بعد أقل من أسبوعين على إقرار مجلس الشورى السعودي (البرلمان) مشروع نظام جديد يحمل اسم “الإقامة المميزة” يتيح العديد من المزايا المتعلقة بحرية التنقل والحركة من وإلى السعودية ذاتيًا لغير السعوديين مقابل رسوم مادية، ها هي الإمارات تسير على نفس الدرب عبر ما يسمى بـ “الإقامة الدائمة” أو البطاقة الذهبية.
النظام الجديد كشف عنه الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، نائب رئيس الإمارات، وحاكم دبي، في تغريدة له قبل يومين قال فيها إنه “سيتم منح الإقامة الدائمة (البطاقة الذهبية) للمتميزين وللمواهب الاستثنائية ولكل من يساهم بإيجابية في قصة نجاح دولة الإمارات… نريدهم شركاء دائمين معنا في مسيرتنا وجميع المقيمين في دولة الإمارات هم إخوة لنا وجزء من أسرتنا الكبيرة في دولة الإمارات”.
تأتي هذه الخطوة بعد أشهر قليلة من قرار مجلس الوزراء الإماراتي العام الماضي منح تأشيرات لمدة 10 أعوام للأجانب الذين لديهم استثمارات في الدولة تصل قيمتها إلى 10 ملايين درهم إماراتي، إذا كانت أصولهم غير العقارية نسبتها 60 %، على الأقل، ما أثار الكثير من التساؤلات حول دوافعها الحقيقة ومدى قدرتها على معالجة أوجه القصور في معدلات النمو التي يعاني منها الاقتصاد الإماراتي خلال الفترة الأخيرة.
سيتم منح الإقامة الدائمة "البطاقة الذهبية" للمتميزين وللمواهب الاستثنائية ولكل من يساهم بإيجابية في قصة نجاح دولة الإمارات .. نريدهم شركاء دائمين معنا في مسيرتنا .. وجميع المقيمين في دولة الامارات هم إخوة لنا وجزء من أسرتنا الكبيرة في دولة الإمارات ..
— HH Sheikh Mohammed (@HHShkMohd) May 21, 2019
تأشيرات بضوابط
نظام الإقامة المعمول به في الإمارات كان يتيح حصول الأجانب على تأشيرات لفترات محددة، ويجب تجديدها بصورة دورية، غير أن السلطات الإماراتية كانت قد ألمحت إلى احتمالية منحها تصريحات بالإقامة لفترات أطول، استجابة لضغوط داخلية وخارجية، يستفيد منها المستثمرون على وجه التحديد
في نوفمبر الماضي اعتمدت الحكومة الإماراتية قرارًا يمنح تأشيرات طويلة الأمد لمدة 5 سنوات أو 10 سنوات، وفق ضوابط تستهدف منح هذا النوع من تأشيرات الإقامة طويلة الأمد للمستثمرين الكبار والطلاب المتفوقين والباحثين المميزين، تتناسب طرديًا مع حجم استثمارات كل وافد داخل الدولة.
حاكم دبي خلال إعلانه عن البطاقة الجديدة أشار إلى أن “الدفعة الأولى من مستحقي الإقامة الدائمة “البطاقة الذهبية” 6800 مستثمر تبلغ إجمالي استثماراتهم 100 مليار درهم”، ما دفع بعض المحللين إلى تفسير ذلك بأن القرار يقف وراءه هدف اقتصادي بحت
وبحسب القرار تمنح تأشيرة إقامة متجددة لمدة 10 سنوات لكل مستثمر بقيمة لا تقل عن 10 ملايين درهم (2.7 مليون دولار)، فيما تمنح أخرى لمدة 5 سنوات للمستثمر العقاري بقيمة 5 ملايين درهم (1.3 مليون دولار)، ومثلها لرواد الأعمال بمشاريع بقيمة 500 ألف درهم (136 ألف دولار).
كما يمنح الطلاب المتوفقين في الثانوية العامة والجامعات وأسرهم تأشيرة إقامة لمدة 5 سنوات، بينما تمنح أخرى لمدة 10 سنوات لأصحاب المواهب التخصصية والباحثين في مجالات العلوم والمعرفة من أطباء ومتخصصين وعلماء ومخترعين ومبدعين في مجال الثقافة والفن.
أطلقنا اليوم نظام الإقامة الدائمة "البطاقة الذهبية" في دولة الامارات … إقامة دائمة للمستثمرين ، وللكفاءات الاستثنائية في مجالات الطب والهندسة والعلوم وكافة الفنون .. الدفعة الأولى من مستحقي الإقامة الدائمة "البطاقة الذهبية" 6800 مستثمر تبلغ إجمالي استثماراتهم 100 مليار درهم .
— HH Sheikh Mohammed (@HHShkMohd) May 21, 2019
هدف اقتصادي بحت
حاكم دبي خلال إعلانه عن البطاقة الجديدة أشار إلى أن “الدفعة الأولى من مستحقي الإقامة الدائمة “البطاقة الذهبية” 6800 مستثمر تبلغ إجمالي استثماراتهم 100 مليار درهم”، ما دفع بعض المحللين إلى تفسير ذلك بأن القرار يقف وراءه هدف اقتصادي بحت، في ظل ما يعاني منه اقتصاد الدولة من تباطؤ في النمو خلال العامين الماضيين، هذا بجانب خشية تكرار سيناريو 2008 حين تعرض النظام العالمي برمته لأزمة اقتصادية خانقة كادت أن تطيح بالأنظمة الشابة في ذلك الحين.
تقرير أخر لمؤسسة “ريكارو” الأميركية للأبحاث الاقتصادية، كشف عن تراجع نصيب المواطن في الإمارات بنسبة 3.5 في المائة على التوالي، ليبلغ 67 ألف دولار سنويا، مرجعا ذلك إلى ارتفاع نسب التضخم
الهدف الأكثر حضورًا على مائدة مناقشة هذا القرار يتمثل في جذب المستثمرين وتطمينهم أكثر من خلال عاملي الأمان والاستقرار وذلك وفق ما ذهب إليه أسامة الرحمة المدير التنفيذي لـ «الفردان للصرافة» في تصريحاته لـ “خليج تايمز“، الذي أكد أنه وفق هذه الخطوة «بإمكان المستثمرين وضع استراتيجيات طويلة الأمد، وضخ مزيد من الأموال في أعمالهم التجارية القائمة، وهو ما يسمح ببقاء رؤوس الأموال داخل دولة الإمارات العربية المتحدة».
وهو نفس ما ذهب إليه قال الدكتور أزاد موبين مؤسس ورئيس مجلس إدارة «أستر دي إم» للرعاية الصحية حين أشار إلى أن مبادرة البطاقة الذهبية جاءت لتلبي رغبة الوافدين الذين قضوا سنوات طويلة بالدولة، مضيفًا أن: «القدرة على الحصول على إقامة دائمة ستحثُّ كثيرين من دول متعددة على المجيء إلى الإمارات، وتأسيس أعمال تجارية بها، وهذا بدوره سينعكس على تحسين حالة الاقتصاد وزيادة فرص العمل».
هبوط في بورصة دبي بداية العام الحالي
لمعالجة التباطؤ في النمو
انخفضت معدلات النمو في الاقتصاد الإماراتي بمقدار 0.1 نقطة مئوية منذ الاستطلاع الذي أُجري في الفصل الماضي، إلى ثلاثة في المائة في 2019 و3.2 في المائة في 2020، فيما تباطأ في 2018 عن المتوقع إلى 1.7 في المائة، مع نمو اقتصاد دبي 1.94 في المائة، في أبطأ وتيرة منذ انكماش سجله في 2009 حين عرقلت أزمة ديون الاقتصاد، وفق استطلاع وكالة رويترز العالمية للأنباء ربع السنوي لآراء خبراء اقتصاديين.
الاستطلاع الذي شمل 23 خبيرًا اقتصاديًا تضمن رؤية غير متفائلة حيال معدلات النمو في الاقتصاد الإماراتي السنوات القادمة، الأمر الذي دفع البعض إلى ضرورة اتخاذ إجراءات ضرورية للحيلولة دون المزيد من الانحدار في وقت يشهد فيه الاقتصاد العالمي هزات تلو الأخرى لا سيما في مجال سوق النفط.
بنك الإمارات دبي الوطني في مذكرة له في إبريل الماضي كان قد توقع “أن يكون نمو الإمارات في 2019 أسرع مقارنة بـ2018 مع اكتمال مشاريع إكسبو 2020 وعلى خلفية زيادة الإنفاق الحكومي”، إلا أنه في الوقت ذاته عبر عن تخوفاته بأن “المخاطر تنحصر في الجانب النزولي”.
تقرير آخر لمؤسسة “ريكارو” الأميركية للأبحاث الاقتصادية، كشف عن تراجع نصيب المواطن في الإمارات بنسبة 3.5 في المائة على التوالي، ليبلغ 67 ألف دولار سنويًا، مرجعًا ذلك إلى ارتفاع نسب التضخم، بالإضافة إلى زيادة الرسوم وأسعار الخدمات التي أضافتها الحكومة، خلال العام الماضي ومطلع العام الجاري، ما أدى إلى تراجع القدرة الشرائية للعملة الإماراتية وانخفاض نصيب المواطن من الناتج المحلي.
وفي السياق ذاته منيت بورصة دبي بالهبوط الأكبر في منطقة الخليج العربي بداية العام الجاري، حيث هوت بأكثر من 24 بالمائة وفق رصد متخصص في يناير/كانون الثاني الماضي، فيما أظهرت بيانات حديثة للمركز الإحصائي لدول الخليج، ارتفاع معدل التضخم بدول المجلس بصفة عامة، بنسبة 3.7% في ديسمبر/ كانون الأول الماضي على أساس سنوي.
تأتي هذه الهزة في ظل تصعيد النظام الإماراتي فرض المزيد من الضرائب خاصة ضريبة القيمة المضافة -التي رفعت التضخم العام الماضي بشكل كبير- وتتسبب في انهيار اقتصاد المواطنين والمقيمين، الأمر الذي صعد من وتيرة المطالب التي تنادي بضرورة إلغاء هذه الضريبة التي أدت إلى فقدان ثقة الكثير من المستهلكين وتراجع عمليات البيع والشراء.
ويبقى السؤال: هل من الممكن أن ينجح نظام البطاقة الذكية في توفير عنصري الأمن والاستقرار الذي ينشدهما المستثمر الأجنبي بما ينعكس إيجابا على المناخ العام الذي بدوره ينقذ الاقتصاد الإماراتي من معدلات تباطؤه المستمرة خلال الفترة الماضية؟ إلا أنه من المبكر جدًا الإجابة عن هذا السؤال لتبقى التجربة وتفاصيل تطبيقها هي المحك الرئيسي لنجاح هذه الخطوة.