ترجمة وتحرير: نون بوست
بينما تناولت العديد من المنابر الأشكال المختلفة للتحرش الجنسي، ستركز هذه المقالة على ديناميكية محددة، وهي تعرض الإناث إلى التحرش الجنسي من قبل الذكور في مكان العمل. وعلى غرار بقية أشكال التحرش الجنسي، يعتبر تحرش الذكور بالإناث ظاهرة في غاية التعقيد. وقد يحدث التحرش في بعض أماكن العمل، ولكن بالتأكيد ليس في جميعها.
في أكثر الحالات تطرّفًا، يمارس الذكور الذين يشغلون مناصب “عليا” في التسلسل الوظيفي سلطتهم بهدف التلاعب بالمسارات المهنية للإناث محاولين فرض سيطرتهم عمدًا، مع نية التقليل من شأن الضحية والتمسك بدوافعهم الجنسية إزاء الإناث اللاتي يجبرن على الرضوخ لهذه الوسيلة من أجل تحقيق التقدم الوظيفي، أو حتى لمجرد الحفاظ على وظائفهن. وهذا النوع من الذكور لا يبدي ولو بقدر ضئيل شعورًا بتأنيب الضمير، بل يشعرون بدلًا من ذلك بالفخر عند جعل الضحايا “تابعات” لهم وراضخات لإرادتهم.
تضمّ الفئة الثانية نوعًا آخر أكثر “اعتدالًا” من الذكور، الذين لا يدركون وجودهم في مواقع قوة ولا يولون، عن غير قصد، أهمية لوقع كلماتهم وأفعالهم على الأنثى. ومن المحتمل أن هذه الفئة من الذكور لا تؤمن بوجود قوة ديناميكية على الإطلاق. وبالنسبة لهم، تعتبر الأنثى كائنًا بشريًا مساويًا للرجل يستحق الاحترام بقطع النظر عن مكانتها في التسلسل الهرمي الوظيفي.
قد تكون ديناميات التحرش الجنسي دقيقة للغاية، إذ تعتمد على احترام الرجل للحدود التي تضعها الأنثى، وماهية هذه الحدود، والطريقة التي تتلقى من خلالها كلماته وأفعاله تجاهها.
شأنه شأن أي شكل آخر من أشكال التحرش الجنسي، يمكن تصنيف تحرش الذكور بالإناث في مكان العمل من الأكثر إلى الأقل حدة وفق مستويات مختلفة من الشدة ومدى إضمار النية. وقد حُدّدت المستويات أدناه لمساعدتك على تنظيم فهمك للتحرش أو، في بعض الحالات، تجربتك مع ظاهرة تحرش الذكور بالإناث داخل بيئة مهنية.
وتجدر الإشارة إلى أنه توجد العديد من المستويات ضمن هذه المستويات التي تتوقف على كيفية ارتكاب المضايقات وكيف يتم تلقيها. وبين طرفي النقيض، قد تكون ديناميكيات التحرش الجنسي دقيقة للغاية، إذ تعتمد على احترام الرجل للحدود التي تضعها الأنثى، وماهية هذه الحدود، والطريقة التي تتلقى من خلالها كلماته وأفعاله تجاهها.
في هذا الصدد، أقدم لكم نظرة عامة تقريبية تتراوح بين أكثر أشكال تحرش الذكور بالإناث في مكان العمل تطرفًا وقسوة وأقلها خطورة. وتتناول المستويات التي قمت بوصفها أدناه تحديدًا لسلوك الرجل غير أنها لا تفسر كيفية تفاعل الأنثى مع سلوكه.
1. في أسوأ الحالات، يجب وصف بعض المتحرشين الذين يفتقرون إلى الضمير بالحيوانات المفترسة نظرًا لطبيعتهم المسيئة والمؤذية وإلى قلة الاحترام واللامبالاة التي يبدونها تجاه مشاعر النساء في مكان العمل. ويرى هذا النوع من الذكور أن الأنثى مجرد كائن خلق لتُنتهك حرمته أو يُبتز أو يُهان أو يجب تجنب التعامل معه. ولا تشعر هذه الفئة بتأنيب الضمير باعتبار أنها تضمّ مجموعة من المختلين اجتماعيًا الذين يفتقرون إلى الشعور بالتعاطف الذي من المفترض أنه يرافق الأفعال التي يقومون بارتكابها.
لا يدرك هؤلاء الرجال أنهم ربما يسيئون استغلال سلطتهم، لكن عندما يصبحون على وعي بما يقترفونه، يتراجعون بأسلوب محترم ودون أي تهديدات أو عواقب
2. في الطرف المقابل، يأتي المتنمرون والساديون الذين قد يكونون، بشكل من الأشكال، قادرين على الاعتراف بشيء من الذنب ومدركين لأنهم قد اقترفوا خطأ ما. وعلى الرغم من هذا الوعي الغامض بارتكابهم مجموعة من الأخطاء، إلا أنهم لا يبدون استعدادًا أو ربما يعجزون عن منع أنفسهم من التمادي في ارتكاب هذه الممارسات الوحشية تجاه النساء الخاضعات لسلطتهم. ويعتبر الذكور المنتمين إلى هذه الفئة عديمي الاحترام وبغيضين إلى درجة أن أفعالهم تفتقر إلى أي شكل من أشكال اللباقة، إذ غالبًا ما يشعرون بالرغبة في ترهيب الإناث والحاجة إلى إلحاق الأذى بهن.
3. تضم هذه المجموعة الذكور الذين يرتكبون إهانات لأسباب مختلفة في أوقات مختلفة في ظل افتراض خاطئ بأنه مرغوب فيهم أكثر مما هو عليه الأمر بالفعل. وخلق الكثير من هؤلاء الرجال، الذين يعملون في مناصب السلطة بالضرورة، بيئة لاستغلال الإناث في مكان العمل لكنهم أدمنوا هذا التصرف. ويمكن أن تؤدي هذه الحلَقة المفرغة، المتمثلة في تركيز الرجال على إثبات قوّتهم، إلى عدم الانتباه إلى الأضرار العاطفية الجسيمة التي يلحقونها بالإناث في مقرّ العمل. ونظرًا لأن بيئتهم تعزّز أهميتهم باستمرار وبما أن موقعهم داخل التسلسل الهرمي في العمل يقيهم من مواجهة أي عقوبات، فإن هذا السلوك من شأنه أن يصبح أكثر قسوة مما سبق مع مرور الوقت.
يعتقد العديد من الذكور الأكثر اعتدالُا نوعا ما في هذه الفئة، أنه في حال انكشف سلوكهم وتمّت مواجهتهم بفعلتهم، فإنه يبدو لهم كما لو أن أسلوبهم القاسي قد تعرّض للخيانة، ويشعرون بجرح عاطفي وألم. ونظرًا لأن هؤلاء الذكور أجبروا على تقبّل حقيقة أن سلوكياتهم لم تكن متبادلة وأنها كانت تخدم مصلحتهم الخاصّة فقط، فإنهم يشعرون نتيجة ذلك بالخجل الشديد والندم.
في بعض الأحيان يرتكب هؤلاء الرجال بعض الأخطاء، حالهم حال أي شخص آخر
في المقابل، يوجد وراء السلوكيات القاسية التي لا لبس فيها لهؤلاء الرجال، شخص حسّاس، فهؤلاء الذكور قادرون على التعاطف ولكنهم فقدوا القدرة على اختبار هذا الشعور بسبب ديناميكية تفوّق الرجل على الأنثى في مكان العمل. وفي الواقع، هناك فرق كبير بين الرجال في هذه الفئة وأولئك في الفئتين السابقتين، ذلك أنه في حال أجبروا على مواجهة الألم الذي سبّبوه، فإن الندم قد يتغلّب عليهم.
4. تشمل هذه الفئة الذكور الذين يتجاوزون حدودهم عن غير قصد، مُقلقين راحة الإناث بسبب طريقتهم في التواصل. ويعود هذا الأمر إلى حقيقة أن هؤلاء الرجال لا يفهمون الإشارات التي تطالبهم من خلالها النساء بالتزام حدودهم، لكنهم ما إن يكتشفوا الضرر الذي يسبّبونه حتى يعبّروا عن احترامهم للطرف الآخر. وعلى الرغم من أنهم لا يعتزمون انتهاك الحدود، إلا أنهم قد “يبالغون في تصرفاتهم”. لكن لحسن الحظ، هم مستعدون للتعلّم بسرعة وبسهولة وبصدر رحب كيفيّة تجنّب هذه التصرّفات.
لا يدرك هؤلاء الرجال أنهم ربما يسيئون استغلال سلطتهم، لكن عندما يصبحون على وعي بما يقترفونه، يتراجعون بأسلوب محترم ودون أي تهديدات أو عواقب. وعلى الرغم من أن هذا التصرّف لا يصلح أخطاءهم، إلا أنه يعبّر عن إنسانيّتهم. ومن المهم ملاحظة أن الرجال في هذه الفئة يمكنهم التعرف على سلوكهم في الوقت الحالي والندم عليه بسرعة، كما يمكن أن يتطور وعيهم بانتهاك الحدود عندما يراجعون أفعالهم، كلّما سمعوا عن حوادث التحرش الجنسي في مقرّ العمل، و/ أو أثناء تربية بناتهم.
5. تضمّ آخر فئة أكثر الذكور غير الضارين وأكثرهم وعيًا، وهم الذكور الذين لم يتجاوزوا أي حدود جسدية وعاطفية وجنسية وإدارية وزمنية. لكن عيوب هذه الفئة، إلى جانب الطبيعة المعقدة والمتغيرة باستمرار للمعايير الاجتماعية في مكان العمل، تجعل مهمة احترام الحدود تحديًا يوميًا. فهؤلاء الذكور لا يتمادون عندما يكونون في مواقع السلطة، وعوضًا عن ذلك يبذلون قصارى جهدهم ليكونوا على وعي واحترام لكرامة الإناث وحدودهم.
تتمثّل نيّة أسوأ هذه الفئات في إلحاق الأذى بالأنثى وترويعها واستغلالها وإلحاق العار بها والتحكّم فيها دون أي اعتبار على الإطلاق لمشاعرها
لكن في بعض الأحيان يرتكب هؤلاء الرجال بعض الأخطاء، حالهم حال أي شخص آخر. ومن هذا المنطلق، تشكّل الإهانة مزيجًا بين نوايا الذكور ووجهة نظر الإناث. وقد يكون الذكر قادرًا على التفاهم مع إحدى زميلاته في العمل بطريقة معينة، بينما قد تتجاوب زميلة أخرى مع أفعاله بشكل مختلف.
تتمثّل نيّة أسوأ هذه الفئات في إلحاق الأذى بالأنثى وترويعها واستغلالها وإلحاق العار بها والتحكّم فيها دون أي اعتبار على الإطلاق لمشاعرها. ومثل أي فئة، يصبح مستوى التحرش الجنسي بين الذكور والإناث في مكان العمل أكثر دقة وأقل تطرفًا. ومن بين الطرق المهمة لقياس مثل هذه المضايقات تحديد إلى أي مدى يعتزم الرجل استغلال الإناث في مكان العمل. وفي الواقع، إن النظر إلى التحرش الجنسي المسلّط من قبل الذكور على الإناث وفق مقياس محدّد من شأنه أن يكون وسيلة مفيدة لكشف المضايقات وفرض حدود التواصل المناسبة والحرص على اعتمادها في مكان العمل.
المصدر: سايكولوجي توداي