أثار إعلان منسوب لوزيرة الأسرة الألمانية “مانويلا شفيزيغ” حول استقبال بلادها لـ55 ألف طفل سوري للعيش مع أسر بديلة في ألمانيا، العديد من ردود الأفعال، بدءًا من التظاهرات المؤيدة وانتهاء من خطابات الشكر المرسلة من الألمان والسوريين. لكن الوزيرة التي تجلس في مكتبها داخل المبنى المحاط بالمتظاهرين لا تعلم شيئًا عن المبادرة التي تحمل توقيعها.
فقد بدأ الأمر بخطاب محكم يحمل إمضاء الوزيرة ويكشف عن عزم ألمانيا استقبال 55 ألف طفل سوري. نُشر الخطاب على موقع لا يمكن من الوهلة الأولى تصور أنه غير حقيقي ولا يتبع الحكومة، إذ يظهر شعار الوزارة وصور لأطفال يحتفلون بالقرار ويحملون صور الوزيرة الألمانية. نص الخطاب كتبه مجموعة من الفنانين من “مركز الجمال السياسي” وهو لا يحمل تصريحات حقيقية للوزيرة وإنما تصريحات نسبت إليها ضمن مبادرة تهدف للضغط على حكومة برلين لاستقبال المزيد من اللاجئين السوريين.
خرجت المبادرة بشكل محكم للغاية وتضمنت رقمًا لخط ساخن استقبل بالفعل العديد من المكالمات من ألمان اعتقدوا أن المبادرة حقيقية من الحكومة الألمانية وأعربوا عن استعدادهم للمشاركة في استقبال الأطفال وتوفير الرعاية لهم، أثارت المبادرة اهتمامًا كبيرًا من وسائل الإعلام كما أعادت ملف اللاجئين السوريين للأجندة السياسية في ألمانيا بشكل كبير.
“مركز الجمال السياسي” الذي ينتمي إليه الفنانون أصحاب المبادرة، يضم مجموعة من الفنانين ويتميز بالقيام بحملات غير معتادة بهدف استدعاء ردود فعل من المسؤولين السياسيين، وتقول “سيزي ليونارد” العضو بالمركز والمشاركة في حملة استقبال أطفال سوريا: “نحن فنانون في المقام الأول وهدفنا الأساسي هو لفت الانتباه لقضايا معينة”.
وكانت ألمانيا قد أعلنت عن نيتها استقبال عشرة آلاف لاجئ سوري، إلا أن الفنانين في مركز الجمال السياسي يرون أن بوسع ألمانيا فعل المزيد من أجل اللاجئين السوريين وتخفيف العبء عن جيران سوريا الذين يتحملون النصيب الأكبر من مشكلة اللاجئين كالأردن ولبنان وتركيا.
الحملة حققت هدفًا مهمًا وهو إعادة سوريا لمركز الجدل السياسي في الإعلام الألماني وأيضًا على صعيد المجتمع حتى وإن استعملت عناصر استفزازية من أجل تحقيق هذا الهدف والوصول لأكبر عدد ممكن من الناس، خاصةً بعد أن ابتعدت الأضواء عن الأزمة السورية لصالح الأزمة الأوكرانية التي خطفت الأضواء لا سيما بسبب ارتباطها الجيوسياسي بأوروبا وألمانيا تحديدًا.
واستطاعت الحملة أن تحشد العديد من ردود الأفعال الإيجابية، تجسدت بشكل كبير عبر تعليقات متنوعة على شبكات المواقع الإخبارية والتواصل الاجتماعي والتي رحبت بدور الفن في تحسين الأوضاع الصعبة وتحقيق الأحلام على أرض الواقع، لكن البعض انتقد استخدام حملة غير حقيقية لصور أطفال ظهروا وهم يحملون لافتات تحمل عبارات شكر لحكومة ألمانيا على هذه المبادرة خوفاً من إحباط الآمال لدى هؤلاء الأطفال، وهو ينفيه مركز الجمال السياسي على لسان ليونارد، التي أكدت أن الأطفال الذين تم تصويرهم كانوا على علم بأن الحملة غير حقيقية، كما تم إعلام ذويهم ومعلميهم بأن الأمر في النهاية هو عمل فني يهدف للفت الأنظار للوضع في سوريا.
وصرح الناشط السوري وأحد منسقي الحملة “هوزان إبراهيم” أن القائمين على المبادرة “لا ينتظرون إحراج الحكومة الألمانية ودفعها لتتبنى فكرة استقبال 55 ألف طفل لكن هدفهم هو لفت الأنظار لمعاناة الأسر السورية وحث برلين على فتح أبوابها أمام عائلات بأكملها وليس الأطفال فحسب، علاوة على التأكيد أن ما فعلته الحكومة الألمانية حتى الآن في ملف اللاجئين السوريين ليس كافيًا ولا يتناسب مع حجم المعاناة”.
في الوقت نفسه يواصل مركز الجمال السياسي نشاطه بشأن الملف السوري من خلال تسليط الضوء على أشخاص جاؤوا من سوريا ويحكون عن حقيقة الوضع هناك في فعاليات مفتوحة في برلين. وتقول “سيزي ليونارد” إن الجزء الثاني من المبادرة يهدف للتركيز على أشخاص عاشوا المعاناة في سوريا ووضعهم وجهًا لوجه مع مواطنين ألمان في خطوة تهدف لتحقيق الهدف الأساسي للحملة وهو تحريك النقاش حول القضية على المستويين السياسي والاجتماعي.
وعادة ما ينظم المركز حملات توصف بأنها غير مألوفة ومثيرة للجدل، من بينها حملة لإحياء ذكرى مذبحة سربرنيتسا في البوسنة، وحملات أخرى ضد بعض سياسات ألمانيا الخارجية.
المصدر: دويتش فيله