“سليم الخارق”، هكذا أصبح يحلو للمصريين التندّر بـ”الشو الدرامي” الذي ينفّذه الممثل المصري المعروف أمير كرارة، بأوامر مباشرة من المخابرات المصرية، التي أصبحت تسيطر بشكل كلّي على الإنتاج الدرامي والسينمائي والإعلامي في البلاد، عند مشاهدة كل حلقة جديدة من المسلسل المصري واسع الانتشار “كلبش”.
فبعد النجاح الباهر للموسم الأول من المسلسل، استغلت شركة “إعلام المصريين” التابعة لأجهزة المخابرات المصرية، هذا الانتشار الواسع للمسلسل، لتحقيق مكاسب سياسية هامة، في حربها الناعمة على عقول المصريين منذ انقلاب 3 يوليو 2013، من خلال الاستنجاد بـ”كرارة” مرة ثانية وثالثة، للقيام بدور البطولة في الجزأين الثاني والثالث من هذا المسلسل.
لم يكن مسلسل “كلبش” في جزئه الأول المتكون من 30 حلقة، يحمل رسائل سياسية صريحة ذات بعد محلي وإقليمي واضح، حيث اجتهد القائمون على العمل في تصوير “سليم الأنصاري” كواحد من ضباط الشرطة النزهاء الغيورين على شغله، فتراه مجتهدًا في تطبيق القانون وإيقاف المجرمين والمارقين على القانون، سياسيين كانوا أم مدنيين، غير آبه بالضغوطات التي يسلّطها بعض النافذين على مسؤوليه في العمل لإيقافه عن أداء واجبه في حماية “أمن مصر”.
كان “سليم بيك الأنصاري” في “كلبش 1” مثالًا يحتذى به في الخلق والأخلاق، فهو الصارم في شغله، والعين الساهرة التي لا تنام لفرض الأمن في المنطقة الخاضعة لسلطة قسم الأمن الذي يرأسه، وهو المتحرّي والمفتش الدقيق والنبيه، الذي استطاع بعد أشهر من الهروب والتخفي المتواصل تبرئة نفسه من تهمة قتل أحد الموقوفين تحت التعذيب الشنيع، بعد أن أوقعه خلاف داخلي مع أحد أمناء الشرطة العاملين معه في ذلك.
في الجزء الثاني من “كلبش”، بات جليا حجم التوتر والخلاف المصري مع دولتي قطر وتركيا، حيث لم تتردّد شركة “سينرجي للإنتاج الفني” المملوكة لجهاز الاستخبارات، في اتهام الدولتين بدعم الإرهاب في المنطقة
“سوبر سليم”، أو “سليم مان” أو غيرها من الأسماء التي يحلو لمتابعيه أن ينادوه بها من باب التندّر أو التأثر بالشخصية التي أجادت الدور أيما إجادة في جزئها الأول، لم يستطع الحفاظ على هذه الصورة التي عهده عليها محبّوه في الجزء الأول من المسلسل، فتامر مرسي أحد أكبر بيادق المخابرات المصرية، ارتأى أن يمرّر ما يُملى عليه من قبل مشغّليه، في الجزأين التاليين من العمل الدرامي المخابراتي بامتياز.
“مرسي”، المنتج المصري المعروف، حبك رفقة مؤلف العمل باهر دويدار، سيناريو تفوح منه رائحة المخابرات المصرية بشكل واضح وفاضح، فإقحام موضوع الإرهاب في الجزء الثاني والثالث من العمل، لم يكن أمرًا هيّنًا بالنظر لمدى حساسية الموضوع وتشعّبه، خاصة وأن مصر لا تزال إلى الآن، عاجزة عن الانتصار في حربها على الجماعات الجهادية المنتشرة في مناطق متفرّقة من البلاد، وعلى رأسهم تنظيم “ولاية سيناء” الفرع المصري لتنظيم الدولة الإسلامية.
في الجزء الثاني من “كلبش”، بات جليا حجم التوتر والخلاف المصري مع دولتي قطر وتركيا، حيث لم تتردّد شركة “سينرجي للإنتاج الفني” المملوكة لجهاز الاستخبارات، في اتهام الدولتين بدعم الإرهاب في المنطقة وخاصة في مصر، كما أن الأمر لم يكن اعتباطيا من خلال تكرّر التهمة نفسها في مناسبات عديدة وفي حلقات بعينها، والمطّلع على حجم الخلاف بين البلدان الثلاثة، يتأكد بأن كل ذلك تم بعد إعطاء الضوء الأخضر من قبل المسؤولين النافذين في الدولة، بنقل المعركة من الميدان الإعلامي الكلاسيكي الذي تفوّقت فيه قطر إلى ميدان الإنتاج الدرامي.
لن نطيل الحديث عن “كلبش 2″، فكل حلقة من حلقات المسلسل الثلاثين تستدعي بمفردها تحليلا عميقا لمضمونها، خاصة وأن الجزء الثالث من هذا العمل الدرامي، كرّر نفس الأمر في الحلقتين الأوليتين، مع بداية درامية خيالية وهزيلة جدا للعمل، نفّرت عددا كبيرا من متابعيه في جزأيه الأوليين من مشاهدة هذا الجزء الذي يبدو أن لا رابع له استنادا إلى عدم رجوع صدى قوي لمدى تحقيقه لأهدافه المرسومة قبل إنتاجه.
في نظر المخابرات المصرية، الجميع خونة، إلا ضباط الشرطة، وحتى المعارضون مقسّمون لعملاء وشرفاء
في “كلبش 3″، أراد جهاز المخابرات المصرية اللعب على أوتار أخرى حساسة وأكثر حساسية من موضوع الإرهاب الذي ألحق به “سليم الأنصاري” بمفرده شرّ هزيمة في الجزء الثاني وبداية الثالث من المسلسل، حيث صعّد كاتب السيناريو في سرعة الأحداث، وأدخل رجال الأعمال والإعلام والجمعيات الحقوقية والمعارضين في رحى السيناريو المحبوك بدقّة هذه المرة، ليشبع المتابع البسيط للمسلسل، بنظرية المؤامرة المحاكة على مصر ودول المنطقة، في مقابلة يقظة جهاز المخابرات المصري لإفشال هذه المؤامرة قبل حدوثها.
في نظر المخابرات المصرية، الجميع خونة، إلا ضباط الشرطة، وحتى المعارضون مقسّمون لعملاء وشرفاء، فالشريف من يعمل جنبا إلى جنب مع المخابرات ووزارة الداخلية مثل “محمود علوان”، والعميل من يستنجد بدعم أجنبي عربي كان أم غربي، وفي ذلك إشارة لما يحدث على أرض الواقع في البلاد بعد الانقلاب العسكري، عندما خوّن عبد الفتاح السيسي ومعاونيه كل المعارضين بدون استثناء، إلا المسبّحين منهم بحمد النظام ، والشواهد على ذلك كثيرة، ولا يتسع المجال لحصرها.
رجال الأعمال هم الآخرون محلّ شبهة لدى النظام، فـ”أكرم صفوان” الشخصية المحورية التي تدور حولها الأحداث ونجح “سليم الأنصاري” في اختراقها، ليس مجرّد رجل أعمال مصري ناجح في مجاله، بل هو عميل دولي يقدّم خدماته لمن يدفع أكثر وعلى رأسهم “إسرائيل”، وهي المعلومة التي لم تتمكن المخابرات المصرية من معرفتها بعد إلى حد الحلقة 13، كما أنه بيدق بيد قوى أجنبية كبيرة، لا تريد الخير لمصر، وتجتهد أيما اجتهاد في تغيير نظامها وتمويل موجة ثانية من الثورات العربية تعجّل بإسقاطه.
إن الحديث عن سموم مسلسل “كلبش 3” لا يكفيها مقال واحد، فالرسائل التي يتم تمريرها في هذا العمل الدرامي خطيرة جدا لأن كاتبيها صناع للسياسة في مصر
ليس هذا فحسب، فالاختراق الغربي للدولة المصرية عن طريق رجال الأعمال وفق ما تم عرضه في المسلسل إلى حد الآن، لم يتوقّف عند محاولة شراء ذمم المعارضين، فالإعلاميون والناشطون الذين يعاديهم النظام في الواقع أيما معاداة، هم أيضا بيادق في يد جهات أجنبية تهدف من خلالهم لجمع المعلومات الاستخباراتية عن الدولة المصرية، وفي ذلك شيطنة ودمغجة لعقول المصريين البسطاء، ممن تحرّك فيهم شخصية “سليم الأنصاري” و”جلال بيك” الرافض للخضوع للعلاج من السرطان من أجل الوطن، الغيرة لمعاداة هذه الفئة الهامة من نخبة الشعب.
إن الحديث عن مسلسل “كلبش 3” لا يكفيه مقال واحد، فالرسائل التي يتم تمريرها في هذا العمل الدرامي خطيرة جدا لأن كاتبيها صناع للسياسة في مصر، لكن يمكننا أن نؤكد أن جهاز المخابرات المصري بات يستخدم الإنتاج الدرامي في البلاد لتحقيق مكاسب كبيرة ليس على الصعيد المحلي فقط، مكاسب، قد تكون وقتية، في ظل وعي شعبي ملفت للنظر، بات يرى في النظام أكبر خطر مهدد لأمن مصر واستقرارها، أكثر من أي وقت مضى.