ترجمة وتحرير: نون بوست
كتب: إيان كوبين وحسينة مشاي
وضعت وحدة دعائية غامضة تابعة للحكومة البريطانية، تدعي أنها تعمل على “إحداث تغيير في السلوك والمواقف” بين المسلمين البريطانيين، خططًا لبدء العمل في فرنسا. وتعمل وحدة اتصالات المعلومات البحثية، الواقع مقرها في وزارة الداخلية بلندن، على إنتاج الأفلام ونشر محتوى على شبكات التواصل الاجتماعي ومواقع الإنترنت ومطويات وأخبار تهدف إلى التأثير على الرأي العام مع إخفاء دور الحكومة البريطانية في إنشائها.
في الوقت الراهن، تُظهر المستندات التي اطلع عليها موقع “ميدل إيست آي” أن وحدة اتصالات المعلومات البحثية قد منحت عقدًا لمجموعة شركات اتصال أثبتت قدرتها على العمل في فرنسا. ويوضح العقد أنه بينما يُتوقع أن تكون هذه الشركات قادرة على التأثير على الرأي العام الإسلامي في فرنسا كجزء من برنامج سري لمكافحة التطرف، فإن الهدف الأساسي للبرنامج هو تشجيع السلطات الفرنسية على تطوير مبادرات الدعاية الخاصة واتباع نموذج وحدة اتصالات المعلومات البحثية.
وفقا لهذه الوثائق، “تتوقع وحدة اتصالات المعلومات البحثية رؤية دليل على زيادة الإرادة السياسية للتصدي للإرهاب والاعتراف والإعراب عن الرغبة في العمل وفقًا لأولويات المملكة المتحدة”. في المقابل، من غير الواضح من هذه الوثائق ما إذا كانت عمليات الوحدة في فرنسا قد بدأت بالفعل، أو ما إذا تم تطوير البرنامج على أمل تأمين تعاون فرنسي في المستقبل.
تشير الوثائق إلى أن مجموعة شركات الاتصال التي ظفرت بالعقد كان من المتوقع أن تظهر قدرتها على العمل في أربع دول أخرى على الأقل بالإضافة إلى فرنسا، وهي بلجيكا وكينيا وبنغلاديش وإندونيسيا
مع ذلك، تسلط هذه الوثائق مزيدًا من الضوء على بلدان أخرى في الشرق الأوسط وأوروبا وآسيا تنشط فيها وحدة اتصالات المعلومات البحثية بالفعل. وحسب ما أفاد به موقع “ميدل إيست آي” السنة الماضية، فإن هذه الوحدة شاركت في مشاريع تستخدم موسيقى الراب والكتابات على الجدران في محاولة للتأثير على تفكير وسلوك الشباب في تونس والمغرب ولبنان. كما تُظهر الوثائق أنه بحلول نهاية 2018، كانت عمليات الوحدة جارية في الأردن والجزائر وباكستان.
من جانب آخر، تشير الوثائق إلى أن مجموعة شركات الاتصال التي ظفرت بالعقد كان من المتوقع أن تظهر قدرتها على العمل في أربع دول أخرى على الأقل بالإضافة إلى فرنسا، وهي بلجيكا وكينيا وبنغلاديش وإندونيسيا. ولا تكشف الوثائق عن تفاصيل العمليات المخطط لها في كل بلد، وإنما توضح أنها تنطوي على تطوير استراتيجيات وسائل التواصل الاجتماعي، وإنتاج الفيديو، وتطوير الويب، وكتابة المدونات، والترويج المدفوع على منصة فيسبوك وتويتر وسناب شات، وتوزيع المنشورات في المدارس وضمان تدفق سيل من المواد والمنتجات والتواصل المستمر.
الدور القيادي
إن الدور الريادي الذي لعبته وحدة اتصالات المعلومات البحثية في عدد من مشاريع الاتصالات الاستراتيجية على مستوى الاتحاد الأوروبي معروف بالفعل. وقد أثبت موقع “ميدل إيست آي” السنة الماضية أن الوحدة كانت تعمل مع المجلس الثقافي البريطاني في مشروع يموله الاتحاد الأوروبي لدفع حملة على وسائل التواصل الاجتماعي وموسيقى الراب بعنوان “على خاطرك تونسي” (لأنك تونسي) للترويج للشعور بالهوية الوطنية التونسية بين شباب البلاد.
يمول الاتحاد الأوروبي عمل وحدة اتصالات المعلومات البحثية في تونس ولبنان والمغرب من خلال برنامج “تعزيز المرونة” لمكافحة التطرف. وفي الحقيقة، كُشف أيضًا عن تفاصيل تتعلق بمشاركة الوحدة في أعمال مكافحة التطرف على مستوى الاتحاد الأوروبي سنة 2017 من قبل هانز داس، رئيس وحدة الإرهاب والتطرف في المفوضية الأوروبية، الذي صرّح في مؤتمر عُقد بلندن أن الوحدة كانت تدير شبكة اتصالات استراتيجية توفر “الدعم” والاستشارات للدول الأعضاء الأخرى.
تأسست الوحدة سنة 2007 كجزء من مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية البريطانية
في السنوات الأخيرة، أفادت الوحدة بأن عملها في المملكة المتحدة يتم “على نطاق ووتيرة صناعية”. وتشمل المشاريع السرية التي ظهرت سابقًا:
– إنشاء منظمة تعقد محادثات مباشرة مع طلاب الجامعة دون الكشف عن أنها تمثل الحكومة.
– نشر أفلام قصيرة وصور على تويتر وفيسبوك وإنستغرام دون الإقرار بمشاركة الحكومة البريطانية.
– توزيع المنشورات على 760 ألف منزل في مناطق من المملكة المتحدة التي تضم عددًا كبيرًا من السكان المسلمين، دون إبلاغ أي من المستفيدين بأنه تم نشرها وتوزيعها نيابة عن الحكومة.
– إنشاء وكالة علاقات عامة لنقل الأخبار إلى الصحفيين دون الكشف بأي طريقة عن أن الوكالة كانت تدار وتُمول وفقًا لعقد حكومي.
– تُنشر بعض المراسلات من خلال مجموعات المجتمع المدني، ولكن وفقا لما صرحت به الوحدة بشكل سريّ فإنها تحتفظ دائمًا بالسيطرة التحريرية. وفي وقت سابق من هذا العام، خاضت وحدة اتصالات المعلومات البحثية معركة قضائية ناجحة لمنع إلزامها بموجب قانون حرية المعلومات بالكشف عن كيفية سعيها للتأثير على الفنون في بريطانيا.
توضح جميع الوثائق أن دور هذه الوحدة لا يقتصر فقط على قيادة عمليات الدعاية خارج المملكة المتحدة، بل ترغب أيضًا في إقناع حلفاء المملكة المتحدة بضرورة إشراكهم بشكل أعمق في هذه العمليات
تأسست الوحدة سنة 2007 كجزء من مكتب الأمن ومكافحة الإرهاب في وزارة الداخلية البريطانية. ويقول عدد من الأشخاص المشاركين في إنشائها وإدارتها إنها كانت مستوحاة من وحدة الدعاية البريطانية في عهد الحرب الباردة، وهي إدارة أبحاث المعلومات. وبينما تساعد الوحدة في تقديم برنامج حكومة المملكة المتحدة المثير للجدل لمكافحة التطرف المعروف باسم “التصدي”، فإن رسائلها لا تستهدف فقط الأفراد الذين يُعتقد أنهم معرضون لخطر الانجذاب إلى التطرف، وإنما موجهة أيضا إلى السكان المسلمين في البلاد.
“التصدي للجماهير”
تُظهر الوثائق الأخرى التي اطلع عليها موقع “ميدل إيست آي” أن الوحدة تستخدم مصطلحات “الجمهور المستهدف الأساسي” أو “التصدي للجماهير”، التي تستهدف المسلمين الذين تتراوح أعمارهم بين 15 و39 عامًا، وخاصة الذكور. والجدير بالذكر أن الوثائق التي اطلع عليها الموقع كتبها فريق صغير من موظفي الخدمة المدنية بمساعدة ضابط سابق بالجيش البريطاني متخصص في “عمليات المعلومات” العسكرية في أفغانستان. وتتضمّن إحداها ادعاء بأن وحدة اتصالات المعلومات البحثية تمثل وحدة الاتصالات الاستراتيجية الأكثر تقدما في العالم: “لا وجود لدولة أخرى تضاهي إمكاناتها إمكانات وحدة اتصالات المعلومات البحثية“.
توضح جميع الوثائق أن دور هذه الوحدة لا يقتصر فقط على قيادة عمليات الدعاية خارج المملكة المتحدة، بل ترغب أيضًا في إقناع حلفاء المملكة المتحدة بضرورة إشراكهم بشكل أعمق في هذه العمليات. وحسب ما ورد في إحدى الوثائق، يتمثل الهدف الرئيسي للمتعاقد في القطاع الخاص في “تزويد وحدة اتصالات المعلومات البحثية الدولية ببنية لتقديم الخدمات فضلًا عن القدرة على بناء قدرة شركائنا على تقديم اتصالات استراتيجية، داخل المملكة المتحدة وخارجها”.
يبدو أن عمليات وحدة اتصالات المعلومات البحثية في الخارج تسعى في نهاية المطاف إلى تعزيز عملها داخل المملكة المتحدة؛ فقد تم إبلاغ المتعاقدين في القطاع الخاص بأنه من المتوقع أن يكون لعملياتهم “تأثير في المجالات ذات الأولوية في المملكة المتحدة”
كما ورد في هذه الوثيقة: “يكمن الهدف الرئيسي وراء تقديم أنشطة الاتصالات في تعزيز إرادة وثقة شركائنا وقدرتهم على تقديم هذه الاتصالات بشكل مستقل”. وفي حين قامت وحدة اتصالات المعلومات البحثية بتطوير أساليبها المعتمدة من أجل استخدامها في المملكة المتحدة، و”تصميمها بصورة متكررة على مدار عدة سنوات”، ترى وزارة الداخلية “أن هذا النهج قائم على مجموعة من المبادئ الاستراتيجية الأساسية التي يمكن تطبيقها في سياقات أخرى”.
لكن يبدو أن عمليات وحدة اتصالات المعلومات البحثية في الخارج تسعى في نهاية المطاف إلى تعزيز عملها داخل المملكة المتحدة؛ فقد تم إبلاغ المتعاقدين في القطاع الخاص بأنه من المتوقع أن يكون لعملياتهم “تأثير في المجالات ذات الأولوية في المملكة المتحدة”.
غطاء لإخفاء أسباب التطرف الحقيقي
أعرب العديد من النشطاء العاملين في المجتمعات الإسلامية في فرنسا للموقع عن دهشتهم إثر معرفتهم بخطط الحكومة البريطانية المتعلقة بتنظيم حملات تهدف إلى مكافحة التطرف في فرنسا، وقد عبّروا عن قلقهم من احتمال أن تزيد مثل هذه المبادرات من عزل المجتمعات التي تتعرّض للمراقبة والتشكيك. وقد شكّك المدعو فاتح كيموش، ورئيس تحرير موقع الكنز الذي يتناول قضايا تمس مسلمي فرنسا، في فعالية حملات مكافحة التطرف.
في سياق متصل، قارن كيموش هذه المساعي بالجهود التي بذلتها فرنسا في الثمانينيات والتسعينيات من أجل التأثير على المجتمعات الإسلامية وإدماجها عبر شبكة وطنية من مراكز الشباب المجتمعية المعروفة باسم مراكز الشباب والثقافة. وحيال هذا الشأن، أفاد كيموش بأنه: “في حال أصبح الشخص راديكاليًا، فهل سيكون الجرافيتي والراب كافيين؟ من الأجدر أن نطرح أسئلة حول السياسات الخارجية للدول الغربية بدلًا من الاهتمام بهذا النوع من المبادرات، فعلى سبيل المثال، لماذا لا تتوقف السعودية عن التزود بالأسلحة؟”.
قدم المشاركون في حملة “مسلمون ضد الإرهاب” في سنة 2017 لإحياء ذكرى مرور سنتين على تنفيذ عناصر تنظيم الدولة هجوما على باريس
قالت الناشطة الفرنسية الجزائرية حورية بوثلجة إنه لطالما مثّل المسلمون الفرنسيون هدفا لسياسات الدولة التي سعت إلى صياغة وإنشاء نسخة فرنسية “معتدلة” من الإسلام. وأضافت بوثلجة بصفتها المتحدثة الرسمية باسم حزب “أهالي الجمهورية”، وهو حزب سياسي ينظم حملات مناهضة للعنصرية، أن إحدى نتائج حملات مكافحة التطرف تتمثل في خلق “سلوكيات الذنب والنقد الذاتي” لدى المجتمعات المستهدفة. وأشارت بوثلجة إلى أن “حقيقة أن هذا البرنامج أصبح عابرا للحدود تمثل أمرا مقلقا للغاية. فقد تحوّل الكفاح ضد التطرف إلى “غطاء للتستّر على الأسباب الحقيقية للتطرف. وبذلك، سنمضي وقتنا في انتقاد أنفسنا بدلًا من الدول وسياساتها”.
استهداف “مجتمعات الشتات”
تشير الوثائق إلى أن متطلبات العقد تشمل القدرة على “بناء شبكات من منظمات المجتمع المدني” في البلدان التي تعمل فيها من أجل تبادل المعلومات حول التصدي للعنف والتطرف. ويجب على هذه المنظمات أن “تركز على العمل مع مجتمعات الشتات في كل بلد يكون له أثر وتأثير أكبر على المملكة المتحدة”.
بدأت الشركة العمل في أستراليا تحت اسمها الجديد “زنك نتورك”، التي تبنتها المملكة المتحدة أيضا منذ ذلك الحين
لقد فاز ائتلاف تجاري ترأسُه مؤسسة آدم سميث الدولية، وهي جهة تعاقد أجنبية مساعدة تتخذ من لندن مقرا لها، بعقد لإدارة عمليات وحدة اتصالات المعلومات البحثية في كل من فرنسا وبلجيكا والشرق الأوسط وشمال إفريقيا. وقبل سنتين، اضطر مؤسسو مؤسسة آدم سميث الدولية إلى الانسحاب حين قامت الحكومة البريطانية بتجميد عقودهم المستقبلية بعد أن تبين أن المتعاقد يستخدم الوثائق الرسمية المسربة لتأمين المكاسب التجارية. وقد اتهمت هذه الشركة لاحقا بالسماح لأموال المساعدات البريطانية بأن يقع دفعها للجماعات المسلحة في سوريا، وهو ما نفته الشركة.
وتجدر الإشارة إلى أن العقد العابر للحدود كان أحد العقود الثلاثة التي صدرت في أواخر السنة الماضية، في حين صدر الثاني من أجل إجراء عمليات أخرى لوحدة اتصالات المعلومات البحثية في المملكة المتحدة. أما الثالث فكان يتعلق ببرنامج التقييم.
صورة التُقطت لمسجد باريس الكبير في 22 آذار/ مارس
يدرك موقع “ميدل إيست آي” أن شركة بريك ثرو ميديا للاتصالات بلندن تعتبر من أعضاء المجموعة التي تقودها مؤسسة آدم سميث الدولية، التي عملت عن كثب مع وحدة اتصالات المعلومات البحثية لعدة سنوات. وقد واجهت شركة بريك ثرو ميديا خلال السنة الماضية انتقادات في أستراليا على خلفية تنظيمها عددًا من الحملات دون ذكر تلقّيها التمويل من قبل الحكومة الفيدرالية.
في وقت لاحق، بدأت الشركة العمل في أستراليا تحت اسمها الجديد “زنك نتورك”، التي تبنتها المملكة المتحدة أيضا منذ ذلك الحين. ولم تقم وزارة الشؤون الخارجية الفرنسية بالرد على طلبات الإدلاء بالتعليقات إذ أكدت وزارة الداخلية البريطانية أن العقد قد مُنح لمؤسسة آدم سميث الدولية، لكنها رفضت في المقابل تقديم توضيحات بشأن العمل الذي تقوم به وحدة اتصالات المعلومات البحثية في فرنسا، أو ربما ستقوم به مستقبلًا.
في بيان مقتضب، أفادت وزارة الداخلية: “نحن نتعامل مع العديد من الشركاء الدوليين من أجل تبادل الدروس والخبرات لدعم أهداف وزارة الداخلية”. ومن جهتها، اكتفت مؤسسة آدم سميث الدولية بالقول إنها بصدد “وضع الأنظمة في مكانها”، إلا أنها أقرت بأنه بموجب شروط العقد المبرم مع وحدة اتصالات المعلومات البحثية، لم تتمكّن من تقديم تفاصيل حول نشاطها أو مكان عملها. ومن جهة أخرى، لم تعلق شبكة الزنك على ما ذكر آنفا.
المصدر: ميدل إيست آي