أخلى جيش نظام الأسد مواقعه في المنطقة الحدودية العازلة مع “إسرائيل”، بالتزامن مع أخبار تقدم قوات الثوار في المحافظات السورية والمدن الكبرى، بدءًا من يوم 28 نوفمبر/ تشرين الثاني، الأمر الذي استغلته قوات الاحتلال الإسرائيلي التي سارعت إلى نشر وحداتها في المنطقة العازلة وهضبة الجولان المحتل.
تبع ذلك تصريح لرئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، أعلن فيه أن “اتفاق فض الاشتباك لعام 1974 بين سوريا وإسرائيل قد انهار عمليًا”، مؤكدًا أنه أصدر أوامر بـ”السيطرة” على المنطقة العازلة، كما احتل جبل الشيخ داخل الأراضي السورية، وقال إن هذه التحركات تأتي استنادًا إلى “تقييم للأحداث الأخيرة في سوريا”.
في خطوة عدوانية أخرى، وافقت حكومة تل أبيب يوم 15 ديسمبر/ كانون الأول الجاري، بالإجماع على خطة قدمها نتنياهو لتعزيز الاستيطان الإسرائيلي في الجولان المحتل، بقيمة تزيد عن 11.13 مليون دولار، مستغلة تطورات الأوضاع في سوريا، وهو ما دانته مصر والسعودية وتركيا وروسيا وألمانيا وغيرها.
في المقابل، دعا أحمد الشرع، في 14 ديسمبر/ كانون الأول 2024، مجلس الأمن الدولي إلى التدخل لردع “إسرائيل” وإجبارها على الالتزام باتفاق فضّ الاشتباك. مؤكدًا أن سوريا غير قادرة حاليًا على الدخول في مواجهة عسكرية مباشرة، مشددًا على أهمية التركيز على الجهود الدبلوماسية في هذه المرحلة.
وأوضح الشرع أن التحركات الإسرائيلية الأخيرة تشكّل انتهاكًا صارخًا للاتفاقية، مطالبًا المجتمع الدولي بتحمل مسؤولياته لحماية السيادة السورية ومنع المزيد من التصعيد، لافتًا إلى أن “إسرائيل تجاوزت خطوط فض الاشتباك بشكل واضح، ما يهدد بإشعال تصعيد خطير وغير مبرر في المنطقة”.
ما هي اتفاقية فضّ الاشتباك؟
وُقعت اتفاقية فض الاشتباك بين سوريا و”إسرائيل” في 31 مايو/ أيار 1974، برعاية من الأمم المتحدة ووساطة دولية، بهدف إنهاء حالة الاقتتال بين الطرفين بعد حرب أكتوبر 1973. جاءت الاتفاقية نتيجة لمفاوضات مكثفة تحت إشراف الأمم المتحدة، حيث سعت إلى وضع أُسُس لشروط وقف إطلاق النار وترسيم الخطوط بين القوات السورية والإسرائيلية.
شملت الاتفاقية إنشاء منطقة عازلة تمتد على طول الحدود بين سوريا وهضبة الجولان المحتلة، تخضع لمراقبة دائمة من قبل قوة تتبع للأمم المتحدة تسمّى “الأندوف”، كعنصر أساسي في تنفيذ الاتفاق، تقوم بدوريات منتظمة وترفع تقارير إلى مجلس الأمن لضمان الالتزام به. كما تضمنت الاتفاقية ترتيبات تفصل بين المواقع العسكرية السورية والإسرائيلية تم تحديدها بخطوط فصل تُعرف باسمَي “ألفا” و”برافو”.
الخلفية التاريخية
في 6 أكتوبر/ تشرين الأول 1973، شنّت كل من مصر وسوريا حربًا ضد “إسرائيل” بهدف استعادة أراضيهما المحتلة؛ سيناء المصرية ومرتفعات الجولان السورية. استمرت المعارك حتى 24 أكتوبر/ تشرين الأول، عندما تم التوصل إلى وقف لإطلاق النار برعاية دولية. وبعد أشهر من المفاوضات المكثفة، تُوّجت الجهود الدبلوماسية بتوقيع اتفاقية في 31 مايو/ أيار 1974، أنهت رسميًا حالة الحرب بين الأطراف.
وافقت “إسرائيل” بموجب الاتفاقية على إعادة مدينة القنيطرة إلى سوريا وضفة قناة السويس الشرقية إلى مصر، مقابل انسحاب القوات السورية والمصرية إلى ما وراء خطوط الهدنة، وإنشاء منطقة عازلة تخضع لرقابة قوة أممية خاصة لضمان تنفيذ الاتفاقية.
قاد وزير الخارجية الأميركي هنري كيسنجر الوساطة بين الأطراف، حيث أُجريت المفاوضات في واشنطن قبل التوصل إلى صيغة نهائية. وفي 29 مايو/ أيار، أبدت “إسرائيل” موافقتها على المقترح النهائي، وجرى التوقيع الرسمي في 31 مايو/ أيار في مدينة جنيف السويسرية، بحضور ممثلين عن الولايات المتحدة والاتحاد السوفيتي والأمم المتحدة.
بنود الاتفاقية وشروطها
تُقسّم بنود الاتفاقية على قسمَين رئيسيَّين: الأول يختص بآليات فض الاشتباك بين القوات السورية والإسرائيلية، والثاني يُحدد شكل عمل قوة مراقبة فض الاشتباك التابعة للأمم المتحدة “الأندوف” في المنطقة العازلة.
البنود الرئيسية للقسم الأول من الاتفاقية هي:
1. تلتزم كل من سوريا و”إسرائيل” بوقف كامل لإطلاق النار استنادًا إلى قرار مجلس الأمن رقم 338 لعام 1973.
2. فصل القوات:
- تُنقل القوات الإسرائيلية إلى غرب الخط “أ”، باستثناء منطقة القنيطرة، حيث تنتشر غرب الخط “أ-1”.
- تُدار الأراضي الواقعة شرق الخط “أ” من قبل سوريا، ويُسمح بعودة المدنيين السوريين إليها.
- تُنشأ منطقة فصل بين الخطين “أ” و”ب” تخضع لإشراف قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك.
- تُنقل القوات السورية إلى شرق الخط “ب”.
- تُقام منطقتان لتقييد الأسلحة والقوات، إحداهما غرب الخط “أ” والأخرى شرق الخط “ب”.
- يتمتع كل طرف بحرّية العمل الجوي ضمن حدوده دون تدخل الطرف الآخر.
3. يتم إنشاء منطقة بين الخط “أ” والخط “أ-1″، تُمنع فيها أي تواجد عسكري.
4. يتم توقيع الاتفاقية في موعد أقصاه 31 مايو/ أيار 1974، على أن تبدأ عملية فضّ الاشتباك في غضون 24 ساعة، وتكتمل خلال 20 يومًا.
5. يتم تنفيذ ومراقبة الاتفاقية من قبل قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك.
6. يُعاد جميع أسرى الحرب من الطرفين خلال 24 ساعة من توقيع الاتفاقية.
7. تُعاد جثامين الجنود من الجانبَين خلال 10 أيام من توقيع الاتفاقية في جنيف.
8. الاعتراف بالاتفاقية على أنها خطوة مؤقتة نحو سلام دائم، وليست اتفاقية سلام نهائي، بناءً على قرار مجلس الأمن رقم 338.
تفاصيل المنطقة العازلة
تمتد المنطقة العازلة بطول حوالي 80 كيلومترًا، وعرض يتراوح بين 500 متر و10 كيلومترات، بمساحة تقارب 235 كيلومترًا مربعًا. تقع المنطقة على طول “الخط البنفسجي”، وهو خط وقف إطلاق النار الذي يفصل بين مرتفعات الجولان وبقية سوريا. تحدها من الشمال حدود لبنان (الخط الأزرق)، وتبتعد عن حدود الأردن جنوبًا بمسافة كيلومتر واحد.
خرق الاتفاقية
شهدت الاتفاقية خروقات من جانب الاحتلال الإسرائيلي، من بينها في يوليو/ تموز 2018، حيث أسقط الاحتلال الإسرائيلي طائرة سورية من طراز سوخوي بعد اتهامها باختراق المجال الجوي الإسرائيلي، بينما أكدت دمشق أن الطائرة كانت تنفّذ مهام ضد تنظيم “داعش”. كما نفّذت “إسرائيل” ضربات جوية استهدفت مواقع عسكرية داخل سوريا، مدّعية أنها رد على إطلاق صواريخ أو طائرات مسيّرة باتجاه أراضيها.
وفي ديسمبر/ كانون الأول 2018، أعرب مجلس الأمن الدولي عن قلقه البالغ إزاء هذه الخروقات، محذرًا من خطر اندلاع نزاع خطير في المنطقة نتيجة الانتهاكات المستمرة لاتفاقية فض الاشتباك، ودعا المجلس جميع الأطراف إلى الالتزام الكامل ببنود الاتفاقية واحترام وقف إطلاق النار.
ادّعاء انتهاء الاتفاقية
في تصعيد خطير، ادّعى رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، في 8 ديسمبر/ كانون الأول، أن اتفاقية فصل القوات لعام 1974 بين سوريا و”إسرائيل” قد انهارت، مشيرًا إلى أن الجيش الإسرائيلي سيطر على منطقة جبل الشيخ والمنطقة العازلة بالكامل. وأوضح نتنياهو، في كلمة مصورة قرب الحدود السورية، أن جنود النظام السابق تخلّوا عن مواقعهم، ما دفع الجيش الإسرائيلي إلى التوسع في المنطقة.
قبل هذا التصعيد، كانت “إسرائيل” تحتل نحو 70 كيلومترًا مربعًا فقط من إجمالي مساحة جبل الشيخ البالغة 700 كيلومتر مربع، بينما توزعت المساحة المتبقية بين سوريا ولبنان. حيث وجّه الجيش الإسرائيلي إنذارات لسكان 5 بلدات سورية جنوب البلاد بالبقاء في منازلهم حتى إشعار آخر، مبررًا ذلك بالتحركات العسكرية الجارية على خلفية التطورات الراهنة.
إدانات عربية وأجنبية
إلى ذلك، ندّد المتحدث باسم الأمم المتحدة ستيفان دوجاريك، بهذه التحركات الإسرائيلية، مؤكدًا أن قوة الأمم المتحدة لمراقبة فض الاشتباك (أوندوف) أبلغت “إسرائيل” أن هذه الأعمال تمثل انتهاكًا صارخًا لاتفاقية 1974.
كما أدانت الشبكة السورية لحقوق الإنسان الهجمات الإسرائيلية المتصاعدة على الأراضي السورية، ووصفت هذه العمليات بأنها الأعنف في تاريخ الغارات الإسرائيلية، حيث استهدفت نحو 130 موقعًا حيويًا عبر 500 غارة جوية، بالإضافة إلى عمليات توغل برّية أسفرت عن سيطرة كاملة على قمة جبل الشيخ وقرى مجاورة له.
وأكد بيان الشبكة السورية أن “إسرائيل” استغلت انسحاب الميليشيات الإيرانية من سوريا وانهيار النظام السابق لتبرير توسعها، مشددًا على أن هذه الذرائع لم تعد قائمة. ودعت الشبكة الجامعة العربية والمجتمع الدولي إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لوقف الانتهاكات الإسرائيلية واستعادة الأمن والاستقرار في المنطقة.
في السياق ذاته، أدانت دول عربية وأجنبية من بينها السعودية والأردن والعراق وتركيا وألمانيا، التوغل الإسرائيلي في المنطقة، واعتبرته انتهاكًا صارخًا للسيادة السورية وتهديدًا للأمن الإقليمي.
في بيانها، أكدت السعودية على أهمية احترام الاتفاقيات الدولية وحماية سيادة الدول، مطالبةً بوقف التصعيد الإسرائيلي الفوري. من جهتها، شددت الأردن على ضرورة التزام “إسرائيل” بحدود اتفاقية فض الاشتباك لعام 1974، محذرةً من تداعيات هذه الانتهاكات على استقرار المنطقة.
بدوره، ندد العراق بالتحركات الإسرائيلية، واصفًا إياها بأنها محاولة استغلال للوضع الراهن في سوريا لتحقيق مكاسب عسكرية غير مشروعة. فيما أصدرت تركيا بيانًا مماثلًا، أكدت فيه رفضها القاطع لأي إجراءات أحادية الجانب تؤدي إلى تصعيد التوترات في المنطقة، ودعت إلى العودة إلى طاولة الحوار والالتزام بالقرارات الدولية للحفاظ على الأمن الإقليمي والدولي.
يذكر أن المجتمع الدولي والأمم المتحدة لا يعترفان باحتلال “إسرائيل” لأراضي الجولان، سواء التي احتلتها عام 1967 أو التي ضمّتها عام 1981 أو ما تقوم باحتلاله مؤخرًا.