ترجمة وتحرير: نون بوست
أبلغت شانا غرايس شرطة مقاطعة ساسكس في إنجلترا عن حبيبها السابق خمس مرات مختلفة، طلبت خلالها الفتاة البالغة من العمر 19 سنة المساعدة من الشرطة بعد ملاحقته لها أثناء عودتها إلى المنزل واستخدامه مفتاحًا مسروقًا لاقتحام منزلها بينما كانت نائمة. كما زرع حبيبها السابق جهاز تعقب في سيارتها واتصل بها مرارًا فقط لتسمع صوته وهو يتنفس بقوة.
لم تساعد الشرطة غرايس واكتفت بتجاهل ندائها، بالإضافة إلى 13 امرأة أخرى سبق لهن أن حاولن إبلاغ الشرطة عن مطاردته لهن، ولكنها في المقابل فرضت عليها غرامة قيمتها 90 جنيهًا إسترلينيًا (115 دولارًا) بسبب “إضاعة وقت الشرطة”. بقيت غرايس دون مساعدة إلى اليوم الذي أقدم فيه حبيبها السابق، المدعو مايكل لين والبالغ من العمر 27 سنة، على نحر عنقها وإضرام النار في غرفة نومها في آب/ أغسطس 2016.
لا يتم عادة الإبلاغ عن كافة الجرائم المرتكبة في حق النساء في المملكة المتحدة وفي جميع أنحاء العالم، خاصة عندما لا يحمل الاعتداء طابعا جنسيًا. وفي الوقت الحالي، تحاول إحدى وحدات الشرطة في إنجلترا التطرّق إلى هذه المشكلة وإيجاد حلّ لها، وهو الأمر الذي يعتبر استجابة بيروقراطية مفاجئة لمشكلة عنيفة للغاية. ويقوم هذا الحل، الذي تشير الأبحاث الأولية إلى أن نتائجه قد تكون فعالة، على تغيير طريقة تصنيف الشكاوى فور وصولها.
لطالما دفع التفكير التقليدي النساء إلى عدم التبليغ عن الاعتداءات التي يتعرضن لها خوفا من وصمة العار
لا تبلّغ النساء في جميع أنحاء العالم عن كافة الاعتداءات التي يتعرضن لها. ووفقًا لتقرير الاستقصاء الوطني لضحايا الجريمة الصادر في سنة 2017 في الولايات المتحدة، فإن 77 بالمئة من حالات الاغتصاب والاعتداء الجنسي لا يُبلّغ عنها، وتعتبر هذه النسب مخيفة. ويزداد الأمر سوءًا في المملكة المتحدة، حيث أفاد مكتب الإحصاءات الوطنية بأن أكثر من 80 بالمئة من الاعتداءات الجنسية تلقى نفس المصير، وحتى إن تم الإبلاغ عنها فهي لا تلقى الاهتمام اللازم. وقد وُجّهت تهم جنائية إلى مرتكبي 2822 من أصل 57600 حالة اغتصاب وقع الإبلاغ عنها سنة 2018 في المملكة المتحدة، وذلك وفقًا لما ذكره نيك مارتن العامل بالمكتب الإعلامي لخدمة النيابة العامة الملكية.
لطالما دفع التفكير التقليدي النساء إلى عدم التبليغ عن الاعتداءات التي يتعرضن لها خوفًا من وصمة العار. لكن مقتل غرايس سلّط الضوء على سبب آخر وهو تجاهل الشرطة ووقوفها مكتوفة الأيدي أمام حالات مماثلة. وفي كثير من الأحيان، عندما تبلّغ المرأة الشرطة عن التهديدات أو الجرائم التي تعرضت لها، فإن هذه الجهة الأمنية تتجاهل نداءها أو تقلّل من قيمة الخطر المحدق بها، بل وتفرض عليها غرامة وتزيد من خطورة مطاردها وهو الأمر الأسوأ. وحيال هذا الشأن، قالت ريبيكا هيتشن، مديرة حملة تحالف وقف العنف ضد النساء الذي يتخذ من المملكة المتحدة مقراً له، إن “الأمر يرجع إلى حقيقة أن العديد من النساء لا يثقن بأن الشرطة والمحاكم قادرة على نصرتهن وإحلال العدالة بعد التعرض للعنف الجنسي”.
كانت المملكة المتحدة قد شرعت قانونا ضد جرائم الكراهية، لكنه لم يشمل النساء على الرغم من أن الهجمات التي استهدفتهن على أساس الجنس كانت شائعة مثل أي نوع آخر من الاعتداءات
أقرّ ضباط الشرطة في مقاطعة نوتنغهامشير، التي تعرف سابقًا بإنتاجها للفحم والتي تضم مليون نسمة وتقع في إقليم ميدلاند الشرقية في إنجلترا، بأن عدم الثقة هو المشكلة الرئيسية. وفي سنة 2016، أطلق ضباط الشرطة تجربة جديدة لا تصنف الاعتداءات المسيئة للنساء بأنها جرائم عادية فقط وإنما جرائم كراهية.
كانت المملكة المتحدة قد شرعت قانونًا ضد جرائم الكراهية، لكنه لم يشمل النساء على الرغم من أن الهجمات التي استهدفتهن على أساس الجنس كانت شائعة مثل أي نوع آخر من الاعتداءات، وهذا ما صرحت به الدراسة الاستقصائية للجريمة التي أجريت في إنجلترا وويلز. وأوردت هذه الدراسة أن النساء السود أو المسلمات أو اليهود كنّ عرضة لمثل هذه الاعتداءات بشكل خاص. ومع ذلك، فإن قانون جرائم الكراهية في بريطانيا لا يدافع إلا عن الأشخاص الذين يتعرضون للهجوم بسبب العرق أو الميول الجنسي أو التحول الجنسي أو الإعاقة أو الدين.
لا تمتلك شرطة نوتنغهامشير سلطة تغيير قانون جرائم الكراهية الوطني أو تجريم أي فعل لم يكن بالفعل جريمة، مثل التحرش اللفظي. لكنها قادرة على تصنيف الاعتداءات المسيئة للنساء، التي تحدث بصفة روتينية وتقع ضحيتها 93.7 بالمئة من النساء في نوتنغهامشير، على أنها “جرائم كراهية” بغرض تسجيل البيانات الداخلية. وقد سمح لهم إجراء إعادة تصنيف هذه الاعتداءات بالاحتفاظ بالبيانات.
حسب كريستين هاوسر، الرئيسة التنفيذية للشؤون العامة في مركز موارد العنف الجنسي الوطني، فإن “هذه الأعمال والسلوكيات العدائية التي ترتكب لأي سبب كان، لم ترق إلى مستوى اعتبارها جديرة بالعقاب، وهي التي حددت انطباع المجتمع. إنها تشبه دعما للجرائم الأكثر فظاعة”
لقد اتضح أن البيانات يمكن أن تشكل سلاحًا قويًا جدًا. ومع تداول هذا الإجراء الجديد، بدأ عدد أكبر من النساء في التبليغ عن الاعتداءات المسيئة التي تعرضن لها والتي تراوحت بين الاعتداءات البسيطة والتحرش الجنسي اليومي، والتحرش اللفظي، والاهتمام غير المرغوب فيه، والمطاردة التي أرهبت غرايس قبلًا والتي بالكاد صنفت جريمةً من قبل معظم الناس ناهيك عن معظم أقسام الشرطة.
حسب كريستين هاوسر، الرئيسة التنفيذية للشؤون العامة في مركز موارد العنف الجنسي الوطني ومقره الولايات المتحدة، فإن “هذه الأعمال والسلوكيات العدائية التي ترتكب لأي سبب كان، لم ترق إلى مستوى اعتبارها جديرة بالعقاب، وهي التي حددت انطباع المجتمع. إنها تشبه دعما للجرائم الأكثر فظاعة”.
منذ ذلك الحين، اتبعت ثلاث مقاطعات إنجليزية أخرى نوتنغهامشير وصنفت كراهية النساء ضمن جرائم الكراهية (تُعرف باسم “الحوادث ضد النساء بدافع مواقف الرجال تجاه النساء وتتضمن سلوكاً يستهدف النساء من قبل الرجال لأنهن ببساطة نساء”) في سجلاتها أيضًا.
تشير الأبحاث الأولية إلى أن هذه التجربة فعّالةٌ، فقد أظهرت دراسة أجراها مركز نوتنغهام للمرأة أن 174 امرأة من نوتنغهامشير قد أبلغن عن تعرضهن لجريمة كراهية النساء بين عامي 2016 و2018، وقد كانت النسب مرتفعة قبل تطبيق السياسة. كما بيّن استطلاع على الإنترنت لسكان نوتنغهامشير أن 87 في المائة منهم قالوا إن التجربة كانت “فكرة جيدة”.
، يدعوا النشطاء في المملكة المتحدة إلى تعميم سياسة جرائم كراهية النساء على الصعيد الوطني، ليس فقط في سجلات الشرطة الداخلية وإنما أيضًا لأغراض المقاضاة وإصدار الأحكام
في هذا الصدد، أفادت هيلين فوس، المديرة التنفيذية لمركز نوتنغهام للمرأة، بأن “هذه التجربة زادت من ثقة النساء في الشرطة بشكل عام. وحتى عندما كانت النساء لا يشعرن بالحاجة إلى الذهاب فعليًا إلى الشرطة لتقديم بلاغ، فقد كن يشعرن بالقوة لتحدي حالات التحرش الجنسي والاعتداء اللفظي بأنفسهن. فاعتبار الشرطة هذا السلوك غير مقبول أعطى النساء القوة للرد”.
في الوقت الحالي، يدعوا النشطاء في المملكة المتحدة إلى تعميم سياسة جرائم كراهية النساء على الصعيد الوطني، ليس فقط في سجلات الشرطة الداخلية وإنما أيضًا لأغراض المقاضاة وإصدار الأحكام. (وفقًا لقانون العدالة الجنائية في المملكة المتحدة لعام 2003، يمكن للقاضي أن يفرض عقوبة أشد عندما يتم تصنيف جريمة ما على أنها جريمة كراهية.)
من جهته، يأمل مارك خان، الرائد في مجال جريمة الكراهية في شرطة شمال يوركشير التي بدأت بتسجيل أعمال كراهية النساء كجرائم كراهية منذ سنة 2017، أن يتم اتباع هذه السياسة على الصعيد الوطني. وأكد خان أنه “يتوجب القيام بالكثير داخل الشرطة لبناء ثقة النساء ومجموعات الأقليات. وكان هذا الأمر من بين أهداف هذه السياسة؛ أي إظهار أننا نأخذ الجرائم المرتكبة في حق المرأة على محمل الجد، مثل جميع جرائم الكراهية”.
لقد أثارت الحملة قائمة متوقعة من المخاوف المتعلقة بحرية التعبير. كما أثار مقال في صحيفة “ديلي ستار” القلق بشأن: “إمكانية عرض الفتيان أمام المحاكم ومواجهتهم لعقوبات جسيمة لتصفيرهم لامرأة”. لكن داعمي هذه السياسة يرون أن هذه المخاوف في غير محلها، فالسياسة الوطنية ضد جرائم الكراهية لن تجرّم أي شيء غير قانوني مثل التحرش اللفظي بالنساء، في حين أن أعمال كراهية النساء ذات الطابع غير الإجرامي ستُسجل على أنها “حوادث كراهية”، في حين ستُسجل أعمال كراهية النساء ذات الطابع الإجرامي ويتم البت فيها على أنها “جرائم كراهية”. وأورد خان أن تسجيل حوادث كراهية ضد النساء منخفضة الخطورة يوفر بيانات قيمة للشرطة، لأنه غالبا ما يتطور الاعتداء اللفظي إلى اعتداءات جسدية.
النسبة للبعض، لا تزال حملة تغيير الطريقة التي تتعامل بها الشرطة مع بلاغات النساء بطيئة للغاية
تعتبر الحملة البريطانية جزءًا من التوجه العالمي. ففي جميع أنحاء العالم، تقوم وكالات إنفاذ القانون باتخاذ إجراءات صارمة ضد المضايقات المبنية على كراهية النساء في محاولة للتشجيع على الإبلاغ عنها. وفي الأشهر التسعة التي انقضت منذ أن أصدرت فرنسا قانونها الجديد لمكافحة التحرش اللفظي بالنساء، تم بالفعل توجيه حوالي 450 غرامة فورية بسبب التعليقات المهينة والسلوك “الجنسي أو المتحيز جنسيا”. كما يعد قانون البيرو الذي تم تطبيقه سنة 2015 أكثر صرامة، إذ يمكن أن يواجه الرجال الذين يتحرشون بالمرأة عقوبة سجنية تصل إلى 12 عامًا. كما تبنت الأرجنتين ونيكاراغوا نسختهما الخاصة من قوانين مكافحة جرائم كراهية النساء، في حين أحدثت تنزانيا أكثر من 400 مركز شرطة في جميع أنحاء البلاد يعمل بها ضباط مدربون خصيصًا للاستجابة لشكاوى النساء.
لكن بالنسبة للبعض، لا تزال حملة تغيير الطريقة التي تتعامل بها الشرطة مع بلاغات النساء بطيئة للغاية. ففي السنة الماضية، اتصلت ميشيل سافاج التي تبلغ من العمر 32 عامًا بقسم شرطة ساسكس، وهو نفس القسم الذي طلبت غرايس منه المساعدة قبل عامين، ثلاث مرات خلال 10 أيام للإبلاغ عن مخاوفها من أن زوجها السابق “قد أصبح أكثر عدوانية”. لكن التاريخ كرر نفسه، وبعد ستة أيام، قُتلت ميشيل إلى جانب والدتها وكلبها من قبل طليقها.
إن جمع بيانات دقيقة قد لا يوفر الحماية الفورية للنساء، ولكن قد يكون السلاح اللازم لإقناع الناس دون جدال بضرورة اتخاذ إجراءات أكثر صرامة. وفي مقابلة لهما مع صحيفة “الغارديان”، أفاد والدا غرايس شارون غرايس وريتشارد غرين: “أبلغت ابنتنا عن مخاوفها للشرطة، وبدلاً من حمايتها، عوملت كمجرمة. من الصواب أن تجري الشرطة تغييرات”.
المصدر: فورين بوليسي