الفلسطيني وقضيته.
حفظ هوية المخيمات الفلسطينية:
تتطلب المخيمات خطة عمل فعالة تهدف إلى صيانة المخيمات الفلسطينية بوصفها مراكز رمزية وشواهد على النكبة الفلسطينية، ما يتطلب المسارعة في إعادة إعمار المخيمات المدمرة، خاصةً مخيم اليرموك، وضمان عودة النازحين إليها مع الحفاظ على هويتها كمخيمات لاجئين، ورفض أية محاولات لتذويب هذه الهوية أو تغيير طبيعتها.
ضمان استمرار القدرات العسكرية للفصائل الفلسطينية:
ترتيب العلاقة مع القيادة السورية الجديدة بما يتيح للفصائل الفلسطينية الاحتفاظ بمقدراتها العسكرية ومواقع تدريبها، لضمان استمرار دورها في دعم القضية الفلسطينية وخيار المقاومة.
إعادة صياغة دور جيش التحرير الفلسطيني:
منذ تأسيسه، كان جيش التحرير الفلسطيني أحد أهم الملفات التي هيمن عليها النظام السوري منذ عهد الرئيس السابق حافظ الأسد، الذي سيطر فعليًّا عليه وألحقه بعلاقة مباشرة بالجيش السوري حوَّله في الجوهر إلى ما يشبه أحد التشكيلات النظامية لهذا الجيش، مع احتفاظه بمسمى “جيش التحرير الفلسطيني”.
يتطلب هذا العمل وطنيًّا استعادة جيش التحرير الفلسطيني، بوصفه مؤسسةً وتشكيلًا فلسطينيًّا يتبع منظمة التحرير الفلسطينية، ما يستوجب إعادة النظر في هيكلته ومراجعة المنطلقات الأساسية لتشكيله، وضمان أن تكون عقيدته العسكرية وتركيبته المستقبلية مبنية على المقاومة ودعم القضية الفلسطينية. وبناءً عليه يُصار إلى تشكيل قيادة جديدة للجيش على أسس مهنية ووطنية تُعزِّز كفاءته ودوره.
حل الإشكاليات العالقة وتنظيم قنوات تواصل فعَّالة:
بطبيعة الحال، فقد رافق سنوات الأزمة السورية بالطبع العديدُ من الإشكاليات المرتبطة ببعض الأدوار الفلسطينية، التي قد تخلق نوعًا من الارتدادات التي قد تمس شكل وطبيعة الحضور الفلسطيني ودور قوى الشعب الفلسطيني الوطنية والإسلامية، ما يتطلب العمل على حل أي إشكاليات قائمة بين أي من الفصائل الفلسطينية والقيادة السورية الجديدة.
كما أن الواقع الجديد يستدعي الاتفاق على إنشاء آليات تواصل وتنسيق مستدامة مع القيادة السورية لضمان تحقيق المصالح المشتركة، وتعزيز التعاون بما يخدم القضية الفلسطينية.
الضغط في اتجاه مواقف واضحة من القيادة السورية الجديدة:
يكمن في جوهر وصُلب مهمات العمل الوطني الفلسطيني الحرصُ على تحشيد الدعم السياسي والمعنوي والاستثمار الأمثل لكل مساحات الفعل، التي باتت تضيق بالوجود الفلسطيني مع توسع الهجمة الإسرائيلية-الأمريكية في المنطقة، وبالتالي فإن أحد أهم المهمات المُلحَّة أمام القوى الفلسطينية تتمثل بالعمل على ضمان أن تتبنى القيادة السورية الجديدة مواقف واضحة ومنحازة لحقوق الشعب الفلسطيني.
ولأهمية موقع سوريا الجيوسياسي وتأثيرها المركزي عربيًّا وإقليميًّا، فإن تأكيد دعم القيادة السورية الجديدة لحق الشعب الفلسطيني في مقاومة الاحتلال بأشكاله كافة، وإبقاء سوريا في موقعها التاريخي بصفتها داعمًا أساسيًّا للقضية الفلسطينية، سيُمثِّل إضافة استراتيجية مهمة في إطار حفظ وتحصين المقاومة الفلسطينية من محاولات الاقتلاع.
تتطلب هذه الأولويات من الفلسطينيين توحيد صفوفهم وبناء استراتيجية متكاملة للتعامل مع المشهد السوري الجديد بما يتلاءم مع اللحظة التاريخية التي تمر بها سوريا، وكذلك الشعب الفلسطيني الذي يتعرض لحرب إبادة وتصفية.
إن التحديات التي واجهها الفلسطينيون في خلال الأزمة السورية، من تهجير ونزوح وتدمير للمخيمات وتضييق المساحات السياسية، تفرض عليهم الآن وضع برنامج متكامل يعالج هذه التحديات ويحوِّلها إلى فرص لبناء حضور أقوى وأكثر تأثيرًا.
في الوقت ذاته، فإن العمل الفلسطيني يجب أن يتجاوز إطار البقاء والدفاع عن المكتسبات إلى مرحلة المبادرة والضغط لتحقيق مواقف واضحة من القيادة السورية الجديدة تنحاز إلى حقوق الشعب الفلسطيني وحقه المشروع في مقاومة الاحتلال.
ليست هذه المرحلة مجرد محطة لتثبيت صمود الفلسطينيين في سوريا، بل إنها أيضًا فرصة لتوحيد الصف الفلسطيني في الشتات وإعادة بلورة وصياغة برنامج عمل وطني مشترك يصون قضية اللاجئين ويُعيد الاعتبار إلى مركزية مخيمات الشتات في الفعل الفلسطيني. يتطلب ذلك رؤية استراتيجية جامعة، وجهودًا منسَّقة بين جميع الفصائل والقوى الفلسطينية، لضمان أن يبقى الحضور الفلسطيني في سوريا ركيزةً أساسيةً من ركائز النضال الوطني ونقطة انطلاق لبرامج عمل أوسع وأكبر.
في النهاية، فإنه لا يمكن للفلسطينيين في سوريا، كما في أي مكان آخر، أن يحقِّقوا أهدافهم دون تكاتف داخلي ورؤية واضحة تعمل على تحويل التحديات إلى فرص، وتحافظ على زخم القضية الفلسطينية في وجه محاولات الطمس والتهميش. إن الحضور الفلسطيني في سوريا جزء من نضال طويل ومستمر، يتطلب الإصرار والعمل المشترك، ليبقى الفلسطينيون رمزًا للصمود والنضال من أجل الحرية والعودة.