لا يمكننا إنكار أنّ اتّباع نظامٍ غذائيّ متوازنٍ وصحيّ يسير جنبًا إلى جنب مع عيش نمط حياةٍ صحيّ. العديد من الدراسات الحديثة وغيرها ممّا ورد في تاريخ القدماء تخبرنا بذلك. فما تختار تناوله وما تختار تجنّب تناوله لطالما كانت عواملَ مهمّة في الإصابة ببعض الأمراض أو تجنّب أخرى.
نحنُ نعلم ذلك فيما يتعلّق بمرض السكري وأمراض القلب وارتفاع ضغط الدم والسُمنة وغيرها من الحالات التي يمكن أنْ تؤثّر عليها الأنظمة الغذائية سواء سلبًا أو إيجابًا. وربّما أصبح من الواضح لنا على سبيل المثال، أنّ الالتزام بنظامٍ غذائي صحي وممارسة الرياضة بانتظام يعدّان حجر الزاوية في أي خطة فعّالة للتعامل مع مرض السكري. لكن هل ينفع الأمر نفسه مع السرطان؟
وفقًا لدراسة جديدة نُشرت قبل يومين فالإجابة نعم. نظامك الغذائي قد يزيد من خطر الإصابة بالسرطان أكثر مما تعتقد. وبلغة الأرقام، تُشير الدراسة المنشورة في مجلة “JNCI Cancer Spectrum” التابعة لجامعة أكسفورد البريطانية، إلى أنّ أكثر من 80 ألف حالة سرطان جديدة بين البالغين ممّن تزيد أعمارهم عن 20 عامًا تُعزى أساسًا إلى الأنظمة الغذائية غير الصحية والتي ترتبط بزيادة خطر الإصابة بالعديد من أنواع السرطان.
تقودنا هذه النتيجة لسؤالين مهمّين أساسيّين؛ كيف يؤثّر ما نأكله على نموّ الخلايا السرطانية في أجسامنا؟ وإذا كان الطعام يساعد في نموّها، هل نستطيع من خلال تجويع أجسامنا ممّا نأكله أنْ نضع حاجزًا أمام نموّ الخلايا السرطانية بعد بدئها بالتكاثر والانتشار في أنحاء الجسم؟
تجويع السرطان
لنتفق بدايةً أنّ السرطان لا يعدّ مرضًا تحدّده الجينات والطفرات الوراثية كما كان يُعتقد في السابق، بل هو نتيجة تفاعلٍ معقّد بين الجينات والعوامل البيئية الأخرى بما في ذلك التغذية. ولو انطلقنا من نقطة أنّ العلاجات الحديثة تستهدف الخلايا السرطانية والأورام محاولةً تجنّب إلحاق الضرر بغيرها من الخلايا السليمة المجاورة التي تعمل بشكلٍ طبيعيّ دون أنْ يكون ذلك فعّالًا في كثيرٍ من الأحيان، فماذا لو كان بالإمكان إيقاف مدّ تلك الخلايا بالطاقة اللازمة لتكاثرها وانتشارها؟
بعض الخيارات الغذائية الصحية تمنع تولّد الأوعية في الخلايا السرطانية وبالتالي نموّها وتكاثرها
يعدّ تمدّد الأوعية الدموية السمة الأساسية والمميّزة لكلّ أنواع السرطان الذي يبدأ كتجمّعات من الخلايا الصغيرة جدًا التي تتحوّل بمجرّد حدوث عملية تولّد الأوعية الدموية داخلها (Angiogenesis) حتى يبدأ الأكسجين والإمدادات الغذائية الكافية بالوصول إلى تلك الخلايا لتبدأ بعدها الأورام بالتكاثر والتضاعف بشكلٍ سريع وغزو الأنسجة والخلايا المحيطة بها. كما تفتح تلك الأوعية المجال للخلايا السرطانية بالخروج مع الدورة الدموية إلى الجسم في المرحلة المتأخرة من السرطان. ما يعني أنّه إذا كان تولّد الأوعية هو نقطة تحوّل الورم الحميد إلى آخر خبيث، فهل يمكننا من خلال قطع الإمدادات الغذائية عن تلك الأوعية معالجة السرطان بالفعل؟
الإجابة نعم. ثمّة نوع آخر من العلاج مختلف تمامًا عن العلاج الكيميائيّ يركّز أساسًا على الأوعية الدموية المغذّية للأورام السرطانية ويهدف إلى تجويعها ومنع الإمدادات عنها. لكنّ هذا النوع من العلاجات دائمًا ما يأتي في المراحل المتقدمة من المرض بعد انتشار الأورام. ما يجعلنا نتساءل ثانيةً فيما إذا كان بالإمكان منع تولّد الأوعية قبل تكوّنها من الأساس.
في حديثه لمنصّة تيد، يقول الطبيب وخبير أمراض السرطان وليام لي أنّ النظام الغذائي يمثل حوالي من 30 إلى 35% من أسباب السرطان البيئية، الأمر الذي جعله يتساءل عن إمكانية استخدام الأطعمة المضادة لتوليد الأوعية طبيعيًا وتحسّن من جهاز المناعة فتمنع نموّ السرطان. وما توصّل إليه كان أنّ العديد من الخيارات الغذائية قد تكون في بعض الأحيان أكثر فعاليةً من الأدوية في مقاومة السرطان.
سبعة أصنافٍ أساسية
يمكن تصنيف الخلل في النظام الغذائي السيء الذي قد يزيد خطر الإصابة بالسرطان إلى سبع مجموعات غذائية رئيسية: الفواكه والخضروات والحبوب الكاملة واللحوم الحمراء والمصنّعة ومنتجات الألبان والمشروبات المحلّاة بالسكر. ولو تتبّعنا أنظمتنا الغذائية اليومية لوجدنا أنّ معظمنا يستهلك الكثير من السكّر واللحوم الحمراء أو المصنّعة دون الحصول على حاجة أجسادنا من الفواكه والخضروات والحبوب والألبان.
العديد من أنواع الخلايا السرطانية تتطلب الميثيونين الخارجي للبقاء على قيد الحياة. وبالتالي فإن تقييد استهلاك الجسم له قد يعدّ وسيلةً واعدة للعلاج
فعلى سبيل المثال، تستهلك الخلايا السرطانية الجلوكوز بمستوياتٍ أعلى من غيرها من الخلايا، وبالتالي قد يساعد تقليل وصول السكّر إليها في إبطاء نموّها وتكاثرها. ومع ذلك، فاتّباع نظامٍ غذائيّ منخفض السكّر قد يساعد في مكافحة بعض أنواع السرطان وليس جميعها. جزءٌ منها غالبًا ما يجد بدائل للجلوكوز بغض النظر عن كمية السكّر التي يستهلكها المريض.
كما أنّ منتجات الألبان والأطعمة الغنية بالكالسيوم والحبوب الكاملة والخضروات والفواكه تقلّل بدورها من خطر الإصابة بالعديد من أنواع السرطان. من جهةٍ ثانية، تركّز الأبحاث الآن على الميثيونين، أحد الأحماض الأمينية الأساسية المكوّنة للبروتينات والمتواجد بكثرة في البيض واللحوم الحمراء أو المصنّعة. فالعديد من أنواع الخلايا السرطانية تتطلب الميثيونين الخارجي للبقاء على قيد الحياة. وبالتالي فإن تقييد استهلاك الجسم له قد يعدّ وسيلةً واعدة للعلاج.
هل يمنع الأكل الصحي من الإصابة بالسرطان؟
الإجابة هي نعم ولا. من المهمّ أنْ نعرف أنّ الكثير ممّا نعرفه عن تأثير التغذية على الصحّة الجسدية يأتي من دراسات وأبحاث الارتباط. أيْ أنّ الباحثين ينظرون إلى مجموعةٍ من الناس ويأخذون منهم البيانات المبلّغ عنها ذاتيًا فيربطون بينها. على سبيل المثال، وجدت دراسة أنّ الأشخاص الذين يأكلون الطماطم مرّتين إلى ثلاث مرات في الأسبوع لديهم نسب أقل بالإصابة بسرطان البروستاتا نظرًا لأنّها مصدر جيد للايكوبين أحد المضادات لتولّد الأوعية.
تناول نظامٍ غذائيّ صحيّ ومتوازن على الرغم من أنّه ليس الطريقة السحرية لتجنّب السرطان أو هزيمته، إلا أنه وبكلّ تأكيد يُجدي نفعًا في كثيرٍ من الحالات والأوقات
المشكلة هي أنّ هؤلاء الأشخاص قد يكون لديهم عادات صحية أخرى مثل ممارسة الرياضة أو قد يكونون من ذوي الوضع الاجتماعي-الاقتصادي الجيّد الذي يمكن أنْ يوفّر لهم رعاية صحية أفضل. ما يعني أنّ سلوكًا واحدًا أو التركيز على نمطٍ واحد من الأنماط الغذائية لا يكفي للتأثير على خطر الإصابة بالسرطان. فإذا كنتَ تأكل ما يكفي من الخضروات والفواكه لكنّك تأكل اللحوم المصنّعة كلّ يوم فمن غير المحتمل أنّك في الطريق الصحيح لتجنّب السرطان.
يُشير تقرير أجرته الجمعية الأمريكية لأبحاث السرطان إلى أنّ حوالي نصف حالات الوفاة الناجمة عن السرطان في الولايات المتحدّة مرتبطة بسلوكيّات يمكن الوقاية منها وتجنّبها. ما يعني أنّ المرض الذي يبدو للكثيرين عصيّ على الهزيمة والعلاج، يمكن تجنّب العديد من حالاته من خلال تعديل نمط الحياة الكلّي، سواء من خلال التغذية او ممارسة الرياضة.
وبالطبع، الكثير من الناس يلتزمون بالتوصيات الصحية ويُصابون بالسرطان في حين أنّ هناك من يدخّن ويكثر من الكحول والأطعمة غير الصحية كلّ يوم دون أنْ يُصابوا بالمرض. لهذا، من المهمّ أنْ نتذكّر أنّه لا وجود لأسلوبٍ حتميّ هنا. لكن في النهاية، تُخبرنا الدراسات الحديثة جميعها أنّ تناول نظامٍ غذائيّ صحيّ ومتوازن على الرغم من أنّه ليس الطريقة السحرية لتجنّب السرطان أو هزيمته، إلا أنه وبكلّ تأكيد يُجدي نفعًا في كثيرٍ من الحالات والأوقات.