انتقدت منظمة “هيومن رايتس ووتش” التعديلات الاخيرة على قانون مكافحة الارهاب في الأردن، والتي مرت من مجلس النواب، إلا الملك عبد الله الثاني رفضها.
وكان مجلس النواب الاردني قد أقر في 22 نيسان الماضي مشروع القانون المعدل لقانون منع الارهاب لعام 2014، في جلسة تباينت آراء ومواقف النواب حولها بين مؤيد ومعارض، إلا أن الملك عبد الله الثاني رفض تعديلات قانون منع الإرهاب الأردني التي توسع من تعريف الإرهاب وتهدد حرية التعبير.
وتعمل التعديلات، التي تحل محل 4 مواد في قانون منع الإرهاب الأردني الصادر سنة 2006، على توسيع تعريف الإرهاب بحيث يشمل أعمالاً من قبيل “تعكير صلات [الأردن] بدولة أجنبية”. وهذه تهمة موجودة بالفعل في القانون الجنائي الأردني وتستخدم دورياً لمعاقبة الانتقاد السلمي للبلدان الأجنبية أو حكامها. ومن شأن التعديلات أيضاً أن تغلظ العقوبات. وقد صرح المتحدث باسم الحكومة، محمد المومني، بأن التعديلات ضرورية لمساعدة السلطات على التصدي لتدفق المقاتلين الأردنيين العائدين من سوريا.
قال جو ستورك، نائب المدير التنفيذي لقسم الشرق الأوسط وشمال أفريقيا: “المخاوف الأمنية المشروعة للأردن لا تمنح الحكومة ضوءاً أخضر لمعاقبة الانتقاد السلمي لحكام أجانب على أنه إرهاب. وعلى الأردن أن يوسع مساحة النقد والنقاش العلني بدلاً من تقليصها”.
وقد تبنى المشرعون قانون منع الإرهاب لسنة 2006 في أعقاب تفجيرات بأحد فنادق عمان، وعرف القانون الإرهاب بأنه “كل عمل مقصود يرتكب بأي وسيلة كانت يؤدي إلى قتل أي شخص أو التسبب بإيذائه جسديا أو إيقاع أضرار في الممتلكات العامة او الخاصة … إذا كانت الغاية منه الإخلال بالنظام العام وتعريض سلامة المجتمع وأمنه للخطر”.
أما التعديلات المقترحة فهي تزيل اشتراط وجود صلة بعمل من أعمال العنف، وتدرج بدلاً منها تعريفاً يشير إلى الأعمال المؤدية إلى “إحداث فتنة” أو “تخل بالنظام العام”. ودون أي استفاضة في تعريف تلك التهم المبهمة، يمكن استغلال القانون لملاحقة التعبير السلمي عن الرأي أو التجمع السلمي على أنهما من أعمال الإرهاب،
كما أن هذه التعديلات تضيف إلى قائمة الأعمال التي تعتبر إرهابية، ومنها:
- القيام بأعمال من شأنها أن تعرض المملكة لخطر أعمال عدائية أو تعكر صلاتها بدولة أجنبية أو تعرض الأردنيين لخطر أعمال ثأرية تقع عليهم أو على أموالهم.
- استخدام نظام المعلومات أو الشبكة المعلوماتية أو أي وسيلة نشر أو إعلام أو إنشاء موقع الكتروني لتسهيل القيام بأعمال إرهابية أو دعم لجماعة أو تنظيم أو جمعية تقوم بأعمال إرهابية أو الترويج بأفكارها أو تمويلها أو القيام بأي عمل من شأنه تعريض الأردنيين أو ممتلكاتهم لخطر أعمال عدائية أو انتقامية تقع عليهم.
- حيازة أو إحراز أو صنع أو استيراد أو تصدير أو نقل أو بيع أو تسليم مادة مفرقعة أو سامة أو كيماوية أو جرثومية أو إشعاعية أو ملتهبة أو حارقة أو ما هو في حكم هذه المواد أو أسلحة أو ذخائر أو التعامل بأي منها على أي وجه بقصد استخدامها للقيام بأعمال إرهابية أو على وجه غير مشروع.
- الاعتداء على حياة الملك، أو حريته أو الملكة أو ولى العهد أو أحد أوصياء العرش.
- كل فعل يقترف بقصد إثارة عصيان مسلح ضد السلطات القائمة بموجب الدستور أو منعها من ممارسة وظائفها المستمدة من الدستور أو تغيير دستور الدولة بطرق غير مشروعة؛
- تشكيل عصابة بقصد سلب المارة والتعدي على الأشخاص أو الأموال أو ارتكاب أي عمل آخر من أعمال اللصوصية.
وكثيراً ما تستغل النيابة المادة 118 من القانون الجنائي، التي تحظر أعمال من شأنها أن ” تعكر صلات [الأردن] بدولة أجنبية” لتقييد التعبير عن آراء انتقادية للحكام الأجانب، ففي سبتمبر 2013، على سبيل المثال، استشهد ممثل الادعاء بمحكمة أمن الدولة، وهو ضابط عسكري، بالمادة 118 لاتهام وسجن رئيس تحرير موقع “جفرا نيوز” الإخباري وناشره، بعد أن نشر الموقع مقطع فيديو من صنع طرف ثالث على يوتيوب اعتبر مسيئاً إلى شقيق حاكم قطر. وفي أكتوبر استغل ممثل الادعاء ذاته نفس التهمة للأمر بتوقيف واحتجاز ثلاثة نشطاء متهمين بتوزيع ملصقات تحمل كلمة “رابعة”، في إشارة إلى منطقة بالقاهرة شهدت فض اعتصام للإخوان المسلمين على أيدي قوات الأمن المصرية في 14 أغسطس.
كما تابعت النيابة الأردنية ملاحقة دامت أربع سنوات بحق الناشط البيئي سفيان التل، والصحفي موفق محادين، لانتقاد الولايات المتحدة والسياسة الخارجية للأردن في برامج تلفزيونية فضائية. وأفادت وكالة “رويترز” للأنباء بأن السلطات تستغل التهمة ذاتها دورياً لاعتقال ومتابعة ملاحقات أمنية بحق أردنيين عائدين إلى الأردن بعد القتال في صفوف المتمردين السوريين ضد الجيش السوري.
وقد عملت تعديلات تم إدخالها على قانون محكمة أمن الدولة، وتبنيها في أوائل 2014، على قصر اختصاص المحكمة على الجرائم المتعلقة بالإرهاب، أو التخابر، أو الخيانة، أو المخدرات، أو تزييف النقود، ومن ثم فقد أزالت تهمة “تعكير صلات [الأردن] بدولة أجنبية” من اختصاص المحكمة. إلا أن قانون منع الإرهاب يعيدها إلى اختصاص محكمة أمن الدولة بتصنيف هذا العمل ضمن أعمال الإرهاب.
وقال جو ستورك: “وعد المسؤولون الأردنيون بأن إصلاح محكمة أمن الدولة من شأنه وضع حد لكافة الملاحقات المتعلقة بالتعبير عن الرأي من قبل تلك المحكمة، إلا أن الأرجح على ما يبدو هو أن تعيدها تعديلات قانون منع الإرهاب الجديدة من الباب الخلفي”.
كما تعمل التعديلات على تغليظ العقوبات، فهي تفرض عقوبة الإعدام لأي عمل يؤدي إلى وفاة شخص أو يتسبب في تدمير مبنى إذا كان به أفراد، أو يستخدم مواداً سامة أو غيرها من المواد الخطيرة، أو يمثل تهديداً لحياة الملك أو الملكة أو ولي العهد. وينص القانون على السجن المؤبد لإثارة العصيان المسلح أو الاعتداء على الملك بما لا يهدد حياته. وتعاقب بقية الأعمال المنصوص عليها في القانون “بالأشغال الشاقة المؤقتة” لمدد سجن تتراوح بين 3 سنوات و20 سنة.
ويُبقي القانون الجديد على السلطات الممنوحة في قانون منع الإرهاب لسنة 2006 لممثلي الادعاء بمحكمة أمن الدولة ـ وكلهم من الضباط العسكريين ـ بما في ذلك سلطة الأمر بالمراقبة والمنع من السفر والتفتيش وتجميد الأصول المالية لأي شخص يشتبه في تورطه في جريمة من جرائم الإرهاب، وكل هذا دون مراجعة قضائية. ويمنح قانون أصول المحاكمات الجزائية الأردني كافة ممثلي الادعاء في الأردن الحق في احتجاز المشتبه بهم بسلطتهم التقديرية. كما يمنع القانون فعلياً خروج المشتبه بهم في جرائم الإرهاب بكفالة.
والأردن هو ثاني دول المنطقة التي تصدر تشريعات جديدة متعلقة بالإرهاب في 2014، بعد المملكة العربية السعودية، التي تبنت مؤخراً قانوناً يدرج “الإساءة إلى سمعة المملكة” ضمن تعريفه للإرهاب. كما تدرس مصرمشروع تعديلات لـ17 مادة من مواد قانون العقوبات تعرّف الإرهاب بحيث يشمل الأعمال ـ من قبيل الإضرابات العمالية أو المظاهرات السلمية ـ التي قد “تعرقل” عمل السلطات العامة، وتجرم أي “ترويع” يمكن أن “يضر بالوحدة الوطنية” أو يمنع تطبيق دستور البلاد أو قوانينها، أو “يضر بالاقتصاد”.
وقد ذكر مقرر الأمم المتحدة الخاص المعني بحقوق الإنسان ومكافحة الإرهاب، في تقرير من سنة 2009، أن “تعريف الجرائم الإرهابية ينبغي أن يقتصر حصرياً على الأنشطة التي تنطوي على استخدام العنف المميت أو الخطير ضد المدنيين أو تتعلق به مباشرة…. كما ينبغي أن يتم حظر التنظيمات الإرهابية، بما في ذلك نسبة المسؤولية الجنائية إلى أعضائها، استناداً إلى أدلة ملموسة على أنشطة ذات طبيعة إرهابية حقيقية، وكذلك على التورط الفعلي للأفراد المعنيين”.
كما شددت الجمعية العامة للأمم المتحدة في 2006 على احترام حقوق الإنسان والحريات الأساسية كجزء من الاستراتيجية العالمية لمكافحة الإرهاب، وأقرت بأن “التنمية والسلام والأمن وحقوق الإنسان مرتبطة ببعضها البعض ويعزز بعضها البعض”. وكجزء من تلك العملية، نشر مكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة “الأحكام التشريعية النموذجية بشأن مكافحة الإرهاب” استناداً إلى مساهمات من هيئات تنتشر بعرض نظام الأمم المتحدة.
قال جو ستورك: “ليس هناك تضارب بين مسؤوليات الأردن في الحفاظ على مواطنيه وعلى حقوقهم، ولا يحتاج الأردن إلى تقييد حرية التعبير لمنع الإرهاب”.