ترجمة وتحرير: نون بوست
استقبلنا أحمد وسعيد ومحمد (أسماء مستعارة) في غرفة صغيرة ذات جدران رمادية يتسرب منها تيار الهواء، ويوجد بها إبريق شاي يغلي فوق موقد يعمل بزيت الوقود. منذ إطلاق سراحهم من السجن هذا الشتاء، يعيش المراهقون في هذه الثكنات الصغيرة بمحاذاة معسكر للنازحين مع عشرات الأولاد الآخرين، الذين أدينوا هم أيضا بتهمة الإرهاب. وفي الوقت الحالي، يُحتجز 1500 قاصرا في السجون العراقية والكردية بسبب انتمائهم إلى تنظيم الدولة، وفقاً لمنظمة هيومن رايتس ووتش غير الحكومية.
بعد إطلاق سراحهم، يظل هؤلاء المراهقون تحت مراقبة أجهزة الاستخبارات، التي تمنعهم من أي تواصل مع الصحفيين. وفي نظر القانون الدولي، يعتبر الأطفال-الجنود ضحايا، بينما تعتبرهم حكومتهم مذنبين. وقد أكد هؤلاء الأطفال أنهم اعترفوا تحت التعذيب. وبعد أسابيع من التحقيق، تمكنت صحيفة لاكروا أخيرًا من مقابلة بعضهم.
“ما زال لدى تنظيم الدولة سيطرة قوية جدا”
في المخيم، حيث تختلط عائلات الأشخاص النازحين مع عشرات المدانين بتهمة الإرهاب، تعد الأجواء سلبية، كما يشعر محاورونا بالريبة. وأشار أحد العاملين في المجال الإنساني إلى أنه “ما زال لدى تنظيم الدولة سيطرة قوية للغاية على العديد من الشباب هنا. وإلى الآن، لا زال البعض على ارتباط بالتنظيم ويمارسون ضغوطًا على الآخرين”.
من جهة أخرى، في الأزقة الموحلة التي تتقاطع مع الثكنات، التي يعبرها المارة بصمت، بدت النظرات عدائية. تنهد سعيد، الذي يبلغ بالكاد من العمر 18 سنة قائلا: “الجميع يسموننا بالإرهابيين”. وأضاف هذا الرجل ذو الشعر الأشقر الذي أضحى شابًا، والذي ما زال حب الشباب يظهر في وجهه: “بالطبع، كان البعض منا من الجهاديين، وكان بعضنا الآخر مقربين من التنظيم أو يدعم أفراد من العائلة هذا التنظيم؛ وهذا ما ينطبق على وضعيتي”.
في الوقت الذي ينفي فيه معظمهم أي صلة بالجماعة الإرهابية، يعترف أحمد، الذي أُطلق سراحه هذا الشتاء، بأنه انضم إلى تنظيم الدولة قبل خمس سنوات. وصرح بصوت منخفض، تغيرت نبرته بسبب السجائر
في الأثناء، أدلى أغلب المراهقين بالخطاب نفسهم. ويروي جميعهم أنهم اعترفوا تحت التعذيب. يقول محمد، بعد أن تأكد من أن لا أحد غيرنا قادر على سماع صوته: “كان من الممكن أن يجعلوني أقول أي شيء”. وأكد هذا الصبي حليق الذقن، الذي اعتقل قبل سنتين ونصف من طرف البيشمركة، (وهم المقاتلون الأكراد الذين يتصدرون خط المواجهة في المعركة ضد تنظيم الدولة)، والذي يبلغ طوله مترا و90 سنتيمترا في الوقت الحالي، أنه أبقي جالسا على ركبتيه طيلة أيام في زنزانة، وعار بالكامل ، وبمعصمين مقيّدين خلف ظهره، وذراع ملتوية من فوق كتفه. ونوه الشاب قائلا: “يسمون ذلك وضعية العقرب. كان الحراس يضربونني بعصا بلاستيكية حتى تتحطم، ثم يغرزونها في فتحة الشرج”.
أكد رفاقه ممارسات العنف المادي هذه، وأضاف بعضهم أنهم كانوا محبوسين داخل غرف صغيرة، تغطي رؤوسهم أكياس بلاستيكية. وتعليقا على ذلك، أكدوا: “في هذه اللحظة، ينعدم الهواء. وتشعر أنك مجرم”.
الفقر والإحباط والملل
في الوقت الذي ينفي فيه معظمهم أي صلة بالجماعة الإرهابية، يعترف أحمد، الذي أُطلق سراحه هذا الشتاء، بأنه انضم إلى تنظيم الدولة قبل خمس سنوات. وصرح بصوت منخفض، تغيرت نبرته بسبب السجائر: “في تلك الفترة، كان عمري 13 سنة. حينها، كانت الخلافة قد أُعلنت للتو ثم أصبح تنظيم الدولة حكومة. وعلى الرغم من أنهم كانوا متطرفين قليلاً، إلا أنهم أعادوا الهدوء إلى قريتي. كنا نعيش في أمان. كان العديد من أصدقائي من أعضاء هذا التنظيم، لذا بدا الأمر مثيراً وأردت أن أستمتع معهم”. وكان ذلك التزاما تلقائيا، بدافع الفقر والإحباط والملل”. وأضاف مبتسما: “لقد وعدنا السلفيون بزوجة، وراتب، وسيارة وأسلحة، أي بكل ما يمكن أن أحلم به”.
لكن بمجرد وصوله إلى المعسكر الجهادي، تبخرت كل هذه الخيالات. ويتذكر الشاب الإهانات والضرب ورصاص الكلاشينكوف الذي كان يكاد يخترق وجهه حين لا يلبي متطلبات مدربيه. لذلك قرر الفرار، ولكن دون جدوى. إثر ذلك، قُبض على أحمد بسرعة من قبل الجهاديين، الذين ألقوا به في السجن.
في عراق ما بعد تنظيم الدولة، سادت شكوك واسعة النطاق ضد شباب على غرار أحمد بسبب هويتهم السنية
حين أطلق سراحه بعد عدة أسابيع، تمكن من الوصول إلى الأراضي التي تسيطر عليها البيشمركة. وعلق قائلا: “لقد هربت إلى الجانب الكردي لأنني اعتقدت أنهم يحترمون حقوق الإنسان”. ثم أصيب هذا المراهق بخيبة أمل جديدة، ذلك أنه اُعتقل على الفور. وواصل قائلا: “علموا أنني كنت أنتمي إلى تنظيم الدولة، وليس من الممكن أن يداعبونني! بالطبع، عذبوني، لكنني كنت سأفعل الأمر ذاته لو كنت مكانهم. وإلا، فلن يعترف أحد بأنه كان جهاديا”.
في عراق ما بعد تنظيم الدولة، سادت شكوك واسعة النطاق ضد شباب على غرار أحمد بسبب هويتهم السنية. ومع ذلك، يعتبر هذا الشاب الذي حكم عليه بالسجن لمدة سنتين من قبل نظام قضائي متسرع يبحث عن جناة، أنه كان محظوظا لأنه انتهى به المطاف بين أيدي الأكراد وليس في أي مكان آخر في العراق. وأشار: “أعرف أولادا مثلي حكم عليهم بالسجن 15 سنة من طرف المحاكم العراقية. في المقابل، كان مركز احتجاز القصر في أربيل (عاصمة كردستان العراق) روضة أطفال حقيقية”.
اتهامات هيومن رايتس ووتش
وفقا لهيومن رايتس ووتش، بسبب عدم وجود أدلة ومن أجل الحصول على اعترافات، كثيراً ما لجأت السلطات العراقية إلى التعذيب. وتُفسر ممثلة هذه المنظمة في العراق، بلقيس ويلي، أنه “على مستوى الوقائع، ليس لدى المحققين طريقة أخرى للتحقيق في القضية سوى الحصول على اعترافات. وسواء كان المشتبه به عضوًا في تنظيم الدولة أم لا، فسوف يعذبونه حتى يعترف”.
يمثل الأطفال أمام القضاء بعُجالة، وغالبًا دون حضور محام أو مترجم لهؤلاء الشباب العرب، بينما تستعمل اللغة الكردية في المحاكمة
في المقابل، تعترض حكومة كردستان المستقلة على هذه التهم. وأفاد منسق التوصيات الدولية في الحكومة، ديندار زيباري، قائلا: “سجوننا مفتوحة أمام المنظمات الإنسانية. اذكر لي مثال هيئة دولية واحدة، باستثناء منظمة هيومن رايتس ووتش، اتهمنا بالتعذيب. لا يوجد!”. كما أكد أن الضحايا لم يقدموا أي شكوى.
من جهتهم، أكد الأطفال القصر أن القضاة تجاهلوا عمداً شهاداتهم. ويؤكد محمد: “كانت المحاكمات جاهزة مسبقا. سواء أنكرنا أو اعترفنا، فإن النتيجة ستكون ذاتها”. ويمثل الأطفال أمام القضاء بعُجالة، وغالبًا دون حضور محام أو مترجم لهؤلاء الشباب العرب، بينما تستعمل اللغة الكردية في المحاكمة. ورغم إدانتهم، ما زال معظم القصر يدعون البراءة. ويسكن جميعهم أمل العودة إلى منطقتهم الأصلية، في العراق الفيدرالي، دون المرور عبر مرحلة السجن. في الحقيقة، تبدو هذه الأمنية مستحيلة، ذلك أن العدالة العراقية لا تعترف بالأحكام الصادرة في منطقة كردستان المتمتعة بالحكم الذاتي.
في هذا الصدد، توضح بلقيس ويلي أنه “حتى لو قضّى القصر مدة العقوبة، فإن العربي الذي أدانه الأكراد بسبب الانتماء إلى تنظيم الدولة لا يستطيع العودة إلى دياره. وفي حال أراد العودة إلى العراق، فسيتعرض لاعتقال جديد من قبل الجيش العراقي أو ميليشيا تسيطر على منطقته. وهكذا، يظل هؤلاء الشباب الذين ترعرعوا في كثير من الأحيان في مناخ تهيمن عليه الأيديولوجية السلفية، في عزلة جماعية دون آفاق مستقبلية، ذلك أنهم أحرار قانونيا وسجناء واقعيا. ويعوق هذا الظلم أي عملية مصالحة وطنية ويؤدي إلى ظهور إحباطات جديدة. ويتنهد أحمد الذي غادر المدرسة قبل خمس سنوات قائلاً: “لقد تدمر مستقبلي. لا شيء ولا أحد يستطيع إعادته لي. لقد انتهى الأمر”.
المصدر: لاكروا