إشكالية تطوير فرضيات الحروب الهجينة في إستراتيجية المواجهة الإيرانية

3236

استُخدِم تعبير الحرب الهجينة في كتابات ودراسات المسؤولين الأمريكيين منذ انتهاء حرب الشيشان خلال العقد الأخير من القرن الماضي، وظهرت عدة تعريفات للحرب الهجينة، وأول من عرفها كان المقدم في الجيش الأمريكي بيل نيمت، حين وصفها “بأنها نموذج عصري لحرب العصابات، حيث يستخدم فيها الثوار التكنولوجيا الحديثة وسبل حديثة لحشد الدعم المعنوي والشعبي”، ويقصد هنا بالتكنولوجيا الحديثة الأسلحة المتطورة التي اُستخدمت ضمن تكتيكات حرب العصابات، بشكل لم تعد الجيوش النظامية للدول الكبرى قادرة على التمييز فيما إذا كانت تخوض حربًا تقليدية أو غير تقليدية، فقد استخدم المقاتلون الشيشان صواريخ حديثة مضادة للدروع والطائرات، وفي إطار حروب العصابات، يتم استخدام العمليات الانتحارية ونصب الكمائن والهجوم المضاد.

مخطط يوضح مبادئ الحروب الهجينة

Sanchez Chairwoman, Jeff Miller and Adam Smith, Hybrid Warfare, United States Government Accountability Office, Washington, DC 20548, September 10, 2010, p16. 

تشكل الحرب الهجينة أو الحروب غير المتماثلة تطورًا كبيرًا في أجيال الحروب المعروفة، فهي الجيل الرابع للحروب، بعد التقليدية وغير التقليدية “النووية” والتكنولوجية، فهي النموذج الأكثر تطورًا وتأثيرًا، وقد انعكس هذا التطور بفعل الأساليب والمبادئ والأدوات التي تعتمدها في مسرح العمليات العسكرية، كما أنها توظف المبادئ السياسية والعسكرية والاجتماعية معًا، ففي الوقت الذي تسعى فيه إلى استنزاف العدو عسكريًا، تسعى بالمقابل إلى الضغط عليه سياسيًا، إلى جانب تهيئة الحواضن الاجتماعية في مجال الدعم والمساندة لتقوم بدورها المطلوب، ودعم كل الجهود المذكورة بتغطية إعلامية كبيرة، من أجل الوصول إلى التأثير والهدف المطلوب، المتمثل بإنهاك العدو وهزيمته من الداخل.

وتتلخلص مبادئ الحروب الهجينة أو الحروب غير المتماثلة بما يأتي: 

  1. استخدام الأسلحة الخفيفة والمتطورة وذات التأثير العملياتي الفاعل، وتندرج في هذا الإطار القاذفات المحمولة على الكتف أو المواد المتفجرة أو ما تسمى بالعبوات الناسفة، إلى جانب الأسلحة المضادة للدبابات والدورع.
  2. توظيف وسائل الاتصال الحديثة، سواء من حيث خلق شبكة واسعة تضم كل الجماعات المقاتلة، بما يشبه المركزية الاتصالاتية، من أجل التواصل والتنسيق الدائم، إلى جانب تسخيرها في عمليات التنصت والتجسس على الجيوش المعادية.
  3. اعتماد أساليب التخفي والذوبان والانغماس بين التجمعات السكانية الكبرى، والعمل على تهيئة حاضنة اجتماعية توفر لها الدعم المالي واللوجستي، سواء كان ذلك عن طريق الإكراه أم الترغيب.
  4. العمل على خلق حالة من التنسيق الإستراتيجي مع شبكة من الحلفاء خارج الحدود، وتوظيف هذا التنسيق في مجال الاستخبارات والتدريب وتبادل المعلومات وغيرها.
  5. استخدام أساليب إرهاب كارثية للترويع كالعربات المفخخة بكميات ضخمة من المتفجرات والعمليات الانتحارية واللجوء إلى القسوة في قتل المدنيين العزل بطرق همجية وشنيعة كالذبح والحرق والإلقاء من أماكن مرتفعة.
  6. المزج بين أساليب وتكتيكات الحرب التقليدية وحروب العصابات عند الهجوم على الوحدات والمواقع العسكرية.
  7. التهديد المستمر لاستقرار الدولة وتعطيل دولاب عملها.
  8. فتح القنوات مع الإعلام بتعدد أشكاله، واستخدام شبكات التواصل الاجتماعي عبر الإنترنت لتغطية عملياتها إعلاميًا.
  9. نشر الشائعات والأكاذيب وترويج المغالطات لحشد الدعم المعنوي بين عناصرها وأنصارها، وهدم الثقة والروح المعنوية بين المواطنين.
  10. التعاون مع عصابات الجريمة المنظمة في التجارة غير الشرعية للآثار والبترول وتهريب الأفراد والسلاح.

كما يوضح المخطط أدناه المفاهيم الرئيسة التي تشتمل عليها فرضيات الحرب الهجينة.

 

Luis Lázaro Tijerina, The realities of hybrid war: Debunking US analysis of Russian forces, Katehon, 03 Sep 2016,.

وفيما يتعلق بإيران، عملت إيران على تطوير فرضيات الحرب الهجينة أو غير المتماثلة ابتداءً من العام 1979، إذ شكلت الحرب العراقية الإيرانية البداية العملية لهذه الإستراتيجية، ومن ثم اتجهت في مراحل لاحقة إلى ترسيخ هذه التجربة في ميادين أخرى، وبالصورة التي هي عليها اليوم في العراق وسوريا واليمن ولبنان، التي تدخل جميعها ضمن إستراتيجيات الموجات البشرية المرتبطة بالحرس الثوري الإيراني، وذلك لمواجهة حالة الاختلال في موازين القوة العسكرية بينها وبين أعدائها.

إستراتيجية إيران العسكرية في منطقة الخليج العربي تولي فرضيات الحروب غير المتماثلة أهمية كبرى، وذلك بفعل محدودية قدراتها العسكرية التقليدية

إذ سعت إيران إلى تعويض الفارق الكبير الذي حصل مؤخرًا بفعل التطور الذي أصاب المنظومة العسكرية الخليجية، بإنشاء وتسخير جيوش مليشياوبة تهدد هذه الدول من الداخل، مع تهيئة البيئة اللازمة لنجاح هذه الإستراتيجية، وذلك عن طريق إشاعة حالة من الفوضى السياسية والإعلامية والاجتماعية في داخل هذه البلدان.

ففي تقرير أصدره مركز الدراسات الإستراتيجية والدولية في واشنطن، الذي جاء بعنوان “الإبحار في مياه الخليج بعد الاتفاق النووي: الاستفزازت البحرية الإيرانية وتحديات السياسة الأمريكية”، أشار التقرير إلى أن إستراتيجية إيران العسكرية في منطقة الخليج العربي تولي فرضيات الحروب غير المتماثلة أهمية كبرى، وذلك بفعل محدودية قدراتها العسكرية التقليدية، كما أن إستراتيجيتها البحرية هي الأخرى تأثرت بهذا المتغير، فهي تولي أهمية كبيرة للزوارق البحرية الصغيرة، مع توظيف عدد كبير من الصواريخ المحمولة المضادة للسفن، هذا إلى جانب تطوير منظومة الدفاع الصارخي الساحلي.

التنظيم العسكري للحرس الثوري الإيراني، لا يتقيد بالمبادئ الإستراتيجية من حيث عمليات السوق والتعبئة والإستراتيجية والتكتيك، بل هو قريب من التنظيمات العسكرية المليشياوية

ويشير التقرير إلى أن السبب الرئيسي الذي يدفع إيران لجعل الحروب الهجينة أو غير المتماثلة، ركيزة أساسية في عقيدتها العسكرية، يعود إلى أسباب كثيرة أهمها عدم جاهزية القوات المسلحة الإيرانية للتحرك العسكري الفاعل، خصوصًا في العمليات التي تتطلب تحركًا سريعًا، هذا إلى جانب البطء الكبير الذي تعاني منه عمليات تطوير وتحديث قدراتها العسكرية، فضلًا عن الاختلالات الهيكلية والموضوعية التي تعاني منها عقيدتها العسكرية، وهو ما دفعها بالمجمل إلى إيلاء الحرس الثوري الإيراني أهمية إستراتيجية عليا، بوصفه الجهة التي يمكن التعويل عليها في تطبيق فرضيات الحروب غير المتماثلة في ميدان العمليات العسكرية، فهو الجهة الرئيسة التي ترتبط به كل المليشيات والجماعات المسلحة بالشرق الأوسط، كما أنه الجهة التي تمتلك كبرى المؤسسات الاقتصادية داخل إيران وخارجها، وهو ما جعله قادرًا على تمويل عمليات التحديث الدفاعي والعسكري لمنظموته التسليحية.

إلى جانب أنه قادر على النجاح في هذه المهمة، كون التنظيم العسكري للحرس الثوري الإيراني، لا يتقيد بالمبادئ الإستراتيجية من حيث عمليات السوق والتعبئة والإستراتيجية والتكتيك، بل هو قريب من التنظيمات العسكرية المليشياوية، وهو ما جعله قادرًا على عمليات التمدد المرن والتعايش مع الضغوط الدولية حتى الآن، إلا أنه هو الآخر يعاني من مشاكل إستراتيجية كما تقول الباحثة في مركز واشنطن مليسا دالتون، فهو غير قادر على إغلاق منطقة الخليج العربي لفترة طويلة، كما أن أقصى ما يمكن فعله هو الهجمات التعرضية بالصورايخ وغيرها، إذ إن فعالية الحرس الثوري الإيراني والشبكات المرتبطة به، تتضح في البر أكثر من الميادين الأخرى. 

وبالمجمل تتضح أبرز تكتيكات إيران العسكرية في مجال الحروب غير المتماثلة في إطار الآتي: 

  1. تطوير برامج نووية مزدوجة الاستخدام “المدني والعسكري”، وذلك من أجل مواجهة حالة النقص بينها وبين جيرانها، وتوفير قدرة ردع ضد الوجود الأجنبي في المنطقة، ففي الوقت الذي تدعي فيه إيران أن عمليات تخصيب اليورانيوم للأغراض السلمية والمدنية، إلا أن التطور الكبير الذي وصلت إليه عمليات تخصيب اليورانيوم تشير إلى غير هذه النوايا، بل تؤكد كلها بأنها تطمح بأن تكون قوة نووية في المنطقة.
  2. إيجاد مخارج إستراتيجية جديدة للردع في المنطقة، وتبرز هنا الصورايخ الباليستية، إذ يعتبر الحرس الثوري الإيراني، هذه المنظومة العماد الرئيس لإستراتيجية الردع الإيراني مستقبلًا، والمتغير الوحيد القادر على مواجهة خصوم إيران في أي أعمال عسكرية ضدها.
  3. التفوق الكمي في الأفراد وأنظمة التسليح، أكثر من الاعتماد على التكنولوجيا الحديثة من أجل خوض الحرب.
  4. توظيف أعداد كبيرة من السفن الصغيرة، والمزودة بصورايخ “بحر – بحر” المضادة للسفن الكبيرة الموجودة في منطقة الخليج.
  5. اعتماد إستراتيجية “اضرب واهرب”، وذلك من أجل شل حركة السفن الكبرى أو القوات المتقدمة، إذ هنا سيكون التركيز على المجموعات المقاتلة الصغيرة، كونها ستكون قادرة على الحركة السريعة، كما أنها ستكون قادرة على إصابة أهدافها بدقة، واستنزاف العدو، مقابل تقليل عدد الخسائر.
  6. تعاني أغلب المنظومات العسكرية الإيرانية وتحديدًا القوة الجوية من التقادم، ولذلك عملت إيران على إيلاء عمليات التحديث العسكري أهمية كبرى، إلى جانب إعطاء أهمية كبرى للأسلحة المستوردة من الصين وروسيا وكوريا الشمالية، باعتبارها القيمة العسكرية الوحيدة المتوافرة أمام إيران حاليًّا، بفعل العقوبات الدولية المفروضة عليها.

بالمجمل عملت إيران وبصورة مستمرة على تطوير فرضيات الحروب الهجينة، لمواجهة أي تحديات إستراتيجية قد يفرضها الوجود العسكري الأمريكي في المنطقة اليوم، أو التصاعد الكبير في المنظومة العسكرية لدول الخليج وعلى رأسها المملكة العربية السعودية، فهي عملت على تسخير الجغرافيا ومواءمتها مع طبيعة قدراتها العسكرية، خصوصًا في ظل الفارق الكبير بينها وبين خصومها، سواء كان ذلك على مستوى الأسلحة أو المعدات أو المبادئ الإستراتيجية، فهي عملت وباستمرار على الموازنة بين الهجوم والدفاع في إستراتيجيتها العسكرية، كما أنها عملت على تسخير المزايا الجغرافية والعسكرية التي تمتلكها في أي صراع مستقبلي تدخل فيه، إذ تعول إيران إستراتيجيًا على عدة أمور أهمها:

  1. رقعتها الجغرافية الشاسعة.
  2. الموجات البشرية القادمة من الخلف، وتحديدًا من العراق.
  3. اعتماد إستراتيجية “حرب الفسيفساء”، التي تقوم على المزاوجة بين الحرس الثوري الإيراني بهياكله ومؤسساته، والجماعات المسلحة المرتبطة به في العراق وسوريا واليمن والبحرين.
  4. التأكيد على الأساسيات التي تمثلها فرضيات “حرب العصابات”، كون إيران تدرك جيدًا بأنها غير قادرة على خوض حروب نظامية في أي حرب تقع عليها، وبالتالي فإن النظر إلى التخطيط العسكري الإيراني في الوقت الحاضر، يشير إلى أن إستراتيجية إيران العسكرية ترتكز على خوض حروب عصابات داخل المدن والقرى، فالملاحظ على التدريبات العسكرية التي يقوم بها الحرس الثوري الإيراني، أنها تقوم بالمجمل في ظل بيئات حضرية، وهو ما يشير إلى تصميم إيران على جر القوات العسكرية المعادية المتقدمة إلى داخل المدن، ومن ثم الإجهاز عليها، حيث ستكون القوى العسكرية المهاجمة في ذلك الوقت محرومة من المزايا العسكرية التي يقدمها الغطاء الجوي، كما أنها ستكون عرضة لعمليات استنزاف كبرى قد تجبر على خوضها.