ترجمة حفصة جودة
بعد الأداء المتميز للسينما العربية في مهرجان كان 2018، لم يكن يتوقع أحد أن تكون نسخة هذا العام مثمرة لصناع الأفلام في المنطقة، فقد شهد العام الماضي نجاحًا مبهرًا لنادين لبكي بعد حصولها على جائزة لجنة التحكيم عن فيلمها “كفر ناحوم” وكذلك ترشيحه للأوسكار وحصوله على 1.5 مليون دولار في شباك التذاكر الأمريكية.
كما حصلت مريم بنمبارك على جائزة أفضل سيناريو في مسابقة “Un Certain” عن فيلمها “صوفيا” وحاز فيلم “ولدي” لمحمد عطية إعجاب جميع النقاد، لم تكن المؤشرات في 2019 تشير إلى أي نجاح عربي خاصة في المهرجانات الأوروبية التي سبقت كان، فلم يتم اختيار أي فيلم عربي في “روتردام” يناير الماضي، وكانت المشاركة العربية في مهرجان برلين متواضعة للغاية.
يرى بعض المراقبين أن النجاح العربي في “كان” العام الماضي يرجع إلى تجنب المهرجان لأفلام “نتفليكس” الذي اتجه إلى مهرجان البندقية السينمائي لعرض أفلامه، لكن الوضع مختلف هذا العام، فالنسخة الـ72 من مهرجان كان لا تعاني من أي نقص في النجوم.
يتصدر المنافسة المخرج كوينتن تارنتينو عن فيلمه “One Upon Time in Hollywood” والمخرج كين لوتش عن فيلمه “Sorry We Missed You” والمخرج بيدرو ألمودوفار عن فيلمه “Pain and Glory”، بالإضافة إلى أعمال جديدة للمخرجين فرنر هيرزوغ وأسيف كاباديا وروبرت رودريغوز.
فيلم القديس المجهول “The Unknown Saint” والكثير من الكوميديا
يتفاخر مدير المهرجان تيري فريمو بتلك الشمولية الجغرافية لتعويض التمثيل المنخفض لصناع الأفلام من النساء والأقليات الأخرى، رغم أنه في الحقيقة هناك ارتفاع في عدد المخرجات من النساء، فنحو 13 من 47 فيلمًا رئيسيًا أخرجتهم نساء، كما شارك في المنافسة فيلم “Atlantiques” للمخرجة الفرنسية السنغالية السوداء ماتي ديوب.
كان يحصل على الأفضل
عند كشف تشكيلة أفلام المهرجان هذا العام في شهر أبريل، كان مفاجئًا رؤية 7 أفلام عربية بين التشكيلة النهائية لأكبر مهرجان سينمائي في العالم، هذه المشاركة العربية الكبيرة التي تعد الأولى من نوعها، تعبر عن المكانة الدولية المتنامية والقدرة على جذب الجمهور العالمي، كما يذكرنا ذلك بالسنوات التي شهدت تجاهلًا للثقافة العربية في الغرب.
ومع اشتداد المنافسة بين مهرجانات الأفلام للحصول على أفضل إنتاج السينما العالمية، يبدو أن “كان” حصل على أفضل الإنتاج العربي لهذا العام، وكانت الاختيارات متنوعة بشكل مثير ما بين الكوميديا والإثارة والمغامرة والميلودراما والوثائقيات.
يتصدر القائمة فيلم “It Must Be Heaven” للمخرج الفسطيني إيليا سليمان، ويعد الفيلم قصة هزلية عن الهوية والقومية والانتماء، ونلاحظ فيه محاولة سليمان الهرب من فلسطين بحثًا عن حياة جديدة، ليجد أن شبح وطنه يظهر له في كل مكان يعيش فيه.
ما يجعل الفيلم منافسًا قويًا لأكبر جائزة في المهرجان هو لقطاته التي كانت في عدة مدن منها باريس ونيويورك وكذلك جمعه بين الكوميديا والرثاء والتعليقات السياسية الحادة.
من بين المشاركات الفلسطينية الأخرى فيلم “Ambience” للمخرج وسام الجعفري الذي تم تصويره باللونين الأبيض والأسود، ويتحدث عن جهود شابين يعملان في مجال الموسيقى من مخيم لاجئين ويحاولان العثور على فكرة لمسابقة موسيقية، حيث سيمكّنهما الفوز من تسجيل ألبوم موسيقي.
فيلم “The Young Ahmed”: هل يفوز الأخوان داردين بالجائزة الأولى؟
تسيطر شمال إفريقيا على بقية الأفلام العربية وذلك بفيلمين من الجزائر وآخرين من المغرب وفيلم من تونس، يتنافس فيلمين عربيين على جائزة “Un Certain Regard” في كان، الفيلم الأول هو “Adam” للمخرجة المغربية مريم توزاني وهو عبارة عن دراما أمومية تتحدث عن أم عزباء تكافح مع ابنتها ذات الـ10 سنوات وتلتقي بفتاة حبلى تقلب حياتها رأسًا على عقب.
أما الثاني فهو فيلم “Papicha” للمخرجة الجزائرية مونيا ميدور، ويعد إدانة شديدة للأصولية الدينية، وتدور أحداثه خلال الحرب الأهلية في التسعينيات عن فتاة جامعية حرة تفقد صديقتها في هجوم، لكنها تقاوم الجنون حولها بمحاولة إقامة عرض أزياء.
وفي أسبوع النقاد يظهر فيلمان آخران وهما: فيلم “Abou Leila” للمخرج الجزائري أمين سيدي بومدين الذي استخدم أيضًا الحرب الأهلية لكشف ميراث العنف في فيلم مثير عن صديقين يبحثان عن إرهابي يعيش في الصحراء.
أما الفيلم الآخر فهو “The Unknown Saint” للمخرج علاء الدين الجم، وهو فيلم مختلف من نوعه، يتحدث عن لص يسرق بعض الأموال ويخفيها في قرية مهجورة قبل أن تقبض عليه الشرطة، وبعد خروجه من السجن يعود إلى القرية بحثًا عن المال فيجد أنا هناك ضريحًا أقيم فوق ما سرقه ليصبح مزارًا سياحيًا.
يُعرض فيلم “The Trap” للمخرجة المصرية ندى رياض في أسبوع النقاد وهو فيلم درامي قصير عن شاب وفتاة يبحثان عن منتجع بحري منعزل لممارسة الجنس قبل أن تخبر الفتاة حبيبها أنها ترغب في الانفصال عنه، كانت رياض قد أظهرت دقة وحساسية في فيلمها الوثائقي “Happily Ever After” وهو على نفس الدرجة من التعقيد النفسي ويدور حول دراسة ديناميكية السلطة وتعقيدات الزواج في مصر.
فيلم “Ghost Tropic” للمخرج بس ديفوس
يُعرض كذلك في أسبوعي المخرجين فيلم “Tlamess” للمخرج التونسي علاء الدين سليم الذي فاز عام 2106 بجائزة أفضل فيلم في أسبوع نقاد فينيسيا عن فيلمه “The Last Of Us”، يتحدث فيلمه هذا العام عن قصة جندي هارب يلتقي بزوجة حامل هاربة في البرية التونسية، ويقوم ببطولة الفيلم موسيقي الجاز المصري عبد الله المنياوي مما يعزز من فرص نجاح الفيلم.
في العروض الخاصة كان هناك فيلم “For Sama” للصحفية السورية وعد الكاتب والمخرج البريطاني إدوارد واتس، وهو فيلم يحكي يوميات الحرب السورية من وجهة نظر المخرجة المساعدة السورية، فاز الفيلم في مهرجان أوستن بجائزة لجنة التحكيم وجائزة الجمهور لأفضل فيلم وثائقي.
الأخوان داردين يبحثان في الإسلام
هناك أفلام أخرى في المهرجان تتحدث عن مواضيع شرق أوسطية لمخرجين أوروبيين بارزين، فقد عاد الأخوان البلجيكيان جين بيير داردين ولوك داردين إلى المنافسة للمرة الثامنة بفيلمهما “The Young Ahmed” وهي المرة الأولى التي يتعاملون فيها مع الإسلام، وما زالت الأزمة الروحية هي القصة المتصدرة لأفلام داردين وفي هذا الفيلم يعرضان قصة شاب عربي بلجيكي – 13 عامًا – يتمزق بين عهوده الدينية بالطهر والنقاء والإغراءات الأرضية.
أما الكاتب البلجيكي بس ديفوس فيركز في فيلمه “Ghost Tropic” على جيل مختلف في قصة غير تقليدية لامرأة تبلغ من العمر 58 عامًا تصل بالخطأ إلى نهاية خط مترو الأنفاق لتنطلق في رحلة ليلية لتعود إلى منزلها.
يأتي هذا الفيلم بعد فيلم “Hellhole” لديفوس وهو بانوراما تأملية عن هجوم بروكسل 2016 من وجهة نظر مختلفة، وفي أفلامهم تحدث الأخوان داردين وديفوس عن العرب والمسلمين من وجهة نظر مختلفة، وإلى جانب منافسيهم العرب من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا يبدو أن قصصهم تستحضر بشكل جمعي فسيفساء شاذة تثبت أنها حبكة فرعية لسردية “كان” 2019.
المصدر: ميدل إيست آي