يومين فقط مرا وقبل أن تستيقظ مصر من صدمتها لأسوأ أعمال عنف في تاريخها الحديث، 640 قتيلا على الأقل و 4000 جريح بدأت دائرة القتل مرة أخرى يوم الجمعة: حيث الاعتقالات الجماعية أثناء الليل، والمظاهرات الحاشدة على نطاق واسع، وإطلاق نار كثيف ومسموع في قلب القاهرة بالإضافة إلى التقارير الأولية لسقوط عشرات القتلى. مصر تواجه هاوية ضخمة تحت سيطرة الحكومة العسكرية الحالية. فإذا كانت الحكومة تنفذ طموحها حل جماعة الإخوان المسلمين وتدميرها كقوة سياسية، فإن هذا شئ أكثر طموحاً مما حاوله الديكتاتور حسني مبارك. ولكن بشكل عملي مصر يمكن أن تتحطم أيضا. الحجم الهائل من المظاهرات الحاشدة يوم الجمعة هو علامة على أن النظام العسكري لا يمكن أن يحمل على عاتقه وحده شئون البلاد، بالإضافة إلى قدرة القوى المناهضة للانقلاب التحدي المستمر، والقيام بذلك مرارا وتكرارا ومواجهة الذخيرة الحية، وهذا يعتبر مؤشر على ما يوجهه الحكام العسكريون في مصر.
و على الرغم من ان حملة القمع ضد معارضي الانقلاب تحظى ببعض التأييد الشعبي، حيث أن بعض الناس وضعوا حواجز على الطرق في القاهرة لمنع المسيرات من دخول وسط المدينة. لكن مطالبات مؤيدي الحكومة العسكرية بأن تكون هي الممثل الحقيقي و الحصري لصوت الشعب المصري يبقى موطناً للشك. قبل أن يصبح استقطاب المجتمع المصري أعمق، يجدر التأكيد على بعض الآمال الأساسية. الأول هو أن الصدمة الناتجة عن وفاة الرفقاء المصريين سيؤدي في النهاية لتماسك الناس وتوحدهم جنباً إلى جنب(بالرغم من اختلافهم الفكري). فمعارضة حركة اسلامية وخصامها – في الانتخابات طبعاً – حول قضية التعددية وتعدد الأديان و مصر الديمقراطية شيء والتصفيق لقتل الإسلاميين وارتكاب المجازر ضدهم شيء اخر
حتى الآن حزب النور السلفي وجماعة 6 أبريل الليبرالية والاشتراكيين الثوريين اليساريين فقط هم من وقفوا ضد عمليات القتل. معظم الفصائل الأخرى اعتبرت الإخوان تهديد إرهابي ودعمت أعمال الحكومة. ولكن الصدع آخذ في النمو. المتحدث باسم جبهة الإنقاذ الوطني خالد داوود والذي يؤيد الانقلاب استقال يوم الجمعة، مغردا على توتير أنه لا يمكن أن يستمر مع الأحزاب السياسية الذي رفضت إدانة عمليات إطلاق النار. إذا كانت صفوف المتظاهرين فد ازدادت بالليبراليين البارزين مثل القائد الشبابي عبد الرحمن فارس والشاعر العلماني عبد الرحمن يوسف، فان انقسام الثوار العلمانيين والإخوان الذي يعود الى بداية الثورة في 2011 قد بدا بالالتئام . وهذا يمكن أن يكون طريق إلى الأمام. إن القوى التي تضافرت لإطاحة ديكتاتورية عسكرية واحدة تستطيع استبدال دكتاتوريات أخرى أكثر وحشية.
الأمل الثاني هو أن المظاهرات المناهضة للانقلاب ما زالت متركزة ضد الانقلاب. لقد تم إحراق على الأقل 12 كنيسة قبطية ومهاجمة أكثر من 20. وقد أدانت جماعة الإخوان الهجمات، موضحة أن دعم الكنيسة القبطية للانقلاب ليس مبررا للهجمات الطائفية على المصلين المسيحيين. و هم مطالبون بأكثر من ذلك، إلى توفير الحماية الجسدية للكنائس، خصوصا إذا كانت الشرطة تقف موقف المتفرج ولا تفعل شيئا. الطائفية هي العدو الأكبر للتحركات ضد الانقلاب أكثر من العنف الثأري.
المجتمع الدولي بدأ بتفهم ما يتكشف على المسرح المصري. اوروبا على أعتاب مصر وإذا حدثت حرب أهلية، وهو مازال وارداً، فالمشردين سيتوجهون إلى الشمال عبر البحر إذا كان ذلك في وسعهم. ممثلة الاتحاد الأوروبي للسياسة الخارجية البارونة آشتون والتي التقت مع الرئيس محمد مرسي، ودعت إلى أقصى درجات ضبط النفس، ينبغي أن تستمر في مهمتها. الضغط الدبلوماسي من أوروبا هو الأهم في الحالة التي أعلن فيها العاهل السعودي الملك عبد الله عن دعمه لما سماه “الحرب على الإرهاب” في مصر. لا توجد خيارات سهلة هنا، ولكن هناك حالة واحدة فقط تضمن استقرار مصر وهي العودة إلى الشرعية الديمقراطية الكاملة.