ألفت الأقوام والشعوب التركية الهجرة والتنقل، فارتحلت من سهول وسط آسيا لتسقر في هضبة الأناضول مؤسسة عدد من الإمارات والدول أهمها وأكثرها حياةً وأثرًا الدولة العثمانية التي استقبلت في سنوات انحدارها موجات ضخمة من الهجرة، فخلال حرب القرم التي دارت رحاها بين الدولة العثمانية والإمبراطورية الروسية هاجر أكثر من 1.4 مليون تتري إلى الأناضول، ليتبعهم ما يقرب من نصف مليون آخر من بلاد القفقاس لتعود الأناضول لتستقبل في الفترة 1877-1914 قرابة 3 ملايين لاجئ نتيجة حروب البلقان.
استمرت ظاهرة الهجرة بعد قيام الجمهورية، لكنها أخذت أشكالاً وصورًا جديدة تنوعت بين هجرة داخلية ناتجة عن نزوح أهل الريف باتجاه المدن أو أخرى مرتبطة بعمليات الجيش التركي تجاه المتمردين في الجنوب الشرقي، أما الهجرة الخارجية فنتجت عن تصدير تركيا قسم من قواها العاملة لألمانيا الغربية في ستينيات القرن الماضي، بالإضافة لاستقبالها مجموعة كبيرة من اللاجئين القادمين من بلاد البلقان.
طيور الغربة
ساهمت سياسات التصنيع وتطور شبكات النقل بالإضافة إلى ميكنة الزراعة في نشوء موجات هجرة من الريف التركي صوب المدن التركية التي أضحت مركزًا للتقدم والارتقاء، فانتقل خلال الفترة من 1950-1955 ما يقرب من مليون شخص، فيما شهدت الفترة من 1965-1970 هجرة ما يقرب من مليوني شخص، استقبلت إسطنبول الجزء الأكبر من هذه الموجات فتضخمت المدينة وازداد عدد سكانها بطريقة متضاعفة.
يعد فيلم طيور الغربة المنتج عام 1964 أول الأفلام التركية التي تتناول مسألة هجرة الأرياف إلى المدن، حيث يروي الفيلم حكاية عائلة تركية هاجرت من مدينة كهرمان مرعش جنوبي تركيا إلى مدينة إسطنبول التي رأت فيها العائلة المكونة من أب وأم وأربعة أخوة فرصة لحياة أفضل، لكن إسطنبول كعادتها لم تمهل العائلة الريفية الكثير من الوقت لأحلام اليقظة وخيالات الثروة فقابلتها بوجهها البارد القاسي.
يصف الفيلم تفاعلات القادمين الجدد مع المدينة وأهلها وأنماط حياتها التي شكلت تحديًا للمفاهيم المحافظة للريف التركي، فيأخذنا الفيلم في رحلة داخل إسطنبول الستينيات بدءًا من محطة حيدر باشا للقطارات وصولاً للمضيق وسفنه الماخرة، وليس انتهاءً بالوجه الآخر للمدينة حيث العشوائيات (Gecekondu) والبؤس والصراع اللامتناهي على البقاء في مدينة اعتادت التقلب وعدم الاستقرار.
بالإضافة إلى ذلك يقدم الفيلم التفاعلات الشخصية للقادمين الجدد مع المدينة وأنماط معاشها، حيث اشتركت جميع شخصيات الفيلم بالرغبة في الحصول على حياة أفضل.
الفيلم من إخراج خالد ريفي (Halit Refiğ)، وسيناريو أورهان كمال الذي كتب رواية تحمل نفس الاسم، وشارك في التمثيل عدد من الممثلين المشهورين كتناجو جورسو (Tanju Gürsu) وفيلز أكن (Filiz Akın) وأوزدان تشليك، بالإضافة إلى جونيت أركن (Cüneyt Arkın)، الجدير بالذكر أن الفيلم نال جائزة أفضل فيلم في مهرجان أنطاليا السينمائي الأول عام 1964.
ألمانيا الوطن المرير
تضم ألمانيا أكبر تجمع بشري تركي بعد تركيا، حيث يسكنها ما يقرب من 5 ملايين تركي، مما يجعلهم ذوي تأثير في الحياة السياسية التركية والألمانية على حد سواء، ويرجع تشكل هذا التجمع إلى ستينيات القرن الماضي عندما استقدمت ألمانيا الغربية آلاف العمال الأتراك في إطار برنامج “العمال الضيوف”.
شكلت الهجرة إلى ألمانيا في ذلك الوقت فرصة للأتراك للاحتكاك بالنمط الغربي في الحياة والإنتاج، الأمر الذي ترك أثره على هذه الفئة من الأتراك التي ظلت مرتبطة بجذورها التركية.
يتناول فيلم ألمانيا الوطن المرير (1979)، أوضاع وشروط حياة العمالة التركية في ألمانيا الغربية، حيث يمتزج كسب المال بشروط المعاش الصعبة التي تدفع العمالة التركية إلى التكاتف فيما بينها وتكوين مجتمعاتهم الخاصة، حيث يسلط الضوء على شخصية الفتاة جولدانه (هوليا كوشيت) التي تعمل في مصنع ألماني يفرض عليها أن تعيش برتابة صارمة يأخذ العمل الدور المركزي فيها، إلى جوار جولدانه تأتي شخصية محمود (رحمي سالتوك) الذي يرى في الوصول إلى ألمانيا هدف حياته، الأمر الذي يدفعه لعقد نكاح مزور مع جولدانه ليجد نفسه لاحقًا وحيدًا تائهًا في شوارع برلين. الفيلم من إخراج المخرج التركي ذي الأصول اليونانية شريف جوران، وبطولة هوليا كوشيت ورحمي سالتوك.
رأيت الشمس
لسنوات طويلة والمجتمع التركي يعاني من آثار عمليات مكافحة الإرهاب في المناطق الجنوبية الشرقية الناتجة عن تمرد حزب العمال الكردستاني، فوفقًا للإحصاءات الرسمية الصادرة عن الدولة التركية تعرضت قرابة 3.618 قرية للإخلاء والتهجير، واضطر 386.360 ألف مواطن لترك منازلهم وقراهم، فيما ترفع منظمات المجتمع المدني العدد ليصل إلى 5000 قرية وأكثر من مليوني مواطن اضطروا للهجرة وتغيير محل إقامتهم.
يقارب فيلم رأيت الشمس (2009) الأزمة الكردية في جنوب شرقي البلاد من منطلق ضحاياها الأضعف، أي سكان القرى المفروض عليهم تحمل تبعات خيارات ورغبات الآخرين التي يجد القرويون أنفسهم وسطها دون قدرة على النأي بأنفسهم عنها.
يمر الفيلم من خلال فضاءات متنوعة بدءًا من القرية وحياتها مرورًا بإسطنبول والمجتمعات الكردية فيها، وليس انتهاءً بالشتات الأوروبي، كما يناقش الفيلم عدد من القضايا كالأخوة في المجتمع التركي والقرى المهجرة والحياة في المدينة وقضايا قتل الشرف والمثلية وغيرها.
الفيلم من إخراج المخرج الكردي محسن قرمزي غول الذي شارك في كتابته وبطولته إلى جانب الممثل القدير ألتان إيركيكلي والممثلة يلدز كولتور. رشح الفيلم عن تركيا لجوائز الأوسكار لأفضل الافلام الأجنبية لعام 2009.
جرح أمي
شكلت الأناضول الملجأ الأول والدائم لمسلمي البلقان، فبعد اندلاع الحرب الأهلية في الاتحاد اليوغسلافي السابق وما رافقها من أعمال عنف نزح آلاف البشناق على إثرها باتجاه تركيا، حيث استوطنوا إلى جوار من سبقهم من الأجيال السابقة من البشناق.
يروي فيلم جرح أمي (2016) حكاية الشاب صالح الذي تربى في دار للأيتام بعيدًا عن عائلته التي شكل العثور عليها هاجسه الأساس وما إن بدأت الحقائق تتكشف عن والدته التي تعرضت للاغتصاب على يد ضابط صربي، حتى وجد الشاب صالح نفسه في مزرعة هذا الضابط ليبدأ صالح رحلة الثأر لوالدته.
الفيلم من إخراج أوزان أتشكتان، وبطولة مريم أوزرلي صاحبة دور الجارية هيام في مسلسل حريم السلطان، وإلى جوارها الممثل أوزان جوفان، والممثل أوكان يالبيك الذي جسد دور إبراهيم باشا في مسلسل حريم السلطان.