توصيف لوضع المرأة في النزوح وتغيير الأدوار الجندرية
عندما تحدث عملية النزوح فإن خسائرها لا تتوقف عند مجرد فقد المنقولات والممتلكات وتدميرها بل تتجاوز ذلك بكثير إن حياة النازحين ونسيجهم الاجتماعي تتمزق بشكل كامل , وكثيراً ما تؤثر ظروف المعيشة الجديدة , وهي في أغلب الأحيان ظروف غير مألوفة , على الأدوار والمسؤوليات الاجتماعية للرجل والمرأة , كما تنهار هياكل الدعم السابقة , وقد تذوق بعض الأسر مرارة الفقر لأول مرة في حياتها
في هذه الظروف , يصبح الرجال والنساء على حد سواء مقيدي الحركة على الرغم منهم, لأنهم يعيشون وفقاً لقوانين جديدة ويدخلون في علاقات اجتماعية جديدة قد تصطدم مع الروابط والقرابات القديمة , ولا تجد المرأة في هذه الظروف الفرصة لمواصلة كسب العيش , وإن وجدتها فإنما تكون فرصة محدودة , وكثيراً ما يكون ذلك في ظروف غياب الذكور من الأسرة , ومن ثم فلا تستطيع الحصول على عمل مجز, ومع ذلك يبقى عليها أن تعول أسرتها . ونظراً لانعدام فرصة تلك النساء في الحصول على معلومات عن وضع ذويهن تتزايد صدمتهن وإحساسهن الطاغي بعد الأمان.
وتختلف عواقب النزوح على النساء والفتيات عن عواقبها على الرجال والصبية ,فكثيراً ما يحدث ارتفاع مفاجئ في عدد النساء اللاتي يعلن أسرهن, ويتحملن لذلك مزيداً من المسؤوليات عن تلبية احتياجات الأطفال وكبار السن من الأقارب , لأن الذكور في تلك الأسر إما ينضمون إلى الجماعات المتحاربة , وإما يقعون في الأسر
ومن أكثر أولئك الذين يتعرضون للأذى الشديد من جراء العنف وعدم الاستقرار الناجمين عن التشرد هم الفتيات والأرامل اللاتي تقدم بهن العمر والأمهات اللاتي لا أزواج لهن أي النساء والقاعدة الأساسية هي حوالي 75% من هؤلاء الأشخاص المشردين المعدمين هم من النساء والأطفال
وتواجه النساء مطالب جديدة في سبيل إعالة أنفسهن وإعالة أطفالهن , وفضلاً عن ذلك فإن الصراع وانهيار القانون والنظام يجعل النساء والفتيات معرضات لتزايد خطر العنف الجنسي والاعتداء الجنسي , وفي بعض الأحيان يصبحن هدفاً للهجمات المتعمدة التي تشنها الأطراف المقاتلة المختلفة بغرض الانتقام , وعندما تستحضر المنظمات غير الحكومية ومفوضية شؤون اللاجئين صورة النساء والأطفال فإنها تستطيع دائماً أن تستثير روح التعاطف الإنساني في نفوسنا . النساء والأطفال يجسدون الحياة الإنسانية في أشد صورها بؤساً فالنساء يعتبرن حقاً لاجئات بمعنى الكلمة أكثر من غيرهن على أساس أنهن ضحايا الحرب والعنف لا مرتكبوها . إلا أن هذه الصورة تجعل المرأة اللاجئة في منزلة الطفل الرضيع وكأنها بلا دور أو مسؤولية وهذا مما زاد الوضع سوءاً وكنا دائماً نطالب بالمشاركة والتي هي في حد ذاتها تعزز الحماية فكثيراً ما تكون مشاكل الحماية الداخلية نابعة من الإحساس بالعزلة والإحباط وعدم الانتماء إلى مجتمع سليم البنيان والافتقار إلى القدرة على التحكم في المستقبل , إن مشاركة اللاجئين تساعد على غرس قيم الحياة الاجتماعية والإحساس بها وتسهم في تقليل المشاكل المتعلقة بالحماية
أي أنه لابد من استعادة الدور الفاعل الذي زُعم أن اللاجئات فقدنه بسبب كونهن ضحايا الحروب وتستند هذه الفكرة برمتها على تمكين اللاجئين وإشراكهم إلى نموذج حديث للمواطنة (الديموقراطية ) والحقوق (المتساوية)
إن النزوح يغير أدوار الرجل والمرأة في الأسرة والعلاقات بينهما أيضاً تحت ضغط التحولات الاجتماعية السريعة , في هذا السياق يمكن ملاحظة بعض التوجهات العامة , منها نزوع المرأة نحو تولي مزيد من الأدوار الجديدة والمختلفة مثل إعالة الأسرة وحمايتها , نحو استلهام الثقة والتصميم من تلك التجارب , وتنمية وعي المرأة و دورها الأساسي . أما الرجل من ناحيته فكثيراً ما يجد نفسه في طريق مسدود بحيث لا يستطيع استرجاع مكانته كصانع قرار يتمتع بالاحترام .
الدور الفاعل والمساعدات
لقد برزت فكرة الضعف بروزاً واضحاً في خطاب المعونات الإنسانية على مدى الثلاث سنوات التي مضت , وكان لها دلالاتها الواضحة بالنسبة للنساء والأطفال الذين يصنفون غالباً على “أنهم جماعات ضعيفة ” وقد تكون الكلمة مناسبة ولكن تجعل برامج المساعدات تنزع مسبقاً نحو تقديم مستوى مخفف من العناية بدلاً من التصدي لأشكال الظلم الممنهجة الكامنة , وربما يؤدي استخدام هذه الكلمة إلى توسيع مفهوم الضحية لتشمل كل النساء أو كل النازحين , ومثل هؤلاء ينظر إليهم على أنهم عرضة ” لمرض التبعية” حيث أنهم يدمنون المساعدات ويصبحون عبئاً دائماً إذا لم تتغير سياسة المساعدات من تقديمها مباشرة على استخدامها بطرق عدة كالمبادلة أو المشاريع التنموية
إن مشاركة النازحين وخصوصاً النساء في إدارة المخيمات منهج من المناهج التي تهدف إلى اختراق مفهوم الضحية والنهوض بأدوار النساء خلال اللجوء في السنين التي تمضي من عمرهن دون فائدة وفي حالة انتظار
العنف الجنسي
لقد اعترفت الجهات الكبرى المقدمة للمعونات مثل المفوضية الأمم المتحدة للاجئين بأن الاغتصاب وغيره من الأشكال العنف الجنسي ( مثل الزواج بالإكراه) يمثل ظاهرة هامة تؤثر على مجتمعات اللاجئين والنازحين , وتتطلب من برامج المساعدات أن تتعامل معها بطرق عملية كجزء من صلاحياتها للحماية . وبناءً على ذلك تم إيلاء الاهتمام إلى بعض الأمور مثل تصميم المعسكرات وإضاءتها وتوفير الخدمات والدعم للنساء المغتصبات كما حدث للاجئين السودانيين والصوماليين في كينيا وهذا الذي مازلنا نفتقره في مخيمات اللاجئين السوريين نطالب به مراراً وتكراراً
عندما سألت بعض اللاجئين عن التغيرات التي طرأت على العلاقات بين الجنسين بعد مجيئهم إلى المخيم وكان الانطباع العام لجانب من مسح شمل 464 لاجئاً فقد قال اللاجئون إن الأمور لم تعد على ما كانت عليه من قبل , فالنساء يتحولن إلى بغايا والرجل يتزوج أكثر من زوجة ونسبة الطلاق ترتفع وكان التعبير الأكثر تداولاً هو ” أن الرجال لم يعد لهم سيطرة على نسائهن بمعنى أنهن لم يعدن يحترمن أزواجهن بعد فقدان ثقتهن بهم بأنهم أصبحوا لا يستطيعوا إعالة أسرهم بعد أن أصبحوا لا حيلة لهم وهو وضع لا يرضون عنه بالتأكيد “
إن المفهوم السائد عن طبيعة أدوار الرجل والمرأة يتركز أساساً على أن المرأة رمز الاستقرار والتغير في آن واحد . فمن ناحية, نجد أن المرأة يتوقع منها أن تحافظ على ثقافة المجتمع من خلال دورها كأم وزوجة , ونظراً لظروف الحياة في بيئة فقيرة ذات خيم ضيقة لا تتوافر فيها المساحة المناسبة للخصوصية
الشباب والنزوح
وبما أن عدد كبيراً من الرجال فقدوا أعمالهم فأصبح دور الصبية والشباب في العائلة هو دور الأب والمعيل على الرغم من صغر سنهم , فإن تبدل الأدوار هذا أدى إلى خسارة الشباب دراستهم ومستقبلهم ليصبحوا آباءً ويعولون أسر بأكملها ويصبحون ضحية لعمالة الأطفال أو التسول .
الخلاصة
لتغيير الأيدولوجيات المتعلقة بأدوار الرجل والمرأة يجب على الرجال والنساء أن يتعاونوا سوياً كشركاء فاعلين . عبر المشاركة المتبادلة في تغيير ور الرجل والمرأة إلا أن المشاركة الفعالة تفترض الوعي , وقد تكون هناك حاجة إلى قدر أكبر من التوعية المناسبة للرجال لمساعدتهم على فهم عواقب التغيير في أيديولوجية دور الرجل والمرأة. يجب أيضاً أن يدرك العاملون في المنظمات الإغاثية أن هؤلاء الرجال يعانون من إحباط شديد لأنهم لا يستطيعون إعالة أسرهم بالصورة الملائمة ويجب أن يكون هناك وعي بهذا الإحباط ليتم التعامل معه ويجب على المنظمات التدخل لتستثمر بمزيد من النشاط الطاقات الكامنة لدى اللاجئين واستغلال وقتهم وجهدهم فإن لم نستفيد من هذه الطاقات المكبوتة سوف تتفجر بشكل سلبي