بالنسبة لرواد الأعمال، يبدأ مشوار الألف ميل بالحصول على دعم مالي يفتح لهم العديد من الأبواب نحو عالم الفرص والخيارات التي تلائم رؤيتهم واحتياجاتهم لتأسيس شركاتهم أو مشاريعهم الصغيرة ودفعها إلى عتبة النجاح بخطوات ثابتة وواسعة، ولكن دون التمويل، فمن الصعب جدًا أن تتحول إلى الفكرة أو الخطة إلى مشروع ملموس على أرض السوق، ولذلك يسعى رواد الأعمال عادةً إلى إثبات جدارة وفعالية منتجاتهم أو أفكارهم حتى يتمكنوا من جذب الممولين إلى حجرهم.
إذ عادةً ما تقضي العديد من الشركات أشهر أو حتى سنوات بحثًا عن التمويل، في حين أن الشركات الأخرى، خاصةً تلك التي تعتبر أفكارها ثورية أو مرتبطة بأفراد ذوي سجل حافل بالنجاحات والإنجازات قد تتجاوز بعض جولات التمويل وتتحرك بسرعة أكبر، وبما أن رأس المال يساوي السرعة، فإن تباطؤ تحركات الشركة يزيد من مخاطر المنافسة التي تتعرض لها.
ولتحقيق ذلك منذ البداية، لا بد أن تمر الشركة بعدة مراحل من خلال جولات التمويل الخارجي التي تتيح لهم تغطية تكاليف المشروع والصمود في المستقبل بين المنافسين الآخرين والنمو بشكل طردي مع زيادة الأرباح وتوسع دائرة العملاء والزبائن إلى أقصى حد ممكن، بعيدًا عن كرم الأصدقاء وتبرعات العائلة والغرق في الديون الشخصية وإنفاق المدخرات الخاصة.
جولات تمويلية.. متى تحدث؟ وكيف تتحقق؟
تتيح جولات التمويل التي تسمى بـSeed Rounds للمستثمرين الخارجين اقتطاع نسبة من ملكية الشركة، وبالتالي فإن أي أرباح تجنيها الشركة يملك المستثمر جزءًا منها، بحسب الاتفاق المبرم منذ البداية. ما يعني أن إقناعهم بأهداف الشركة ليس سببًا كافيًا لتحفيزهم على الدعم المالي، فهم يأملون في الانتفاع والحصول على مردود مالي من المشاريع التي ساعدوها على الولادة والنمو في السوق.
1. مرحلة ما قبل البذور أو التكوين: المغامرة الكبرى
لا تتضمن هذه المرحلة أي جولات تمويلية خارجية على الإطلاق، إذ يعتمد فيها المؤسسون على جيوبهم الخاصة بالإنفاق على مشروعهم، بالإضافة إلى تبرعات ودعم الأصدقاء والعائلة، ولذلك تعتبر هذه المرحلة من أكثر المراحل صعوبةً وإحراجًا، فلا أحد يحب إخبارك بأن طفلك قبيح أو فكرتك غير منطقية، ومع ذلك يكمن الجانب الإيجابي فيها بقدرتك على التحكم بمرونة بتكاليف المشروع لمدة تصل لـ6 أشهر تقريبًا.
يختلف حجم الإنفاق بحسب طبيعة الشركة ومقرها، وغالبًا لا يزيد على 10 آلاف دولار أمريكي، ولكن في بعض الأحيان الاستثنائية قد يصل إلى أرقام مضاعفة، بشكل عام، في حال الفشل، تمكن هذه الجولة مؤسس الشركة من تكبد الخسائر براحة نسبية ومعقولة، لأن تكاليف المشروع ومستلزماته تكون محدودة وصغيرة وبعيدة عن الأرقام المبالغ بها.
2. مرحلة البذور: الفرصة الأولى
هذا هو المكان الذي تبدأ فيه الشركات الناشئة في جذب رؤوس المال التي تحتاجها للاستفادة من فكرة أعمالها، وقد يأتي التمويل في هذه المرحلة من مستثمرين مُلاك أو أصحاب رؤوس الأموال المغامرين الذي يقدمون تمويلات تصل إلى ملايين الدولارات، وغالبًا ما تستخدم هذه الأموال لإجراء المزيد من البحوث والاختبارات عن مدى ملاءمة المنتجات للأسواق المستهدفة، بالإضافة إلى تحديد خطط التطوير المستقبلية.
يتمكن مؤسس المشروع في هذه المحطة من إضفاء تعديلات على نموذج أعماله، كما يمكنه توسيع دائرة علاقاته التجارية من خلال تعيين شركاء وعملاء جدد، إلى جانب تمتعه بمرونة أكبر في تجربة منتجات وخدمات أخرى لتطوير مشروعه دون التخوف من الأعباء المادية والخسارات المحتملة.
في نهاية الأمر، تظهر علامات النجاح أو الفشل بقوة من خلال تقييم ملفات الإيرادات الشهرية، ما يمهد الطريق إلى جمع المزيد من التمويلات المستقبلية أو على العكس تمامًا، قد تدفعها إلى الانسحاب والالتفات إلى مشاريع أخرى، ولذلك تعد هذه المرحلة من أكثر المنعطفات أهمية في حياة المشروع وأكثرها مخاطرةً.
3. الجولة “أ”: من أجل التحسين والتطوير
حين تقطع الشركة شوطًا متواضعًا في السوق من خلال امتلاك عدد ثابت من الزبائن والعوائد الربحية وبعض المؤشرات الأخرى التي تدلل على أدائها التجاري، يبدأ المستثمرون في البحث عن هذه البيانات لمعرفة ما يجب على الشركة إنجازه مقابل المال الذي تم استثماره مسبقًا، ورغم أن الإيرادات قد تكون بسيطة جدًا، لكن يصر المستثمر على معرفة هذه الأرقام لتحسين المقاييس الأساسية واكتشاف ما يمكن التطوير عليه.
يشارك المستثمرون في عملية وضع الأجندة والسياسات الداخلية للشركة، إذ يميل المستثمرون في هذه المرحلة إلى أن يكونوا أكثر تأثيرًا مقارنةً مع مراحل التمويل الأخرى
وغالبًا ما تعمل على تحسين قاعدة المستخدمين وتطوير عروض المنتجات والمساهمة في انتشارها على نطاق أوسع وفي مختلف الأسواق المتاحة، ويستلزم الوصول إلى هذه المرحلة اقتناء ما بين مليوني دولار إلى 15 مليون دولار أمريكي من التمويلات الخارجية، كما تشير بعض التقديرات إلى أن هذه الأرقام في ارتفاع متواصل نظرًا للتغيرات التكنولوجية التي فرضت معايير جديدة في السوق الاستثمارية والتجارية.
في هذه المرحلة، من الشائع أيضًا أن يشارك المستثمرون في عملية وضع الأجندة والسياسات الداخلية لشركة، إذ يميل المستثمرون في هذه المرحلة إلى أن يكونوا أكثر تأثيرًا مقارنةً مع مراحل التمويل الأخرى، وهي من المراحل التي تنقل المشروع إلى مستوى ثانٍ.
4. الجولة “ب”: المزيد من النمو والثقة
تدور هذه المرحلة حول بناء الشركة والتطوير على نجاحات الحاضر، إذ يُستغل رأس المال عادةً في رفع عدد فرق العمل وتوسيع العمل على النطاق الجغرافي في أسواق جديدة، ولتحقيق ذلك، يستلزم الشركات عشرات الملايين للانتقال إلى المرحلة الجديدة التي تتطلب تلبية احتياجات مستويات عالية من الطلب، إذ تحتاج الشركة إلى رأس مال يتراوح بين 30 و60 مليون دولار.
تبدو هذه المرحلة مشابهة لسابقتها من ناحية الإستراتيجية وآلية العمل والأهداف، إلا أن الفارق الوحيد يكمن في الموجة الجديدة من رؤوس الأموال الاستثمارية المتدفقة، ما يعني أن هناك مرونة أكثر وأمانًا أكبر في مخططات الشركة للتحرك على نطاق أوسع بكل ثبات وثقة.
5. الجولة “ج”: راحة مادية وقلق معنوي
لا يصل إلى هذه المرحلة إلا المشاريع الرابحة والناجحة بالفعل، إذ تبدأ هنا الانفراجات الكبرى والتوسعات الطنانة التي قد تمنح الشركات فرصة التوسع في أسواق جديدة وتصنيع منتجات جديدة أو حتى الاستحواذ على شركات ومشاريع أخرى. يهدف المستثمرون في هذه الجولة إلى ضخ الأموال في الشركات الناجحة، في محاولة لاسترداد ضعف المبلغ الذي قدموه للتمويل، وعادةً ما تكون وتيرة النمو والنجاح أسرع من أي مرحلة أخرى.
يمكن أن تكون هذه الجولة الأصعب على الإطلاق بالنسبة للمؤسسين لأن المستثمرين قد يكونون أكثر تطلبًا وتدخلًا من أي وقت سابق
قد تكون إحدى الطرق الممكنة لتوسيع أنشطة الشركة هي شراء شركة أخرى، على سبيل المثال، من المحتمل أن تنجح إحدى شركات الأغذية الصحية في الأسواق الأمريكية بشكل غير مسبوق، وعندما تصل هذه الشركة إلى مرحلة “ج”، فربما تفكر في توزيع منتجاتها وفروعها في أوروبا أو منطقة الشرق الأوسط، ولتحقيق ذلك قد تضطر إلى شراء الشركات المنافسة في تلك الأسواق الجديدة، وليس من الصعب إقناع المستثمرين القدامى أو الجدد بهذه الفكرة، فلقد رأوها تحقق نتائج هائلة في السابق.
بكلمات أخرى، فإنها تضمن الحصول على مئات الملايين من الدولارات التي يمكن أن تصل إلى 100 مليون دولار أمريكي لتعزيز توقعاتها المستقبلية ومقاومة جميع الانعكاسات المحتملة دون القلق من الألعاب التنافسية والأعباء المالية، ومع ذلك يمكن أن تكون هذه الجولة الأصعب على الإطلاق بالنسبة للمؤسسين لأن المستثمرين قد يكونون أكثر تطلبًا وتدخلًا من أي وقت سابق، ولذلك تكون هذه المرحلة مرهقة ومثيرة للقلق والتوتر.