بدأ اللواء المتقاعد خليفة حفتر، جولة أوروبية تشمل إيطاليا وفرنسا، بالتزامن مع تقهقر قوات الكرامة التي يقودها، على مشارف العاصمة الليبية طرابلس التي يحاول حفتر احتلالها منذ أكثر من شهر. جولة يسعى من خلالها حفتر، وفق عدد من المراقبين إلى الخروج من مأزقه دون أن يظهر في ثوب المنهزم، معولًا في ذلك على علاقته القوية مع الرئيس الفرنسي ماكرون وحاجة المجتمع الدولي لوقف الحرب في ليبيا.
جولة خارجية
في زيارة مفاجئة لم يعلن عنها من قبل، التقى حفتر بعد ظهر أمس الخميس، في قصر “شيغي” بالعاصمة الإيطالية روما، برئيس الحكومة الإيطالية جوزيبي كونتي.
تناول اللقاء الأوضاع في ليبيا، على خلفية هجوم قوات حفتر على طرابلس في الرابع من شهر نيسان/أبريل الجاري، الذي أدانته روما في إكثر من مرة لخطورته على المنطقة وتحديه للشرعية الدولية والحكومة المعترفة بها في ليبيا.
تكبدت قوات حفتر خسائر كبرى على مشارف طرابلس، نتيجة القوة التي تمتلكها القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني
أعرب رئيس الوزراء الإيطالي في هذا اللقاء الذي امتد لأكثر من ساعتين، عن قلقه إزاء الوضع الحرج للغاية الذي تعيشه ليبيا. كما شدّد كونتي على ضرورة وقف فوريّ لإطلاق النار، والالتزام بالحل السياسي للخروج من الأزمة الليبية المتواصلة منذ سنوات.
ومن المنتظر أن يتنقل خليفة حفتر إلى العاصمة باريس، الأسبوع المقبل، للقاء الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وعدد من المسؤولين الفرنسيين، وذلك لبحث تطورات العملية العسكرية في طرابلس.
.
وقالت الرئاسة الفرنسية في بيان إنّ الاجتماع “يهدف إلى البحث في الوضع في ليبيا وشروط استئناف الحوار السياسي عقب زيارة رئيس الوزراء الليبي فايز السرّاج، وبالتعاون مع الأمم المتحدة وشركائنا”.
ضغط أوروبي
تأتي هذه الجولة، التي تعتبر الأولى لحفتر منذ انطلاق عمليته عسكرية ضد العاصمة طرابلس، بعد أسبوع من دعوة فرنسية إيطالية مشتركة لوقف إطلاق النار في ليبيا. البيان المشترك، الذي حمل توقيع وزير الخارجية الايطالي إينزو موافيرو ميلانيزي والفرنسي جان إيف لودريان، دعا إلى “استئناف الحوار ضمن العملية التي تجري في إطار قيادة الأمم المتحدة، بهدف السماح للمواطنين الليبيين بتقرير مستقبلهم من خلال انتخابات ديمقراطية.”
ونوّه البيان، الذي صدر عقب لقاء بين الوزيرين في بروكسل على هامش اجتماع وزراء الخارجية الأوروبيين، بأن “تحسين وضع السكان المدنيين يمثل أولوية ويتطلب هدنة إنسانية”.
كما رأى موافيرو و لو دريان أنه “يجب أن تستند العملية السياسية إلى المبادئ والقواعد المتفق عليها في مؤتمري باريس وباليرمو وفي أبو ظبي، ونفترض أن جميع الأطراف تنأى بنفسها، بشكل لا لبس فيه، عن الجماعات الإرهابية”.
خلفت عملية حفتر العسكرية خسائر بشرية ومدنية كبرى
بالتوازي مع ذلك، أصدر أعضاء الاتحاد الأوروبي بيانًا مشتركًا قالوا فيه إن هجوم قوات حفتر على طرابلس وما تلاه من تصعيد “يشكل تهديدًا للسلم والأمن الدوليين ويصعد من التهديد لاستقرار ليبيا”. كما تخوف البيان من أن يضاعف هجوم حفتر من مخاطر “التهديد الإرهابي” المتزايد في البلاد، وأن يزيد من “تدفق المهاجرين”.
من جانبها، جدّدت مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني؛ دعم الاتحاد الأوروبي لحكومة الوفاق، ودعت إلى ضرورة وقف الهجوم على طرابلس والعودة للمسار السياسي.
وكان رئيس حكومة الوفاق الوطني الليبية فائز السراج أطلع وزراء خارجية الاتحاد الأوروبي في بروكسل على “التجاوزات الكثيرة” التي ترتكبها قوات حفتر.
وخلال لقاء جمعه مع مسؤولة السياسة الخارجية في الاتحاد الأوروبي فيديريكا موغيريني؛ دعا السراج الاتحاد الأوروبي إلى التدخل لوقف انتهاكات ترتكبها بعض الدول عبر تزويد القوات المعتدية على طرابلس بالسلاح، الأمر الذي يعد خرقًا واضحًا لقرار مجلس الأمن الدولي المتعلق بحظر التسليح، حسب قوله.
خسائر ميدانية
بالتوازي مع هذا الضغط الأوروبي، تكبدت قوات حفتر خسائر كبرى على مشارف طرابلس، نتيجة القوة التي تمتلكها القوات الموالية لحكومة الوفاق الوطني التي يقودها فائز السراج.
وإلى اليوم، لم تتمكن قوات حفتر المتهمة بارتكاب جرائم حرب وقتل مئات الأبرياء، من التقدم إلى العاصمة، ما أدى إلى تفاقم الوضع الميداني في ليبيا ووصوله إلى طريق مسدود.
وتستمر المعارك على المشارف الجنوبية للعاصمة، خصوصًا في عين زارة وأيضاً في صلاح الدين وخلة الفرجان (على بعد حوالي عشرين كلم من وسط المدينة) وفي محيط مطار طرابلس الدولي الذي لم يعد يُستخدم منذ تضرره في العام 2014 جراء المعارك.
وبلغ عدد الضحايا جراء الأعمال القتالية في طرابلس وحولها، 454 قتيلًا و2154 جريحًا حتى الأسبوع الماضي، فيما تجاوز عدد النازحين الآن عشرات الآلاف، لجأ بعضهم إلى مراكز جماعية، وفق منظمة الصحة العالمية. وأوضحت المنظمة، في بيان صحفي، أن استمرار المصادمات حول خطوط المواجهة يؤدي إلى مزيد من النزوح الجماعي.
هذه التحركات الخارجية الأخيرة لحفتر وقبلها فائز السراج، من شأنها أن تعجل بالعودة إلى طاولة المفاوضات
في نفس السياق، أعربت المنظمة الدولية للهجرة عن القلق إزاء تدهور الوضع الإنساني في طرابلس والمناطق المجاورة، حيث أشارت إلى نزوح أكثر من 66 ألف شخص الآن من المناطق المتضررة في طرابلس منذ اندلاع النزاع المسلح في 4 أبريل، وذلك وفقًا لمصفوفة تتبع النزوح الخاصة بها.
وحذّرت وكالة الهجرة الأممية من تزايد أعداد النازحين بسرعة مع اشتداد القتال، وفي ظل غياب هدنة إنسانية لإطلاق النار، مما يبعث على القلق. وأعربت المنظمة عن قلقها بشكل خاص إزاء وضع أكثر من 3300 مهاجر، من بينهم أطفال ونساء حوامل.
من ناحيتها، أشارت المتحدث باسم مفوضية الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تشارلي ياكسلي، إلى أن الاحتياجات الإنسانية آخذة في الازدياد بسبب محدودية الطعام والأدوية وصعوبة التنقل داخل المدينة.
بحث عن مخرج يحفظ ماء الوجه
أمام هذه التطوارت الأخيرة التي من شأنها قلب موازين القوى، يسعى حفتر لإيجاد مخرج لقواته المتورطة في حربها على طرابلس، وحفظ ماء وجهه، حتى يضمن لنفسه مكانًا في مستقبل البلاد. وعليه يسعى حفتر حاليًا إلى التسويق لنفسه في فرنسا وإيطاليا، وبيان قوته، وأنه المتحكم في سير المعركة والمحدد لمصيرها، رغم يقينه التام الآن أنّه تورط” في عملية طرابلس.
ويبدو حفتر الآن مرتبكًا أكثر من أي وقت مضى، فالدعم العسكري الذي كانت فرنسا ومصر والإمارات يعدونه به لم يجده، ما سهّل انهيار قواته بسرعة دون أن تحقق المطلوب.
خسارة حفتر العسكرية حتمت عليه طرق الأبواب الغربية
ويرى اللواء خليفة حفتر، الذي لا يعترف بالشرعية الدولية، أن الوضع الحالي يقتضي منه، بحث كيفية إعادة توازن قواته والعودة بالمشهد الليبي إلى فصل المفاوضات السياسية السابق.
وكان رئيس المجلس الأعلى للدولة الليبية خالد المشري، قد أكد في وقت سابق أن المجلس لن يشارك في أي طاولة حوار مع حفتر بعد هجومه على طرابلس.
هذه التحركات الخارجية الأخيرة لحفتر وقبلها فائز السراج، من شأنها أن تعجل بالعودة إلى طاولة المفاوضات، إلا أن ذلك لا يعني يقينًا إمكانية وصول الفرقاء الليبية إلى حل لأزمة بلادهم، فنقاط الاختلاف التي تغذيها جهات خارجية ما زالت على حالها ولم يتم معالجتها بعد.