سجل العراق خلال العام المنصرم أكثر عدد حالات طلاق بواقع أكثر من 73 ألف حالة طلاق عام 2018، كان للعاصمة بغداد أكثر من 30 ألف حالة.
أسئلة كثيرة تطرح عن أسباب ارتفاع حالات الطلاق في البلاد خلال السنوات الأخيرة، بين من يراها نتيجة الأوضاع الاقتصادية ومن يعزوها إلى عادات اجتماعية دخيلة ومن يضع اللوم على وسائل التواصل الاجتماعي.
الأسطر التالية لـ”نون بوست” تحاول البحث في أسباب ارتفاع حالات الطلاق في البلاد وسبل الحد منه.
أرقام وإحصاءات مخيفة
أرقام مرعبة ونسب هي الأعلى تاريخيًا في معدلات الطلاق بالعراق، إذ أوضح مجلس القضاء الأعلى في الـ5 من مايو/أيار الحاليّ أن محاكم العراق سجلت خلال عام 2018 أعلى معدلات الطلاق في البلاد بواقع 73569 حالة، بزيادة 3 آلاف حالة عن عام 2017، ولفت تقرير المجلس إلى أن العاصمة بغداد حلت في المرتبة الأولى مقارنة ببقية المحافظات، وسجلت محاكمها أكثر من 30 ألف حالة طلاق.
تحدثت تقارير حكومية عن أن العراق حافظ على معدلات ثابتة لحالات الطلاق بين عامي 2007 و2016 بمعدلات تتراوح بين 45 و55 ألف حالة، إلا أن العامين الأخيرين شهدا ارتفاعًا كبيرًا في هذه النسبة يقارب 25%
قاضي محكمة الأحوال الشخصية أحمد الصفار يقول: “المحاكم سجلت تزايدًا في حالات الطلاق لا سيما خلال العقد الأخير، والدوافع متنوعة ومتعددة بسبب المتغيرات الاجتماعية وانفتاح المجتمع على عصر التواصل الإلكتروني وكثرة الصراعات السياسية وأثرها على الأسرة، وهذا التغير السريع أصبح يهدد أغلب المجتمعات وبمختلف الفئات العمرية”.
تحدثت تقارير حكومية عن أن العراق حافظ على معدلات ثابتة لحالات الطلاق بين عامي 2007 و2016 بمعدلات تتراوح بين 45 و55 ألف حالة، إلا أن العامين الأخيرين شهدا ارتفاعًا كبيرًا في هذه النسبة يقارب 25%.
وفي آخر ما نشره الموقع الرسمي لمجلس القضاء الأعلى، كشفت إحصاءات المجلس تسجيل قرابة 6 آلاف حالة طلاق في العراق خلال شهر فبراير/شباط الماضي، فيما سجل الشهر الذي سبقه يناير/كانون الثاني نحو 6100 حالة طلاق، وبحسبة بسيطة، فإن العام الحاليّ 2019 سيشهد نحو 75 ألف حالة طلاق، في حال استمرت معدلات الأشهر الماضية على حالها دون ارتفاع.
ما أسباب ارتفاع حالات الطلاق في العراق؟
أسباب عديدة يرجح المختصون أنها تقف وراء الزيادة المفاجئة في حالات الطلاق بالبلاد، مديرة قسم البحث الاجتماعي في مجلس القضاء الأعلى إنعام صاحب سلمان تعتقد من جانبها أن الأسباب المجتمعية كعدم توافر السكن والخلافات العائلية وأسباب اقتصادية أخرى من ضمن أهم المسببات التي تؤدي إلى الطلاق.
قالت رئيسة جمعية العراق الجديد سهام أحمد إن الجمعية أجرت دراسة ميدانية في مختلف محافظات البلاد، ونتائجها كشفت أن 60% من حالات الطلاق سببها الفقر والبطالة وانعدام بيئة سكن صالحة للزوجين
وتضيف سلمان أن عدم توافر فرص العمل للشباب وعدم توافر الوظائف والزواج المبكر تؤدي مجتمعة إلى الطلاق، لافتة إلى أن عدم الوعي والمعرفة بالحياة الزوجية وما يترتب عليها، تجعل صغار السن قليلي الخبرة في القدرة على مواجهة ظروف الحياة واحتواء المشاكل.
شبكات التواصل الاجتماعي ودورها
لا تقف أسباب الطلاق على الأسباب السابقة فحسب، إذ تتعداها إلى أخرى غريبة على المجتمع العراقي، تقول رئيسة جمعية العراق الجديد سهام أحمد إن الجمعية أجرت دراسة ميدانية في مختلف محافظات البلاد، ونتائجها كشفت أن 60% من حالات الطلاق سببها الفقر والبطالة وانعدام بيئة سكن صالحة للزوجين، إضافة إلى آفة المخدرات وقلة التعليم.
وأكدت أحمد أن الطلاق الناتج عن الشك بسبب استخدام أحد الزوجين مواقع التواصل الاجتماعي والألعاب الإلكترونية التفاعلية شكلت نسبة لا بأس بها من الدراسة التي أجرتها الجمعية، وتعتقد أن انعدام التوعية وضعف دور المحاكم كجهات إصلاحية إضافة إلى مهامها القضائية أدى إلى ارتفاع عدد حالات الطلاق المسجلة، التي بالنهاية ستظهر آثارها على الأبناء ابتداءً ثم تمتد آثارها إلى بقية أفراد المجتمع.
ويؤيد هذا الطرح الدكتور كريم ماهر علوان، إذ يرى أن الاستخدام الخاطئ لوسائل التواصل الاجتماعي وما ينتج عنه من تفكك للأسرة وانعدام الثقة بين الزوجين، يؤدي إلى ارتفاع حالات الطلاق في المجتمع العراقي.
أهم الأسباب التي تقف وراء ذلك الارتفاع هو غياب التوعية الأسرية للأبناء والبنات المقبلين على الزواج، في ظل انشغال الأهل بالتواصل الشبكي والألعاب الإلكترونية التفاعلية
ويضيف علوان أن الزواج المبكر يجعل الزوجين غير قادرين على تحمل تكاليف الحياة، خاصة بعد أن شهدت السنوات الأخيرة ارتفاع متطلبات الزواج وتنوعها وتكاليف الحياة الزوجية ذاتها، ما يجعل الزواج مهددًا ولا يقوى على الصمود بوجه المشاكل المتزايدة، فيكون الطلاق الحل بنظر الزوجين أو عائلتيهما.
منحى آخر يتحدث به الحقوقي صهيب أحمد إذ يرى أن الفقر وتدهور الحالة الاقتصادية والبطالة، كلها عوامل عايشها الشعب العراقي إبان الحصار الدولي على العراق بين عامي (1991-2003) إلا أنه وعلى الرغم من ذلك، لم يسجل العراق ارتفاعًا كبيرًا في معدلات الطلاق على النحو الذي تشهده البلاد في السنوات الأخيرة.
ويعزو أحمد في حديثه لـ”نون بوست” ارتفاع معدلات الطلاق إلى جملة من الأسباب التي باتت دخيلة على المجتمع، ومنها الطائفية والحرب التي عايشتها البلاد طيلة الـ16 عامًا الماضية، إضافة إلى انفتاح البلاد على العالم ومواقع التواصل الاجتماعي والعولمة.
ومن بين أهم الأسباب التي يعتقد أحمد أنها تقف وراء ذلك الارتفاع هو غياب التوعية الأسرية للأبناء والبنات المقبلين على الزواج، في ظل انشغال الأهل بالتواصل الشبكي والألعاب الإلكترونية التفاعلية، حتى باتت الفترة التي يقضيها الآباء مع أبنائهم لا تتعدى الدقائق المعدودة خلال اليوم الواحد، لافتًا إلى أن ذلك أدى بالمجمل إلى تأثر الشباب (ذكور وإناث) بما يشاهدونه ويتابعونه على وسائل التواصل الاجتماعي والمسلسلات المدبلجة التي تعرض قصص الحب الخيالية التي تنعكس سلبًا على حياتهم الشخصية.
تدابير للحد من الطلاق
حتى سنوات مضت، كان الطلاق يعد من اللثمات الاجتماعية التي تؤتي بنتائجها السلبية على المرأة في المجتمع العراقي، إلا أنه ومع الانفتاح الذي شهده العراق خلال السنوات الأخيرة، خفت حدة النظرة الدونية للمرأة المطلقة، إلا أن ذلك صاحبه في الوقت ذاته ارتفاع معدلات الطلاق.
حلول عديدة قد تسهم في الحد من حالات الطلاق في البلاد، ولعل من أهمها التدابير الوقائية التي يمكن أن تتخذها الحكومة العراقية في سبيل الحفاظ على الأسر من التفكك
الطلاق بحد ذاته يعد خيارًا شخصيًا للمتزوجين، خاصة إذا تم برضاهما، إلا أنه في الوقت ذاته يعد مشكلة متفاقمة للأزواج المنفصلين الذين يتركون وراءهم أطفالاً سيعانون من المشاكل طيلة حياتهم وقد تنعكس بالتالي على حياتهم الزوجية المستقبلية.
قد تسهم حلول عديدة في الحد من حالات الطلاق بالبلاد، ومن أهمها التدابير الوقائية التي يمكن أن تتخذها الحكومة العراقية في سبيل الحفاظ على الأسر من التفكك.
ولعل أهم تجربة في هذا المجال التجربة الماليزية، إذ كانت هذه الدولة الآسيوية سباقة في تجربة ثورية في الحياة الزوجية، حققت من خلالها الحكومة قفزة نوعية في مجال المحافظة على الأسرة واستقرارها والحد من حالات الطلاق.
ويمكن تلخيص التجربة الماليزية تلك بأن الحكومة باتت ومنذ سنوات تلزم المقبلين على الزواج باجتياز دورات تدريبية تمكنهم من الحصول على “رخصة الزواج”، وتقوم الفكرة على أن كل متقدم للزواج لا بد أن يقدم للقاضي المختص شهادة من وزارة الشؤون الاجتماعية، تؤكد أنه اجتاز دورات في الحياة الزوجية والأسرية في نقاط محددة كأهداف الأسرة والتخطيط للحياة الزوجية والتغلب على المشاكل البينية بين الزوجين، إضافة إلى تجارب ميدانية أبدعت الحكومة الماليزية في تضمينها في تلك الدورات.
ويمكن للحكومة العراقية أن تستثمر دور وزارة العمل والشؤون الاجتماعية في هذا المضمار، كما يمكن لوزارة التعليم العالي والبحث العلمي أن تلعب دورًا مهمًا في هذا الصدد من خلال الندوات واللقاءات التي يمكن أن تضفي التوعية اللازمة والمعرفة للشباب المقبلين على الزواج في البلاد.
ومع ارتفاع حالات الطلاق في العراق ووصولها إلى معدلات قياسية غير مسبوقة، بات من الضرورة بمكان أن تبدأ الجهات الحكومية بوضع خطط لأجل معالجة هذه المشكلة، خاصة أن تقارير عدة تؤكد أنه وفي ظل استمرار معدلات الطلاق على الحال الذي عليه الآن، فإنه وفي السنوات القليلة المقبلة، سيكون العراق قد سجّل مليون حالة طلاق منذ عام 2003.