EEC) يعود إلى سنة 1969 وتلته اتفاقية تعاون أخرى سنة 1976.
تعتبر العلاقة بين الدولة التونسية وأوروبا قديمة بقدم التاريخ والقرب الجغرافي، وإن كان البعض يشير للفترة الحفصية كانطلاقة ثابتة للتعاون التجاري المتبادل عبر الاتفاقات الرسمية مع القناصل الأوروبيين إلا أن تاريخ أول اتفاق تجاري للدولة الوطنية الحديثة مع المجموعة الاقتصادية الأوروبية (ومن ثم جاء مؤتمر برشلونة في نوفمبر 1995 لوضع اللبنات الأولى للشراكة الإقليمية الأورومتوسطية وهو ما مكن تونس من أن تكون أول دولة في جنوب البحر المتوسط توقع اتفاقية شراكة مع الاتحاد الأوروبي أنشأت على إثرها منطقة تجارة حرة تم بمقتضاها تفكيكك المعاليم الجمركية للمنتجات الصناعية بين الطرفين على مدار 12 عامًا (1996-2008).
اتفاق كثيرًا ما يروج له ضمن وثائق رسمية للطرفين التونسي والأوروبي، بأنه تعاون ناجح مكن المؤسسات الصناعية التونسية (قرابة 3500 شركة تونسية) من الاستفادة من الإصلاحات والتدابير المصاحبة لتحسين جودة إنتاجها من أجل التنافس مع الشركات الأوروبية ونفاذ المنتجات بكل سهولة داخل السوق الأوروبية الموحدة وهو ما فتح المجال منذ نوفمبر 2012 لإطلاق برنامج (ALECA) بعد حصول تونس على صفة الشريك المتميز.
ما اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق؟
تخوض تونس منذ بداية عهد يوسف الشاهد سلسلة من المفاوضات مع الشريك الأوروبي بشأن مشروع “الأليكا” لتبلغ في 29 من أبريل 2019 جولتها الرابعة، وكانت أولى الجولات جرت خلال شهر أبريل 2016 وتلتها جولتان خلال سنة 2018 ويأتي الحديث عن اتفاق الشراكة في وقت يعاني فيه الاقتصاد التونسي من صعوبات متزايدة ضاعفت من تأزيم الواقع اليومي للمواطن وتصاعد الجدل بشأن خيارات الحكومات المتعاقبة وتوصيات المؤسسات المالية الدولية وتأثير نفوذ بعض القوى فيها، ومن ضمنها مشروع اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق (ALECA) الذي جاء كتتمّة لاتفاق الشراكة سابق الذكر الموقع منذ سنة 1995 كمعاهدة طويلة الأمد بين الطرفين.
هذه الاتفاقية وعلى عكس التطمينات الأوروبية يراها العديد من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في تونس خطوة جديدة للانفتاح بعد الانتهاء من الإصلاحات الهيكلية
تتكون مسودة الاتفاق من 14 فصلاً وتدور مضامينها حول 5 محاور رئيسية في قطاعات أهمها الخدمات والفلاحة والطاقة والتنمية المستدامة، الهدف منها ضمان الاندماج التدريجي للاقتصاد التونسي في السوق الداخلية الأوروبية ومواءمة تشريعاتها مع تشريعات الاتحاد الأوروبي وتتبنى معاييره ضمن قواعد إجرائية موحدة تحت مسمى “التنسيق التنظيمي” الذي لا يستثني أيّ نشاط أو قطاع، ولكن يحاول أن يمهل زمنيًا بعض القطاعات الحساسة كالفلاحة مثلاً وفق الحالات والوضعيات وميزان قوى المفاوضات.
تروج المفوضية الأوروبية لهذه الشراكة عبر الندوات والمحافل الرسمية كجزء من مشروع ورؤية سياسية إقليمية تهدف إلى خلق مناخ للحوار والاستقرار والسلم ولتحقيق التقارب والتكامل والاستمرار في إدماج تونس في عمقها الأورومتوسطي وإدماج اقتصادها في السوق الداخلية الأوروبية التي تضم أكثر من 500 مليون مستهلك وفي تحسين ظروف الاستثمار والمناخ العام للأعمال بفضل إرساء أطر قانونية مماثلة للمعايير الأوروبية.
هذه الاتفاقية وعلى عكس التطمينات الأوروبية يراها العديد من الفاعلين الاقتصاديين والاجتماعيين في تونس خطوة جديدة للانفتاح بعد الانتهاء من الإصلاحات الهيكلية، تؤسس لإنشاء منوال اقتصادي نيوليبرالي في تونس يفرض التقليص التدريجي وإلغاء دعم ومساعدة الدولة والتدخل في الأسواق عبر تعديل الأسعار وجعلها مفتوحة للمؤسسات الأوروبية.
هذه الاتفاقية لم تخضع إلى اليوم لدراسة تقييميّة شفافة وموضوعية ومعلنة للوقوف على انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية
أوروبا التي لا ترى في تونس أي مصالح تجارية مباشرة، تسعى عبر بلادنا للامتثال والتبعية لنموذجها الاقتصادي وتعزيز نفوذها في حوض المتوسط وشمال إفريقيا الذي تعتبره إرثا إستراتيجيًا يجب الحفاظ عليه ومن أجل خلق دائرة من الدول الصديقة الدائمة تؤمن نفوذها السياسي ومستقبلها الاقتصادي، لاسيما أن هذه الدول تمثل أسواقًا تجارية للمنتجات الأوروبية ومن أجل تفادي منافسة التكتلات العالمية كالولايات المتحدة الأمريكية والصين.
انعكاسات اتفاق 1995
لا بد من التذكير دائمًا أن اتفاق الشراكة الذي تم توقيعه سنة 1995 لم يكن مشفوعًا بدراسة استشرافيّة من طرف الحكومة التونسية لتبيان تداعياته على الاقتصاد الوطني بصفة عامة وتأثيره المباشر على المؤسسات الوطنية والنسيج الصناعي رغم تحذيرات البنك الدولي سنة 1994 من أن هذه الاتفاقية يمكن أن تؤدي إلى اضمحلال ما لا يقل عن 48% من المؤسسات التونسية نظرًا لعدم استعدادها لتحمل ضغط المنافسة للشركات الأوروبية لعدم التكافؤ في المستوى التكنولوجي والعلمي والحوافز المالية والإدارية.
كما أن هذه الاتفاقية لم تخضع إلى اليوم لدراسة تقييميّة شفافة وموضوعية ومعلنة للوقوف على انعكاساتها الاقتصادية والاجتماعية، فعن أي مشروع جديد وشراكة إستراتيجية نتحدث في ظل هذه السياسة الاعتباطية؟
هذه الاتفاقية المتواصلة أدت إلى اندثار النسيج الوطني الصناعي المحلي بنسبة قدرت بـ55% في المدة بين 1996 و2010 حسب ما تبين من خلال دراسة قام بها المعهد الوطني للإحصاء بتعاون مع البنك الدولي صدرت سنة 2013، وقد شمل هذا الاندثار أهم القطاعات المتعلقة بالتشغيل مما أدى إلى تفاقم البطالة وانسداد الآمال في التشغيل داخل البلاد وهذا ما فسر به البعض تفشي ظاهرة الهجرة السرية التي لم تكن معهودة في بلادنا قبل سنة 1995، حيث يقدر عدد مواطن الشغل المفقودة بين 300 ألف و500 ألف موطن شغل في المدة بين 1996 و2010.
بادرت مجموعة من الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني والنشطاء بدعوة الحكومة التونسية إلى الإيقاف الفوري للمفاوضات المتعلقة باتفاق الأليكا
وفي تقرير رسمي صادر سنة 2008 أكّدت وزارة الصناعة التونسية أن ثلث المؤسسات الصناعية (فقط) من استطاعت المنافسة في ظل اتفاق الشراكة وثلث يجد صعوبات في المزاحمة (وهو ما أدى بالحكومة في ذلك الوقت إلى استصدار قانون إنقاذ المؤسسات التي تشكو صعوبات اقتصاديّة) والثلث الأخير اندثر وخرج من النسيج الصناعي وخاصة المؤسسسات الصغرى والمتوسطة.
هذا في وقت كان اتفاق الشراكة يضمن تمتع المؤسسات الأوروبية بالإعفاء التام من دفع الضرائب الموظفة على المؤسسات المحلية كما يمتعها بمنح قدرها البنك الدولي في تقريره الصادر سنة 2014 بعنوان “الثورة غير المكتملة» بقيمة مليار دولار أمريكي سنويًا.
مخاطر الأليكا بعيون المجتمع المدني
ما يحسب للمجتمع المدني التونسي دوره الفعال في إخراج مفاوضات الغرف المظلمة التي تعتمدها الحكومة التونسية مع الشريك الأوروبي إلى العلن، فقد نجحت منذ أواسط سنة 2018 أن تجعلها قضية محورية في الساحة التونسية وتبادر إلى تنظيم وإدارة ندوات وورش علمية تناقش “اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق“ مع عدد كبير من الخبراء والفاعلين الاجتماعيين والاقتصاديين لتبيان انعكاساته الاقتصادية والاجتماعية.
كما بادرت مجموعة من الأحزاب السياسية والمنظمات الوطنية وجمعيات المجتمع المدني والنشطاء بدعوة الحكومة التونسية إلى الإيقاف الفوري للمفاوضات المتعلقة باتفاق الأليكا والتقييم الجدي والشفاف لكل الاتفاقيات السابقة مع الاتحاد الأوروبي والالتزام بعدم استكمال جولات التفاوض في غياب تفويض برلماني يحدد مهام وصلاحيات الوفد المفاوض، وبالتعاطي الشفاف مع كل بنود الاتفاقية ذات الطابع الإستراتيجي وذلك بنشر كل المعطيات والمعلومات والوثائق المرتبطة بمسار التفاوض.
سياسة الدعم الفلاحي داخل الاتحاد الأوروبي تسمح بتخفيض الأسعار بشكل دائم على بعض المنتجات الفلاحية، لذلك ستكون جهود تفكيك التعريفات الجمركية أقل كلفة بالنسبة للاتحاد الأوروبي
الموقف المناهض للأليكا ساهمت في بلورته الفعاليات المدنية والمهنية المذكورة بعد نقاشات ودراسات قطاعية أكّدت ضرورة رفض بنود الاتفاقية بصيغتها الحاليّة والتحذير منها، وأجمعت على مجموعة من المخاطر منها:
1. المنافسة غير المتكافئة للمنتجات الفلاحية ومشتقاتها
إن سياسة الدعم الفلاحي داخل الاتحاد الأوروبي تسمح بتخفيض الأسعار بشكل دائم على بعض المنتجات الفلاحية، لذلك ستكون جهود تفكيك التعريفات الجمركية أقل كلفة بالنسبة للاتحاد الأوروبي وستكون لها عواقب أضعف على سوقها الداخلية لأنها تحمي قطاعها الفلاحي.
بالإضافة إلى أن ALECA ستفرض على المزارعين التونسيين المعايير الأوروبية وسيكون وصول المنتجات التونسية إلى السوق الأوروبية خاضعًا لحواجز غير جمركية (خاصة معايير الصحة والسلامة) في حين أن السوق التجارية والغذائية التونسية ستكون مفتوحة بالكامل أمام المنتجين والموزعين الأوروبيين وبالتالي فإن آثار الانفتاح ستفيد المنتجات الأوروبية بشكل أساسي.
2. خطر الاستيلاء على الأراضي
ستتاح للمستثمرين الأوروبيين الفرصة للحصول على الأراضي الأكثر خصوبة، ونشر وسائل إنتاج ومكننة متطورة، وهو ما ينطوي على مخاطر تسريع تركيز الأراضي بيد المستثمرين وتكثيف الزراعة على حساب الفلاحين ويهدد السيادة الغذائية التونسية.
3. تهميش صغار الفلاحين
يمثل القطاع الفلاحي 17% من فرص العمل واليد العاملة التونسية ويوجد 45% منهم في المناطق الداخلية، وأمام ما ستتعرض له الفلاحة التونسية من منافسة شرسة من المنتج الأوروبي، سيكون صغار الفلاحين عرضة لمخاطر التلاشي والإضعاف هذا إذا أخذنا بعين الاعتبار أن 75% من الفلاحين التونسيين يمتلكون أقل من 10 هكتارات، تمثل 25% فقط من إجمالي الأراضي الصالحة للزراعة وينتجون حصريًا للسوق المحلية والوطنية.
تندرج المفاوضات في قطاع الفلاحة تحديدًا في سياق توصيات قديمة للمؤسسات المالية الدولية، حيث أشارت دراسة للبنك العالمي في 2006 إلى “التخلي عن الزراعات غير الرابحة مثل القمح وتربية الماشية”
ووفقًا لدراسة خاصة بالاتحاد التونسي للفلاحة والصيد البحري قد يختفي في غضون السنوات القليلة القادمة 250.000 فلاح.
4. فقدان السيادة الغذائية لتونس
لا تتجاوز نسبة الأمن الغذاء في تونس بالفعل 55% وجزء كبير من الأراضي تنتج لتوزع خيراتها بالأسواق الأجنبية.
ومع بنود الاتفاق في شكله الحاليّ، فإن قطاعات الحبوب والماشية التي تعتبر “فلاحة غذائية إستراتيجية”، ستتعرض لخطر الاختفاء، وسيتاح للفلاحة التونسية التخصص في المنتجات الأقل أهمية مثل الفواكه الجافة والزهور على حساب الزراعات الكبرى وبالتالي ستتعرض البلاد لتقلبات الأسعار ما سيؤدي إلى زيادة مطردة في تكلفة الغذاء.
وتندرج المفاوضات في قطاع الفلاحة تحديدًا في سياق توصيات قديمة للمؤسسات المالية الدولية، حيث أشارت دراسة للبنك العالمي في 2006 إلى “التخلي عن الزراعات غير الرابحة مثل القمح وتربية الماشية”.
5. زيادة الضغط على الموارد الطبيعية
تشير دراسة للمرصد التونسي للاقتصاد إلى أن أحد جوانب السيادة الغذائية أن “الموارد الطبيعية بما فيها الأرض والمياه، يجب استخدامها أساسًا لإطعام السكان”.
سوف تفرض متطلبات التصدير والسوق المزيد من الضغط على الموارد الطبيعية، لا سيما المياه، ولا يخفى على الجميع أن تونس تحتل المرتبة 158 من أصل 180 دولة من حيث نصيب الفرد من موارد المياه العذبة، والوضع يتدهور تدريجيًا مع تغير المناخ وسيكون هذا على حساب احتياجات الزراعة الغذائية المحلية.
المشكل الرئيسي الذي يواجه الفلاحة التونسية للامتثال لهذه التدابير ، ضعف الوصول إلى الخبرة التقنية والعلمية، وعدم الكفاية الزمنية للامتثال لمتطلبات الصحة والسلامة
6. تهديد التنوع البيولوجي
من المخاطر المحتملة لهذه الاتفاقية أيضًا تهديدها للتنوع البيولوجي، حيث أثبتت التجربة أن التنافس بين المنتجات الزراعية التونسية والمنتجات الغربية ينتهي بالقضاء على البذور المحلية لعجزها على منافسة البذور المستوردة من حيث المردودية، وهو ما حصل مع الحبوب التونسية التي أوشكت على الانقراض بفعل التخلي عنها من الفلاح التونسي لفائدة حبوب موردة من الولايات المتحدة الأمريكية وأوروبا تعرف بمردوديتها العالية والخطر نفسه يهدد مشاتل الزيتون التونسية بعد انتشار المشاتل الإسبانية في السوق بأسعار مناسبة وبميزات إنتاج أفضل، وهو ما قد يتوسع ليشمل كل المنتجات إثر البدء في تنفيذ اتفاقية التبادل الحر والشامل والمعمق مع الاتحاد الأوروبي.
7. الامتثال للمعايير الأوروبية: معايير لا يمكن الوصول إليها
بموجب ALECA وقانون السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات المصادق عليه منذ أسابيع في مجلس نواب الشعب، سيجبر القطاع الفلاحي التونسي على ملاءمة معاييره مع معايير الصحة والسلامة الأوروبية (SPS).
والمشكل الرئيسي الذي يواجه الفلاحة التونسية للامتثال لهذه التدابير، ضعف الوصول إلى الخبرة التقنية والعلمية، وعدم الكفاية الزمنية للامتثال لمتطلبات الصحة والسلامة نظرًا لقلة فرص الحصول على التمويل وعدم توافق المتطلبات مع أساليب الإنتاج والتسويق على المستوى الوطني.
8. الصحة غير متاحة للجميع
سوف يعاني القطاع الصحي أيضًا من أثر اتفاقية ALECA، حيث ستتمكن المصحات الأوروبية الكبيرة من مباشرة نشاطها في تونس، وفي أحدث دراساته يخشى المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية (FTDES) من أن هذا الأمر سيزيد الهوة بين القطاع العام المتدهور والقطاع الخاص الذي لا يمكن للجميع الوصول إليه.
من ناحية أخرى، تغطي الأدوية الجنسية المنتجة في تونس بأسعار منخفضة 70% من احتياجات السوق، لكن اتفاقية ALECA ستمدد حماية براءات الاختراع إلى ما بعد 20 عامًا، وبالتالي سيمنع تسويق العديد من الأدوية الجنسية، مما يعني زيادة حادة في أسعار الأدوية ومن ناحية أخرى، فإن المختبرات التونسية في الواقع لا يمكنها الوصول إلى السوق الأوروبية. فتظل براءات الاختراع وفترة الحماية الإضافية لها ومبدأ سرُّ الأعمال ثلاث آليات يمكن أن تمس مبدأ الحق في العلاج.
يتعين على الدولة التونسية أن تتفاوض في وضع غير متكافئ، حيث تتلقى الكثير من التمويلات الأوروبية لبرامجها الحكومية
9. خطر السيطرة على الصفقات العمومية
لم توقع تونس على اتفاقية الأسواق العمومية للمنظمة العالمية للتجارة، إلا أن أسواقها ستفتح بتوقيع اتفاقية التبادل الحر الشامل والمعمق بشكل يساوي المؤسسات الأوروبية بنظيراتها التونسية والعكس وبالعكس، ولئن سيساعد ذلك على تلقي عروض أفضل في بعض الحالات، فإن هذا الانفتاح يعد خطرًا محدقًا بالمؤسسات المتوسطة والصغرى.
من جهة أخرى يجب الانتباه الى أن عروض المناقصات تقدم بعملة اليورو والحال أن التونسيين يتكبدون خسائر سعر الصرف في المقابل.
10. آلية التحكيم تسمح للشركات بمقاضاة الدول ولكن ليس العكس
ستسمح اتفاقية ALECA للمستثمر الأجنبي بمقاضاة الدولة التونسية أمام محكمة تحكيم خاصة لإلغاء التدابير ذات المصلحة العامة (الحماية الاجتماعية، الصحة، المعايير البيئية، إلخ.. ) على الرغم من أنه يكاد يكون من المستحيل الاعتراف بمسؤولية الشركات متعددة الجنسيات في حالة انتهاك حقوق الإنسان أو الكوارث البيئية.
ولنا مثال قريب زمنيًا وجغرافيًا، حيث عمدت شركة فرنسية “فيوليا” (Véolia) سنة 2012، وفي إطار اتفاق شراكة بين القطاعين العام والخاص(PPP) ، بمقاضاة الحكومة المصريّة بعد أن رفّعت في الأجر الأدنى للعمال المصريين من 55 دولارًا إلى 95 دولارًا وذلك بتهمة “التقليص في مرابيحها بسبب إجبارها على دفع مبلغ 40 دولارًا كزيادة لكل عامل بالشركة” وطالبت بغرامة بـ50 مليار دولار.
11. التفاوض القسري واللامتكافئ
يتعين على الدولة التونسية أن تتفاوض في وضع غير متكافئ، حيث تتلقى الكثير من التمويلات الأوروبية لبرامجها الحكومية، ويرتبط بعضها باحتمال تنفيذ اتفاق التبادل الحر الشامل والمعمق، بالإضافة إلى ذلك، تتعرض تونس أيضًا لضغوط أوروبية للتحكم في تدفق المهاجرين غير الشرعيين من سواحلها.
يبقى الأخطر في تناول الدولة التونسية لبنود “الأليكا”، استباق دوائر القرار في القصبة للاتفاق بتمرير وتفعيل بعض أحكامه رغم تواصل المفاوضات عن طريق جملة من القوانين والأوامر والقرارات الترتيبية، يمكن أن نذكر منها قانون الشراكة بين القطاع العام والخاص، صلاحية براءات الاختراع الأوروبية في تونس وقانون السلامة الصحية للمواد الغذائية وأغذية الحيوانات ومشروع التحكيم الدولي الخاص لفض النزاعات بين المستثمرين والدولة التونسية، خطوة يراها العديد من المتابعين تقيم الحجة على استقلالية القرار الحكومي والانضباط لتوصيات المؤسسات والقوى الدولية.