منذ صدوره في ديسمبر/ كانون الأول 2015، أصبح القرار الأممي 2254 حجر الأساس في أي نقاش دولي حول الحل السياسي في سوريا. فلا يخلو مؤتمر دولي، أو تصريح لمسؤول أوروبي أو عربي، أو بيان لمنظمة إقليمية ودولية، إلا ويتم التأكيد فيه على أن الحل الوحيد في سوريا هو عبر تطبيق هذا القرار.
كما أن الدول التي كانت تدعم النظام، والتي عارضت في كثير من الأحيان المسارات الأممية، تعود في خطاباتها الرسمية لتكرار التمسك بالقرار 2254، رغم تنصل الأسد منه لسنوات وتجاهل العمل ببنوده، واستغلاله للاستمرار في القتل والتغييب لسنوات.
ورغم ما يتضمنه القرار من خطوات واضحة نحو عملية انتقالية، تبدأ بإقامة مفاوضات جادّة بين النظام والمعارضة، مرورًا بتشكيل هيئة حكم انتقالية، وصولًا إلى صياغة دستور جديد وتنظيم انتخابات حرة تحت إشراف دولي، إلا أن عجزه عن التطبيق على أرض الواقع جعله موضع شكّ بالنسبة إلى كل أطياف المعارضة السورية، السياسية والعسكرية.
اليوم مع سقوط النظام، بهروب رأسه بشار الأسد إلى روسيا، يُعاد تدوير القرار من قبل عدة أطراف، على رأسها الدول العربية، على أنه الحل الوحيد لتحقيق انتقال سلمي وشامل للسلطة، ما أثار جدلًا بين السوريين.
ما هو القرار 2254 وما خلفيته؟
اُعتمد من قبل مجلس الأمن في 18 ديسمبر/ كانون الأول 2015، بالاعتماد على بيان اتفاق جنيف 1 الصادر عام 2012، وتأييدًا لبيانات فيينا الخاصة بسوريا عام 2015، ويؤكد القرار بشكل أساسي على الالتزام بسيادة سوريا واستقلالها ووحدتها وسلامتها الإقليمية، حسب معايير ميثاق الأمم المتحدة ومبادئه. كما ينصّ على ضرورة قيام جميع الأطراف في سوريا بتدابير بناء الثقة للمساهمة في جدوى العملية السياسية.
ويدعم القرار بموجبه حرية الشعب السوري في تحقيق مستقبله، ويدعو إلى تشكيل حكومة انتقالية وإجراء انتخابات برعاية أممية، مطالبًا بوقف أي هجمات ضد المدنيين فورًا.
كما نصّ على دعوة الأمين العام للأمم المتحدة ممثلي النظام السوري والمعارضة للمشاركة في مفاوضات رسمية بشأن مسار الانتقال السياسي، التي بدأت مطلع يناير/ كانون الثاني 2016 “بهدف التوصل إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة”.
ما هي بنود القرار؟
يتضمن القرار 16 بندًا حول الانتقال السياسي الشامل في سوريا، والتركيز على تحقيق السلام والاستقرار في سوريا من خلال وقف إطلاق النار، صياغة دستور جديد، وإجراء انتخابات ديمقراطي، وبنود القرار هي:
1. يؤيد القرار بيان جنيف وبيان فيينا كمرجعية أساسية لتحقيق انتقال سياسي في سوريا، يقوده السوريون أنفسهم، ويؤكد أن الشعب السوري هو الوحيد المخول بتحديد مستقبل بلاده.
2. يدعو ممثلي الحكومة السورية والمعارضة إلى بدء مفاوضات رسمية عاجلة تهدف إلى إطلاق عملية انتقال سياسي فعّالة.
3. يعتبر الفريق الدولي المعنيّ بسوريا المنصة الرئيسية لتسهيل جهود الأمم المتحدة في الوصول إلى تسوية سياسية دائمة للأزمة السورية.
4. يدعم إقامة حكم انتقالي موثوق وشامل بقيادة سورية، بعيدًا عن الطائفية، مع وضع جدول زمني لصياغة دستور جديد. كما يدعو إلى تنظيم انتخابات حرة ونزيهة، تحت إشراف الأمم المتحدة، خلال 18 شهرًا، بمشاركة جميع السوريين بمن فيهم اللاجئون.
5. يؤيد وقفًا شاملًا لإطلاق النار على مستوى سوريا، على أن يدخل حيز التنفيذ فور بدء عملية الانتقال السياسي برعاية الأمم المتحدة، وفقًا لبيان جنيف.
6. تتولى الأمم المتحدة مسؤولية وضع آليات وشروط تنفيذ وقف إطلاق النار، وتواصل التخطيط لدعم تطبيقه على أرض الواقع، مع حثّ الدول الأعضاء على المساهمة في هذه الجهود.
7. يشدد على ضرورة وجود آلية لمراقبة وقف إطلاق النار، والتحقق من الالتزام به، والإبلاغ عن أي خروقات.
8. يدعو إلى مواجهة الأنشطة الإرهابية التي يرتكبها تنظيم الدولة الإسلامية وجبهة النصرة والكيانات المرتبطة بتنظيم القاعدة أو الدولة الإسلامية. ويؤكد أن وقف إطلاق النار لا يشمل العمليات العسكرية ضد هذه المجموعات.
9. يرحّب بالجهود الأردنية الرامية إلى تحديد الأفراد والجماعات المصنّفة كإرهابية، مع الأخذ بعين الاعتبار التوصيات الصادرة عن الفريق الدولي لدعم سوريا بهذا الخصوص.
10. يشدد على ضرورة اتخاذ جميع الأطراف السورية خطوات جدّية لبناء الثقة، بما يساهم في تعزيز فرص العملية السياسية وتحقيق وقف دائم لإطلاق النار. كما يحثّ الدول الفاعلة على استخدام نفوذها لدفع حكومة سوريا والمعارضة نحو السلام.
11. يطلب من الأمين العام للأمم المتحدة تقديم تقرير إلى مجلس الأمن في غضون شهر واحد، يتضمن مقترحات حول تدابير إضافية لتعزيز بناء الثقة بين الأطراف السورية.
12. يدعو الأطراف المعنية إلى تسهيل وصول المساعدات الإنسانية بسرعة وأمان ودون عوائق إلى كافة المناطق السورية، خاصة المحاصرة منها، وضمان الإفراج الفوري عن المحتجزين بشكل تعسفي، لا سيما النساء والأطفال.
13. يطالب جميع الأطراف بوقف الهجمات ضد المدنيين والبنى التحتية المدنية، بما في ذلك المنشآت الطبية والعاملين في القطاع الطبي، ووقف الاستخدام العشوائي للأسلحة الثقيلة، مثل القصف المدفعي والغارات الجوية.
14. يؤكد على أهمية تهيئة الظروف المناسبة لضمان العودة الطوعية والآمنة للاجئين والنازحين داخليًا إلى مناطقهم الأصلية، وإعادة تأهيل المناطق المتضررة وفقًا للقوانين الدولية، مع الأخذ بعين الاعتبار مصالح الدول المضيفة للاجئين.
15. يطلب من الأمين العام تقديم تقرير دوري إلى مجلس الأمن كل 60 يومًا، حول تنفيذ القرار والتقدم المحرز في العملية السياسية برعاية الأمم المتحدة.
16. يقرر مجلس الأمن إبقاء الوضع السوري تحت رقابته المستمرة لضمان متابعة تطورات الأزمة وتنفيذ القرار.
إشكاليات سابقة
حسب مركز عمران للدراسات، فإن القرار الأممي 2254 الذي وُضع في إطار الحد الأدنى من التوافق الدولي والإقليمي، تخللته إشكاليات بنيوية، إذ كانت صياغته الفضفاضة أداة لتأجيل القضايا الجوهرية بدلًا من حلّها.
ومن أبرز هذه الإشكاليات في القرار كانت تشكيل هيئة حكم انتقالية بسلطات تنفيذية كاملة دون تحديد آلية واضحة لتخويل الصلاحيات، إضافة إلى تحديد صلاحيات بشار الأسد خلال المرحلة الانتقالية قبل هروبه إلى موسكو.
كما تخللت القرار إشكاليات كثيرة منها إشراك أطراف أخرى، مثل حزب الاتحاد الديمقراطي (PYD)، وعدم تضمن القرار آليات إلزامية تُجبر الأطراف على الالتزام بالعملية السياسية أو وقف إطلاق النار، ما أتاح للنظام السابق مواصلة المراوغة وتعطيل المفاوضات، كما حدث في مشاورات جنيف.
إضافة إلى استخدام مسألة تصنيف الجماعات الإرهابية كأداة سياسية لتعميق الانقسام بين الفصائل العسكرية المعارضة، ما أدى إلى تقويض ثقتها في الفاعلين الدوليين، وبالتالي التخلي عن المشاركة في العملية السياسية.
هل 2254 صالحًا بعد سقوط النظام؟
من حيث المبدأ، يفقد القرار الأممي 2254 صلاحيته بسقوط أحد أطرافه الرئيسية، وهو النظام السوري، الذي كان جزءًا أساسيًا في العملية السياسية التي نص عليها القرار. إذ تم تصميم القرار كإطار تفاوضي بين النظام والمعارضة، ومع غياب أحد الطرفين يصبح الاستمرار بالعمل به غير ممكن دون معالجة الثغرات البنيوية التي استغلها النظام لسنوات.
استفاد النظام السوري من غموض بعض بنود القرار وغياب آليات تنفيذ مُلزمة، ليحوّله إلى أداة للمماطلة وكسب الوقت من خلال التفسيرات الخاصة التي فرضها، فعرقل أي تقدم فعلي نحو انتقال سياسي حقيقي، معتمدًا على دعم حلفائه الدوليين لتجنب التزامات حقيقية، في الوقت الذي كان يعزز فيه مواقعه عسكريًا وسياسيًا.
هذا التعطيل أضعف المعارضة، وأفشل الجهود الدولية الرامية لتحقيق تسوية حقيقية للأزمة السورية، وجعل القرار عمليًا جزءًا من المشكلة بدلًا من الحل.
لكن مع سقوط النظام، يرى بعض الخبراء أن القرار 2254 لا يزال قابلًا لإعادة توظيف بعض بنوده كأساس لعملية انتقالية جديدة، شريطة تحديثه وتجاوز ثغراته السابقة.
ويتطلب ذلك وضع آليات تنفيذ فعالة تضمن مشاركة جميع الأطراف السورية، دون إقصاء، في حوار وطني يُفضي إلى حلول توافقية. كذلك، يمكن أن يقتصر دور الأمم المتحدة على الإشراف لضمان النزاهة والشفافية، بعيدًا عن فرض حلول جاهزة.
هذا التوجه يُعدّ فرصة لتجنب إعادة تدويل الملف السوري، ويمكّن السوريين من استعادة زمام المبادرة في صياغة مستقبلهم السياسي بشكل مستقل ومستدام.
المعارض السوري سمير نشار، اعتبر أن القرار سقط مع سقوط النظام، واعتبر أن “القرار الدولي يصلح كخارطة طريق (غير ملزمة) خلال المرحلة الانتقالية للوصول إلى حكم ذي مصداقية غير طائفي يمثل جميع السوريين”.
كما أصدر الائتلاف المعارض بيانًا اعتبر فيه أن تنفيذ القرار الأممي 2254 بات محصورًا في مكونات قوى الثورة دون تمثيل للنظام بحكم زواله، مشيرًا إلى أن “مصلحة الشعب السوري إنجازه في أقصر وقت ممكن”، وقال الائتلاف في بيان إن تنفيذ القرار 2254 وفق نصه يتم عبر عملية سياسية بملكية السوريين وقيادتهم.
لماذا يرفض سوريون القرار؟
منذ صدوره في ديسمبر/ كانون الأول 2015، يواجه القرار الأممي 2254 انقسامًا حادًّا بين السوريين، تصاعد مؤخرًا مع سقوط نظام الأسد على يد الفصائل العسكرية في 8 ديسمبر/ كانون الأول الجاري.
يرى الكثيرون أن استمرار العمل بالقرار لم يعد مبررًا، معتبرين أن المرحلة القادمة يجب أن تُترك للسوريين أنفسهم بعيدًا عن أي وصاية أو تدخل أممي، مع اقتصار دور الأمم المتحدة على الإشراف على العملية الانتقالية لضمان نزاهتها، دون فرض حلول أو التدخل في صياغة مستقبل سوريا.
كما تتجلى الإشكاليات التي تدفع العديدين إلى رفض استمرار العمل بالقرار، في كونه غامضًا وحمّالًا للأوجه، إذ يفتقر القرار إلى آليات تحدد من يقرر نجاح المفاوضات ويصادق على مخرجاتها؛ فهل هي الأمم المتحدة، مجلس الأمن، أم الأطراف المتفاوضة؟ بالأخص أن هذا الغموض هو ما سمح للنظام بالتلاعب بمسار المفاوضات لسنوات طويلة.
كما يشير الرافضون إلى أن الفاعلين الدوليين والدول المشاركة في صياغة القرار، وكذلك مجلس الأمن، لم يطالبوا صراحة برحيل بشار الأسد منذ اعتماد القرار، وهو المطلب الأساسي للسوريين. فيما اقتصرت جهودهم خلال 9 سنوات على تشكيل لجنة تعديل الدستور، والتي بدورها فشلت في تحقيق أي تقدم يُذكر بسبب تعطيل المفاوضات مرارًا.
في ضوء ذلك، بات يُنظر إلى القرار 2254 كإطار عقيم تجاوزته التطورات الميدانية والسياسية، ولم يعد قادرًا على تلبية تطلعات السوريين في بناء مستقبلهم بعيدًا عن تدخلات القوى الدولية.