إن كان لشهر رمضان طقوس مميزة في مختلف بلدان العالم الإسلامي فإن له في جزر القمر مذاق خاص، تلك الدولة الصغيرة التي حباها الله بسمات فريدة من حيث الموقع الجغرافي والتنوع الثقافي والعرقي، تحفظ للشهر الفضيل مكانة مرموقة في نفوس مواطنيها، الأمر الذي يحول أيامه ولياليه إلى أعياد لا تتوقف.
طقوس مختلفة من حيث الشكل والمضمون يمتاز بها رمضان في الدولة العذراء كما يطلقون عليها، وتقاليد متنوعة تجمع الدين والتاريخ والجغرافيا في بوتقة واحدة، تجعل من الدول التي تحتل المرتبة الثالثة بين أصغر دول القارة الإفريقية، والسادسة من حيث أقل عدد للسكان، علامة فارقة في خريطة الاحتفاء بشهر الصيام قياسًا بالدول الأخرى.
يذكر أن الإسلام دخل جزر القمر عن طريق التجار من العرب والأمراء الشيرازيون المنفيون، فيما يمثل نسبة المسلمين قرابة 86% من إجمالي السكان بينما يدين الـ14% الآخرين بديانات أخرى على رأسها المسيحية، ويتحدّث أهلها اللغة العربية، اللغة الرسمية للبلاد رغم حداثة استقلالها عن الاستعمار الفرنسي عام 1975، وتعد أقصر الدول العربية في عدد ساعات الصيام، إذ تبلغ قرابة 12 ساعة ونصف يوميًا.
تنوع ثقافي وتاريخي
تتميز الدولة الإسلامية حديثة الانضمام للجامعة العربية بتنوع ثقافي وتاريخي وعرقي في مجتمعها الصغير، كونها تضم عرقيات وألوان وألسنة وعادات متنوعة، إلا أنه رغم هذا التباين الواضح يتميز نسيجها بالتماسك والوحدة والصلابة والقدرة على مواجهة التحديات يد واحدة.
تقع جزر القمر أو الاتحاد القمري أو جمهورية القمر الاتحادية الإسلامية في قارة إفريقيا في المحيط الهندي، وهي عبارة عن مجموعة من الجزر التي تقع على نهاية قناة موزمبيق من جهة الشمال، بين شمال مدغشقر وشمال شرق موزمبيق، وتتكون من أربعة جزر في أرخبيل جزر القمر البركاني وهي: أنجزيجة جزيرة موالي وجزيرة أنزواني وجزيرة ماهوريه بالإضافة إلى العديد من الجزر الأصغر مساحةً.
تبلغ مساحة جزر القمر 1.862 كيلومتر مربع (أي 863 ميلاً مربعًا)، ويقدر عدد سكانها بـ798.000 نسمة، كما أنها أقصى دولة جنوبية في جامعة الدول العربية، وتعد الديانة الإسلامية هي الديانة الرسمية للبلاد وأغلبية سكانها يعتنقون الإسلام، وبجانب لغتها العربية الأساسية يوجد لغات أخرى منها الفرنسية وهي اللغة الرسمية الوحيدة في جزيرة مايوت المتنافس عليها، بجانب لغات رسمية أخرى وهي اللغة القَمرية (شيكومُور) واللغة العربية والفرنسية.
منع النساء من ارتداء الملابس الضيقة أو القصيرة التي بها نوع من التبرج والزينة وتثير الغرائز، ومعاقبة كل من تخالف هذه القرارات بالحبس والغرامة
قوانين رادعة
الاستعداد لرمضان لا يقف حصرًا عند حاجز المسلمين هناك فحسب، بل إن السلطات التنفيذية والحكومية لها طقوس هي الأخرى، تتمثل في إصدار بعض القوانين واللوائح الرادعة التي تهدف في نهاية الأمر إلى تقديس الشهر المبارك وتوفير البيئة المناسبة للعبادة والتقرب إلى الله فيه دون مغريات.
الحكومة تستهل الشهر بقرار يشير إلى ضرورة غلق كل الملاهي والنوادي الليلية، قرارًا إلزاميًا يطبق على الجميع، هذا بخلاف منع النساء من ارتداء الملابس الضيقة أو القصيرة التي بها نوع من التبرج والزينة وتثير الغرائز، ومعاقبة كل من تخالف هذه القرارات بالحبس والغرامة.
قرار آخر تتخذه الحكومة في جزر القمر مع بدايات رمضان يتمثل في تجريم الإفطار جهرًا، ومن يضبط من الشعب مفطر دون عذر شرعي، ديني كان أو صحي، يتم توقيع العقوبة عليه، التي في الغالب تكون غرامة أو حبس، هذا بجانب إصدار التعليمات للمساجد بعقد حلقات تحفيظ القرآن الكريم طيلة أيام الشهر من بعد صلاة العصر وحتى آذان المغرب.
الفرحة تعم الجميع مع الإعلان عن قدوم رمضان
تحكيم الشريعة وتكبيل الإعلام
في الوقت الذي يتحول فيه رمضان إلى سباق للتنافس بين مختلف الأعمال الدرامية والبرامج التي يقضي أمامها شريحة كبيرة من المسلمين أوقاتهم نهار الشهر ولياليه في العديد من بلدان العالم الإسلامي، فإن الوضع في جزر القمر يختلف جملة وتفصيلاً، وذلك بحسب إدريس موسي القمري طالب الدراسات العليا بجامعة الأزهر.
إدريس في تصريحات له قال إن الإعلام لا يلعب دورًا في إلهاء وتسلية مسلمي جزر القمر في شهر رمضان كما هو الحال في كثير من الدول العربية حيث تفتقر البلاد إلى وسائل إعلام قوية ومؤثرة، إذ لا توجد صحيفة وطنية شاملة، فالغالبية صحف محلية تخضع للبلديات، هذا بخلاف “إذاعة القمر الوطنية” و”تليفزيون القمر الوطني”.
أما فيما يتعلق بالنظام القانوني هنالك ودوره في تعميق الأجواء التعبدية في هذا الشهر قال موسى إن رمضان هو ساحة تنافسية بين التشريعات التي تستند إلي الشريعة الإسلامية التي يحرص السكان إلى التحاكم إليها، ودعاة التغريب والفرنسة الذين يروجون لمجموعة القوانين الموروثة من أيام الاحتلال الفرنسي المعروفة بقوانين نابليون.
ورغم هذا الصراع بين النظامين، فإن شيوخ القرى يمارسون طقوسهم في محاولة لتعزيز أعمال الخير في هذا الشهر منها “إصلاح ذات البين” وتسوية أي خصومات شخصية وعائلية، أما المحاكم المدنية فتقوم بتسوية معظم الخلافات الجنائية والأحوال الشخصية بناء على قوانين السلطة القضائية التي يتوافق معظمها مع الشريعة الإسلامية.
ليلة رمضان الأولى
بعد الإعلان رسميًا عن استطلاع هلال رمضان يخرج المسلمون في البلاد إلى السواحل والشواطئ حاملين معهم المشاعل التي تنعكس على صفحات المياه فتضيء جنبات المكان، هذا بخلاف ضرب الدفوف والطبول إعلانًا بقدوم الشهر حتى وقت السحور.
وعن الاستعداد للشهر يضيف موسى أن ذلك يكون بداية من شهر شعبان، حيث يعد المسلمون المساجد وينظفونها ويطيبونها، كما يرممون ما يحتاج منها، بجانب تغيير فرشها ومصابيحها وتزويدها بأخرى جديدة، وتوفير المصاحف الكافية لقراءة القرآن، حتى يأتي رمضان والمساجد في أبهى صورتها.
تكتظ المساجد بالمصلين في هذا الشهر
ومن الطرائف التي يتميز بها القمريون استعدادًا لرمضان، الإكثار من حفلات الزواج في شهر شعبان، ليعيش الزوجان معًا في بيتهم خلال الشهر المبارك لينالوا من بركته في بداية حياتهم الزوجية، فضلاً عن تشجيع كل منهم للآخر على العبادة والتقرب إلى الله.
أجواء من الوحدة والتلاحم تخيم على أرجاء البلاد في هذا الشهر، حيث يتحول المسلمون هناك إلى أسرة واحدة على مائدة الإفطار، إذ تحمل كل أسرة طعامها ويذهبون صوب المسجد، ويتبادلون الأطعمة والمشروبات مع بعضهم البعض
الثريد.. الطعام الرئيسي
تتميز مائدة القمريين في رمضان بالعديد من أنواع الطعام، على رأسها “الثريد” (طعام من خبزٍ مفتوت ولَحْم ومَرَق، وهو نوع من الأكلات التي يعود تاريخها إلى فترة العرب قبل الإسلام) حيث يحتل مكانة خاصة لديهم بين بقية الأطعمة، إلى جانب اللحم والمانجو والحمضيات ومشروب الأناناس والفواكه الاستوائية الأخرى.
وعلى الإفطار يعتاد المسلمون هناك تناول وجبات خفيفة بجانب الثريد أهمها الشوربة التي يطحن فيها الأرز مع اللحم، ووجبة الموز والفرياب، وهي وجبة تشمل اللحم أو السمك مع الموز المقلي بالزيت، هذا بجانب العديد من العصائر المستوحاة من الطبيعة دون استخدام مواد صناعية.
أما في السحور فيعتادون تناول وجبات خفيفة خالية من اللحوم منها الأرز مع اللبن، أو الأرز مع السلعون والخضراوات، إلى جانب شرب الشاي وبعض المشروبات الدافئة الأخرى، ثم يقومون لصلاة الفجر في المساجد التي تشهد إقبالا كبيرًا في رمضان مقارنة بشهور السنة الأخرى.
أجواء من الوحدة والتلاحم تخيم على أرجاء البلاد في هذا الشهر، حيث يتحول المسلمون هناك إلى أسرة واحدة على مائدة الإفطار، إذ تحمل كل أسرة طعامها ويذهبون صوب المسجد، ويتبادلون الأطعمة والمشروبات مع بعضهم البعض في مشهد يعكس حجم التكاتف والتعاون فيما بينهم.
يمارس القمريون هناك أعمالهم اليومية دون توقف طيلة النهار، إلا أنه بعد صلاة العصر تتوقف الكثير من المعاملات التجارية، إذ يتوجه الناس إلى المساجد لحضور الحلقات الدراسية خاصة حلقات تفسير القرآن الكريم التي يقيمها الدعاة الخريجون من الجامعات الإسلامية.