ترجمة وتحرير: نون بوست
سنكتشف قريبًا ما إذا كان دونالد ترامب قد غير موقفه بشأن الدولار.
في فترة ولايته الأولى، كان الرئيس العائد يفضل بوضوح الدولار الأضعف. في إحدى المناسبات البارزة في سنة 2019، عندما كان رئيس البنك المركزي الأوروبي ماريو دراجي يلمح إلى المزيد من التحفيز النقدي، رد الرئيس آنذاك باتزانه المعهود، حيث غرد على تويتر قائلاً إن تعليقات دراجي “تسببت في انخفاض اليورو على الفور مقابل الدولار، مما جعل من السهل عليهم بشكل غير عادل منافسة الولايات المتحدة الأمريكية. لقد تمكنوا من الإفلات من هذا لسنوات، إلى جانب الصين ودول أخرى”.
مغامرة ترامب في سياسة الدولار – التي كانت تقليديًا من اختصاص وزير الخزانة – أدت إلى عكس الانخفاض الفوري في اليورو، وتركت السوق بلا شك فيما يتعلق بما كان يرغب رئيس العالم الحر في رؤيته.
وبالانتقال سريعًا إلى نهاية سنة 2024، فإننا مدعوون للاعتقاد بأن النسخة الجديدة من ترامب مختلف، ففي أكتوبر/ تشرين الأول، أشار الرجل الذي أصبح مرشحًا لمنصب وزير الخزانة، سكوت بيسنت، إلى أن ترامب في الواقع من محبي الأسواق الحرة في نهاية المطاف.
وقال بيسنت: “يمكن للعملة الاحتياطية أن ترتفع وتنخفض بناءً على السوق. أعتقد أنه إذا كانت لديك سياسات اقتصادية جيدة، فمن الطبيعي أن يكون لديك دولار قوي.”
غير أن ترامب يخالف دائمًا الأعراف وبارع في الإشارة إلى تحول السياسات عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وليس من الصعب تخيل أنه قد يطلب أو يطالب باتخاذ تدابير لإضعاف قيمة الدولار من الشركاء التجاريين الرئيسيين للولايات المتحدة مقابل التساهل في فرض الرسوم الجمركية، ربما من خلال اتفاقية مار-أ-لاجو الكبرى، وهو تكرار لاتفاقية بلازا التي هدفت إلى خفض قيمة الدولار في سنة 1985. أما ما إذا كان ذلك سينجح فهذا سؤال آخر تمامًا، خاصة بالنظر إلى أن العلاقات النقدية هي لعبة دبلوماسية حساسة للغاية، وليست من نقاط القوة الواضحة لترامب.
وإذا كان ترامب لا يزال يحب الدولار الضعيف، فإن الأسابيع القليلة الماضية لم تكن لصالحه. فقد ارتفع مؤشر الدولار “دي إكس واي”، الذي يتتبع قيمة الدولار مقابل سلة من العملات الأخرى، بنحو 3 بالمائة منذ يوم الانتخابات، محققًا مكاسب مقابل تلك العملات التي من المحتمل أن تكون في مسار جرافة الرسوم الجمركية، مثل اليورو واليوان الصيني.
إن معرفة اتجاهات العملات يتطلب أكثر من مجرد مقارنة مسارات النمو الاقتصادي وأسعار الفائدة، ولكن بصراحة ليس كثيرًا. (فقط لا تخبر محللي العملات وإلا سيرسلون لي بريدًا إلكترونيًا للشكوى).
وفي ظل هذا الإطار؛ فإن الحجة لصالح استمرار صعود الدولار واضحة، فأمريكا تسير بالفعل على مسار نمو أعلى من بقية دول العالم، حتى قبل التحفيز الإضافي في عهد الرئيس القادم. وإذا فرض ترامب رسومًا جمركية كبيرة على الواردات، فإن ذلك سيؤدي إلى إبعاد النمو عن تلك الدول الأخرى، ومن المحتمل أن يعني ذلك أن أسعار الفائدة هناك ستنخفض استجابة لذلك.
لقد أثبتت معدلات التضخم في الولايات المتحدة بالفعل أنها مستمرة؛ حيث ارتفعت إلى 2.7 بالمائة على أساس سنوي وفقًا للبيانات الصادرة هذا الأسبوع، وهذا يترك خفض الفائدة بمقدار ربع نقطة في ديسمبر/ كانون الأول من الاحتياطي الفيدرالي ما زال قائمًا، ولكنه يقوض الحجة لصالح سلسلة طويلة من التخفيضات الإضافية في السنة المقبلة. وعلى النقيض من ذلك؛ يتوقع المستثمرون أن يواصل البنك المركزي الأوروبي خفض معدلات الفائدة في محاولة لمواجهة خطر الركود، مما قد يؤدي إلى خفض أسعار الفائدة على الودائع إلى 1.5 بالمائة، بعد أن كانت 3 بالمائة حاليًا.
وكتب محلل دويتشه بنك، جورج سارافيلوس، هذا الأسبوع: “تشير البيانات الأمريكية بالفعل إلى اتجاه أكثر تضخميًا بكثير مما كان عليه الوضع قبل بضعة أشهر”، وفي الوقت نفسه، قد يبدأ البنك المركزي الأوروبي في القلق بشأن انخفاض التضخم دون هدفه البالغ 2 بالمائة، حسب قوله، مضيفًا: “الخلاصة هي أنه حتى بدون ترامب، لا يزال هناك إعادة تسعير أخرى من قبل الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي، والضغوط لا تزال تميل نحو الهبوط لليورو مقابل الدولار”.
وبالنسبة للصين والرنمينبي، تنطبق قصة مماثلة. فالاقتصاد الصيني عالق في مأزق، ومن المرجح أن يواجه المزيد من الصعوبات إذا ما ذهب ترامب إلى فرض الرسوم الجمركية. وهذا الأسبوع، دعا قادة الصين إلى المزيد من التحفيز المالي والنقدي. وتُعد الجهود المتعمدة لإضعاف الرنمينبي عن طريق شراء الدولار تكتيكًا متبعًا لدى السلطات الصينية، ويقول المحللون إنهم لن يفاجأوا على الإطلاق برؤية أدلة على ذلك خلال السنة المقبلة.
إذًا ـ كما هو الحال دائمًا ـ الكرة في ملعب ترامب؛ فهل يهاجم تدابير التحفيز الخارجية كما فعل في آخر مرة كان فيها في المنصب؟ هل يقرر أن قوة الدولار ثمن يستحق دفعه مقابل رسومه الجمركية؟ لا يعرف المستثمرون ذلك، لكنهم يرون فرصة معقولة أن هذا سيتحول إلى موقف صعب.
وقال سلمان أحمد، الإستراتيجي الكلي في “فيديليتي إنترناشونال”: “قد يتحول هذا إلى حروب عملات. ففي الوقت الحالي، نرى [الاحتياطي الفيدرالي والبنك المركزي الأوروبي] يركزان على واقعين مختلفين بسبب التغيرات السياسية والتباين في السياسات المالية”.
وقد يكون أحد العوامل المعتدلة هنا هو أن الأسواق قد قامت بتسعير الكثير من تأثيرات ترامب بالفعل. فقد ارتفع مؤشر الدولار بنسبة 6 بالمائة منذ أواخر أكتوبر/ تشرين الأول، وهو الوقت الذي ازدادت فيه ثقة المستثمرين في فوز ترامب، وقد يؤدي ذلك امتصاص بعض من قوة الدولار في السنة المقبلة. وإذا لم يحدث ذلك، فقد يكون هناك فترة جديدة من الدبلوماسية النقدية عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
المصدر: فاينانشال تايمز