بلغة تركية في منتهى الإتقان أثارت إعجاب الحضور والمشاركين، شاركت السيدة زهرة ذات الأصول الإفريقية حكاية تعارفها وزواجها من الشاب التركي بيرك، في حلقة من حلقات البرنامج التركي الشهير “تفعلها حبيبي” الذي يبث على قناة فوكس التركية، لكن الإثارة في الحكاية كانت عندما سألها مقدم البرنامج عن أصولها؛ فأجابت زهرة بأنها لا تعرف غير أنها من مواليد مدينة أزميت ووالدها وجدها من مواليد مدينة سكاريا فيما والدتها من أصول يونانية، لتضيف إلى ذلك أنها لا تتقن غير اللغة التركية ولا تتقن أي لغة أجنبية أخرى.
حال زهرة كحال آلاف الأفارقة الأتراك الذين وجدوا أنفسهم في بلاد الأناضول بعيدًا عن القارة الأم إفريقيا
الرق في الدولة العثمانية
شكلت الحروب المستمرة للدولة العثمانية المصدر الأول لتجارة الرقيق التي ازدهرت مع حركة الفتوحات العثمانية، واعتمدت بشكل أساسي على أسرى الحرب من شعوب البلقان والقفقاس ومناطق شرق وغرب أوروبا، حيث ظهرت واشتهرت عدد من الأسواق الخاصة بهذه التجارة في مدن الأناضول المختلفة كبورصة وقيصري وسيفاس وسامسون على شاطئ البحر الأسود، لكن أهمها التي أقيمت في عاصمة الدولة العثمانية إسطنبول التي اشتهر منها سوق إسكودار على الشاطئ الآسيوي والسوق المسقوف (كابلي تشاري) في الشق الأوروبي، حيث أنشئ خان مكون من 300 غرفة، وممتد من السوق المسقوف حتى مسجد النور العثماني.
صورة توضيحية لسوق الرقيق في الشق الأوروبي
وبحلول القرن الـ16 بدأت تجارة الرقيق في الدولة العثمانية باستيراد الرقيق الأفارقة من دول ومناطق مختلفة للعمل في مزارع وقصور الدولة الآخذة في التوسع، فتطورت عدد من خطوط التجارة القادمة من القارة الإفريقية مرورًا بمناطق مثل مصر وليبيا ووصولاً إلى اليونان وقبرص وشواطئ بحر إيجه وأسواق إسطنبول.
وبحلول القرن الـ19 بدأت الدولة العثمانية بسلسلة من الإصلاحات الإدارية والسياسية في البلاد عرفت باسم “التنظيمات” أصدر في إطارها السلطان عبد المجيد فرمانًا عام 1847 يقضي برفع العبودية ومنعها بشكل رسمي وهدم الخان المخصص لهذه التجارة في مدينة إسطنبول وإغلاق أسواقها في المناطق المختلفة، لكن ذلك لم يمنع استمرار تجارة الرقيق داخل الدولة العثمانية ولم يمنع كذلك امتلاك السلاطين لجيش من العبيد والجاريات، ليظل هذا الوضع قائمًا حتى عام 1908 حيث تم رفع العبودية في السلطنة بشكل كامل.
صورة لأحد الرقيق في قصر عثماني
ومع قيام الجمهورية التركية اختار بعض الأفارقة الرحيل من الأناضول إلى بلادهم الأصلية فيما بقي جزء كبير خاصة المسلمين منهم، وعومل سكان اليونان من الأفارقة المسلمين معاملة الأتراك في اتفاقية المبادلة الموقعة بين الجمهورية التركية واليونان، حيث استوطن على إثرها عدد كبير منهم شواطئ بحر إيجة ومنحوا الجنسية التركية.
لمحة من تاريخ الأفارقة الأتراك: أحمد علي أفندي أول طيار إفريقي في العالم
يعد أحمد علي تشكلين أو أحمد العربي كما كان ينادى، أول رجل إفريقي يقود طائرة حربية ويشارك في معارك جوية إلى جوار الطيار الأمريكي أوجين جاك بولارد، ولد أحمد علي تشكلين عام 1883 في مدينة إزمير غربي تركيا، لعائلة إفريقية بيعت كرقيق في السوق العثماني، فجدته من جهة والدته عملت خادمة لدى كاتب والي إسطنبول، حيث أنجبت والدته السيدة أمينة التي تزوجت من علي أفندي القادم من مدينة البصرة في العراق، ترعرع أحمد علي في مدينة إزمير حيث استقر والدها إلى جانب ثلاثة أخوة كان أحمد أكبرهم، ليلتحق أحمد بالمدرسة البحرية عام 1904 ويتخرج فيها بعد أربع سنوات ضابطًا برتبة ملازم أول.
صورة للطيار أحمد علي أفندي
بحلول عام 1910 بدأت الجيوش الغربية في استخدام الطائرات كسلاح أساسي في تشكيلاتها القتالية، لم تتأخر الدولة العثمانية في الالتحاق بركب الجيوش الغربية، حيث أسست لجنة الطيران عام 1911 التي شكلت نواة سلاح الجو العثماني، وقبيل اندلاع الحرب العالمية الأولى التحق أحمد علي بكلية الطيران التي تخرج فيها عام 1916 طيارًا مقاتلاً، الجدير بالذكر أن الأخ الأصغر لأحمد استشهد في معركة جناق قلعة المشهورة.
الطيار أحمد علي أفندي رفقة عدد من الضباط والمقاتلين الأتراك
ومع قيام حرب الاستقلال انضم أحمد علي إلى قوات الجمهورية وساهم في عمليات مراقبة وضبط شواطئ البحر الأسود والأبيض المتوسط، كما ساهم في عملية تهريب عدد من الطائرات من منطقة الخليج في إسطنبول إلى مدينة قونيا حيث تتمركز قوات الحركة الوطنية. استمر أحمد علي في الخدمة بعد حرب الاستقلال التي نال خلالها عددًا من الأوسمة والميداليات، وتقاعد من الجيش التركي عام 1949.
تزوج أحمد أفندي من السيدة خديجة هانم وأنجب منها ولدين و3 بنات، التحق الأولاد الذكور بمهنة أبيهم فأصبحوا طيارين مقاتلين، فيما تزوجت بنات أحمد علي من طيارين آخرين. فارق أحمد علي أفندي الحياة عام 1969 عن عمر يناهز 86 عامًا، دون أن ينال حقه من الذكر والتخليد، فقليلة هي الكتب أو المواد المرئية التي تتناول ذكرى من تحرر من قيد الأرض ليحلق في عنان السماء.
أحمد علي رفقة زوجته خديجة هانم
الأفارقة الأتراك والمجتمع التركي
يتركز وجود الأفارقة الأتراك في منطقة بحر إيجه وتحديدًا في مدينة إزمير غربي تركيا، حيث استوطن أجدادهم أرض حصلوا عليها من الدولة التركية. لا توجد إحصاءات رسمية عن عدد الأفارقة الأتراك في تركيا، لكن بعض المصادر تقدر عددهم المقيم في منطقة بحر إيجه بـ1000 مواطن. حقق الأفارقة الأتراك مستويات متقدمة من الاندماج في المجتمع التركي، فلا يمكن تمييزهم عن عموم الأتراك إلا بلون بشرتهم، حيث تقلدوا بتقاليد وعادات المناطق التي سكنوها بالإضافة إلى إتقانهم للغة التركية بلهجاتها المختلفة.
صورة لمرشح حزب الجيد عن مدينة إزمير السيد مسعود ميرجان
كما حقق الأفارقة الأتراك تقدمًا على المستوى السياسي المحلي فظهر منهم عدد من رؤساء البلديات ومرشحي مجلس النواب بالإضافة الى العمل مع ومن خلال منظمات المجتمع المدني، ورغم هذه النجاحات ما زال أمام الأفارقة الأتراك الكثير على مستوى النهوض الاقتصادي والحصول على مستويات متقدمة من التعليم والارتقاء المهني، كما يزال التحدي المتعلق بالتواصل مع المجتمع التركي بعمومه قائمًا، حيث يجهل عدد من الأتراك وجود الأفارقة الأتراك وسرديتهم التاريخية، مما يعرضهم بشكل دائم لتعليقات وتصرفات عنصرية، الأمر الذي يفرض على مجتمع الأفارقة مزيدًا من التنظير والتنظيم والتواصل مع المجتمع التركي.