تأسس صيف 2012، بهدف توحيد “العائلة الديمقراطية والحداثية” في تونس، إلا أنه الآن يعمل على توحيد صفوفه قبل الانهيار التام نتيجة الانقسامات التي لحقت به، نتحدث هنا عن حركة “نداء تونس” لمؤسسها الرئيس التونسي الباجي قائد السبسي التي تلاحقها الفضائح أينما ولت، حتى باتت قدره المعهود.
الأزمة تصل لملاهي مصر
آخر هذه الفضائح كان تسريب مقطع فيديو لرئيس كتلة النداء في البرلمان سفيان طوبال، زعيم ما يسمى “شق نداء تونس الحمامات”، من جلسة خاصة في ملهى ليلي مصري ظهر فيه وهو “يرشق” رزمًا مالية، الأمر الذي أحدث جدلًا كبيرًا في تونس، حيث اتهم تونسيون النائب بالفساد وإهدار المال العام.
في رده على الانتقادات التي طالته بيّن طوبال أن ما قام به في الملهى الليلي يتماشى مع عادات وتقاليد ذلك المكان في مصر، موضحًا أن في مصر “تقاليد فرح بالضيوف وترحيب خاص يتم عبر طريقة الرشق التي نستعملها في أفراحنا”.
يعتبر فشل النداء في الترشح لهذه الانتخابات، ضربة كبيرة للحزب، خاصة أن موعد الانتخابات التشريعية على الأبواب
وأضاف طوبال في تدوينة كتبها على صفحته الرسمية على فيسبوك أنه سنحت له فرصة المبادرة بالتحية عند الترحيب به وحين ذكر المغني اسم تونس، مؤكدًا أن الأموال التي قام برميها هي ملك صاحب المطعم، ويتم استعمالها للشو “show” فقط، حسب قوله.
المسار التوحيدي للحزب
الهدف من تسريب هذا الفيديو، وفق سفيان طوبال، ضرب المسار التوحيدي لحركة نداء تونس التي تعاني انقسامات كبرى، ففي مؤتمره الانتخابي الأخير الذي قيل إنه سيوحد العائلة الديمقراطية ويضع حدًا للانقسامات ويلم شمل الجميع استعدادًا للانتخابات التشريعية والرئاسية المرتقب إجراؤها في خريف هذه السنة، انقسم الحزب إلى شقين.
أمام هذا الانقسام، أصبحنا أمام ما يسمى “شق نداء تونس الحمامات” ويرأسه النائب والقيادي في الحركة سفيان طوبال، وأسندت له منصب رئيس اللجنة المركزية والممثل القانوني للحزب، وما يسمى بـ”شق نداء تونس المنستير”، ويتزعمه نجل رئيس البلاد حافظ قائد السبسي.
هذا الانقسام لم يكن الأول في تاريخ الحزب، بل سبقته انقسامات أخرى يصعب عدها، ما جعلنا أمام أحزاب عدة يرأسها قيادات سابقة في النداء قررت الانسحاب من الحزب أو طردت منه، لاختلاف وجهات النظر.
ورغم محاولات رأب الصدع المتكررة، ما فتئت الانقسامات والمشاكل تتسع داخل هذا الحزب، خاصة أنه لا يوجد قاسم مشترك بين مكوناته، فهو بدأ هجينًا لا هوية سياسية له سوى عداء حركة النهضة الإسلامية ومشروعها السياسي.
ضم النداء في بداية تكوينه منتصف 2012 على يد الباجي قائد السبسي، يساريين ودستوريين وتجمعيين ورجال أعمال ونقابيين وشخصيات مستقلة، لا رابط بينها سوى الرغبة في الوصول إلى السلطة، وما إن تحقق هدف الوصول إلى السلطة حتى انفك العقد لدقة خيطه.
ويرى طوبال أن مسربي هذا الفيديو، هدفهم ضرب الحزب ومساعي التوحيد التي يقوم بها، خاصة أن جلسات عدة حصلت مؤخرًا بين الشق الذي يقوده طوبال وحزب مشروع تونس الذي يتزعمه محسن مرزوق، الذي كان قد انسحب من نداء تونس قبل 3 سنوات على إثر خلافات حادة بينه وبين نجل الرئيس حافظ قائد السبسي.
واعتبر شق الحمامات، أن تسريب هذا الفيديو يتنزل في إطار “حملة تشويه ممنهجة ودنيئة انطلقت بعد نجاح مؤتمر النداء في القطع مع التوريث وحكم العائلة مما أثار حفيظة عائلة رئيس الجمهورية وحركة النهضة بتواطؤ من أحد المديرين العامين بوزارة الداخلية”.
“النداء” يفشل في الترشح لانتخابات باردو
انعكاسًا لهذه الأزمة فشل نداء تونس في الترشح للانتخابات البلدية الجزئية بباردو، حيث أسقطت الهيئة العليا المستقلة للانتخابات ترشح النداء بعد أن تقدم بقائمتين عن شق الحمامات (سفيان طوبال) وعن شق المنستير (حافظ قايد السبسي)، وكل قائمة تدعي أنها تمثل الحزب رسميًا.
لن يستطيع النداء إيصال مرشح من داخله للرئاسة حتى لو أعيد ترشيح الرئيس الحاليّ الذي خسر شعبيته
أوضحت هيئة الانتخابات أن “رفض القائمتين كان بسبب غموض مراسلة المصالح المختصة والمكلفة بالأحزاب برئاسة الحكومة التي وردت على الهيئة ولم تتضمن بكل دقة اسم الممثل القانوني لحزب حركة نداء تونس“، وفق وكالة تونس إفريقيا للأنباء.
يعتبر فشل النداء في الترشح لهذه الانتخابات، ضربة كبيرة للحزب، خاصة أن موعد الانتخابات التشريعية على الأبواب، حيث سيجد صعوبات في تشكيل قوائم للترشح وأيضًا باسم من ستترشح، فكل طرف يدعي الشرع ويرفض التنازل.
ظاهرة “الشقوق”.. علامة تجارية للحزب
“يبدو أن قدر حزب النداء أن يظل منقسمًا على نفسه وتستمر ظاهرة الشقوق داخله، أي وجود أكثر من أمين عام ومكتب سياسي وناطق رسمي ومقر مركزي”، وفق الصحفي التونسي كريم البوعلي الذي تحدث لـ”نون بوست” عن ظاهرة الانقسامات التي يعرفها النداء.
ويقول كريم البوعلي: “هذه الظاهرة باتت علامة تجارية للحزب الذي تشظى أكثر حين حاول تجميع صفوفه في آخر مؤتمر عام دعا إليه” بالتوافق بين مكوناته غير المتجانسة لكن عدم التجانس طغى على التفاهم فخرج منقسمًا أكثر بشقين يدعي كلاهما شرعية قراراته ومسؤولياته صلب الحزب”.
“في اعتقادي أن ظاهرة الشقوق جعلت الحزب الأول في الانتخابات التشريعية 2014 محل تندر وضعف في الساحة السياسية بسلوك قياداته سياسيًا فتهم الفساد بأنواعه تلاحق العديد من النواب أبرزهم رئيس كتلة الحزب المطرود منه ومنها (أي الكتلة) مؤخرًا سفيان طوبال وغيره من القياديين”، يقول البوعلي.
خلال مؤتمره الأخير انقسم النداء لشقين
يرى الصحفي التونسي أن هذا الأمر أثر على وجود الحزب في الساحة السياسية، فقد تراجع في الانتخابات المحلية الفارطة وخسر مقعدًا بالبرلمان في انتخابات جزئية أجريت بألمانيا، كما أنه لم يمكن من تكوين قائمة للمنافسة في الانتخابات الجزئية للمجلس البلدي بباردو (مجلس مهم في العاصمة تونس)”.
“كل هذه المعطيات تشي بتقهقر الحزب أكثر في الانتخابات القادمة في تونس حيث برأيي لن يتمكن من جمع عدد كبير من المقاعد في البرلمان ولن يستطيع إيصال مرشح من داخله للرئاسة حتى لو أعيد ترشيح الرئيس الحاليّ الذي خسر شعبيته ما يشير إلى أن النداء كحزب و”ظاهرة شقوق” قد يصبح حزبًا عاديًا بعد سنوات “صراع الغنائم” داخله وفي السلطة من حوله”، وفق كريم البوعلي.
هذا الموقف لكريم يشاطره فيه العديد من التونسيين، ذلك أن شعبية “نداء تونس” في تراجع كبير تدعم على إثر تأسيس الحزب لحركة “تحيا تونس” التي يتوقع أن تحل محل النداء وتتمكن من الاستيلاء على قواعده بعد أن استولت على قياداته وجعلته دون فاعلية تذكر.