انتصار غير متوقع حقّقه حزب بهاراتيا جاناتا في الانتخابات البرلمانية التي جرت الأسبوع الماضي تسمح لرئيس الوزراء الهندي الحالي ناريندرا مودي بفترة ثانية ليصبح بذلك أول حزب يحقق الأغلبية داخل أروقة البرلمان مرتين متتاليتين منذ عام 1984.
البيانات الرسمية الصادرة عن مفوضية الانتخابات في الهند أظهرت أن حزب جاناتا حل في المركز الأول وحصل على 302 مقعد من أصل 542 مقعدا وذلك بالمقارنة مع 282 مقعدًا حصل عليها في 2014، وهو العدد الذي يزيد عن المقاعد المطلوبة لتحقيق الأغلبية في مجلس النواب بالبرلمان وعددها 272 مقعدًا.
يعزز إعادة انتخاب مودي رئيسا للوزراء تصاعد التيار الشعبوي اليميني في العالم، الذي نجح في السنوات الأخيرة في تحقيق عدة نجاحات في مناطق عدة، من الولايات المتحدة إلى البرازيل وإيطاليا، هذا التيار الذي يتبنى مواقف صارمة تجاه الهجرة والحمائية ويميل في كثير من سياساته إلى العنصرية الدينية والعرقية.
كيف نجح؟
تساؤلات عدة فرضت نفسها مع الإعلان عن نتائج الانتخابات التي جاءت على عكس المتوقع في ظل مسؤولية سياسات مودي وحزبه عن تراجع الهند اقتصاديًا ومجتمعيًا، فضلًا عن تعزيزها للتوتر مع باكستان وتهديد أمن واستقرار البلاد، هذا بخلاف غياب الديمقراطية عن الكثير من المشهد السياسي الذي يتسم بالعنصرية الدينية والإقصائية.
الكاتب الهندي بانكاح ميشرا في مقال نشرته صحيفة “نيويورك تايمز” استعرض فيه دوافع فوز مودي في الانتخابات التي جرت مؤخرًا، ساخرًا مما وصفه “الحكمة الفجة” التي يتمتع بها رئيس الوزراء والتي كان لها ارتدادات عكسية كبيرة على الاستقرار الاقتصادي والأمني للدولة.
ميشرا في مقاله أشار إلى أن “الهند عانت على مدى خمس سنوات من حكمته الفجة، وكان أكثرها غير مبرر في تشرين الثاني/ أكتوبر 2016، عندما قامت الحكومة بشكل مفاجئ بسحب 90% من العملة الورقية من التداول، فمن تدمير الاقتصاد الهندي إلى المغامرة بحرب ذرية في جنوب آسيا، أثبت زعيم أكبر ديمقراطية في العالم أنه فاقد للأهلية، وخلال حملة هذا الربيع، أبرز أنه يؤمن بالاستعلاء الإثني- الديني (للهندوس)، فكان الخوف والبغض وسيلتيه السياسيتين الرئيسيتين”.
كما لفت إلى قمع الأصوات المعارضة واستخدام لغة التهديد والوعيد بحق كل من يغرد خارج السرب، مضيفًا أن “مقدمي البرامج المؤيدين لمودي قاموا بتصيد (أعداء الوطن)، وقامت مجموعات من الذباب الإلكتروني بإحداث دمار كبير من خلال الإعلام الاجتماعي، وأخذت تهدد النساء بالاغتصاب، وقامت العصابات بقتل المسلمين والهندوس المنبوذين، وقام العنصريون الهندوس بالاستيلاء على المؤسسات واختراقها، من الجيش والقضاء إلى الإعلام والجامعات، في الوقت الذي وجد فيه العلماء والصحفيون المعارضون أنفسهم عرضة للاغتيال والاعتقال التعسفي، ومن خلال دعوات زائفة، مثل القول بأن الهندوس القدماء اخترعوا هندسة الجينات والطائرات، فإن مودي وحزبه الهندوسي القومي يلقون بالبلد كلها في جحيم الغباء، ونشر الحساب الرسمي للجيش الهندي على (تويتر) الشهر الماضي أن الجيش اكتشف بصمات أقدام عملاق الجليد (ييتي)”.
في عهد مودي تزايدت أعمال العنف ضد المسلمين بسبب طقوسهم الدينية أحيانا وأكلهم للحوم البقر أحيانا أخرى، فيما أعيدت تسمية العديد من المدن التي تحمل اسماء إسلامية، وتم تغيير بعض الكتب المدرسية للتقليل من أهمية إسهامات المسلمين في الهند
وأوضح أن مودي استفاد بشكل كبير “من الدعايات المبهرجة حول توفير المراحيض والحسابات البنكية والقروض الرخيصة والإسكان والكهرباء وجرار الغاز لبعض أفقر الهنود، والتبرعات الكبيرة من أكبر الشركات الهندية سمحت لحزبه بأن ينفق أكثر من أي حزب آخر في حملته لإعادة انتخابه، وصور الإعلام الذي تملكه هذه الشركات مودي على أنه منقذ الهند، وأحزاب المعارضة محقة بأن تقول بأن لجنة الانتخابات، التي كانت في الماضي إحدى المؤسسات الهندية النزيهة القليلة، أصبحت اليوم منحازة حزبيا دون أي خجل”.
هذا بخلاف عزفه على وتر مغازلة الهندوس حيث قام الأسبوع الماضي “بارتداء زي راهب هندوسي في كهف في موقع حج الهندوس، ما أثار سخرية النخبة المتحدثة باللغة الإنجليزية في الهند، لكن بالنسبة للكثير من الهنود الذين شعروا بأنهم موضع ازدراء وتهميش من المؤسسة المتغربة، ظهر سياسي هندوسي لا يخجل من لهجته الإنجليزية الثقيلة”.
علاوة على ما ذكره ميشرا فإن رئيس الوزراء الهندي نجح في توظيف التوتر مع باكستان لصالحه، مستغلًا رغبة الشعب الهندي في الاستقرار والقلق من إحداث أي تصعيد في ابتزازهم سياسيًا، وهو ما حصد ثماره بالفعل داخل صناديق الاقتراع، التي لعبت فيها الدعاية السوداء دورًا محوريًا في تحقيق هذه النتيجة.
احتفالات بين أوساط المناصرين لحزب بهاراتيا جاناتا
مستقبل غامض للمسلمين
يعد مودي، العضو السابق في المجموعة الهندوسية المتشدّدة “راشتريا سوايامسيفاك سانغ” (هيئة المتطوعين القوميين) التي تطبق أساليب شبه عسكرية، والذي كان الوزير الأول في غوجارات عام 2002 عندما أودت أعمال شغب بأكثر من ألف شخص معظمهم من المسلمين، أحد أبرز الشخصيات المثيرة للقلق في الهند بالنسبة للمسلمين البالغ عددهم 170 مليونًا.
ففي عهده تزايدت أعمال العنف ضد المسلمين بسبب طقوسهم الدينية أحيانا وأكلهم للحوم البقر أحيانا أخرى، فيما أعيدت تسمية العديد من المدن التي تحمل اسماء إسلامية، وتم تغيير بعض الكتب المدرسية للتقليل من أهمية إسهامات المسلمين في الهند، هذا بخلاف التحريض الإعلامي الممارس ضدهم على مرأى ومسمع من سلطات الدولة.
عدد من المسلمين في الهند أعربوا عن قلقهم إزاء الغموض الذي ينتظر مستقبلهم بعد فوز مودي بفترة ثانية كرئيس للحكومة، إذ يرى محي الدين آزاد، أستاذ اللغة العربية بولاية أتر براديش، شماليّ الهند، أنه باكتساح حزب بهاراتيا”نحن على وشك التحول إلى مواطنين درجة ثانية”، مضيفا “إذا نجح مودي بتولي السلطة من جديد، فإننا سنضيع”.
بينما كانت الاحتفالات تهز أرجاء مكاتب بهاراتيا جاناتا في بومباي وغيرها من ولايات الهند، كانت الأجواء أشبه بالسكون والصمت التام الذي خيم على مكاتب حزب المؤتمر
أما أستاذ الكيمياء السابق، حسن خالد عزمي، فيعتبر أن “الولاية الأولى بالنسبة لحزب ’بهاراتيا جناتا’ كانت مرحلة تجريبية، وعندما يعودون للسلطة، سيعمدون إلى تنفيذ برنامجهم المجهز منذ وقت طويل”، علمًا بأن الهندوس يشكلون 80% من 1.3 مليار هندي، فيما تضم الهند ثاني أكبر مجتمع مسلم في العالم.
وفي السياق ذاته يوضح أسد الدين أويسي، وهو أحد أكثر النواب المسلمين شهرةً والنائب الوحيد عن حزبه “آل إينديا مجلس اتحاد المسلمين”، أن “المسلمين لم يعرفوا زعيمًا يقودهم منذ الاستقلال” عن الاستعمار البريطاني في عام 1947، متابعًا “الكتل السياسية الرئيسية في الهند لا تسمح للمسلمين بالارتقاء في صفوفها” مؤكدا أن هذه الظاهرة مقلقة لمستقبل الديموقراطية في الهند.
يتفق معه في الرأي المسؤول الديني المحلي في ولاية أعظم كره، سرفار أحمد، الذي يرى أن التهميش السياسي للمسلمين تمّ تدريجيًا وخلال ولايات الحكومات المتلاحقة، مؤكدًا “عاملونا كأننا قتلة أطفال وإرهابيون ودخلاء وغير وطنيين خلال الولايات المختلفة في الهند بعد الاستقلال”، مع العلم أن البرلمان المنتهية ولايته يضم 24 نائبًا مسلمًا فقط من أصل 545 نائبًا، وهو أدنى عدد نواب مسلمين منذ الاستقلال.
قلق بين المسلمين بعد فوز مودي
ضربة موجعة للمعارضة
تضمنت نتائج الانتخابات خسارة مذلة لكتلة المعارضة ممثلة في حزبها الرئيسي “المؤتمر” الذي يتزعمه راهول غاندي وريث عائلة نهرو غاندي وحفيد ونجل ثلاثة رؤساء وزراء، إذ لم يحصلوا سوى على 52 مقعدا فقط، في نتيجة جاءت صادمة لكثير من المراقبين رغم أنها أحسن نسبيا مما كانت عليه في 2014 حين حصل على 44 مقعدًا.
وبينما كانت الاحتفالات تهز أرجاء مكاتب بهاراتيا جاناتا في بومباي وغيرها من ولايات الهند، كانت الأجواء أشبه بالسكون والصمت التام الذي خيم على مكاتب حزب المؤتمر، إذ أكتفى بعض مناصريه بالجلوس في مجموعات تحت ظل الأشجار هناك بينما تخيم عليهم سحب الاكتئاب والحزن.
راجيش تيواري، العضو في الحزب المعارض علق على الخسارة قائلًا “نشعر بالحزن لكننا سننهض مرة أخرى. مودي فاز بأكاذيبه ووعوده الزائفة. البلاد الآن في خطر”، وفق ما نقلته وكالة الأنباء الفرنسية، فيما ساد التفاءل الجانب الأخر الذي يرى في سياسة مودي طريقا للاستقرار والتنمية.
تداعيات الفوز الساحق لحزب بهاراتيا انعكست بالطبع على المشهد الاقتصادي، إذ تخطى مؤشر البورصة الرئيسي عتبة الـ40 ألف نقطة للمرة الأولى ما إن أظهرت نتائج الفرز، بينما كتب أغنى المصرفيين في الهند أوداي كوتاك على تويتر مهنئا مودي “حان وقت التغيير للهند. حان الوقت لإصلاح عميق. أحلم بأن نصبح قوة عالمية خلال حياتي”.
حالة من الترقب تخيم على أجواء المسلمين في الهند عقب هذا الانتصار الكاسح لرئيس الوزراء ذوي الميول الهندوسية، فبين تصريحات وردية لرئيس الحكومة المنتصر بالعمل على تحقيق الرخاء للجميع وإرساء الديمقراطية وواقع مذري جسدته التجربة على مدار السنوات الأربع الماضية، يقبع ما يزيد عن 170 مليون هندي في انتظار مستقبل أقل ما يوصف بأنه “غامض”.