في 31 أغسطس 2018 كشفت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية عبر تقرير لها الدور المشبوه لشركة NSO الإسرائيلية في التجسس، وذلك من خلال التعاون مع بعض الحكومات على رأسها الإمارات العربية المتحدة، التي استخدمت برمجيات الشركة في مراقبة الهواتف الذكية الخاصة بالمعارضين لنظامها في الداخل و الخارج.
الضجة التي أثيرت حول الشركة حينها لم تثنيها عن نشاطها المتشعب في عدد من دول العالم في ظل ما تزعمه بشأن ترخيص تقنيتها للوكالات الحكومية “لغرض وحيد هو مكافحة الجريمة والإرهاب”، مدعية أن “هذه الوكالات تحدّد كيفية استخدام التكنولوجيا دون أي تدخل من الشركة”.
مساء أمس أقرت شركة “واتساب” بوجود ثغرة أمنية في تطبيقها تسمح للقراصنة باختراق هواتف مستخدمي تطبيقها وزرع برمجيات تجسس، داعية مستخدمي تطبيقها إلى تحديثه بآخر إصدار كإجراء احترازي، مشيرة إلى أنها ” اكتشفت وأصلحت الثغرة الأمنية التي سعى المهاجمون لاستغلالها”.
اللافت أن البرمجية استغلت ثغرة في ميزة اتصالات واتسآب، حيث اتصلت على الهواتف المستهدفة وثبتت البرمجية الخبيثة فيها دون حتى أن يجيب الملتقّي على الاتصال الوارد.
المتحدث باسم الشركة في بيان له قال إن “الهجوم به جميع السمات المميزة لشركة خاصة تعمل مع الحكومات لتقديم برامج تجسس تتولى وظائف أنظمة تشغيل الهواتف المحمولة” مضيفًا: “لقد تواصلنا مع العديد من منظمات حقوق الإنسان ونعمل سويًا لإعلام المجتمع المدني بأنشطة هذه الشركة”.
واتسآب طالبت مُشتركيها البالغ عددهم نحو 1.5 مليار تحديث التطبيق في هواتفهم بعد أن “عمل مطوروها على مدار الساعة لإصلاح الثغرة” لافتة أن فريق أمنها الإلكتروني كان أول من اكتشف هذه الثغرة وأرسل بشأنها معلومات لجماعات حقوقية، وشركات متخصصة في الأمن الإلكتروني.
ورغم عدم تحديد البيان لاسم الشركة التي قامت بعملية التجسس، إلا أن مصدر مطلع على التحقيق في الهجوم ألمح أن المقصود هو مجموعة ” NSO” الإسرائيلية التي طوّرت خلال السنوات الأخيرة برمجيات خبيثة قوية مصممة للتجسس على ضحاياها، وتربطها علاقات قوية ببعض الأنظمة العربية على رأسها أبو ظبي.
آذان إسرائيل حول العالم
“تعد شركة NSO “” آذان إسرائيل في كل مكان حول العالم” بهذه الكلمات تباهى مؤسس شركة البرمجيات التجسسية، شاليف خوليو، بالدور الاستخباراتي التي تقوم به شركته، مدعيًا بأن جهودها البرمجية القادرة على اختراق الهواتف الذكية ساهمت في منع عدد لا يحصى من العمليات الإرهابية والجرائم، وبينها اعتقال تاجر المخدرات الأشهر إل تشابو.
يذكر أن مؤسسي الشركة التي أنشئت عام 2008 وتتخذ من مدينة هرتسليا مقراً لها، هم من خريجي شعبة الاستخبارات الإسرائيلية العسكرية “أمان” كما أنها تمتلك ما يقرب من 400 موظف يعملون من داخل “إسرائيل” و200 آخرين من الخارج في عدد من مختلف دول العالم.
مع الثواني الأولى لاختراق البرنامج جهاز الهاتف تبدأ فورًا عملية التنصت وتسجيل كافة المكالمات والرسائل وتصوير كل ما على الجهاز من برامج ووثائق
ورغم حساسية الخدمات التي تبيعها لزبائنها إلا أن الشركة سبق وأن حصلت قبل أعوام على تصريح رسمي من وزارة الأمن الإسرائيلية لبيع خدماتها لزبائن في دول الخليج حسبما كشف خبير الشؤون الاستخباراتية في يديعوت أحرونوت، رونين بيرغمان، الأمر الذي ربما يفند مساعي الشركة تبرئة نفسها من الدعاوى القضائية المرفوعة ضدها بتهم تزويد أنظمة بعينها برامج تجسس على معارضيها.
أما عن طبيعة الخدمات التي تقدمها الشركة لزبائنها فإنها تضمن لهم القدرة على السيطرة والتحكم من بعد بجهاز “آيفون” عن طريق برمجة تسمى “حصان طروادة” تقوم باختراق الجهاز وتسيطر عليه عبر إرسالها بالبريد الالكتروني للجهاز المراد السيطرة عليه والتحكم به.
ومع الثواني الأولى لاختراق البرنامج جهاز الهاتف تبدأ فورًا عملية التنصت وتسجيل كافة المكالمات والرسائل وتصوير كل ما على الجهاز من برامج ووثائق، وصولًا إلى الحسابات السرية للبريد الإلكتروني والبنوك وفق ما أشار بيرغمان الذي حذّر من خطورة مثل هذه التقنية التي من الممكن أن تصل لاحقاً إلى “جهات معادية لـ “إسرائيل”.
نشاط كثيف للشركة في عدد من دول المنطقة
45 دولة تحت رقابة بيغاسوس
رغم تعدد برمجيات التجسس التي تستخدمها الشركة الصهيونية إلا أن أخطرها على الإطلاق وأكثرها دقة برنامج ”بيغاسوس“ (Pegasus) والذي يقوم على استغلال ثغرة أمنية موجودة في أنظمة الأيفون وبعض أنظمة الأندرويد الأخرى، يصيب من خلالها جهاز الضحية دون علمه.
فقط يرسل البرنامج رابطًا لجهاز المستخدم، الرابط ربما يتضمن في عنوانه بعض المعلومات التي تجذب المستخدم لفتحه، ومع اللحظات الأولى للضغط عليه يتمكن من زرع برمجية تجسس تستطيع النفاذ إلى كافة البيانات على الهاتف، وينشط هذا الأسلوب في عدد من الدول منها مصر والسعودية والإمارات العربية المُتحدة والعراق واليمن والجزائر والمغرب عربيًا، برفقة كل من الولايات المتحدة الأمريكية وكندا والمكسيك وتركيا وفرنسا عالميًا.
الشركة التي تُقدّر قيمتها بأكثر من مليار دولار أمريكي تنطلق في عملها تحت شعار مساعدة الحكومات على استهداف هواتف المواطنين لأغراض حماية الأمن القومي والحد من نشاط التجارة غير المشروعة أو إيقاف الهجمات الإرهابية قبل حدوثها، إلا أن الدوافع الخفية الأخرى من مراقبة المعارضين وترقب تحركاتهم ربما تكون هي الأهم في الحصول على مثل هذه التقنية.
اتهم الموظف السابق في الاستخبارات الأمريكية، إدوارد سنودن، شركة “NSO ” بالتورط في مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول، أكتوبر الماضي
ربما تتشابه برمجية (Pegasus) مع غيرها من برمجيات التجسس الأخرى والتي تبدأ من إرسال رسالة نصيّة عاديّة إلى الشخص المُستهدف فيها رابط يبدو أنه طبيعي وسليم، مع طلب أو معلومة لحثّه على فتح ذلك الرابط الذي يقوم باستغلال ثغرات أمنية موجودة داخل نظام التشغيل لتثبيت برمجيات خبيثة مهمّتها التجسّس على الرسائل، والمُكالمات، والكاميرا، بالإضافة إلى إمكانية تسجيل ما يتم كتابته أو التقاط صور للشاشة دون علمه أبدًا، إلا أنها تتميز بمزيد من الدقة والحرفية العالية، وفق ما أشار محرّر التقنية جون سنو في مقاله المنشورة بموقع “Kaspersky ” المتخصص في البرمجيات.
يعود الفضل في الكشف عن برمجية (Pegasus) التجسسية إلى أحمد منصور، الناشط البارز في مجال الدفاع عن حقوق الإنسان من الإمارات، والذي تلقى هاتفه العديد من الرسائل التي تحتوي على تلك البرمجة، الأمر الذي دفع المجموعة البحثة الكندية المعروفة باسم “سيتزن لاب” (مختبر المواطن) التابعة لجامعة تورونتو، إلى إجراء تحقيق شامل في هذا الشأن توصلت من خلاله إلى أن تلك النوعية من البرمجة ليست عابرة فهي قديمة العهد واستُخدمت أيضا في مُناسبات سابقة سيتم التطرق إليها لاحقًا.
وبحسب النتائج التي خرجت بها تحقيقات “سيتزن لاب” فإن هناك ما يقرب من 36 خادم مسؤول عن تشغيل تلك البرمجية موجودين على مستوى العالم يستهدفون مواطنين في 45 دولة تقريبًا. هذا بخلاف 10 آخرين تستهدف مواطنين من غير الدول التي تعمل منها، كأن يتم تشغيل الخادم في دولة الكيان الصهيوني لاستهداف مُستخدمين من أمريكا أو كندا.
تقارير عن استخدام تقنية الشركة في التجسس على هاتف جمال خاشقجي
سجل مشين من العمليات
العديد من اتفاقيات التعاون أبرمتها الشركة الصهيونية مع بعض الأنظمة العربية على رأسها الإمارات، التي لها باع طويل في التعاون مع شركات التجسس الإسرائيلية، ووفق نيويورك تايمز فإن أبو ظبي قامت باستيراد تلك التقنيات منذ عدة سنوات، تقوم على التحكم في أجهزة الهاتف الخاصة بمعارضيها في الداخل والخارج، كما سبق الكشف عن تورطها كذلك في التجسس على أحد موظفي منظمة العفو الدولية “امنستي”.
المنظمة الدولية أعلنت وفق بيان نشرته على موقعها الإلكتروني، أمس الإثنين، أنها ستتخذ إجراءً قانونياً لإحالة وزارة الدفاع الإسرائيلية إلى المحكمة لمطالبتها بإلغاء ترخيص التصدير الممنوح للمجموعة الإسرائيلية، لافتتًا إلى أن 50 من أعضاء ومؤازري الفرع الإسرائيلي للمنظمة وآخرين من مجتمع حقوق الإنسان وقّعوا على عريضة ستُقدّم إلى المحكمة المركزية في تل أبيب اليوم الثلاثاء، أوضحوا فيها كيف عرّضت وزارة الدفاع الإسرائيلي حقوقَ الإنسان للخطر من خلال السماح لمجموعة “إن إس أو” بمواصلة تصدير منتجاتها.
السعودية دفعت أكثر من 55 مليون دولار للشركة الإسرائيلية للتجسس عليه وعلى نشطاء آخرين.. الناشط السعودي عمر عبدالعزيز
وفي السياق ذاته اتهم الموظف السابق في الاستخبارات الأمريكية، إدوارد سنودن، شركة “NSO ” بالتورط في مقتل الصحفي السعودي، جمال خاشقجي في مقر قنصلية بلاده في إسطنبول، أكتوبر الماضي، ففي مشاركته في مؤتمر نظمته الاستخبارات المحلية في تل أبيب قال “إن قتلة خاشقجي استخدموا برنامجًا إلكترونيًا معنونًا باسم “Pegasus” وخاصًا بتنفيذ عمليات التجسس للتنصت على اتصالات قام بها الصحفي السعودي”.
وخاطب الموظف السابق في الاستخبارات الأمريكية المشاركين في المؤتمر: “يمكن أن البعض منكم سمع عن الصحفي السعودي المنشق جمال خاشقجي، الذي دخل قنصلية السعودية وتم خنقه على الفور هناك… كيف جرى التخطيط لهذا الأمر وكيف حصل ذلك؟… السعوديون علموا بأنه كان ينوي القدوم إلى القنصلية لأنه اتفق على عقد لقاء هناك.. لكن كيف كشفوا عن مخططاته ونواياه؟”.
كما استهدف البرنامج التجسسي ذاته عددًا من الناشطين السعوديين على رأسهم ويحيى العسيري، وغانم الدوسري، وعمر عبد العزيز وفي ديسمبر الماضي، رفع الأخير، المقيم في كندا، دعوى ضد الشركة قائلاً “إنها ساعدت الحكومة السعودية في التجسس عليه ومراقبة الرسائل التي تبادلها مع خاشقجي”، مُشيراً في تغريدة إلى أن السعودية دفعت أكثر من 55 مليون دولار للشركة الإسرائيلية للتجسس عليه وعلى نشطاء آخرين، هذا بخلاف ما تقوم به من أعمال التجسس على تحركات بعض النشطاء الفلسطينيين.