انقضى الثلث الأول من الشهر الكريم ولعل أغلبنا تابع أو يتابع بعض الأعمال الدرامية على الشاشة الصغيرة، واستطاع أن يخرج بانطباع عن العمل الهادف والآخر المليء بالإسفاف، وكعادة كل موسم رمضاني تتهافت شركات الإنتاج والقنوات الفضائية لعرض جديد أعمالها من المسلسلات التي تستهدف العائلات في رمضان كأول ما تستهدف، ولعل رمضان هذا العام اختلف عن سابقه وأخص هنا العمل الدرامي على الشاشات العراقية حصرًا.
المنافسة هذا الموسم كانت شديدة، ومردّ ذلك لسببين: الأول أن السنوات السابقة كان فيها البلد يمر بمرحلة صعبة، فثلث العراق بيد التنظيمات الإرهابية ومعارك تحرير ونُزوحين داخلي وخارجي ووضع اقتصادي صعب، والثاني ظهور فضائية جديدة منافسة على الساحة جعل موسم هذا العام مليء بالأعمال التي أثارت لغطًا كبيرًا حولها.
دراما هذا العام قوبلت برفض واستهجان كبيرين حتى وصفها بعض رواد مواقع التواصل الاجتماعي بالإسفاف، وأنها لا تناسب الشهر الفضيل، ما اضطر هيئة الإعلام والاتصالات العراقية لإصدار بيان ذكرت فيه أن مراقبة ومتابعة الأعمال الفنية التي تعرضها وسائل الإعلام من مهمتها للتأكد من سلامة المحتوى، وأنه تم رصد بعض التجاوزات في محتوى برامج عدد من الفضائيات التي خرجت عن سياق حرمة شهر رمضان.
البيان قوبل بتنويه من مديرية الإنتاج في قناة الشرقية على صفحتها الرسمية على الـ”فيسبوك”، لتذكر أنها ترقب ردود الفعل التي تدون في وسائل التواصل الاجتماعي بشأن برامج الشرقية التي تعرض حاليًّا في رمضان.
مبررةً اللقطات التي وصفت بالخادشة للحياء والذوق العام أنها “وردت في سياق الأحداث التي بُني عليها مسلسل درامي اتّسم بطرحه لمشاكل واقعية وتحتاج إلى المصارحة لكي تتصدى لها الدولة والمجتمع معًا، والتستر على مشاكل المجتمع قد يكون سببًا في تفشيها”، حسب وصفها.
أكثر أعمال السنة إثارة للجدل
لعل مسلسل الفندق وهو من إنتاج قناة الشرقية ويعرض على شاشتها له الحصة الأكبر من الانتقاد، حيث ضم مشاهد وصفها مراقبون بأنها تشويهٌ للمجتمع العراقي.
كاتب العمل حامد المالكي دافع عما كتب بالقول: “تناولت تقريبًا 20% من الانحطاط والقرف والزبالة في مجتمعنا العراقي الأصيل، من خلال مسلسل الفندق، أعدكم عملي القادم سأتناول الـ80% من المسكوت عنه في ثقافتنا الخجولة والمواربة والخائفة”.
المتفقون مع العمل غاب عنهم أن المتلقي العراقي لا يعارض أي دراما تكشف حقيقة واقعه الذي وصل مع الأسف للقاع في أغلب مفاصله داخل البلاد، لكن الذي أثار الحفيظة هو آلية الطرح والعمل على تبني سياسة العري واعتماد مشاهد خادشة للحياء والذوق العام
حظي هذا التصريح ببعض التفاعل على شبكات التواصل الاجتماعي، الخبير العسكري اللواء عبد الكريم خلف، مثلًا، اعتبر أن مسلسل الفندق “يدخل فلك الممنوع ويفضح إسقاطات مجتمعية كانت نتيجة طبيعية للتغيير الحاصل”، ورأى أنه “نتاج الهوس لهواة السياسة في العراق”. وأشار إلى أنه من “غير مستغرب أن نرى الهجمات المركزة على الكاتب. وأنا أقول يا حامد استمر بضرباتك المركزة لأنها أوجعتهم”، فيما اكتفت الإعلامية العراقية سهير القيسي بالقول: “مسلسل الفندق يكشف جزء من واقع.. فريق عمل متميز وتمنياتنا له بالتوفيق”.
المتفقون مع العمل غاب عنهم أن المتلقي العراقي لا يعارض أي دراما تكشف حقيقة واقعه الذي وصل مع الأسف للقاع في أغلب مفاصله داخل البلاد، لكن الذي أثار الحفيظة هو آلية الطرح والعمل على تبني نهج العري وعرض مشاهد خادشة للحياء والذوق العام، متناسين أن من يشاهد الأعمال الدرامية هم عوائل فيها الأطفال واليافعين، وينتهك حرمة الشهر الفضيل، فضلاً عن أن تقديم المحتوى الخارج بشكل مباشر هو أسلوب يفقتد للإبداع والبصيرة الإخراجية.
دراما خجولة لا تنافس حتى نفسها
12 عملاً توزع بين الدراما والكوميديا هي حصيلة هذا العام من المسلسلات العراقية، لم يحقق أي عمل منها نسب مشاهدة عالية بل حتى لم يعرض على غير قناته المنتجة كما يشاهد في الأعمال العربية التي تتهافت عليها القنوات وتتسابق لأخذ حقوق عرضها الأول كما في الدراما المصرية التي تتسيد الساحة بـ24 عملاً لتليها الأعمال السورية واللبنانية المشتركة بـ14 عملاً وحتى الـ8 أعمال الخليجية كان لها صدى أكبر من العراقية.
نحتاج جهدًا حقيقيًا للنهوض بواقع الدراما، فالعراق ولاد للطاقات
لنتفق على حقيقةٍ مريرة، ليس لدى العراق حاليًا قدرة على منافسة الدراما العربية، السورية أو المصرية أو الخليجية، ليس لدينا مسلسلات تعرض على الشاشات العربية، وبدءًا من الممثلين من الصف الأول أو الوجوه الشابة، مرورًا بالنص والإخراج، وليس انتهاءً ببيئة العمل من ملابس ومواقع تصوير، كل ذلك يخلق بونًا شاسعًا مع الدراما العربية، فهم يسبقوننا بأشواط، حتى بات المتلقي العراقي ينفر من تكرارنا السنوي في العديد من الأعمال، ليأتي الإسفاف في بعض مشاهد الدراما هذا الموسم ليزيد الطين بلة.
نحتاج جهدًا حقيقيًا للنهوض بواقع الدراما، فالعراق ولاد للطاقات، فنحن نرى نفس الفنان الذي أثار حفيظة الشارع في عمل محلي، يبهرنا بمشاركته بعمل عربي لتوافر بيئة عمل ونص جيدين.